افتتاحيات الصحف اللبنانية، يوم الخميس 27 تشرين الأول، 2022

عطلة الصحف اللبنانية، يوم الإثنين 2 كانون الثاني، 2017، بمناسبة رأس السنة الميلادية
إفتتاحيات الصحف اللبنانية، يوم الخميس 10 آب، 2017
افتتاحيات الصحف اللبنانية، يوم الأربعاء 26 شباط، 2020

“على فكرة” :

هذا يوم تاريخي. “النقاش اللبناني” حول هذه الحقيقة السياسية والإستراتيجية هو خارج النقاش. فلا جدوى من تضييع الوقت مع “قوى محلية” فنت عمرها في “إدارة الدكان” الطائفية. النظام السياسي عندنا “دكان” أعطي لهذه القوى لكي تتربح منه. ولكي تبقى على ولائها للنظام الإمبريالي. فهي جزء منه ورافعة له على طول تاريخنا الحديث والمعاصر. القوى الوطنية، كافحت لاستعادة الدولة اللبنانية من هذه القوى. حاربت على المستوى الوطني وعلى المستوى الإجتماعي لكي تصير الدولة عندنا دولة وطنية لا دولة طائفية/ مذهبية. كان صراعاً مريراً. هل نسينا الحرب الأهلية التي انتهت بنصف إصلاح. بعض خبراء الطوبوغرافيا وقوانين البحار وتاريخ الجيوبوليتيك الذين يطعنون بالإنجاز التاريخي الذي سيكتمل اليوم، كانوا هم أو آباؤهم قيادات الحرب الأهلية. مجرمون. قتلة. لصوص. قوضوا السيادة وخربوها غير مرة، لكي تسلم “الدكان” لهم. أما الشعب.. أما السيادة فداسوا عليها لقداسة مصالحهم. بازار “النقاش اللبناني” الذي افتتحوه عن التفاوض غير المباشر مع العدو الصهيوني، لترسيم خطوط الحدود البحرية الجنوبية والمكامن النفطية والغازية فيها، هو لحجر الشعب اللبناني في “القوقعة المحلية” التي ينغلون فيها. هو للتشكيك بقدرة المقاومة على حماية مصالح الشعب بالإنتقام للسيادة من أعدائها. وهذه خدمة يقدمونها للعدو الصهيوني. نحن، وفاءاً للمقاومة والتزاماً بها، يجب أن نُعْرِضْ عن “نقاش” الفاشيين القدامى والجدد، ولنحتفل في هذا اليوم المؤلم لـ”إسرائيل”.

هيئة تحرير موقع الحقول
‏الخميس‏، 02‏ ربيع الثاني‏، 1444، الموافق ‏27‏ تشرين الأول‏، 2022

 

 

اللواء
27 ت1: لبنان دولة نفطية بعد التوقيع في الناقورة
100 ساعة تنقل الخلاف حول عهد عون إلى الشارع.. و«رهان مهزوز» على حكومة ولو من الرابية
انتعشت الآمال مع ساعات المساء الأولى بإمكانية التوصل إلى صيغة حكومة جديدة، تصدر مراسيمها، بدءاً من يوم الجمعة، وعلى ابعد تقدير قبل مساء الاثنين 31 (ت1)، أي قبل ساعات من انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون الذي يكون قد استقر في الرابية، في قصره الجديد… بعد جمع شعبي دعا اليه التيار الوطني الحر عند الساعة 11 من قبل ظهر الاحد في 30 الجاري، وعزوف مجموعات (ثورة 17 ت1) عن التحرك في الشارع.
وقالت مصادر حكومية معنية لـ«اللواء» ان تشكيل الحكومة يكون عملية سهلة اذا تم التفاهم مع اقتراحات الرئيس المكلف من دون وضع عراقيل وشروط تؤخر عملية التشكيل وليكون العمل الحكومة منتجاً.
وأكد الخبير الدستوري عادل يمين في رد على سؤال لموقع «اللواء» انه اذا صدرت مراسيم تأليف الحكومة الجديدة ووضعت بيانها الوزاري قبل انتهاء ولاية رئيس الجمهورية فلا مانع من ان تأخذ ثقة البرلمان بعد انتهاء الولاية الرئاسية.
لكن، نفت مصادر متابعة لعملية تشكيل الحكومة الجديدة، ما يروجه التيار الوطني الحر عن استمرار الاتصالات والمساعي، لتحقيق اختراق بملف تشكيل الحكومة في الايام القليلة المتبقية من الولاية المنتهية، وقالت: ان الوساطات توقفت بشكل كامل منذ أكثر من اسبوع، عند مطالب وشروط رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، الذي يصر على المشاركة بالحكومة، والامتناع عن اعطائها الثقة مسبقا، ويروج لمناكفات واشكالات بداخلها من خلال ضم وزراء محسوبين عليه، ليكونوا رأس حربة في المواجهة مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، تحت شعارات سخيفة، كالحفاظ على صلاحيات رئيس الجمهورية وما شابه، ما يعني ان تكون الحكومة الجديدة، حكومة متاريس، ومواجهات متواصلة بين رئيسها و بعض وزرائها، وتدخل في حالة من الشلل والعجز عن القيام بمسؤولياتها بإدارة السلطة وتسيير الدولة وشؤون الناس، بما ينعكس سلبا على رئيسها الذي سيتحمل نتائج وتداعيات هذا الاخفاق والفشل دون سواه بالنتيجة ،وهو امر بات مكشوفا، ولذلك لا يمكن الموافقة على تاليف حكومة بمواصفات باسيل ونواياه السيئة والخبيثة مسبقا، وكل ما يحكى عن امكانية تحقيق تقدم اواختراق،بملف التشكيل، لايمت للحقيقة ومناف للواقع.
واعتبرت المصادر ان ملف التشكيل سيطوى نهائيا مع مرور الوقت، واستمرار وضع الشروط والمطالب غير المنطقية من قبل باسيل وقد سقطت جراء ذلك، كل سيناريوهات التهديد بالفوضى، على انواعها، واصبحت مغادرة رئيس الجمهورية ميشال عون للقصر الرئاسي ببعبدا، الى منزله بالرابية، امرا محسوما، مع إتخاذ كل الإجراءات والتدابير اللازمة، لمنع اي مظاهر مخلة بالامن،من اي جهة كانت
ومن وجهة نظر المصادر السياسية، فإن تشكيل الحكومة الجديدة، عن طريق تعويمها باكثريتها مع تبديل عدد ضئيل من وزرائها، وابقاء الوزراء الفاشلين فيها، كوزير الطاقة وليد فياض، باصرار من التيار، لن يؤدي إلى تغيير جذري في ادائها، بل يزيد من ترهلها وعدم انتاجيتها وقيامها بالمهمات المنوطة بها، والاجدى من كل ذلك توجيه الاهتمام المطلوب لانتخاب رئيس جديد للجمهورية باسرع وقت ممكن، تفاديا للفراغ الذي يسعى لتكريسه دعاة تشكيل الحكومةالجديدة وفي مقدمتهم رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، لغاية ما في نفس يعقوب.
وبعد التطورات المتعلقة بالاستحقاقين الرئاسي والحكومي، تتجه الانظار اليوم الخميس، الى مركز قيادة القوات الدولية في الناقورة، حيث يُفترض ان يتم توقيع تفاهم ترسيم الحدود البحرية بين لبنان والكيان الاسرائيلي في تحول لبنان إلى دولة نفطية، فيما وصل الى بيروت مساء امس، المنسق الرئاسي الخاص آموس هوكشتاين «قبل أن يتوجه إلى إسرائيل لوضع اللمسات الأخيرة على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين البلدين»،حسب بيان لوزارة الخارجية الأميركية.
ووفق بيان الخارجية، «يجتمع هوكشتاين في بيروت برئيس الجمهورية ميشال عون، ورئيس مجلس النواب نبيه بري، ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي (الساعة 10 ونصف)، للتعبير عن امتنانه لكل منهم على روح التشاور والانفتاح التي ظهرت خلال المفاوضات، والتي تم وضع أسسها في اتفاق الاطار سنة 2020 بقيادة رئيس مجلس النواب نبيه بري».
وتابعت الخارجية الأميركية: كما يزور هوكشتاين الناقورة لاتخاذ الخطوات النهائية لدخول اتفاق إسرائيل ولبنان حيز التنفيذ، بعد ذلك سيقدم الطرفان إحداثيات بحرية إلى الأمم المتحدة بحضور الولايات المتحدة.
كما اشارت الى أنّ «هوكشتاين سيتوجه بعد ذلك إلى إسرائيل حيث سيلتقي برئيس الوزراء يائير لبيد، ويشكره وفريقه على دبلوماسيتهم المثابرة والمبنية على المبادئ من أجل التوصل إلى حل بشأن هذا الملف الحساس».
وحسب معلومات «اللواء» يصل هوكشتاين الى القصر الجمهوري قرابة التاسعة والنصف مع وفد مرافق، ويسلم الرئيس عون النسخة الرسمية النهائية من نص التفاهم الذي تم التوصل اليه بين كل الاطراف، بحضور الوفد اللبناني الذي تولى المفاوضات برئاسة نائب رئيس المجلس النيابي الياس بوصعب. وتوقع شخصية لبنانية رسمية يتم تحديدها اليوم على رسالة موجهة الى الولايات المتحدة الاميركية ومنظمة الامم المتحدة، تتضمن موافقة لبنان على التفاهم الذي تم، ويرفق بالرسالة نص التفاهم.
وبعد ذلك يلقي هوكشتاين كلمة مكتوبة كما يلقي بو صعب كلمة مكتوبة وينتهي اللقاء.
ويرأس عون بعد مغادرة هوكشتاين، اجتماعاً للوفد اللبناني الذي سيتوجه الى الناقورة لتسليم قيادة القوات الدولية الرسالة اللبنانية، بحضورهوكشتاين ووفد من الامم المتحدة ويعود الوفد من دون عقد اي اجتماع او لقاء اي طرف آخر. ولكن حتى مساء امس لم يكن قد عرف من الذي سينقل الرسالة الى الناقورة وسيتم تحديده صباح اليوم في ضؤ اللقاء مع الموفد الاميركي.
ويفترض ان يتم الامر ذاته بالنسبة للكيان الاسرائيلي.
الى ذلك، أعلن وزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الأعمال عبدالله بو حبيب أنّ شركة «توتال» ستبدأ العمل في حقل قانا للتنقيب عن الغاز بعد توقيع الإتّفاق.
وقال بو حبيب لـ»الجزيرة»: سننشر نصّ إتّفاق ترسيم الحدود البحرية رسميا بعد التوقيع عليه.
واضاف: هناك أمل كبير لدى اللبنانيين بأن يصبح لبنان بلداً نفطياً.
وأكّد بوحبيب، أنّ «لا تعقيدات بشأن محادثات ترسيم الحدود البحرية مع سوريا»، وأضاف: سنتفق على موعد آخر مع السوريين لبدء محادثات ترسيم الحدود». وقال إنّ «حكومة تصريف الأعمال ستواصل محادثات ترسيم الحدود البحرية مع سوريا» .
وفي السياق، أفادت وكالة «رويترز» امس، ان «حكومة تصريف الأعمال وافقت على التنازل عن 40% من حصة «توتال إنرجيز» في كونسورتيوم لاستشكاف الرقعة 9 في المياه البحرية اللبنانية إلى شركة «داجا 215». إلّا ان المعلومات افادت لاحقا ان شركة توتال الفرنسية لم تتنازل عن حصة الـ 40% التي تملكها في الكونسورتيوم الذي يفترض أن يعمل في البلوك رقم 9، بل قامت بنقلها إلى شركة تابعة لها تدعى «داجا 215».
ومن المفترض ان تتمثل قيادة الجيش في مفاوضات الناقورة على ان يوقع وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال عبد الله بو حبيب الرسالة التي سيوجهها لبنان إلى الأمم المتحدة بعد ان يكون الوسيط الأميركي سلم الرئيس عون النص النهائي للاتفاقية.
لا جلسة اليوم
وعليه، تكون جلسة مجلس النواب الخامسة قد رفعت إلى الاسبوع الاول الذي يلي نهاية عهد الرئيس عون، مع استمرار مناخات التشاور حول طاولة حوار، اعلن رئيس المجلس بري انه يسعى لعقدها إذا ما استجابت غالبية الكتل، لا سيما المسيحية منها.
وأكد المكتب الإعلامي لرئيس المجلس «أن لا جلسة لانتخاب رئيس للجمهورية اليوم الخميس، على أن يحدد موعد الجلسة المقبلة لاحقاً».
وعلمت «اللواء» من مصادر مطلعة على حركة رئيس المجلس النيابي، انه سيبدأ بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون الاثنين المقبل، مشاورات مع الكتل النيابية لإستمزاج رأيها في شكل الحوار الذي سيدعو اليه للتعجيل في انتخاب رئيس للجمهورية منعاً لإطالة امد الفراغ الرئاسي، وفي ضوء المشاورات وموقف الكتل يقرر بري هل يدعو رؤساءها مجتمعين الى طاولة حوار جامعة، او يكون موقف الكتل برفض الطاولة والاكتفاء بحوارات ثنائية بينه وبينها؟
واكد الرئيس ميقاتي «أنه يُعوّل على جهود الفاتيكان، بما له من سلطة معنوية وعلاقات مع الاطراف كافة، للدفع باتجاه التوافق بين اللبنانيين واجراء الانتخابات الرئاسية». وذلك خلال لقائه في السراي السفير البابوي لدى لبنان المونسنيور باولو بورجيا، في زيارة تعارف لمناسبة تسلمه مهامه حديثاً. وتمت مراجعة العلاقات ببن لبنان والفاتيكان وتجديد تأكيد اهتمام الكرسي الرسولي بلبنان وأبنائه.
الوفد الاميركي يستعجل
وفي الحركة السياسية ايضاً، بحث وزير الخارجية عبدالله بوحبيب مع وفد من الكونغرس الاميركي ومنظمة «تاسك فورس فور ليبانون» في المواضيع السياسية والاقتصادية اللبنانية العامة.
وتمنى الوفد الاسراع في انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة للعمل على تحسين الاوضاع .كما طالب الوفد بتسريع التحقيقات في انفجار المرفأ وتأمين التيار الكهربائي وأمور حياتية اخرى.
عودة النازحين
من جهة ثانية، انطلقت اليوم قافلتان في عودة طوعية للنازحين السوريين في لبنان، من بلدة عرسال والنبطية، باتجاه الحدود السورية. وضمت القافلة حوالي 100 عائلة سورية سارت باتجاه الأراضي السورية، بإشراف وزير الشؤون الاجتماعية هكتور حجار وضباط الأمن العام اللبناني والجيش اللبناني ومديرية المخابرات.
وفي كلمة له، أكد حجار أن «العملية تسير من دون أي عوائق»، داعيا النازحين إلى «التسجيل لدى الأمن العام للعودة الطوعية إلى قراهم ومنازلهم». وأضاف: «الأسبوع القادم توجد قافلة أخرى، ومستمرون بعملية عودة كل النازحين».
من جانبه، أعلن وزير المهجرين بحكومة تصريف الأعمال عصام شرف الدين، أن ثلاث قوافل للاجئين ستتوجه إلى سوريا اليوم الأربعاء (أمس). واعلن ان عدد النازحين العائدين إلى سوريا سيبلغ ستة آلاف شخص، مشيرا إلى أنهم سيتوزعون على دفعتين.
وأشار الوزير بو حبيب إلى أنّ «لبنان يعاني من وجود أكثر من مليوني سوري على أراضيه، وقد تلقينا ضمانات بعدم التعرض للاجئين السوريين العائدين إلى بلادهم».
مالياً، وافقت وزارة المال على اقتراح مؤسسة كهرباء لبنان على رفع تعرفة مبيع الطاقة بدءا من 1/11/2022، واتخاذ الاجراءات اللازمة لذلك، على ان تترافق مع زيادة التغذية بالتيار الكهربائي بين 8 و10 ساعات يومياً، في فترة زمنية لا تتجاوز نهاية الشهر المقبل.
كهربائياً، عادت التغذية بالتيار إلى مطار رفيق الحريري الدولي، ولكنها بحاجة إلى بعض الوقت من اجل عودة آلات التكييف إلى العمل.
على ان الخلاف على تقييم عهد الرئيس عون انتقل من السياسة إلى الشارع، في الـ100 ساعة الأخيرة، بين يافطات تشيد بعهد الرئيس المنتهية ولايته يرفعها مناصرة التيار الوطني الحر في مختلف المناطق اللبنانية، وآخرون يرفضون.
فقد اقدم معارضون للتيار ولفترة حكم عون على انزال يافطات في منطقة ضبية، على الطريق العام.
وفي طرابلس، رفع مناصرو التيار الوطني الحر صوراً للرئيس عون على جدران مدينة طرابلس، وارفقوها بشعار «معك مكملين»، في مواكبة منهم لانتهائ ولايته الاثنين المقبل، وأثارت هذه الظاهرة استفزازا شديداً في اوساط سكان المنطقة، الذين اقدموا على تمزيق الصور وإزالتها من شوارع المدينة.

 

 

البناء
اليوم يدخل لبنان بقوة مقاومته نادي النفط والغاز دون اعتراف وتطبيع… ودون توقيع
هوكشتاين في بيروت… والناقورة تشهد صباحاً تسليماً منفصلاً وفاتراً لأوراق الاعتماد والقبول
فرضية ولادة الحكومة لا تزال على الطاولة… ودعوة بري للحوار تخترق جدران المقاطعة
يسجل لبنان اليوم، رغم كل محاولات التشكيك النابعة من الكيد السياسي والمزايدات الفارغة، طالما أن أصحابها الذين يلبسون ثوب الدفاع عن السيادة كانوا من أشدّ المدافعين عن اتفاق 17 أيار عام 1983، وأكثرهم وطنية متمسك باتفاق الهدنة، ويرفضون رؤية حقيقة أن لبنان انتزع صيغة مبتكرة تجاوزت كل احتمالات توقيع اتفاق او تفاهم مع كيان الاحتلال، او التسليم بأي نوع من أنواع الاعتراف بوجود الكيان ولو من حيث الشكل، فكان الاطار الاميركي الناظم لثروات النفط والغاز، بمثابة وثيقة طرف ثالث، يتبلغ من الطرفين الموافقة على الإطار، الذي ضمن للبنان عدم ربط حصوله على حصته من النفط والغاز بأي شكل من التطبيع او التسليم بقبول الأمر الواقع لترسيم الحدود في خط الطفافات، ما يعني بقاء الترسيم معلقاً، ودون أي اشارة الى اي ترتيبات أمنية أو لجان تنسيق، بصورة تفوّقت على ما ضمنه اتفاق الهدنة من ثوابت السيادة اللبنانية، وما ضمنه تفاهم نيسان أيضاً.
يذهب الوفد اللبناني اليوم الى الناقورة ليوقع بحضور الوسيط الأميركي رسالة القبول بالإطار الناظم، وبحضور ممثلي الأمم المتحدة لتوقيع رسالة اعتماد الاحداثيات الجغرافية لحقول النفط والغاز التي تضمنها الاطار الناظم، ويسلم كل طرف ما يتصل بدوره في تطبيق الإطار الناظم، ويعود دون أن يلتقي بالوفد الإسرائيلي، أو يوقع معه اتفاقاً، ودون أن ينتهي التوقيع باحتفال مشترك وصور تذكارية، كما كانت الرغبة الأميركية والطلب الإسرائيلي، اللذان رفضهما لبنان.
الوسيط الأميركي عاموس هوكشتاين أمضى ليلته في بيروت وهو يضع اللمسات اللوجستية الأخيرة على تفاصيل ترتيبات اليوم، الذي استهلك مئات ساعات التفاوض وسنوات الانتظار، صمد خلالها لبنان، ونجح أخيراً عندما دخلت مقاومته على الخط بوضع الأمور في نصاب المعادلة التي رسمتها المقاومة في لحظة دولية واقليمية دقيقة، مفادها لا غاز لأحد من المتوسط دون ان ينال لبنان مطالبه، بينما الأميركي والأوروبي والإسرائيلي بأشدّ الحاجة لبدء استخراج الغاز، والخيار بين التزام هذه المعادلة او قبول الذهاب الى الحرب في توقيت لا تملك «إسرائيل» قدرة تحمل تبعات الحرب وخوضها، ولا تتحمل اميركا رؤية حرب جديدة في العالم تعطل تدفق الطاقة وهي تعجز عن التأقلم مع النتائج الكارثية لحرب أوكرانيا.
النجاح اللبناني الاستراتيجي يقابله العجز في المسائل الأقل أهمية وحيوية على أهميتها، فالفشل لا يزال سيد الموقف في مقاربة الملف الحكومي المتعثر مع اقتراب ساعة مغادرة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لقصر بعبدا وإعلان انتهاء ولايته الرئاسية، بينما المجلس النيابي يفشل في انتخاب رئيس جديد للجمهورية.
مساعي تشكيل الحكومة الجديدة لم تتوقف واحتمال النجاح، وفقاً لمصادر متابعة، لا يزال قائماً، وكلما ضاقت المسافة الفاصلة عن نهاية الولاية الرئاسية، تزداد الجهود زخماً رغم تراجع نسبة التفاؤل، وتقول المصادر إن هذه الجهود لا تراوح مكانها بل تُحرز تقدماً، ما يفتح الباب لجعل بقاء فرضية ولادة الحكومة على الطاولة طرحاً واقعياً، كذلك في الملف الرئاسي حيث لم يعد على الطاولة سوى دعوة رئيس مجلس النواب نبيه بري للحوار من أجل التوافق على اسم رئيس يستطيع تأمين نصاب الحضور بـ 86 نائباً، وتجميع 65 نائباً على الأقل لانتخابه، وهو ما بدا انه غير متوفر لكل الأسماء التي تم تداولها في جلسات الانتخاب، ما يعني استبعادها عن التداول عملياً ولو بقيت منعاً للإحراج ضمن التداول، وبعد موقف متحفظ للقوات اللبنانية عبر عنه رئيس حزب القوات سمير جعجع، قالت مصادر قواتية إن التجاوب مع الدعوة سيغلب على الأرجح فرضية مقاطعتها، وربما تقترح القوات تشاوراً ثنائياً يديره رئيس المجلس بين الكتل بدلاً من جمع الكتل على طاولة واحدة، بينما أعلن رئيس حزب الكتائب سامي الجميل، التجاوب مع دعوة بري، رغم وضعه إطاراً سياسياً معاكساً لتبرير مواقف حزبه في قلب إعلانه للاستجابة لدعوة الحوار.
وعلى مسافة خمسة أيام من نهاية ولاية رئيس الجمهورية ميشال عون والدخول في الفراغ المزدوج الرئاسي والحكومي إن لم تؤلف حكومة جديدة في ربع الساعة الأخير، تتجه الأنظار اليوم الى الجنوب حيث تشهد منطقة الناقورة توقيع تفاهم ترسيم الحدود الاقتصادية بين لبنان والعدو الإسرائيلي كل على حدة، برعاية الأمم المتحدة والوسيط الأميركي عاموس هوكشتاين الذي وصل مساء امس الى بيروت، وبدأ جولته بلقاء مع نائب رئيس مجلس النواب الياس بوصعب.
وأعلنت السفارة الأميركية في لبنان في بيان أمس عن وصول الوسيط الأميركي إلى بيروت، لوضع اللمسات الأخيرة على «الاتفاقية التاريخية لوضع حدود بحرية دائمة بين لبنان و»إسرائيل»». ولفتت الى أن «هوكشتاين سيجتمع بالرئيس ميشال عون، ورئيس مجلس النواب نبيه بري، ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، «للتعبير عن امتنانه لكل منهم على روح التشاور والانفتاح التي ظهرت خلال المفاوضات».
ووفقاً للبيان سيتوجه هوكشتاين إلى الناقورة، لاتخاذ الخطوات النهائية لدخول اتفاق الترسيم حيز التنفيذ، إذ سيقدم الطرفان إحداثيات بحرية إلى الأمم المتحدة بحضور الولايات المتحدة. كما سيتوجه هوكشتاين إلى «إسرائيل»، حيث سيلتقي رئيس الوزراء يائير لبيد، و»يشكره وفريقه على دبلوماسيتهم من أجل التوصل لحل بشأن هذا الملف الحساس».
ووفق معلومات «البناء» فإن الوسيط الاميركي سيتوجه الى بعبدا صباح اليوم مع وفد مرافق ويسلم عون النسخة الرسمية النهائية من نص التفاهم الذي تم التوصل اليه بين كل الأطراف، بحضور الوفد اللبناني الذي تولى المفاوضات برئاسة بوصعب.
وتوقع شخصية لبنانية رسمية يتم تحديدها قبل توجه الوفد الى الناقورة على رسالة موجهة الى الولايات المتحدة والامم المتحدة، تتضمن موافقة لبنان على التفاهم الذي تم، ويرفق بالرسالة نص التفاهم. وبعد ذلك يلقي هوكشتاين كلمة مكتوبة كما يلقي بوصعب كلمة مكتوبة وينتهي اللقاء.
ويرأس عون بعد مغادرة هوكشتاين، اجتماعاً للوفد اللبناني الذي سيتوجه الى الناقورة لتسليم قيادة القوات الدولية الرسالة اللبنانية، بحضور هوكشتاين ووفد من الأمم المتحدة، ويعود الوفد من دون عقد اي اجتماع او لقاء مع اي طرف آخر. ولكن حتى مساء أمس لم يعرف من الذي سينقل الرسالة الى الناقورة وسيتم تحديده صباح اليوم في ضوء اللقاء مع الموفد الأميركي، ويفترض أن يتم الأمر ذاته بالنسبة للكيان الاسرائيلي.
وأفادت وكالة «رويترز» أن «حكومة تصريف الأعمال وافقت على التنازل عن 40% من حصة «توتال إنرجيز» في كونسورتيوم لاستكشاف الرقعة 9 في المياه البحرية اللبنانية إلى شركة «داجا 215». إلا أن المعلومات أفادت لاحقاً أن شركة توتال الفرنسية لم تتنازل عن حصة الـ40% التي تملكها في الكونسورتيوم الذي يفترض أن يعمل في البلوك رقم 9، بل قامت بنقلها إلى شركة تابعة لها تدعى داجا 215».
وإذ يسبق توجه وفد الاحتلال الإسرائيلي الى الناقورة اجتماع موسع لحكومة العدو، أفادت هيئة البث الإسرائيلية (كان)، بأنّ «وزارة الطاقة الإسرائيلية تسمح لشركة «إنرجين» بالبدء في استخراج الغاز الطبيعي من حقل كاريش».
وأكّد الرئيس الأميركي جو بايدن، بعد لقائه رئيس الكيان الصهيوني إسحاق هرتسوغ في البيت الأبيض، أنّ «اتفاق ترسيم حدود بحرية دائمة بين لبنان و»إسرائيل» تاريخي وتطلب شجاعة من الجانبين». ولفت إلى أنّ «اتفاق الحدود البحرية سيسمح بتطوير حقوق الطاقة للبلدين ويخلق فرصاً اقتصادية للبنان ويوفر الأمن لـ»إسرائيل»».
ووفق تقييم مصادر سياسية لإنجاز التفاهم، فتشير لـ»البناء» الى أن «لم يكن الملف لينجز لولا توافر ظروف دولية تمثلت بالحاجة الأوروبية والأميركية للغاز في ظل الحرب الروسية الأوكرانية، ولا منح لبنان حقوقه الكاملة لولا الموقف اللبناني الموحد الذي عبر عنه الرؤساء الثلاثة مدعوماً بموقف المقاومة الذي فرض معادلة قاسية على العدو الإسرائيلي تقضي بمنعه من استخراج الغاز من كاريش وما بعد بعد كاريش قبل إنجاز التفاهم ومنح لبنان حقوقه ورفع الفيتو الأميركي عن الشركات للعودة الى التنقيب والاستخراج في الحقول اللبنانية». وشددت المصادر على أن «تفاهم الترسيم لا ينطوي على أي اتفاقية ولا معاهدة ولا أي شكل من اشكال التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي ولا أي تعاون اقتصادي في حقل قانا كما ادعى البعض، ولا علاقة للبنان بأي تعويض مالي للعدو من شركة توتال الفرنسية التي تعمل في حقل قانا».
وأوضحت المصادر أن لبنان كان يمكن أن يحصل أكثر من الخط 23+ لولا الأخطاء الفادحة المتعمدة التي ارتكبتها بعض الحكومات الماضية، لا سيما حكومة الرئيس فؤاد السنيورة في 2007 حيث فرطت بالحقوق والثروة اللبنانية من خلال ترسيم الحدود بين لبنان وقبرص والتلاعب بالنقاط وبالحدود البحرية وعدم العودة عن الخطأ وتصحيح الأمر رغم مرور سنوات وتحذيرات أطراف لبنانية من مخاطر وتداعيات ذلك، كما رفض الحكومتين وقتذاك إرسال الاتفاقية الى مجلس النواب للاطلاع عليها وإقرارها ما أدى الى ذهاب قبرص الى ترسيم حدودها مع «إسرائيل» وفق الترسيم مع لبنان واستغلت لاحقاً الأمر لرسم الخط 1، فضلاً عن تأخير إقرار مراسيم النفط والفساد والإهمال».
وتلاقى الحصار النفطي والمالي والاقتصادي الخارجي على لبنان مع مماطلة البنك الدولي في الإفراج عن تمويل تفعيل خط الطاقة العربي الذي وعد به الأميركيون العام الماضي أي الغاز من مصر والكهرباء من الأردن ما يزيد ساعات التغذية الكهربائية، ويتحجج البنك الدولي بتأخره هذا بالإصلاحات لكنه يخفي شروطاً سياسية وبهدف الضغط على لبنان للتنازل بموضوع ترسيم الحدود ولقطع الطريق على النفط والغاز والفيول من إيران.
ووفق معلومات «البناء» فإن الأميركيين سيفرجون جزئياً عن الحصار الكهربائي للبنان في الأيام القليلة المقبلة بعد نهاية العهد للإيحاء بأن عهد الرئيس عون سبب الأزمات وعقبة أمام الانفراج الاقتصادي، وأمس أعلن وزير الطاقة والمياه في حكومة تصريف الأعمال وليد فياض، وصول باخرة فيول محملة بـ30 ألف طن من الفيول. وأشار، في حديث لقناة تلفزيوني إلى أنّ «حمولة الباخرة قد ترفع التغذية بالكهرباء إلى 3 ساعات يوميًا»، لافتًا إلى أنّ «الأولوية في التغذية بالكهرباء ستعطى للمرافق العامة ومحطات المياه للمساعدة بمواجهة الكوليرا«.
في غضون ذلك، يطل الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله عصر اليوم، ويتناول التطورات الأخيرة على الساحتين المحلية والإقليمية، وسيجري تقييماً لملف الترسيم من المنظار الوطني وأهميته في فرض معادلات المقاومة على العدو بالسلاح وتحصين الموقف الوطني واستفادة الدولة بالمفاوضات مع الأميركيين وغير المباشرة مع العدو في تحصيل الحقوق، فضلا عن أبعاد الترسيم الاقتصادية في إنقاذ لبنان من أزماته مقابل تضعضع جبهة العدو وانقسامها على نفسها واعتراف الكثير من قادة الكيان وإعلامه بأن «إسرائيل» خضعت وتنازلت خوفاً من حزب الله.
كما يتحدث السيد نصرالله عن آخر التطورات في فلسطين في ظل ارتفاع وتيرة العمليات الفدائية الشعبية في فلسطين ضد العدو.
ويتطرق السيد نصرالله وفق معلومات «البناء» الى ملف تأليف الحكومة وسيدعو كافة الأطراف الى تسريع وتيرة المشاورات لتأليف حكومة فيما تبقى من وقت لتحصين البلد من الفراغ الرئاسي والفوضى المتوقعة، كما يعرج على الملف الرئاسي في ضوء نتيجة الجلسات الأربع للمجلس النيابي وسيؤيد دعوة الرئيس نبيه بري للحوار للتوفيق بين الكتل لإنتاج رئيس توافقي.
وتواصلت المساعي الحكومية في آخر محاولة لاستنقاذ الحكومة من الموت السريري خلال 4 أيام، وإذ كشفت مصادر «البناء» عن عودة حزب الله واللواء عباس ابراهيم الى تكثيف الجهود بالتوازي مع دخول السفيرة الفرنسية في بيروت على خط الاتصالات للتوفيق بين بعبدا والسراي الحكومي لتأليف حكومة جديدة لاستشعار الجميع بخطر وتداعيات الفراغ الحكومي الذي سيتزامن مع شغور رئاسي، متوقعة أن تظهر النتائج لآخر محاولة يوم الجمعة المقبل لكون اليوم سينشغل الرؤساء بملف الترسيم. لكن حتى مساء أمس لم تكن العقد قد ذللت كلياً رغم الحديث عن تقدم، لكن العقدة الأساسية وفق معلومات «البناء» تبقى برفض النائب جبران باسيل منح الثقة لحكومة ميقاتي وإن شارك فيها، الأمر الذي يلقى اعتراضاً كبيراً من الرئيس المكلف لكون الحكومة لن تحظى بميثاقية مسيحية برفض كتل التيار الوطني الحر والقوات والكتائب منحها الثقة.
وبقيت جلسات مجلس النواب لانتخاب رئيس للجمهورية معلقة على تمسك كتل القوات والكتائب اللبنانية واللقاء الديموقراطي بمرشح التحدي ميشال معوض بإيحاءات خارجية تراهن على أن يدفع ضغط الفراغ وتداعياته على البلد بحزب الله وحركة أمل وحلفائهما والتيار الوطني الحر الى السير بمرشحين محسوبين على الحلف الأميركي السعودي.
وانطلاقاً من هذا الواقع أعلن الرئيس بري أن لا جلسة لانتخاب رئيس للجمهورية اليوم، على أن يحدد موعد الجلسة المقبلة لاحقاً.
على صعيد آخر، انطلقت أمس، قافلتان في عودة طوعية للنازحين السوريين في لبنان، من بلدة عرسال والنبطية، باتجاه الحدود السورية. وضمت القافلة حوالي 100 عائلة سورية سارت باتجاه الأراضي السورية، بإشراف وزير الشؤون الاجتماعية هكتور حجار وضباط الأمن العام اللبناني والجيش اللبناني ومديرية المخابرات.
وفي كلمة له، أكد حجار أن «العملية تسير من دون أي عوائق»، داعياً النازحين إلى «التسجيل لدى الأمن العام للعودة الطوعية إلى قراهم ومنازلهم». وأضاف «الأسبوع القادم يوجد قافلة أخرى، ومستمرون بعملية عودة كل النازحين». من جانبه، أعلن وزير المهجرين بحكومة تصريف الأعمال عصام شرف الدين، ان عدد النازحين العائدين إلى سورية سيبلغ ستة آلاف شخص، وسيتوزعون على دفعتين.

 

الأخبار
تفاوض سري واتصال من القيادة الأميركية الوسطى سحب الخط 29 من التداول:
رحلة الخطوط من «الخطيئة الأصـلية» إلى التفاهم على الـ 23
رحلة 16 عاماً من العبث تنتهي اليوم بتوقيع تفاهم ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وفلسطين المحتلة. ما كان ينبغي للمفاوضات مع العدو أن تستغرق كل هذه المدة لولا سوء الأداء والإدارة لهذا الملف، بدءاً من خطيئة الترسيم مع قبرص، والنكد السياسي الذي أخّر الاستكشاف والتنقيب في البحر اللبناني ما أعطى أسبقية لإسرائيل، مروراً بطموحات رئاسية واستعداد للتنازل عن الحقوق والقبول بـ«خط هوف» مع بالغ «التفهّم» للأميركيين، وليس انتهاء باستمرار الحملة على ميشال عون الذي وفّر، مدعوماً بمعادلة قوة المقاومة، اتفاقاً وصفه قائد المقاومة بـ«الإنجاز الكبير المتاح»، فيما لا يزال هناك من يصرّ على وصفه باتفاق إذعان، رغم أن لبنان بمقاومته، مدعومة من رئيسه، كان على استعداد تام لخوض حرب على إسرائيل يكون هو البادئ بها لو لم يتحقّق. من الإنصاف القول، على مسافة أيام من مغادرة ميشال عون قصر بعبدا، أن الرجل حقّق إنجازاً تاريخياً (لا يعني ذلك أنه ليس منقوصاً) بالحصول على اتفاق وفق خط رسمه لبنان وتبنّاه، وكان مسؤولوه في وقت من الأوقات مستعدين للقبول بما هو أقل منه. وحدها المقاومة، من بين كل الأطراف السياسية اللبنانية، كانت عينها على هذا الملف منذ بدء التفاوض (تقرير وفيق قانصوه).
هذا ما كتبه فريدريك هوف نفسه حول بدء مهمته وسيطاً في الترسيم عام 2010 بأنه «ما كان لجهودنا أن تبدأ على الإطلاق لو أن حزب الله عارضها. في وقت ما، ألقى زعيم التنظيم (السيد حسن نصر الله) خطاباً قال فيه إن على الحكومة اللبنانية أن تمارس كل الوسائل الدبلوماسية والقانونية لحماية حقوقها في المنطقة الاقتصادية الخالصة. وما من كلمة في الخطاب كانت تلوّح بالعنف». ووحدها المقاومة، أيضاً، إلى جانب إدارة جيدة لمفاوضات الأشهر الأخيرة، من سرّعت حسمه بإعلان نصر الله الثقة بقيادة عون لمعركة الترسيم وإمهال العدو شهرين لإنجاز الملف.
في قبرص، عام 2006، بدأت سلسلة الأخطاء اللبنانية في كل ما يتعلق بملف الترسيم البحري. في 11 تشرين الثاني من ذلك العام، إبان حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، بدأت في نيقوسيا اجتماعات بين وفد لبناني رأسه المدير العام للنقل البري والبحري في وزارة الأشغال العامة المهندس عبد الحفيظ القيسي والخبير في شؤون النقل البحري في الوزارة حسان شعبان ووفد قبرصي كبير من مختلف الوزارات.
عتمد «الوفد» اللبناني على دراسة للمكتب الهيدروغرافي البريطاني وُضعت في العام نفسه تحدد الخط الحدودي الجنوبي بين لبنان وفلسطين المحتلة. اتفاق الترسيم الذي تم التوصل إليه بين البلدين في 17 كانون الثاني 2007، بعد ثلاثة أشهر من المفاوضات «غير الشاقة» على ما يبدو، أسّس لـ«الخطيئة الأصلية» التي أدّت إلى تشابك الخطوط في ما بعد، وضيّع على لبنان مساحات من مياهه الاقتصادية الخالصة وسنوات من المفاوضات. رُسم خط الترسيم مع قبرص من النقطة 1 جنوباً الى النقطة 6 شمالاً. النقطتان تقعان داخل الحدود اللبنانية، واعتمدتا بعد التراجع خمسة أميال عن النقطة الثلاثية في الجنوب بين لبنان وقبرص وفلسطين المحتلة. بُرّر التراجع يومها بعدم إمكان إجراء مفاوضات مع العدو الإسرائيلي، وبصعوبة دخول حكومة السنيورة في مفاوضات مع سوريا في ذروة الخلاف مع دمشق عقب مقتل الرئيس رفيق الحريري، على أن يتم تحديد النقطتين الثلاثيتين لاحقاً.
كان هذا الخطأ الأول في سلسلة طويلة من الأخطاء، فضلاً عن أسئلة كثيرة لا تزال من دون إجابات: أليس البتّ في ملف سيادي ووطني أخطر من أن يُترك في عهدة وزارة واحدة وشخص واحد (عملياً الوفد مؤلف من شخصين، أحدهما رئيس الثاني)؟ لماذا تم اعتماد خط الوسط لترسيم الحدود بين لبنان وقبرص، علماً أن واجهة لبنان البحرية أكبر من واجهة قبرص ما يُفترض أن يعطيه مساحة أكبر من المياه الاقتصادية الخالصة بموجب اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار؟ وما هي الحكمة في التراجع عن النقطة الحدودية الثلاثية مع فلسطين خمسة أميال إلى الشمال بدل التقدم جنوباً إلى الحد الأقصى، ما دام أن «الدولة الثالثة» هي كيان العدو القائم على الأطماع ومنطق القوة؟
في العادة، تعيّن الدول حدودها قبل أن تتفاوض على ترسيمها مع الدول المجاورة. هنا كانت الآية معكوسة. فاوض لبنان قبرص على الترسيم ووقّع اتفاقاً معها في 17 كانون الثاني 2007، وبعد عامين، في 30 كانون الأول 2008 شكّل «اللجنة اللبنانية المشتركة» التي شاركت فيها قيادة الجيش لوضع تقرير حول حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة للدولة اللبنانية. كانت اللجنة برئاسة القيسي نفسه، مرتكب الخطأ الأساسي. بعد أربعة أشهر، في 29 نيسان 2009، وضعت اللجنة تقريرها مرفقاً بخريطة رسّمت حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة اللبنانية من الجهات الثلاث: الخط 23 مع فلسطين المحتلة، الخط 23 – 7 مع قبرص، والخط 7 مع سوريا. ورُسم بشكل متعامد مع الاتجاه العام للشاطئ، بذريعة عدم امتلاك إحداثيات الشاطئ الإسرائيلي.
وهنا أيضاً أسئلة بلا إجابات: لماذا أعطت اللجنة تأثيراً كاملاً لصخرة تخيليت، ما أثّر على مسار الخط رغم أنها غير ملزمة بذلك كونها ترسّم من جانب واحد، ورغم وجود مرحلة تفاوض مستقبلية؟ والأهم، رغم أن النقطة 23 لم تكن الخيار الأفضل، لماذا لم يتم التواصل مع قبرص لطلب تعديل اتفاق الترسيم باعتماد النقطة 23 بدل النقطة 1، طالما أن الاتفاق ينص بوضوح على أنه تم التراجع عن النقطتين الثلاثيتين شمالاً وجنوباً في انتظار المفاوضات المستقبلية مع الدول المجاورة؟
رسالة قبرصية ملغومة
في 19 تشرين الأول 2010، تلقّت السفارة اللبنانية في نيقوسيا رسالة من الخارجية القبرصية تؤكد أن سلطات الجزيرة، قبل أن تتوصل الى اتفاق نهائي على ترسيم الحدود القبرصية مع أي من الدول المجاورة، ستُعلم لبنان إذا ما كان لذلك أي «تأثير» (effect) على النقطتين 1 و6.
على ما يبدو، لم يكلف أحد في الخارجية، يومها، نفسه تمحيص الرسالة ومراجعة نص اتفاق الترسيم مع قبرص، والذي ينص على ضرورة إبلاغ نيقوسيا بيروت بأي مفاوضات ترسيم تجريها مع دولة ثالثة «تتعلق» (in connection) بالنقطتين 1 و6، وليس أن «تؤثر» عليهما. بعد شهرين، في كانون الأول 2010، وقّعت قبرص اتفاق ترسيم مع إسرائيل التي اعتمدت النقطة 1 لرسم الخط 1. عملياً، وجهة النظر القبرصية هنا أن الخط 1 لم يؤثر على النقطة 1 التي حدّدها المفاوض اللبناني بنفسه!
صرار على تشريع الخط 23
في 18 آب 2011، أقر مجلس النواب القانون 163 الذي يفوّض الحكومة أن تصدر بمرسوم يُتخذ في مجلس الوزراء إحداثيات النقاط التي تشكل الحدود البحرية اللبنانية. أثناء درس القانون في لجنة الأشغال النيابية، استشرس رئيس اللجنة النائب محمد قباني في رفض اقتراحات تقدّم بها ضباط وخبراء تؤكد أن للبنان حقوقاً جنوب الخط 23.
المفارقة أنه قبل يوم واحد من إقرار القانون، وصلت إلى رئاسة الحكومة (نجيب ميقاتي) دراسة أعدّها المكتب الهيدروغرافي البريطاني (UKHO)، بتكليف من الحكومة اللبنانية في حزيران من العام نفسه، تقترح عدة خيارات من ضمنها الخط 23، وخطان جنوبه أحدهما لا يحتسب تأثيراً لصخرة تخيليت عُرف لاحقاً بالخط 29. غير أن التقرير بقي حبيس أدراج مكتب رئيس الحكومة من دون معرفة الأسباب. في 1 تشرين الأول 2011، صدر المرسوم الشهير 6433 الذي حدّد الخط 23 حدوداً بحرية للبنان مع فلسطين المحتلة، وتم إيداعه لدى الأمم المتحدة. هنا، وُلدت المنطقة المتنازع عليها بين الخطين 1 و23 بمساحة 860 كيلومتراً مربعاً.
مفاوضات سرية و«خط هوف» لبناني
رسمياً، دخلت واشنطن على خط الوساطة عام 2012 مع تولّي السفير الأميركي فريدريك هوف، بتكليف من الخارجية الأميركية التوسط في النزاع الحدودي البحري بين لبنان والكيان الإسرائيلي. فعلياً، كان هوف قد بدأ منذ أواخر عام 2010 مفاوضات ثنائية سرية مع كل من لبنان وإسرائيل. في
مقال له في مجلة «نيوز لاينز»، في 4 كانون الأول 2020، قال إنه عقد لقاءات حول الترسيم البحري مع الوزير الراحل محمد شطح، ممثلاً رئيس الحكومة سعد الحريري عام 2010، ثم مع جو عيسى الخوري مستشار خلفه الرئيس نجيب ميقاتي عام 2011. وصف هوف شطح بـ«الودود والصارم في الدفاع عن حقوق لبنان»، وعيسى الخوري بـ«المحاور الرائع الذي يحظى بثقة تامة من رئيس الوزراء».
بين 22 و24 نيسان 2012، التقى هوف في مقر السفارة الأميركية في لندن «الضابط المتمكن» اللواء الركن عبد الرحمن شحيتلي ونائب رئيس الأركان العميد الركن البحري جوزف سركيس الذي وصفه بأنه ««أحد أكثر الأفراد تميزاً من الناحية المهنية الذين قابلتهم أثناء الوساطة»، والذي يعمل حالياً مستشاراً في فريق الرئيس ميقاتي، وضابط ارتباط بينه وبين الأميركيين. سأل هوف الوفد العسكري عن الإحداثيات التي يحملها، وتم تنزيلها على جهاز كومبيوتر واستخدام تطبيقات لرسم الخرائط، فـ«وُلد» الخط الذي عُرف باسم «خط هوف». وهو، عملياً، خط وسطي بين النقطتين 1 و23 منطلقاً من نقطة على مسافة ثلاثة أميال من الشاطئ. وافق «خط هوف» الإحداثيات اللبنانية التي رسمت الخط 23 وتقصّدت «دفشه» خمسة أميال جنوباً. بهذا المعنى، الوفد العسكري اللبناني هو، عملياً، من وضع أساس الخط الذي يعطي لبنان 55 في المئة من المنطقة المتنازع عليها مقابل 45 في المئة لإسرائيل.
لم يستغرق الأمر طويلاً، «بعدما بذلت قصارى جهدي للإشادة بالكفاءة المهنية لفريق الجيش اللبناني»، قبل أن يقتنع «جو» (كما يطلق هوف على العميد سركيس) وزملاؤه، و«يعربوا عن تقديرهم للمنطق الذي عملنا به. واقترح جو أن أزور بيروت قريباً للقاء رئيس الوزراء».
عاد الوفد إلى بيروت بـ«انتصار» هلّلت له بعض الصحف التي عنونت بأن «لبنان يربح مسافة 500 كيلومتر مربع»، في مقابل أخرى تحدثت عن «خسارة 350 كيلومتراً مربعاً».
في أيار 2012، زار هوف بيروت والتقى ميقاتي الذي «أبلغني بأنه يريد أن يقول نعم (للخط)، لكنه يحتاج الى إجماع وزاري، وطلب مني إحاطة العديد من وزرائه بالأمر. فعلت ذلك من دون أن أجد ردوداً سلبية. كما طلب مني إحاطة فريق المعارضة برئاسة الحريري، ولم أجد اعتراضات». إلا أن «ميقاتي لم يستشر وزير الطاقة جبران باسيل بشأن التسوية المقترحة. خشية أن يفسد باسيل الأمور، أراده أن يكون آخر من يعلم. كان باسيل يلقي خطابات وطنية تخلط بين المطالبة بالمنطقة الاقتصادية الخالصة والحدود الوطنية. في النهاية، أخبرت باسيل في واشنطن بأن خط الفصل البحري الذي نقترحه يشبه الخط الأزرق، وسيكون مؤقتاً إلى أن يتفاوض لبنان وإسرائيل على الحدود وتطبيع العلاقات. أدرك وجهة نظري، وربما كان سيؤيد التسوية لو طرحها ميقاتي للتصويت في مجلس الوزراء، لكن هذا لم يحدث قط».
لم يجرؤ الموافقون ضمناً، وهم غالبية الأطراف السياسية، على الجهر بتأييد «خط هوف»، فتقرر في 11 أيار 2012، بموجب قرار رئيس مجلس الوزراء، تشكيل لجنة جديدة لدرس الحدود البحرية، وخصوصاً لجهة الجنوب. المفاجأة أن اللجنة الجديدة كانت، مرة جديدة، برئاسة القيسي نفسه. بدا أن الرجل كان منفّذاً أميناً لمطالب مرجعيته السياسية آنذاك، من دون إهمال حماسة قائد الجيش حينها، جان قهوجي، للخط 23. إذ كان لبنان على مسافة عامين من نهاية عهد ميشال سليمان، وليس خافياً أن قهوجي كان طامحاً إلى المنصب.
في 7 حزيران 2012، أعدّت اللجنة تقريراً أهمل وجود أي حقوق للبنان جنوب الخط 23 بحجة أنها مقيّدة بالقانون 163، وأعدّت تقريراً لا يختلف عن التقرير السابق (حول الخط 23)، رفعته إلى وزارة الخارجية التي كان يتولاها الوزير عدنان منصور.
في آب 2012، رفعت وزارة الخارجية اقتراحات إلى رئاسة الحكومة، بناءً على تقرير «لجنة القيسي»، شجّعت فيه ضمناً على الموافقة على مقترح هوف، عبر توصيتين:
الأولى: إهمال المقترح، ما يؤدي إلى تجميد النشاطات الاستثمارية ويرفع احتمالات نشوب توتر ويُعرقل التوصل إلى اتفاق مع قبرص على الحدود البحرية، وبالتالي يتعذّر التوصل إلى اتفاق حول الاستخراج في حقول النفط والغاز المشتركة المحتملة.
الثانية: إجراء مباحثات لمحاولة تحسين المقترح، ما يمكن أن يساعد في التوصل إلى ترتيبات حدودية تساعد في تأمين حلول لمنطقة النزاع التي تعيق الاستثمار وتعزّز المناخ الاستثماري في المنطقة الاقتصادية الخالصة.
في 19 تشرين الأول 2012، التقى هوف «جو» (المقصود عيسى الخوري على الأرجح) على غداء في نيويورك، وأبلغه أنه سيترك منصبه إلا إذا وافق لبنان على مقترحه، فوعد الأخير ببذل قصارى جهوده. بعد شهر، في 22 تشرين الثاني، اهتزت حكومة ميقاتي مع اغتيال رئيس فرع المعلومات وسام الحسن، قبل أن تسقط نهائياً في آذار 2013، مع استقالة ميقاتي بذريعة فشل الحكومة في التوصل الى اتفاق على قانون الانتخاب ورفض مجلس الوزراء التمديد للمدير العام لقوى الأمن الداخلي أشرف ريفي. لكن الأهم أن الاستقالة جاءت قبل طرح آخر مرسومين تطبيقيين (مرسومي دفتر الشروط وتقسيم البلوكات البحرية) من قانون المواد البترولية، ما أخّر بدء التنقيب لسنوات. على مدى 11 شهراً من عمر حكومة تصريف الأعمال آنذاك، حاول وزير الطاقة جبران باسيل عبثاً إقناع ميقاتي بعقد جلسة استثنائية لإقرار المرسومين اللذين بقيا عالقين حتى عام 2017، عندما أُقرّا في أول جلسة للحكومة التي تشكّلت بعد انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية.
خط بصبوص
في 2013 أعدّ العقيد الركن البحري مازن بصبوص بحثاً انطلاقاً من الاقتراح البريطاني، بيّن فيها أحقية لبنان بالخط 29 الذي يعيد إلى لبنان مساحة تُقدر بحوالي 1430 كيلومتراً مربعاً. راسل وزير الطاقة في حكومة تصريف الأعمال (باسيل) قيادة الجيش عبر وزارة الدفاع للاستفسار ما إذا كان لبنان في وارد إعادة ترسيم الخط البحري الجنوبي، وخصوصاً أن لذلك تأثيراً على الإعلان عن دورة التراخيص، فأتى الجواب بأن هذا «بحث أكاديمي خاص بالضابط صاحب العلاقة ولا يمثل موقف قيادة الجيش» التي تعتبر أن الخط 23 يمثل حدود الترسيم مع فلسطين المحتلة. مرة ثانية، أرسل باسيل كتاباً آخر طلب توضيح الموقف الرسمي لقيادة الجيش، فكان الجواب أن «دور الجيش تقني ويجب عدم إغفال وجود طرق أخرى تعطي لبنان حقوقاً أكبر، ولكن هذا الأمر يعود إلى السلطة السياسية». على هذا الأساس، أُعلن في آذار 2013 عن دورة التراخيص في البلوكات. في اجتماع في السرايا الحكومية، أواخر عام 2018، ضم رئيس الحكومة سعد الحريري ومساعد وزير الخارحية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى ديفيد ساثرفيلد ووزير الطاقة سيزار أبي خليل والعميد جوزف سركيس عن قيادة الجيش، أكّد «جو»، رداً على استفسار أبو خليل حول وجود حقوق للبنان جنوب الخط 23، بأن «الجيش مع الخط 23»، وأقفل الحريري النقاش.
لفراغ الرئاسي بعد 2014 والأزمات الداخلية ألقت بكل ملف الترسيم في الظل. عدم الموافقة العلنية على مقترح هوف أحال الملف عملياً الى الرئيس نبيه بري. بين 2012 و2020، أسفرت المفاوضات مع رئيس المجلس عمّا سمّي «اتفاق الإطار». وهو، كما يشير اسمه، إطار فضفاض يتحدث عن الخطوط العريضة للتفاوض برعاية أميركية، ويعتمد ضمناً الخط 23. وقد نقل عن بري قوله، في وسائل الإعلام، أن «بيتنا بالقلعة إذا حصّلنا الـ 23».
عام 2019، عادت الوساطة الأميركية إلى العلن مع زيارة وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو لبيروت وتشديده على ضرورة معالجة ملف الحدود البحرية الجنوبية.
بعد «اتفاق الإطار»، تسلّم الرئيس عون الملف من بري وقرر إسناد مهمة التفاوض غير المباشر إلى وفد عسكري – تقني، برئاسة نائب رئيس الأركان للعمليات العميد الركن الطيار بسام ياسين وعضوية العقيد الركن البحري مازن بصبوص، ومسؤول قسم الجيولوجيا في هيئة إدارة قطاع البترول وسام شباط والخبير في القانون الدولي لترسيم الحدود نجيب مسيحي. أكثرية أعضاء الوفد مقربون من قيادة الجيش، ولم تكن الحرب الباردة بين بعبدا واليرزة خافية على أحد. أعطى الرئيس عون توجيهاته للوفد، في 13/10/2020 بالتوصل الى «حل منصف يحمي الحقوق السيادية»، وصدر بيانان عن رئاسة الجمهورية وقيادة الجيش يحددان بدء التفاوض على أساس الخط الذي ينطلق من نقطة رأس الناقورة براً دون احتساب أي تأثير للجزر الساحلية، أي وفق الخط 29، ما يخلق منطقة إضافية متنازعاً عليها بمساحة بحرية إضافية تبلغ 1430 كيلومتراً مربعاً. الرئيس عون «كبّر الحجر» يومها باعتماد الخط 29 كخط تفاوضي، فيما تمسّك الوفد المفاوض بـ«الحجر» كما هو حرفياً.
نظرياً، الأجدى في موضوع سيادي كهذا أن يتم تحديد مهمة الوفد ومرجعيته بدقة بموجب مستند رسمي خطي، وهو ما لم يحصل. عملياً، باتت هناك سلطتان على الوفد كان الالتباس يسود علاقتهما، هما: رئاسة الجمهورية، وقيادة الجيش التي تحوّلت إلى طرف جديد الى جانب بقية الأطراف السياسية.
بدءاً من نهاية عام 2019 بدأ الحديث عن الخط 29 بعد تغيّر مفاجئ طرأ على موقف القيادة. كان التبرير أن الجيش أنشأ عام 2014 مصلحة للهيدروغرافيا حصلت على بيانات أكثر دقة، ما يسمح بتعديل المرسوم 6433 حول الخط 23، وأعدّت لجنة من الجيش في نهاية 2019 ملفاً تقنياً وقانونياً أكّدت فيه أحقية لبنان بالمساحات الإضافية في مياهه البحرية.
في 14 تشرين الأول 2020 انطلقت مجدداً جولات التفاوض غير المباشر في الناقورة. بعد جلسة أولى بروتوكولية، انعقدت جلسة ثانية، في 28 من الشهر نفسه، فجّر فيها الوفد اللبناني مفاجأة الـ 29، فرفض الوفد الإسرائيلي مناقشة أي حلّ خارج المنطقة البحرية الواقعة بين الخطين 1 و23. عندها، أعلن العميد ياسين رفض لبنان وضع أي شروط مسبقة للتفاوض من حيث الخطوط والمساحات، ودعا إلى أن تكون المفاوضات من دون قيد أو شرط غير الاحتكام الى القانون الدولي. فكرر رئيس وفد العدو أودي أديري رفض مناقشة أي حل خارج الخطين. قرر الوسيط الأميركي السفير جون دي روشيه رفع الجلسة. في اليوم التالي، كرر وفد العدو رفض البحث في الخط 29. في 11/11/2020 عُقِدَت الجلسة الرابعة، وقبل انطلاقها اختلى دي روشيه بأعضاء الوفد اللبناني ليبلغهم أن على لبنان العودة للمطالبة بالخط 23. فكان الجواب رفض فرض شروط مسبقة والتمسك بالخط 29. رفع دي روشيه الجلسة إلى 2/12/2020. لكنها لم تعقد واستعاض عنها بجولة شملت رئيس الجمهورية وقائد الجيش والوفد المفاوض مطالباً بسحب الخط 29 من التداول. عملياً جُمّدت المفاوضات.
أصرّت قيادة الجيش على اعتبار الخط 23 «ساقطاً قانوناً لأنّه لا ينطلق من نقطة رأس الناقورة ولا يتّبع أي تقنية ترسيم علمية معترف بها عالمياً»، وأن «لا مصلحة للبنان بأن يفاوض على 860 كلم2 (وفق الخط 23) بل يجب عليه بدء التفاوض من الخط (29) للأسباب الاستراتيجية التي تصبّ في مصلحة الشعب اللبناني» (مجلة «الجيش»، العدد 430 – 431 – أيار 2021) وانطلقت هجمة إعلامية تطالب بتعديل المرسوم 6433 الى حدود الخط 29. بدا كأنّ هناك «شيئاً ما» لا يريد لهذا الملف أن يصل إلى خواتيمه. بدأت حملة على رئيس الجمهورية وصلت إلى حدّ اتهامه بالتخلي عن حقوق سيادية، ونُظّمت اعتصامات من جمعيات لم يُعرف عنها يوماً الاهتمام بالشأن السيادي عندما يتعلق الأمر بإسرائيل، تطالبه بتعديل المرسوم وإيداعه لدى الأمم المتحدة. زاد الأمر غموضاً أن أنصار الخط 29 ليسوا بعيدين عن الأميركيين الذين يفترض أنهم يحاولون إقناع لبنان بما هو أقل من الخط 23. لوهلة، «ضاعت الطاسة».
منتصف نيسان، زار وكيل وزارة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية ديفيد هيل بيروت، وأعلن بعد لقائه رئيس الجمهورية الاستعداد لتسهيل المفاوضات «على الأسس التي بدأناها». انعقدت جلسة تفاوض خامسة في أيار 2021، كرر فيها الأميركيون والإسرائيليون رفض البحث في الخط 29، فطلب الوفد اللبناني تعليق الاجتماع، وجُمّدت المفاوضات مرة جديدة.
في بيروت، كان الوسيط الأميركي الجديد عاموس هوكشتين والسفيرة الأميركية دوروثي شيا يؤكدان استحالة قبول الإسرائيلي بالخط 29، وأن الإصرار عليه يعني وقف التفاوض. وهما أبلغا ذلك إلى قائد الجيش شخصياً أكثر من مرة، إلا أن الأخير بقي مصرّاً على موقفه. فجأة، وكما طُرح الخط 29، سُحب من التداول، ونأت اليرزة بنفسها عن موضوع التفاوض. في حزيران الماضي، أعلن قائد الجيش، بعد اتصال من قائد القيادة الوسطى الأميركية (USCENTCOM)، «انتهاء المهمة التقنية للجيش في ملف الترسيم»، و«الوقوف خلف السلطة السياسية في أيّ قرار تتخذه»، وأنه «ليس معنياً بأيّ تعليقات أو تحليلات أو مواقف، سياسية أو إعلامية لا تصدر عن قيادة الجيش حصراً». كان ذلك الضوء الأخضر للمضي في المفاوضات وصولاً إلى التفاهم الذي يوقّع اليوم.