زهير البلبيسي: الفلسطيني ليس «رامبو» ونحتاج إلى مخاطبة الغرب

زهير البلبيسي: الفلسطيني ليس «رامبو» ونحتاج إلى مخاطبة الغرب

“السوريون أول من ابتكر الأختام في العالم” : الخبر الذي كسب جائزة ؟
بوتين يتصل بالأسد، ويوعز بإغلاق أجواء "المتوسط" بصواريخ أس300 لصد أي هجوم على سوريا
عصر الفوضى العالمية

رغم تخرّجه عام 1985 من المعهد العالي للفنون المسرحيَّة في مصر (قسم التمثيل والإخراج)، والصداقة التي ربطته بالمخرج المصري الراحل محمد سالم (1930 – 1995) الذي علَّمه أصول المونتاج، كان على زهير البلبيسي أن ينتظر عشرة أعوام كاملة قبل أن يقف أمام الكاميرا في أوَّل عمل من بطولته. عشرة أعوام قضاها بعيداً عن الفنّ عمل فيها مدرّساً لمادة الرياضيَّات في الجزائر وهو الذي تخرَّج من كلية التربية قبل أن يكون طالبًا في المعهد العالي.

لكن حلم الفلسطيني لا بد أن يتحقَّق على أرضه أولاً وإن طال الزمن. هكذا جاءت الانطلاقة بعد العودة إلى غزّة ومن خلال التلفزيون الفلسطيني لا سواه، عبر مسلسل «سواليف» الذي كتبه بنفسه ولعب بطولته وأخرجه سعود مهنّا (1995)، لتكرّ بعدها السبحة مع «ليالي الصيادين» (كتابة عبد الفتاح مقداد، وسيناريو وإخراج صلاح القدّومي/ 1996) الذي شكّل الانطلاقة الفعليَّة للدراما الفلسطينيَّة المعاصرة، ثم «دبوس» (كتابة البلبيسي وبطولته وإخراج جواد حرودة)، و«من كل بيت حكاية» (كتابة البلبيسي وإخراجه/ 1998)، و«حكاية كل يوم» (كتابة البلبيسي، وإخراج معتزّ أبو يوسف)، و«محظوظ حظّه من السما» (كتابة البلبيسي وإخراجه)، فضلاً عن عدد من الأفلام الدراميَّة القصيرة مثل «الطرحة السوداء» و«الدونجوان» و«آخر العنقود» (جميعها كتابة علي عيسى، وإخراج البلبيسي، وإنتاج التلفزيون الفلسطيني)، ومجموعة أفلام وثائقيَّة عن القدس واللاجئين والحصار. وبعد الانقسام الفلسطيني عام 2007 وانتقال التلفزيون إلى رام الله، عمل مع بعض المؤسّسات الخاصَّة في قطاع غزّة في عدد من الأعمال كان آخرها مسلسل «ميلاد الفجر» (كتابة زكريا أبو غالي، وإخراج حسام أبو دان وإنتاج نيو سين/ 2021).

يستذكر البلبيسي في حديثه معنا رفاق المسيرة الذين قام المسرح الفلسطيني على أكتافهم، ومنهم من غادر الحياة مثل صائب السقا واسماعيل الشيخ عيد، مسجّلاً لهؤلاء عطاءهم اللامحدود إلى حدّ عملهم من دون أجر أحياناً، وهو واقعٌ وإن كان يمثل حالة شاذَّة تعوق تقدّم الفن ولا يجوز تكريسها، إلا أنّه يدلّ على إخلاصهم وتفانيهم. ويحتفظ بعلاقة خاصَّة حتى اليوم مع الفنَّان جواد حرودة الذي كان شريكه في كثير من الأعمال تخللتها مواقف طريفة أبرزها رفض حرودة على الخشبة متابعة الحوار من طرفه قبل أن يسلمه البلبيسي مفتاح الجملة المتفق عليه أثناء البروفات في ظل نسيان الأخير للمفتاح ومتابعته الارتجال من دون أن يلاحظ الجمهور وجود شيء غير عادي. ويرى البلبيسي انطلاقاً من هذا الموقف الطريف أنَّ أداء الممثل على المسرح وقدرته على تجاوز المواقف المماثلة هو ما يحدّد إمكاناته ومستواه بعيداً من اللقطات المقتطعة والقابلة للإعادة في السينما والتلفزيون، فالخطأ على المسرح محسوب على الممثل ولا يمكن تعويضه. لذا فهو مضطر أن يكون دوماً حاضر ذهنيّاً وسريع البديهة.
ويتوقف البلبيسي عند نجاح العدوّ في مخاطبة الرأي العام الأوروبي من خلال عشرات الأفلام الوثائقيَّة التي تظهره مظلوماً يتعرَّض للاعتداءات المتكرّرة في شوارع القدس وساحاتها وحاراتها، معتبراً أنَّ إصرار الجهات الانتاجيَّة القريبة من حركات المقاومة على تصوير الفلسطيني كـ «رامبو» من خلال إبراز البأس الفلسطيني وتظهير القدرات العسكريَّة للمقاومة في غزّة تكريساً لتوازن الردع مع العدوّ، هو سلاح ذو حدّين، حيث يأتي ذلك على حساب المظلوميَّة الفلسطينيَّة التي يتمّ تغييبها أحياناً تجنباً للظهور بمظهر الضعيف، في حين أنَّه من الضروري التذكير دوماً بمظلوميّته كصاحب للأرض المسلوبة والانطلاق من هذه النقطة إلى سواها. كما يتوقف عند تسويق الأعمال الدراميَّة الفلسطينيَّة في الخارج والتركيز على إيران وتركيا على وجه الخصوص في الوقت الذي نحتاج فيه إلى مخاطبة الغرب ومقارعة الرواية الإسرائيليَّة هناك، وصولاً إلى تغيير النظرة الأوروبيَّة للصراع وربَّما الحصول على دعم في المحافل الدوليَّة، وهو ما يحتاج إلى علاقات عامَّة أقوى ويقع بصورة أساسيَّة على عاتق السلطة ومؤسّساتها الرسميَّة.

ومع التحوّلات المتسارعة على الساحة العربيَّة لجهة انطلاق قطار التطبيع، فإن تسويق الأعمال الفلسطينيَّة في الوطن العربي يبدو ضرورة أيضاً منعاً لكيّ الوعي وتكريس واقع جديد يُراد تحويل العدوّ فيه إلى جار ودود، علماً أنَّ الأمر – بحسب البلبيسي – لا ينبغي أن يقتصر على بثّ الأعمال الفلسطينيَّة عبر شاشات عربيَّة، بل يتخطاه إلى مشاركة حقيقيَّة على مستوى الانتاجات الدراميَّة بين فلسطين وكل من مصر وسوريا ولبنان، وهو الأمر الذي تحقَّق سابقاً من خلال فيلم «المعتقل» (مصري – فلسطيني)، ومسلسل «الإخوة الغرباء» (أردني – فلسطيني)، لكن الظروف السياسيَّة حالت دون تكرار التجربة لاحقاً، ويتذكر البلبيسي خطوته الأولى في هذا الطريق عام 2012 عبر كتابته سيناريو لمسلسل ثلاثيني يحمل عنوان «أمطار الخريف» كان يفترض إنتاجه في دمشق بمشاركة فنانين فلسطينيين وسوريّين، ولكن الأحداث في سوريا حالت دون استكمال المشروع.
ويعمل البلبيسي حاليّاً على مسرحيَّة جديدة تتناول الوضع في قطاع غزّة ومواضيع فشل الانتخابات والحصار الوضع الاقتصادي الخانق الذي يعاني منه القطاع، بالإضافة إلى تصوير مشاهده في مسلسل جديد تنتجه قناة «الأقصى» ويُعرض في شهر رمضان المقبل ويحمل إسم «قبضة الأحرار».

أجرى المقابلة مهدي زلزلي، صحفي عربي من لبنان
الأخبار، يوم الجمعة 11 آذار 2022