الاعلام العربي بين الواقع والتقاط الامكانيات

الاعلام العربي بين الواقع والتقاط الامكانيات

مصر وإيران : مبررات القطيعة لم تعد قائمة
إعادة الاعتبار إلى «نظرية المؤامرة»!
عقوبات أوروبية تحفف نبرة نظام أردوغان!

لا تملك “الجامعة اللبنانية” رفاهية الموازنات التي تسمح لها بإقامة الفعاليات الفكرية او الاكاديمية كما الجامعات الخاصة في لبنان، من هنا يُحسب للجامعة الوطنية المُشاركة في الدعوة الى نشاط فكري اعلامي تمثل بمؤتمر حمل عنوان “الاعلام العربي واسئلة التغيير في زمن التحولات”[1].

شارك في المؤتمر عدد من الاساتذة الجامعيين والاعلاميين العرب من لبنان والجزائر وتونس ومصر والمغرب من خلال اوراق وجلسات حملت عناوين عدة وطغت على اجواء المؤتمر النقاشات الجانبية والتقاط صور السَلفي بين الحضور الذين وجدوا في المؤتمر مناسبة لاظهار قوة الاعلام الجديد في الواقع العربي.

شاركت في اليوم الاول والمكتوب يُقرأ من عنوانه. يوم فيه الكثير من الاسماء والطروحات والزخم. لقد كانت فعالية اليوم الاول مُشجعة، أثبتت فيها الجامعة اللبنانية اهمية دورها في انتاج الافكار العلمية المُواكبة للتطورات الحاصلة في ميدان الصحافة والاتصال بأنواعهما نتيجة للتغييرات المتسارعة على كافة الصعد في البلدان العربية.

ul“التحولات السياسية في الاعلام العربي” عنوان المداخلة الاولى عرض فيها الدكتور سامي الشريف عميد كلية الاعلام في الجامعة الحديثة للتكنولوجيا والمعلومات واستاذ الاعلام الدولي بكلية الاعلام في جامعة القاهرة المشهد الاعلامي المصري من خلال الفضائيات المصرية الخاصة التي بلغت عدد قنواتها الـ 100 فضائية، تُمول من قبل رجال اعمال مصريين (5 او 6 رجال اعمال يحتكرون وسائل الاعلام المتلفزة)، مقابل 23 قناة رسمية. هذه القنوات الخاصة تخسر كمشاريع اقتصادية (باستثناء 3 او 4 منها مُكتفية ذاتيا)، إضافة الى انتشار الفضائيات الدينية خلال حكم تنظيم “الاخوان” ( حكم الرئيس مرسي) ما يؤكد ان هذه الفضائيات توفر مساحة سياسية يستخدمها “رجال الاعمال كمخالب”. اما البرامج التلفزيونية فيطغى عليها الكلام الصراخ والسُباب “التوك شو”. فمصر تعيش تفاقم ظاهرة احتكار وسائل الاعلام.

وأما عن رهانات اصلاح الاعلام في تونس بعد التحولات التي حصلت فيها، فأنذر المحاضر عبد الكريم الحيزاوي الاستاذ في معهد الصحافة وعلوم المعلومات ـ تونس من عدم وجود ” منبرٍ للتفكير الاستراتيجي في تونس اليوم”.

 مشكلة الصحافة الورقية في الواقع اللبناني كانت حاضرة من خلال ناشر جريدة السفير طلال سلمان الذي اعتبر “الانصراف عن الصحيفة انما هو انصراف عن السياسة وليس عن القراءة”، مُشبّهاً التعامل مع ازمة الصحافة الورقية “بمجلس عزاء حيث لا يمكن للطائفية في لبنان ان تلتقي مع الديمقراطية”، وبما ان الصحافة مخلوق سياسي فإن “في اغتيالها اغتيال للسياسة واغتيال للغة التي تُكتب بها”.

وحاز موضوع التكفير والارهاب على اهتمام المحاضرين. من المغرب وتحت عنوان ” الاعلام وتحديات الدولة والمجتمع في المغرب”، نوقشت مفاعيل قانون الارهاب الذي تم اقراره عام 2003.

وتصدى العميد السابق لكلية الاعلام في الجامعة اللبنانية الدكتور جورج كلاس لموضوع “البنية الاعلامية والاتصالية ومرجعية خطابها”، متوقفا عند مخاوف المسيحيين العرب متسائلا اين اعلام العروبة من انكماش الحس القومي، طارحا مخاطر الافتاء الاعلامي على مهنة الاعلام، مذكرا بفلسطين القضية التي غابت عن الفضائيات العربية وتكاد تغيب عن الاعلام العربي.

في شأن “طغيان ثقافة الترفيه على هذا الاعلام”، تحدثت الدكتورة نهوند القادري من الجامعة اللبنانية منبهة الى غياب اي مشروع للمستنيرين في ظل ما تشهده الدول العربية من حالة تكفير وسيطرة لخطاب النهايات، معتبرة ان المشروع الاعلامي اصبح يمثل مصلحة مشتركة بين مجموعة معينة على حساب المصلحة العامة.

ul1وتحدثت الدكتورة جوسلين نادر من الجامعة اللبنانية عن “الحقيقة في الخطاب الاعلامي”، مشيرة الى اهمية الصورة عندما يصبح الرمز هو الواقع والافتراضي هو التحرر من الواقعي، مستشهدة ببودريارد الذي قال لا تنبهروا (بالصورة). وأوضحت كيف تحولت المَشاهد على الشاشات الى حقائق، صدقيتها تفوق حقيقة الواقع، حتى “اصبحنا مجتمعاً فوق الواقع”. ورغم ان الاتصالات ابرزت “نوعا من التماثل بين الناس الا ان التكنولوجيا تفرض العزلة” من السيارة الى التلفزيون. كل هذه العزلة نراها مع الصحيفة والشاشة والهاتف الحديث.

وعرض الاعلامي سامي كليب للشراكة بين وسائل الاعلام والاحداث تحت عنوان” ربيع العرب وخريف اعلامهم” وهو عنوان اعلامي جذاب، وقدم محطة الجزيرة نموذجاً، معتبرا ان اهداف تأسيس الفضائيات هي : الهيمنة على العالم. الهيمنة على الجيوستراتيجيا. الهيمنة على الموارد الطبيعية والطاقة والافكار. ولفت إلى أن كيفية توصيف الحدث هو خروج عنه، مستعيناً بتوصيفات من الحياة، سكاي نيوز، ابوظبي، ام بي سي: “مخلوع”، للرئيس المصري السابق حسني مبارك. “حسن” للسيد حسن نصرالله الأمين العام لحزب الله في لبنان. “مجرم” للرئيس السوري بشار الاسد. “الجيش الشبيح” للجيش العربي السوري …

وحازت وسائل التواصل الحديثة على نقاش جدي لاسيما مساهمة الاعلام الجديد في الابتعاد عن السياسة. إذ يجد المراقب او المطبق الناقد لتقنيات الاتصال عبر مواقع التواصل الاجتماعي وعبر واتساب او فيسبوك او تويتر او انستغرام، ان الحيز الشخصي والفردي والسطحية غالبة على عملية الاتصال. فمن عواطف افتراضية الى صور ترحيب وتحيات، الى وجوه منفعلة اما ضحكا او حزنا، الى تعليقات فارغة وشتم. علماً بان الفيسبوك اثبت في ظل التحولات العاصفة بالبلدان العربية انه من الممكن ان يكون مساحة نقاش سياسي بعكس الواتساب. هذا الفضاء الذي ننشر فيه غسيلنا صورا ونكاتا واخبارا حميمة وتعليقات على الاحداث ساخرة في اغلبها، يغدو الحدث ُعلى صفحاته طرفة مهما كان أليما.

ان سمة الازدواجية هي من سمات مستخدمي وسائل الاتصال الحديثة، تتجلى في العلاقة مع محيطها. فالمستخدم قد يكون في الواقع الحقيقي شخص مختلف او مناقض لتلك الشخصية التي يتخذها في الواقع الافتراضي. وهناك العديد من “الفيسبوكيين” الذين يقدمون انفسهم في الحقيقة بشكل مغاير عما هم عليه في صفحة الفيسبوك.

يبدو ان اشكال الاتصال الاعلامية التقليدية مثل الصحيفة والمجلة والاذاعة، ربطت الفرد بالسياسة اكثر من الاعلام الالكتروني الذي غلب عليه الشخصنة، بحسب رأي بعض المشاركين في المؤتمر. في حين أن “صحافة المواطن” التي جعلت الجمهور مصدرا للمعلومة وحققت حالة من الديمقراطية، فأتاحت لأي مستخدم ان يدلي بدلوه من خلالها، افضت الى مزيد من الانقسامات في المجتمع.

حظي الاعلام الجماهيري بجلسة دسمة في المؤتمر تحت عنوان “الاعلام الجماهيري في زمن التحولات”. حيث عرض الدكتور علي رمال من الجامعة اللبنانية للتحديات التي تواجه الوسائل التقليدية بفعل انتشار الوسائل الجديدة، مع شرح لكيفية استمرار الاذاعة رغم حضور التلفزيون في كل بيت، واستمرار التلفزيون الرسمي رغم انتشار الفضائيات. فالتطور التقني لم يشكل خطرا على الاعلام التقليدي.

وقدمت الدكتورة وفاء ابو شقرا من الجامعة اللبنانية مداخلة عن “ازمة الاعلام الجماهيري في ظل الاعلام الرقمي” لاسيما ازمة الصحافة المكتوبة. وقد خاطبت المؤتمر بأسلوب اذاعي افتقدناه، محذرة من خطر التفتيت الذي تمارسه وسائل الاعلام الرقمي ومن ظواهر اجتماعية غير مرغوبة، كازدياد التقوقع عند الفرد وبناء شبكة من الاصدقاء الافتراضيين، وانتقلت الى ضرورة البحث حول علاقة  سليمة فيها امكانية للاستفادة المتبادلة بين الجماهيري والرقمي.

وعن الصحافة المكتوبة في لبنان عرض الدكتور راغب جابر في الجامعة اللبنانية للتحول الذي اصابها قائلا انه “نخرها السوس، نخر موضوعيتها ومهنيتها واستقلاليتها ووظيفتها فتحولت من مشروع وطني الى مشروع فئوي” وتساءل هل هي صحافة وطن؟ والى اي مدى انخرطت بالحروب الدائرة في المنطقة.

وحول الرأي العام اللبناني وكيفية مساهمة الاعلام في لبنان في تشكيله، رأى مدير عام اذاعة النور في لبنان يوسف الزين انه رأي يصنع حروبا، عارضا للتحديات التي تواجهها الاذاعة على صعيد الاستراتيجيات وتأهيل الكادر وهيكلة المؤسسة الاعلامية وترشيق مواصفات العمل الاذاعي من حيث المضامين. مطالبا بالشراكة بين الجامعة والمؤسسات الاعلامية لتطبيق برامج حديثة من خلال التدرب والتعلم الجزئي.

واعتبر الصحافي في جريدة النهار اللبنانية نبيل بو منصف ان الصحافة في لبنان افضل صحافة في البلدان العربية، وان كل صحيفة في لبنان تتمتع بالتعددية من حيث وجهات النظر اضافة الى المعايير المهنية التي ارستها الصحافة التقليدية التي تمثل الاعلام الحقيقي. بينما الخبر على الانترنت ينقل مع الخطأ دون مراجعة او مراقبة. كما عرض لواجب الشفافية في ممارسة مهنة الصحافة معتبرا ان جريدة النهار عاشت ازمة اضطرتها الى صرف عمال منذ خمس سنوات بسبب ضرب قطاع الاعلانات، من خلال سحب دبي اسهاماتها الاعلانية، مطالبا بإعادة باب التحقيق الى الصحافة المكتوبة معتبرا ان صاحب المهنة يؤثر على المهنة نفسها.

اللافت في فعالية المؤتمر الحضور النسائي الذي يوازي الحضور الذكوري ويكاد يزيد عنه، ما يدل على ان مهنة الاعلام مهنة مساواة وهي تمتلك في بنيتها منحى لمستقبل افضل ومساحة تتجلى فيها هذه المساواة.

لم تخل المداخلات من انشائيات مللنا سماعها ولكن كانت مشكلة المفاهيم، المشكلة العلمية الابدية حاضرة في النقاشات في وصف حالة الفوضى الاعلامية.

 في المؤتمر دعوة الى بناء جسر بين الاكاديمي والمهني هذا الجسر الذي لم يجد بعد لا المهندسون ولا البناؤون ولا الممولون طريقهم اليه! وفيه ضرورة ملحة لالتقاط تنامي الحس الجمعي العربي في ظل هذه التحولات.

نجوى زيدان، صحفية وكاتبة عربية من لبنان
27 أيار 2016

[1] انعقد هذا المؤتمر في بيروت حلال الفترة الممتدة ما بين 5 ـ 7 ايار 2016.