“مسار تصادمي” : الجيش الأميركي يشرف على “البيزنس الأسود” ونهب الآثار في سوريا !

“مسار تصادمي” : الجيش الأميركي يشرف على “البيزنس الأسود” ونهب الآثار في سوريا !

الطائفية والدولة : عن الفساد البنيوي في لبنان واقتصاده السياسي
مقرب من الرئاسة التركية متورط بتهريب كوكايين من البرازيل إلى أوروبا
«الإبادة الجماعية» فى ليبيا الحديثة.. التاريخ المخفى للاستعمار

تدهم الولايات المتحدة الأميركية إستحقاقات عربية وإقليمية ودولية تجعل الإنسحاب من سوريا، خياراً وحيداً أمام الجيش الأميركي. وتسارع إدارة “جو النعسان” إلى “تجديد” استراتيجية الإحتلال العسكري والحصار الإقتصادي والعزل الديبلوماسي التي تتبعها هناك، كلما تكثفت الضربات الميدانية التي تتلقاها من حكومة الرئيس بشار الأسد وحلفائها. وفي الشهر الماضي، انقشعت عتمة الديبلوماسية قليلاً لتكشف بعض الأسباب التي تحمل الأميركيين على التمسك بهذه الإستراتيجية الخائبة، لا سيما إدارة “البيزنس الأسود” في الأراضي السورية المحتلة وتبييض ثرواته وحمايتها بعديد وعتاد جيش الولايات المتحدة.

“فقدان ثقة الحلفاء”
قامت الولايات المتحدة الأميركية عشية “قمة جدة 19 أيار / مايو 2023″، بـ”محاولة جادة لفرض شروطها على الدول العربية” لمنع التطبيع السياسي والديبلوماسي بينها وبين الجمهورية العربية السورية. فقد “صوت مجلس النواب الاميركي على مشروع قانون يمنع أي حكومة أميركية حالية أو قادمة من التطبيع وإعادة العلاقات مع سوريا بحال كان بشار الأسد على رأس السلطة”. وأقر “مشروع مناهضة التطبيع مع نظام الأسد لعام 2023 ـ H.R. 3202، بأغلبيّة ساحقة وإعتراض وحيد فقط”.

إثر تصويت “النواب” بساعات، واصلت “إدارة بايدن” الضغوط على الدول العربية لمنعها من التطبيع مع سوريا، فأصدر نائب المتحدث باسم الخارجية الأميركية، فيدانت باتيل بياناً، جاء فيه: “لا نعتقد أن سوريا تستحق إعادة القبول في جامعة الدول العربية في هذا الوقت. وهذه نقطة قمنا بتوضيحها لجميع شركائنا” العرب.

إلا أن “إعلان جدة” الذي صدر عن القمة العربية الـ32، تحدى قرار الإدارة الأميركية و“رسالة الكونغرس بحزبيه“. فقد “رحب بعودة سوريا إلى حضن الجامعة العربية”، و”أمل أن يسهم ذلك في دعم استقرار الجمهورية العربية السورية، ويحافظ على وحدة أراضيها، واستئناف دورها الطبيعي في الوطن العربي”.

أثبت “إعلان جدة” وما أحاط به من سجال عربي ـ أميركي، أن “قواعد اللعبة وموازين القوى في سوريا بدأت تتغير بشكل كامل“، لكن بالضد من إرادة واشنطن. وهذا التغير دفع الأميركيين إلى ضخ سيل من المعلومات الزائفة في شبكات “الإعلام السوروسي” التي أنشأوها، تحدثت عن “وجود صفقات كبرى، لكي تتخلى واشنطن عن أوكـرانيا مقابل تخلي موسكو عن سوريا“.

كل هذا الخداع الديبلوماسي ـ الإعلامي الذي مارسته “إدارة بايدن” (ـ و”إسرائيل”)، بيَّنَ عظم مخاوفها من حضور الرئيس بشار الأسد أعمال “قمة جدة”، لأنه أدى، بالفعل، إلى نزع الغطاء العربي عن وجود جيش الإحتلال الأميركي في سوريا. وقد أظهر “إعلان قمة جدة” وجاهة المخاوف الأميركية. لأن أبطال الخداع أخفقوا في مسعاهم التضليلي، مع فقدان الولايات المتحدة “ثقة حلفائها” في دول “التعاون الخليجي”، منذ أن تنكرت لموجبات الإتفاقات الأمنية والعسكرية بينها وبينهم.

إدارة “البيزنس الأسود” وحمايته
أدرك الأميركيون أن دفء العلاقات بين السوريين وكل من السعوديين والإماراتيين، وعودة سوريا إلى “جامعة الدول العربية” ينبثق عن تجديد سياسي واستراتيجي، لا يمت بصلة إلى فنون الديبلوماسية العامة التي “يتأستذ” الأميركان (والإنكليز) في اختلاقها. ولذلك، بادروا عقب القمة العربية في السعودية إلى تزييف مضمون “إعلان جدة” نفسه، بادعائهم بـ”أننا [الأميركيون] نتشارك مع شركائنا العرب في العديد من الأهداف فيما يتعلق بسوريا”.

لم يحرف الزيف الأبصار عن “المسار التصادمي العربي ـ الأميركي في سوريا”، ولم يُزِل الحرج عن رئاسة “جو النعسان” من وقوع جيش الإحتلال الأميركي في قلب هذا “المسار التصادمي”. فمن ناحية ينتشر التشكيك بصحة ادعاء جنرالاته بأن نشر القوات في سوريا هدفها “مكافحة داعش”. ومن ناحية أخرى تنحط السمعة الجنائية لجيش الولايات المتحدة الأميركية، بفعل “عمليات السرقة والاتجار” بموارد النفط والغاز والمعادن التي تنظمها قواته في الأراضي السورية.

لقد اشارت تقارير سورية رسمية وخاصة إلى إشراف قيادة جيش الإحتلال الأميركي في سوريا على إدارة “البيزنس الأسود” باستخدام القوات المسلحة والميليشيا الكردية الإنفصالية، للإستيلاء على الموارد النفطية والغذائية السورية وبيعها وحماية قوافل اللصوص خلال عبورها خط الحدود غلى العراق أو إلى تركيا.

وقد اشتكى مزارعون سوريون في شهادات منشورة  من “التضييق عليهم عبر نصب الحواجز [العسكرية الأميركية والكردية] ومصادرة الحبوب والقيام بعمليات الابتزاز بغية وضع يد الأميركيين والميليشيا على المحصول”. كما لفتوا إلى “انعدام الثقة بقوات الاحتلال الأميركي [في مناطق سيطرتها]، بعدما أحرقت المواسم [الزراعية] وسممت التربة عبر البذور المسمومة وسرقت الحبوب وهربتها عبر المعابر الخاصة إلى العراق وأخذت أجود أنواع البذور السورية لتزرعها في أراضيها في الولايات المتحدة”.

وبينما تتمادى الولايات المتحدة في تعطيل الراسمال الديموغرافي السوري، بعرقلة عودة اللاجئين إلى مدنهم وأريافهم وأرجاء وطنهم، فإن قضية نهب الآثار السورية وتعدي القوات الأميركية على الرأسمال الحضاري المادي للشعب السوري باتت “حديث الساعة”.

تكشف تقارير أخبارية جديدة عن انتشار خبراء أميركيين في المناطق المحتلة، “حيث يقومون بجولات استكشافية دورية قرب نهر الفرات، بحثاً عن الكنوز السورية الأثرية التي لا تقدر بثمن لقيمتها التاريخية، وأن بعض ما تم العثور يرجع إلى العصر الحجري”. ونقلت عن هؤلاء الخبراء “أنهم سيقومون في الفترة المقبلة بتوسيع عمليات التنقيب من أجل العثور على اللقيات الأثرية النادرة والباهظة الثمن التي من المرجح وجودها” في تلك المناطق.

ويساهم الإحتلال الأميركي في تنشيط حركة تهريب هذه الآثار إلى خارج سوريا. وكشفت وزيرة الثقافة السورية لبانة مشوح قبل عامين، أن “غالبية القطع الأثرية المسروقة خرجت من البلاد عبر الحدود مع تركيا بالدرجة الأولى، ثم إسرائيل بالدرجة الثانية، والأراضي اللبنانية بالدرجة الثالثة”. وقالت إن الدولة الوحيدة من دول الجوار التي احترمت الاتفاقيات هي لبنان، حيث استعادت سوريا نحو 80 قطعة أثرية، صادرتها السلطات بعد تهريبها إلى الأراضي اللبنانية.

ويتحسس الرأي العام العربي من سرقة الآثار الوطنية، لا سيما وأن بعض منهوبات الإحتلال الأميركي من الآثار العربية، كانت تقدم “هدية إلى إسرائيل”. لقد أصبحت المواقع الأثرية في سوريا عرضة للنهب على يد جنود واشنطن، شأنها شأن الثروات النفطية والزراعية. وهذا “البيزنس الأسود” الذي يعود بالنفع على الجنرالات الأميركيين، ربما يفسر إصرارهم على استمرار احتلال الأراضي السورية.

ويبشر نزع الغطاء العربي عن الإحتلال الأميركي في سوريا بعد “قمة جدة”، باقتراب نهاية هذا “البيزنس الأسود” بزوال الإحتلال ذاته. لكن ذلك، لن يعني نهاية “المسار التصادمي العربي ـ الأميركي”. لأن العرب، ما خلا إمارة قطر، ما عادوا يصدقون الكلام الأميركي عن “الأهداف المشتركة”، مثل “بناء الأمن والاستقرار لضمان عدم ظهور تنظيم داعش من جديد، وخلق ظروف آمنة لعودة اللاجئين”.

بالطبع، يتعدى هذا “المسار” سوريا إلى دول عربية أخرى. في اليومين الماضيين، طالعنا في  الصحف الأميركية تقارير “غير سليمة” بشأن عضوية الإمارات العربية المتحدة في ما يسمى “التحالف البحري” الذي أقامته إدارة “جو النعسان” ضد إيران. وقد رأينا كيف غضبت الحكومة الإماراتية وردت بالإنسحاب من هذا “التحالف”. لأن “الإمارات ملتزمة بالحوار والتواصل الدبلوماسي لتعزيز الأمن والاستقرار الإقليميين، وملتزمة أيضاً بضمان سلامة الملاحة في مياهها طبقاً للقانون الدولي”.

إن نتائج “قمة جدة” قد برهنت “أن المضيف والضيوف يريدون مرحلة جديدة من العمل العربي المشترك”، الذي يجب أن يتلاءم مع “[تفكيك] النظام العالمي أحادي القطب [الذي كانت تهمين عليه الولايات المتحدة الأميركية، بحيث] بات من الماضي”. وهذا التسارع في “المسار التصادمي العربي ـ الأميركي” لا بد أن يحرر الكتلة العربية من الهيمنة الأميركية ـ “الإسرائيلية” أو على الأقل يخفف خضوعها لقيودها، لكي تنهض بمسؤولياتها في توليد “عالم متعدد الأقطاب [تسود فيه] ديمقراطية العلاقات الدولية، [وكذلك، يرتفع فيه] صوت وتأثير البلدان النامية في الشؤون الدولية”.

مركز الحقول للدراسات والنشر
‏الخميس‏، 13‏ ذو القعدة‏، 1444 الموافق ‏01‏ حزيران‏، 2023
آخر تحديث، الجمعة، 2 حزيران، 2023

COMMENTS