أمين هويدي : سير الأحداث يقودنا لمواجهة أخرى مع إسرائيل

عن موت “سايكس ـ بيكو” وتحرير فلسطين : “داعش” ليست ظاهرة عابرة، ومشروعها لن يهزم بالعنتريات وصراخ الفضائيات؟؟
حسين مروة.. صاحب العمامة الحمراء
فلسطين المحتلة تشيع القائدين في “كتيبة جنين” السعدي والزبيدي اللذين استشهدا في قتال الجيش الصهيوني

وقعت حرب حزيران 1967 بين الجيش “الإسرائيلي” وبين الجيشين الشقيقين المصري والسوري قبل 41 سنة. وقد عرفت تلك الحرب في الأدب السياسي المعاصر بـ”النكسة”، لأنها انتهت إلى توسع الإحتلال الصهيوني في فلسطين وما حولها، وتخلي بعض الحكومات العربية عن سياسة المواجهة مع “إسرائيل”. أجرت أميرة هويدي (1) مقابلة مع المسؤول السابق والمفكر العربي المصري أمين هويدي (2)، وطرحت عليه بعض الأسئلة حول أسرار تلك الحرب/النكسة، والسياسة العربية والمصرية الراهنة حيال “إسرائيل” :

ـ لماذا لم توثق نكسة 1967 حتى اليوم؟
ـ 1967 كانت هزيمة بكل ما للكلمة من معنى. غير ان العديد من الكتاب والباحثين، غالباً ما يقفون عند الذي حدث في الجبهة المصرية، علما بان هذه الهزيمة، عربية. الدليل على هذا ان الحرب جرت في الجبهة الشمالية وهي سوريا، والاردنية وهي الجبهة الشرقية، والجبهة الجنوبية، مصر. العدو كان واحداً، ولكن الجهد العربي لم يكن موجودا. يجب النظر الى ما حدث بشموليته، ثم نسأل : هل تحسن موقفنا في هذا المسرح العريض لو اضطررنا الى مواجهة اخرى مع العدو الاسرائيلي؟ علما بان سير الاحداث لا يستبعد هذا على الاطلاق ـ وهذا فائدة التحدث في ما مضى، لكي نعرف تأثيره على ما هو كائن وما سيكون.

ـ كيف كانت الصورة حينما قامت إسرائيل بضربتها في القطاع المصري؟
ـ الساعة 8,15 صباح يوم 5 حزيران 1967 كان عدم الاستعداد كاملا في كل الجبهات. مثلا كان مركز القيادة المصري ـ مركز 10 ـ مغلقاً، وكان رئيس اركان حرب القوات المسلحة يتناول الفطور في منزله الذي يقع قرب منزلي. خرج بخطوات سريعة بعد حدوث الضربة. القائد العام عبد الحكيم عامر كان في إحدى الطائرات المتجهة الى سيناء، وكان مع عامر في الطائرة قائد القوات الجوية وقائد الدفاع الجوي بعد إصداره تعليمات بعدم الاشتباك بأي طائرة، لأن طائرة المشير كانت في السماء.
القيادة الاردنية التي كان يقودها الملك حسين ـ وكما كتب بنفسه في كتابه عن الحرب ـ كان يتناول الفطور في منزله، عندما أُبلغ بالضربة الجوية الاسرائيلية للطائرات المصرية. اما الجبهة السورية ـ التي لم يكتب عنها شيء ابداً ـ فكان كل سلاح طيرانها في التدريب وغير مستعد. ولو ان سلاح الطيران السوري قام بضرب ـ وكان باستطاعته ـ الطائرات الاسرائيلية بعد عودتها من ضرب الطائرات المصرية، وقد استنفدت وقودها وذخيرتها، لكان قضي على الطيران الاسرائيلي في الجو، وغيّر التاريخ.
الوحدات العراقية التي كانت مطلوبة لمعاونة جبهة الاردن، ضربت وهي في الطريق. ثم كانت القيادات المصرية تركت مواقعها لاستقبال المشير عامر في مطار المليز.
عندما ضربنا، كان واجب القيادات تلقي المعلومات من الجبهة وإصدار التعليمات والأوامر، لكنها كانت خالية. وكلنا يعلم ان الجيش عبارة عن رأس وهو القيادة التي تفكر، والجسم المقاتل، وسيل يمد بالعتاد والخدمات الطبية. معنى هذا انها كانت جيوش من دون رأس. اسرائيل ضربت ضربتها في هذا الوقت بالذات، عندما كانت الجيوش العربية كلها في حالة شلل في القيادات.
كثيرون يحاولون التستر على هذه الحقائق بدعوى السرية، وهذا خطأ كبير جداً، لان تكتم الحقائق والاخطاء، يدفع العدو ليواجهني مرة اخرى بالاخطاء ذاتها. ماذا نسمّي هذا؟ اعتقد انه خطأ يرتفع الى مستوى الخيانة. ولذلك اكبر جبهة تم التحدث فيها وعنها هي الجبهة المصرية، اما الجبهات الاخرى فقد أسدل الستار عليها.

ـ لماذا أسدل الستار على بقية الجبهات؟
ـ الانظمة لا تريد ان تكشف عن اخطائها، وهذا يعود بتأثير سلبي على الجهد القومي. هل اصحاب القرار مطمئنون حاليا عن الاوضاع القطرية والاوضاع الجماعية داخل العمل العربي الجماعي؟ هل هي خالية من الاخطاء؟ لا زلت اطالب المسؤولين الاجابة عن هذا السؤال: هل نحن جاهزون ومستعدون؟ هل درعنا الذي يحمينا امام الاعداء سليم وقادر على صد العدوان؟

ـ هل تعلمنا اذن من اخطاء العام 1967؟
ـ لم نتعلم. علينا ان نسأل الامين العام للجامعة العربية: هل هناك قيادة واحدة؟ هل هناك جيش واحد؟ وعلينا ان نسأل على مستوى الاقطار السؤال ذاته، لانه من الملاحظ ان القوات المسلحة في كل البلاد العربية، خارجة تماماً عن دائرة التقييم. ما الذي يجري داخلها؟ لا احد يعلم. في اعتقادي ان اهم نقطة سببت هزيمة العام 1967 كان علاقة القيادة السياسية بالقيادة العسكرية. من يسبق من؟ القائد العام للقوات المسلحة ام وزير الدفاع؟ القيادة السياسية والعسكرية يكملان بعضهما، لأن الحرب عبارة عن قتال وسياسة. ولا بد للقيادة السياسية من ان تتاكد دائما ان جهازها العسكري على أتم حالة من الاستعداد لكي يتحقق الامن القومي للبلاد. ولا يؤخذ كلامي هذا على ان الامن القومي هو مجرد الامن العسكري، لان الامن القومي يعتني بأمن الوطن والمواطن.

ـ عندما يذكر «العدو» في مصر اليوم، يكون الحديث عن ايران وحركة حماس وفي بعض الأحيان يقال إن إيران أخطر من اسرائيل. تقول ان المواجهة مع العدو قد تتكرر، وكنت تقصد اسرائيل. هل تعتقد ان مفهوم العدو لدى القيادة السياسية، وبالتالي العسكرية، في مصر قد تغير؟
ـ الاتفاقيات التي بيننا وبين اسرائيل تنص على استبعاد الكلمات العدائية حتى في المجال العلمي. وكان هذا تحت تأثير امل ان تكف اسرائيل عن نواياها العدوانية وتحترم القرارات الدولية. واريد ان اسال: هل الافعال التي تقوم بها في الضفة الغربية وغزة افعال الجار المشاكس ام الصديق؟ وهل اسمي الدولة التي لم تعتد على احد او تحتل جزءاً من ارضي، صديقاً ام عدواً؟ لا بد من تصحيح هذه المفاهيم تماماً
مثل هذه التوصيفات يجب ان تكون محترمة حتى لا يحدث انقسام في الفكر لدى الشعب، او انقسام في القيادات. في المعاهد الاستراتيجية في الولايات المتحدة يدرسون مفهوم العدو. من هو وما هي مواصفاته وأفعاله ونواياه وعقيدته وجيشه الخ، حتى لا يكون هناك أدنى خلاف في النظرة العامة لمن هو العدو ومن هو الصديق. الاتفاقيات لا تكون صداقة، لكن الأفعال والتعامل هو الذي يحقق ذلك. الالتباس في مفهوم العدو الآن في منتهى الخطورة، لانه يقود الى التشتت.

ـ قلت إن العرب لم يكونوا مستعدين على الاطلاق في العام 1967، ماذا عن صفقات السلاح التي يتم تداولها في العواصم العربية اليوم واحدة تلو الأخرى .. لمن يوجه هذا السلاح؟
ـ نفقات الدفاع في البلاد العربية مجتمعة من أضخم نفقات الدفاع في العالم. بل هـــي اكثر من نفقات الدفاع الاسرائيلية. فنحن نشتري السلاح بكميات ضخمة جداً، لدرجة اننا نساعد الدول المنتجة للسلاح في التغلب على مشاكل البطالة. ولكن العبرة ليست بالسلاح وحجمه، لان القيمة كلها بالرجل وراء السلاح .
الفرد هو الحكم في هذه العملية والقيادة، بالتالي، هي اساس الكفاءة في الممارسة الفعلية. ولهذا فان التدريب المستمر في زمن السلم، يوفر الدماء الغزيرة في زمن الحرب، لانه يجعل من هذه الآلة في يد الانسان اما درعاً يحميه وإما سهماَ يخترق به صدور الاعداء. صفقات السلاح لا تعطي لأي جيش قوة.

(1) صحافية عربية من مصر

(2) تولى امين هويدي (87 عاما) جهاز الاستخبارات ووزارة الحربية عقب نكسة العام 1967 بعدما كلفه الزعيم الراحل جمال عبد الناصر بمهمة اعادة بناء القوات المسلحة بعيد الهزيمة. ألف هويدي، الذى انضمّ لـ”الضباط الاحرار ليشارك في “ثورة 23 يوليو”، 35 كتابا صودر بعضها مثل “الفرص الضائعة” عن حرب 1973، الذي اتهم فيها الرئيس المصري السابق انور السادات بكشف خطة الجيش المصري اثناء تلك الحرب، وقرار السادات عدم تطوير الهجوم المصري في عمق سيناء، وكذلك كتابه عن “اسرار وخبايا حرب 1967”.

COMMENTS