“أميركا أصبحت المركز الجديد للإضطراب في العالم” : “اضمحلال الإمبراطورية يتسارع”

“أميركا أصبحت المركز الجديد للإضطراب في العالم” : “اضمحلال الإمبراطورية يتسارع”

مدير موقع الحقول علي نصّار يتحدث إلى قناة “الإتجاه” حول زيارة الرئيس ترامب إلى السعودية
المسألة الطائفية في لبنان : “كارتيل” التعليم الخاص يعيد إنتاج نخب الطوائف بأموال الحكومة
وثيقة هامة عن “جمال عبد الناصر” في الذكرى الـ 66 لثورة 23 يوليو الخالدة

سواء اعتبرنا اقتحام مبنى الكونجرس الأميركي محاولة انقلاب، أو تمرد، أو هجوم على الديمقراطية، فهي مجرد مسألة دلالات لفظية. الجانب المهم في الأمر حقا هو أن العنف كان موجها لعرقلة انتقال السلطة الشرعي لصالح رجل مجنون بالغ الخطورة وبأمر مباشر منه. الواقع أن الرئيس دونالد ترمب، الذي لم يكلف نفسه قَـط عناء إخفاء تطلعاته الدكتاتورية، يجب أن يُـعـزَل الآن من السلطة، ويُـمـنَـع من تولي أي منصب عام، ويُـحَـاكَم لارتكابه جرائم خطيرة تتعلق بسوء الإدارة واستغلال السلطة.

 

كانت أحداث السادس من يناير/كانون الثاني صادمة، لكنها لم تكن مفاجئة. لقد واظبت أنا والعديد من المعلقين الآخرين لفترة طويلة على التحذير من أن انتخابات 2020 ستجلب اضطرابات مدنية، وأعمال عنف، ومحاولات من قِـبَـل ترمب للبقاء في السلطة بشكل غير قانوني. ولكن بالإضافة إلى جرائمه المرتبطة بالانتخابات، فإن ترمب مذنب أيضا بالتجاهل المستهتر للصحة العامة. الواقع أنه يتحمل هو وإدارته قدرا كبيرا من المسؤولية عن حصيلة الوفيات الهائلة بمرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد-19) في الولايات المتحدة، التي تمثل 4% فقط من سكان العالم ولكن 20% من كل الوفيات بمرض فيروس كورونا.

 

إن الولايات المتحدة، التي كانت ذات يوم منارة للديمقراطية وسيادة القانون والحكم الرشيد، تبدو الآن أشبه بإحدى جمهوريات الموز غير القادرة على السيطرة على مرض مُـعد ــ برغم أنها تنفق على الرعاية الصحية أكثر مما تنفقه أي دولة أخرى وفقا لنصيب الفرد ــ أو على رعاع حرضهم أحمق راغب في حمل لقب دكتاتور. الآن، يضحك الزعماء المستبدون في مختلف أنحاء العالم على الولايات المتحدة ويسخرون من الانتقادات الأميركية لسوء الحكم السياسي الذي يمارسه آخرون. وكأن الضرر الذي لحق بقوة الولايات المتحدة الناعمة على مدار السنوات الأربع الأخيرة لم يكن هائلا بالقدر الكافي، فإذا بتمرد ترمب الفاشل يقوض مكانة أميركا بدرجة أكبر.

 

الأسوأ من ذلك أنه على الرغم من أن موعد تنصيب الرئيس المنتخب جو بايدن يحين بعد نحو أسبوع، فإن هذا وقت كاف لتمكين ترمب من خلق المزيد من الفوضى. فالآن، تخطط المليشيات اليمينية والمؤمنون بتفوق الجنس الأبيض بالفعل لمزيد من أعمال الاحتجاج والعنف والحرب العنصرية في مدن عبر الولايات المتحدة. وسوف يراقب الخصوم الاستراتيجيون، مثل روسيا والصين وإيران وكوريا الشمالية، لاستغلال الفوضى عن طريق نشر معلومات مضللة أو شن هجمات سيبرانية، ربما حتى ضد البنية الأساسية الحيوية في الولايات المتحدة.

 

في ذات الوقت، ربما يحاول ترمب اليائس شن حرب بإصدار أوامره بتوجيه ضربة ــ ربما باستخدام رأس حربي نووي تكتيكي ــ ضد المنشأة النووية الإيرانية الرئيسية في نطنز، على أساس أنها تُـسـتَـخـدَم لتخصيب اليورانيوم. ليس هذا بالاحتمال غير الوارد على الإطلاق، فقد أجرت إدارة ترمب بالفعل تدريبات مع قاذفات قنابل شبحية ومقاتلات نفاثة ــ محملة لأول مرة بأسلحة نووية تكتيكية ــ لإبلاغ إيران بأن دفاعاتها الجوية ليست دفاعات على الإطلاق.

 

لا عجب أن تشعر رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي بالحاجة إلى التواصل مع رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة لمناقشة خطوات منع ضربة نووية يشنها ذلك الأحمق القابع في البيت الأبيض. في حين أن إصدار أمر غير مبرر بشن هجوم نووي على هدف به عدد كبير من السكان المدنيين سيقابل بالرفض من جانب المؤسسة العسكرية لكونه “غير قانوني” بوضوح، فإن الهجوم على هدف عسكري في منطقة غير مأهولة قد لا يُـرفَـض، حتى وإن كانت عواقبه الجيوسياسية وخيمة. فضلا عن ذلك، يعلم ترمب أن كلا من المملكة العربية السعودية وإسرائيل ستدعم ضمنا أي هجوم على إيران (الواقع أن الولايات المتحدة ربما تستفيد من الدعم اللوجستي والأرضي السعودي لتنفيذ مثل هذا الهجوم، نظرا للمدى الأقصر للمقاتلات النفاثة المسلحة نوويا.

 

إن احتمال شن هجوم على إيران ربما يعطي نائب الرئيس مايك بنس الذريعة التي يحتاج إليها لاستدعاء التعديل الخامس والعشرين وعزل ترمب من السلطة. ولكن حتى لو حدث هذا، فإنه لن يشكل بالضرورة انتصارا للديمقراطية وسيادة القانون. فمن الممكن ــ وهو ما قد يحدث في الأرجح ــ أن يحصل ترمب على عفو من بنس (كما نال ريتشارد نيكسون العفو من قِـبَـل جيرالد فورد)، مما يسمح له بالترشح للرئاسة مرة أخرى في عام 2024، أو ربما يختار صناعة مَـلِـك في الانتخابات التالية، خاصة وأنه يسيطر الآن على الحزب الجمهوري وقاعدته. إن إزالة ترمب على وعد بالعفو ربما تكون صفقة مع الشيطان يبرمها بنس مع ترمب.

 

لأن العفو الذاتي الذي كان ترمب يفكر في إصداره قد لا يمر عبر التدقيق الدستوري، فمن المعقول أن نفترض أنه سيتلمس طريقه بحثا عن مخارج مبتكرة أخرى. فهو من غير الممكن أن يستقيل ببساطة بما يسمح لبنس بإصدار قرار العفو عنه، لأن هذا من شأنه أن يجعله يبدو وكأنه “خاسر” قَـبِـلَ الهزيمة (وهي أسوأ إهانة في قاموس ترمب الأناني الواهم بأهميته الذاتية المفرطة). ولكن إذا أصدر الرئيس الأمر بشن هجوم على إيران ثم أصبح شهيدا (حاصلا على العفو) فقد يتمكن من الحفاظ على قاعدته وتجنب المساءلة. على ذات المنوال، لا يستطيع ترمب أن يجازف بتعريض نفسه لإجراءات العزل (مرة أخرى)، لأن هذا من شأنه أن يتيح إمكانية استبعاده من تولي المناصب العامة في المستقبل. وبهذا المنطق، يصبح لدى ترمب كل حافز للخروج بضجة عظيمة وبشروطه الخاصة.

 

إذا كان كل هذا يبدو أشبه بأيام نيرون الأخيرة، “التي شغلها باللهو بينما كانت روما تحترق”، فهذا لأنه كذلك حقا. الآن، يبدو اضمحلال الإمبراطورية الأميركية وكأنه يتسارع بشدة. ونظرا لمدى انقسام الولايات المتحدة سياسيا واجتماعيا واقتصاديا، فإن أربع سنوات من القيادة الرصينة في عهد بايدن لن تكون كافية لعكس اتجاه الضرر الذي حدث بالفعل. فسوف يبذل الجمهوريون، في الأرجح، قصارى جهدهم لتخريب الإدارة الجديدة، كما فعلوا مع الرئيس السابق باراك أوباما.

 

حتى قبل الانتخابات، كانت وكالات الأمن الوطني في الولايات المتحدة تحذر من أن الإرهاب والعنف المحلي اليميني سيظلان يشكلان التهديد المحلي الرئيسي للولايات المتحدة. ومع تولي بايدن منصب الرئاسة، ستكون المخاطر أعلى. على مدار السنوات الأربع الأخيرة، كان جماح ميليشيات أنصار التفوق الأبيض المدججة بالسلاح مكبوحا نسبيا بسبب حقيقة مفادها أنهم لديهم حليف في البيض الأبيض. ولكن بمجرد رحيل ترمب، فإن الجماعات التي أصدر إليها تعليماته “بالترقب والاستعداد” لن تتقبل ببساطة السيطرة الديمقراطية على الرئاسة والكونجرس. من الواضح أن ترمب، الذي يعمل من معتزله في مارالاجو، سيستمر في تحريض الغوغاء بالمزيد من الأكاذيب، ونظريات المؤامرة، والخزعبلات حول الانتخابات المسروقة.

 

على هذا فإن الولايات المتحدة ستكون في الأرجح بؤرة عالمية جديدة لانعدام الاستقرار السياسي والجيوسياسي في الأشهر والسنوات المقبلة. وسيكون لزاما على حلفاء أميركا أن يتحوطوا في رهاناتهم ضد عودة الترامبية في المستقبل، في حين سيستمر خصومها الاستراتيجيون في محاولة زعزعة استقرار الولايات المتحدة من خلال حرب غير متكافئة. يبدو أن العالَـم مقبل على رحلة وعرة طويلة وقبيحة.

نورييل Roubini/ روبيني ـ نيويورك
12 كانون الثاني، 2021

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نورييل روبيني، أستاذ الاقتصاد بكلية ستيرن للبيزنس في جامعة نيويورك، رئيس شركة روبيني ماكروأسوشيتس. كان خبيرًا اقتصادياً أولَ للشؤون الدولية في مجلس المستشارين الاقتصاديين بالبيت الأبيض أثناء إدارة الرئيس السابق بيل كلينتون. عمل لدى صندوق النقد الدولي، والاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، والبنك الدولي. موقعه على الإنترنت هو NourielRoubini.com.

ترجمة إبراهيم محمد علي

المقال نشر في “موقع بروجكت سانديكيت”، يوم 12 كانون الثاني، 2021