أردوغان الآخر في «انقلاب وادي الذئاب»

الدراما السورية: "حَكَم الهوا" على "اهل الغرام"
"أرق" للمخرجة اللبنانية ديالا قشمر …
"صونيا كنيبيك" تُوثّق إرهاب الروبوتات الجوية الأميركية في أفغانستان

في تغريدة لها على «تويتر» أعلنت شركة «Pana» المنتجة للمسلسل التركي «وادي الذئاب» إنتاج فيلم «يحاكي محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا ليلة الخامس عشر من تموز الماضي تحت عنوان: انقلاب وادي الذئاب». موضحة أن الجزء الجديد من المسلسل يأتي وقوفاً عند رغبة الجماهير، وضمن مشروع أطلقته الحكومة التركية «لتعريف الرأي العام بالأحداث التي شهدتها تركيا في تلك الليلة، مستعينة بمسلسلات حققت شهرة خارج البلاد».

لطالما كانت المؤسسات السياسية والمؤسسات الإعلامية متداخلة الأهداف والرسائل، لكن يبدو أن تركيا استبدلت الإعلام بالدراما. لا غرابة في بلد يضيّق على الصحافة والإعلام والحريات يوماً بعد يوم. فهل يريد أردوغان توثيق سياساته من خلال الفنّ رغبة منه في الحفاظ على صورة «البطل» المنتصر حتى ولو عبر شاشات «الوهم»؟

تحاول تركيا الدخول إلى العالم العربي ثقافيا وسياسيا من خلال الدراما بدبلجتها إلى العربية وباللهجة السورية تحديداً. لا يمكن إنكار أن المسلسلات التركية المدبلجة حققت حضورًا على الساحة العربية والسورية وأصبح لها شريحة واسعة من الجمهور، تصنع له «نماذج أبطالٍ» يتماثل معها.

الجماهير تتابع، تنجذب، تطلب المزيد. وتميل بحسب «الرغبة» أيضاً وتغيّر المسار فجأة. كل ما تفشل في تحقيقه على أرض الواقع ترغب في رؤيته عبر الدراما. وهذا ما فعله «وادي الذئاب» منذ جزئه الأول في العام 2007. يُبثّ حاليا الجزء العاشر من المسلسل ويتناول معاناة اللاجئين السوريين. كما تحول في فترة من الفترات إلى مصدر لإثارة القلق في اسرائيل بالنظر إلى ما يكشفه من فضائح وممارسات لمافيات الجريمة المرتبطة بها من تهريب أسلحة ومخدرات وصواريخ وعمليات غسل أموال. في الحلقة العشرين من الجزء السابع أيضاً يتوجه البطل «مراد علمدار» إلى سوريا للمساهمة في تسليح المعارضة. أما في «وادي الذئاب ـ العراق» الذي عرض في العام 2006، فنشاهد كيف يقتل «مراد» جنرالًا أميركيًا. لم يكن الحدث الدرامي هذا سوى تغطية على اعتقال 11 ضابطاً تركياً في كردستان – العراق على يد جنود أميركيين في العام 2003. تناول الفيلم أيضاً تفاصيل تتعلق بسجن «أبو غريب». ولم ينج الفيلم نفسه من انتقادات الأكراد لأنه يروّج أنهم «عملاء للأميركيين ويعملون معهم ضد الأتراك والعرب». إضافة إلى أجزاء المسلسل، أنتجت الشركة فيلمين آخرين، «وادي الذئاب ـ غلاديو» في العام 2009، و «وادي الذئاب – فلسطين» في العام 2010.

فهل قصص «الأبطال الخارقين» لا تزال مقنعة في عصر نزّاع إلى الشكّ بأكثر الانتصارات واقعية؟ هل أصبح بالإمكان إفراغ كل شيء واختراع تاريخه الوهمي؟ تكمن المشكلة الأساسيّة في أن صنّاع العمل الدرامي أوالسينمائي يعتقدون أنهم يعرفون وحدهم حقيقة ما يجري في الساحات وما يحدث على الشاشة، مفترضين أن جمهورهم لا يعرف. الجمهور بات يعرف أكثر من أي وقت مضى، لكنه يرغب أحيانًا في أن يستلقي ويتابع ويصنع «أبطاله» أيضاً كيفما شاء وفي اللحظة التي يشاء.

لا يبدو صراع «وادي الذئاب» أساسياً في حبكته. ينفلت إلى الواقع، يصارع في تحقيق نصر «درامي» تبعاً للوقت. حتماً تستطيع السينما بالصور تجسيد أشدّ الأفكار غرابة وواقعية؛ لكن يبقى الفارق كبيرا بين التجارة العابرة والسينما النوعية ذات المنهج المدروس الذي يوثّق حقيقةً «سياسة بلد».

ليس «وادي الذئاب» أكثر من صندوق يبحث أصحابه عن مغزى مُلتبس لأبطال «مهزومين»، يحققون نصرهم «الخاص» مكللاً بـ «خسارات» الواقع. فهل ستبقى الدراما التركية أسيرة حبكات كرتونية ساذجة وفجّة تفتقد في حدّها الأدنى الإقناع؟ وهل يصحّ القول بأن «علمدار» هو «الأنا» الآخر لأردوغان بوصفه مشروعاً سياسيًا دراميًا بامتياز والعكس يصحّ أيضاً؟ لنا أن نتخيّل فيما لو أن حكومات الدول جميعها عاجزة عن إيصال قضاياها إلى الرأي العام إلا من خلال المسلسلات. ما كان ليحصل في هذا العالم؟

روز سليمان
السفير، 26 آب 2016