التقانة النووية والأمن المائي العربي

إبراهيم غالي زعيم جبهة بوليساريو : “الشعب الصحراوي سيواصل المقاومة حتى يفرض حقه في تقرير المصير والاستقلال”
بين «المباراة الصفرية» و«معادلة رابح – رابح» خطٌ واصلٌ إلى فلسطين
شاهد من مدينة الرقة : إنزالات جوية أميركية لاختطاف مئات الشباب وسوقهم إلى جهة مجهولة؟

تعيش المجتمعات العربية تحت هاجس نقص المياه. وتشير تقارير متعددة إلى أن الفقر المائي في دول الوطن العربي قد يصير عنصر نزاع إقليمي بين هذه الدول وجوارها، حيث توجد أكثر منابع المياه. ويقترح الخبراء مسألة تحلية مياه البحار والمحيطات لسد هذا النقص المتزايد. الحقول تنشر هذه المقابلة الهامة التي أجرتها مي الشافعي(1) مع الأستاذ في جامعة القاهرة محمد عبد الفتاح القصّاص، أحد أبرز رواد المدرسة العلمية العربية في الدراسات البيئية :

يرى القصاص ان الأمن المائي العربي مهدّد بسبب شحّ الأمطار طبيعياً في معظم المنطقة العربية، وكذلك لأن منابع الأنهار الكبرى ترد الى تلك المنطقة من الخارج، ويقول : “في الأنهار المشتركة، تقع البلاد العربية عند المصبات، ما يضعها في موقف أضعف من دول المنبع … وهناك بلاد عربية يصل نصيب الفرد فيها إلى أقل من 500 متر مكعب سنوياً، مع العلم بأن حدّ الفقر المائي هو 1000 متر مكعب في السنة. وتضاف الى ذلك الصراعات الدائرة في المنطقة وتدمير البيئة وتلويث المياه، ومحدودية مخزون المياه الجوفية غير المتجددة، والزيادة السكانية المطردة وغيرها”.

الاحتباس الحراري والأمن المائي

يتحدث القصّاص عن أثر المتغيّرات المناخية، مثل الاحتباس الحراري، في الأمن المائي العربي، وخصوصاً تدخلها في كميات المطر. وينبّه إلى تقرير متخصص للأمم المتحدة ورد فيه أن الأمطار في الجزء الجنوبي من حوض البحر الأبيض المتوسط ستزيد في القرن الحادي والعشرين بنسبة لا تتجاوز 15 في المئة، في ما قد تصل النسبة عينها الى 30 في المئة في شرق أفريقيا، ولكن مع احتمال نقصها بمعدل 76 في المئة!. وبيّن أيضاً أن التقرير نفسه ينصح بإطلاق دراسات إقليمية عن التأثيرات المحلية للتغيرات المناخية. ولذا، يشدّد على أهمية التحوّط لاحتمالي الزيادة والنقصان في الأمطار، معتبراً أن لكليهما خطورته على الدول العربية في افريقيا وحوض المتوسط.

وانطلاقاً من ذلك، حضّ القصاص الدول العربية على التعاون لاطلاق دراسات علمية حول تأثير التغيرات المناخية عليها. ويتناول الحلول المقترحة للاستفادة من مياه الأمطار في حال زيادتها، ومنها إنشاء سدود على الوديان في الصحارى، مثل “سدّ مأرب” في اليمن و “سد الروافعة” في العريش في شمال سيناء. ويقول: “إنها ليست أفضل الوسائل لتخزين مياه الأمطار في المناطق الصحراوية. وأرى أن أفضل الطرق ما كان يعتمد عليه في عصر الرومان، وهو التخزين تحت الأرض… كانوا يحفرون حجرات تبنى أسفل التلال غالباً، ويبطّنونها بالحجر الجيري. وتطرح الأمم المتحدة أيضاً مفهوم “حصاد الأمطار” الذي يستفيد من طبوغرافية الأرض لتجميع المياه في بعض المناطق، وحفظها في خزانات صغيرة. وبمعنى آخر، فإننا نسحب مياه الأمطار من منطقة واسعة ونضعها في مساحة محدودة حيث يجري حفظها”. وتطرق أيضاً إلى المياه الجوفية التي تعتمد عليها كثير من البلدان العربية، مشيراً إلى أنها غير متجددة في أغلبها. “وهي تجمعت في عصور قديمة، ومنها “خزان الحجر الرملي النوبي” الممتد بين مصر والسودان وتشاد وليبيا…. ويرى ان “التعامل مع خزانات المياه الجوفية لا بد من أن يكون متوازناً مع قدرتها وحجمها، لأن استنزافها يؤدي إلى تمَلّح الآبار وجفافها ولا بد من أن نعي أن استعمالنا لهذه المياه هو استعمال لمورد غير متجدد وبالتالي يجب أن نقتصد فيه على أقصى درجة، وأن نستخدم هذه المياه بأعلى حدّ من كفاءة الاستخدام. ويرتبط هذا الأمر بأنواع المحاصيل التي نزرعها وطرق الري المستخدمة. إن كثيراً من مياه الأحواض الجوفية مشتركة بين دول عدة، ولا بد من أن تكوّن نُظم تعاونية إقليمية لإدارتها. وعلى الدول العربية الاهتمام بالدراسات الخاصة بالمياه الجوفية حتى لا تقام مشاريع تستنزف هذه المياه، ما يؤدي الى نضوبها نتيجة الاستخدام الجائر”.

البحر والخيار النووي

ويتناول القصّاص موضوع تحلية مياه البحر، الذي يراه البعض خياراً أساسياً في الدول العربية من أجل تحقيق أمنها المائي مستقبلاً، مع ملاحظة ما يقتضيه علمياً وتكنولوجياً. ولم يتردّد في وصف هذا الخيار بأنه حتمي و”لا بد لكل الدول العربية من التفكير في تحلية مياه البحر حتى في الدول التي تمر فيها الأنهار كمصر. في المنطقة العربية، وخصوصاً في الخليج، توجد مجموعة من أكبر المحطات لتحلية المياه. وتستخدم هذه المياه في أغراض إنسانية عدة. لا تزال التحلية أسلوباً مكلفاً جداً. وتستطيع الدول الغنية تحمّل هذه الكلفة حتى الآن…

ولا بد من التفكير في تحلية المياه من أجل الزراعة أيضاً، فالأمن الغذائي قضية خطيرة بدأت إرهاصاتها الآن وستواجهنا بقوة مستقبلاً، ولن يكون أمامنا إلا زراعة ما نحتاجه من غذاء. يجب تمويل البحوث العلمية عربياً لتطوير تقنيات تحلية المياه، ولا بد من تعاون المراكز البحثية العربية في السعي لاكتشاف تقنيات أقل كلفة. إن قضية تحلية المياه قضيتنا نحن ولا يهتم بها أحد في أوروبا أو أميركا، فليس لديهم نقص في المياه… وهناك دراسات ممولة من المملكة العربية السعودية في الجامعات الأميركية حول تحلية المياه”.

وفي نفس مُشابه، يتحدث القصّاص عن السعي العربي الى استخدام الطاقة النووية في تحلية مياه البحر. ويقول: “بين عامي 1964و 1966 فكرت مصر في بناء أول مفاعل ذري في منطقة “سيدي كرير”، وركزت دراسة الجدوى لهذا المشروع على أنه سيستخدم لتحلية مياه البحر. ومن ثم نشأت في مصر مجموعة من الباحثين برئاسة الراحل الدكتور مصطفى الجبلي درسوا لأكثر من عامين كيفية استعمال المياه المحلاة من المفاعل الذري في الزراعة، بطريقة اقتصادية. وعلينا الآن أن نعيد دراسة هذه البحوث… لا بد من أن نفكر في استخدام الطاقة النووية في تحلية مياه البحر مستقبلاً، مع ملاحظة أنها طاقة نظيفة وأقل كلفة من طاقة الوقود. أنا عندي أمل بأن جامعة مثل جامعة الملك عبد الله في السعودية والتي ستبدأ عملها 2009 ستكون من أولوياتها دراسة مشكلة المياه وكل البدائل المطروحة لتحلية المياه… لا ريب في أننا سنحتاج لتحلية المياه من أجل الزراعة وتحقيق الأمن الغذائي، ويجب أن نبذل المزيد من الجهد في البحوث المتعلقة بإعادة استخدام مياه الصرف أيضاً… إن أكثر ما يعيق إعادة استخدام هذه المياه هو اختلاط الصرف الصحي بالصناعي وبالزراعي، ما يصعّب عمليات تنقية المياه”.

ويعطي القصّاص رأيه في مسألة تسعير المياه، ويرى أنها خطوة “ليست مقصودة لذاتها، بل لترشيد استهلاك المياه … فالفلاحون في مناطق كثيرة يستهلكون من المياه أكثر مما تحتاجه الأرض؛ وقد يكون التسعير وسيلة لترشيد الاستهلاك. وفي المقابل، هناك نواح اجتماعية لا بد من مراعاتها. في إسرائيل مثلاً يوجد عدّاد في كل حقل والفلاح يدفع ثمن المياه التي يستهلكها وذلك من أجل ترشيد استهلاك المياه. واهتمت إسرائيل في الماضي بالزراعة وتصدير الزهور والفواكه إلى أوروبا، ومع تزايد الضغط على موارد المياه شرعت في التحوّل من الاقتصاد القائم على الزراعة إلى الاقتصاد القائم على التكنولوجيا المتقدمة. وراهناً تنتج اسرائيل خضراً وفاكهة، إضافة إلى البذور المحسنة التي تبيعها بأسعار باهظة. وكذلك توجهت الى صناعة المعلوماتية والإلكترونية الدقيقة. وعلينا أن ننتبه الى هذه التجربة”. وفي موضوع مستقبل الأمن الغذائي العربي في ظل التوجه العالمي لاستخدام بعض المحاصيل الزراعية (الذرة وقصب السكر) وقودا.

السودان سلة غذاء العرب!

ويعتبر القصاص أن “هذا الأمر بات واقعاً والفكرة تنتشر بسرعة. وسيحدث ذلك في بلاد لديها مساحات شاسعة لم تزرع حتى الآن مثل البرازيل والولايات المتحدة. فالولايات المتحدة مثلاً لديها أراض كثيرة جداً كانت متروكة بوراً، وتبدأ الآن استغلال هذه الأراضي وزراعتها… كل دولة تفكر في مصلحتها. هذه الخطوة رفعت من مستوى الفلاحين لديهم، وكذلك رفعت أسعار الإنتاج الزراعي. وفي الوقت نفسه ستدفع الثمن المناطق التي لديها نقص في الغذاء والمياه، مثل المنطقة العربية التي تستورد معظم غذائها وسيتواصل الغلاء. بعض الدول يقول للعرب ما معناه أن “تلك مشكلتكم”، إذا لا مفر للعرب من العمل على زيادة الإنتاج الزراعي وتحقيق الأمن الغذائي والبحث عن زراعات تعطي محاصيل وفيرة مع استهلاك أقل قدر من المياه… إن العلم هو السبيل الوحيد لتحقيق هذا، فلماذا لا تتعاون الدول العربية؟ هل يعقل أن يكون لدينا بلد مثل السودان يمكن أن يصبح “سلة غذاء” العالم العربي ونستورد غذاءنا من الخارج! لنساعد السودان ونعمل على استقراره ونزرع أراضيه. لا يوجد لدينا نقص في الأفكار بل نقص في الإرادة والتطبيق وفي إرادة العمل الجماعي العربي. لقد أنشأنا “المنظمة العربية للتنمية الزراعية” واخترنا السودان مقراً ولم يكن هذا الاختيار عبثاً. وأنشأنا أيضاً صندوقاً عربياً للتنمية الزراعية وجعلنا مقره الخرطوم. وبعد كل هذه السنوات لم يتحقق شي، إذاً متى نفيق؟ بصراحة لا توجد لدينا إدارة سليمة أو متصلة أو مستدامة… لا تزال أمامنا فرص إن ضاعت الآن فسيكون مستقبلنا مجهولاً ومهدداً. وعلى الساسة العرب أن ينتبهوا للبيئة ويتعاملوا معها كقضية حياة، وعليهم أن يتفقوا ويتعلموا الدروس وينتبهوا للتحديات القادمة…

وأخيراً، جدّد القصّاص دعوته إلى صوغ عقد اجتماعي جديد بين العرب والمياه. وقال: “لا بد من أن يعي كل فرد دوره ويرشد في استهلاكه للموارد الطبيعية، وأن يفكر ألف مرة قبل إهدار أي مورد. أريد من كل من يبني قصراً أو فيلا ويضع فيها حمام سباحة أن يشعر بالخجل، بسبب الجفاف الهائل الذي يسود منطقتنا… الأمر نفسه ينطبق على من يبني ملاعب غولف ببحيرات اصطناعية في الصحراء ويبالغ في التزيين ويستهلك كميات هائلة من المياه”.

COMMENTS