2025-09-15
Alhoukoul
دايفيد تورتري: واشنطن لا تنوي التقارب مع موسكو

دايفيد تورتري: واشنطن لا تنوي التقارب مع موسكو

"ليس لروسيا أدنى مصلحة في أن تلعب ورقة الغرب ضدّ الصين"

14-09-2025

كتبت الدكتورة لينا كنوش/ خاص الحقول ـ بيروت : الفرنسي دايفيد تورتري*، هو أستاذ محاضر في المعهد الكاثوليكي للدّراسات العليا، وباحث في المعهد الوطني للّغات والحضارات، ومؤلف كتاب «روسيا: عودة القوة»، الذي أثار نقاشاً واسعاً في فرنسا، واعتمد عليه كأحد مراجعه الأساسية المفكّرُ إيمانويل تود، عند تأليف كتاب «هزيمةالغرب»، التقينا به، وسجلنا معه هذه المقابلة :


■ ما هي، في رأيكم، دوافع إدارة ترامب لمحاولة التوصّل إلى تسوية مع روسيا حول أوكرانيا؟

الدافع الأول هو التطورات على الجبهة العسكرية في الميدان. روسيا أحكمت سيطرتها على القسم الأعظم من الدونباس وانتقلت إلى الهجوم لتضمّ أراضي جديدة منه، بينما تتقهقر القوات الأوكرانية وتزداد ضعفاً. هناك شكوك متنامية حول قدرة أوكرانيا على المقاومة على المديَين القصير والمتوسط. لكن هناك دوافع أخرى، فقضية أوكرانيا، رغم أهمّيتها، ليست القضية الوحيدة التي تشغل الولايات المتحدة اليوم.


النزاع الأوكراني باهظ الكلفة بالنسبة إلى واشنطن لأنه يتطلّب استثمارات ضخمة، ليس على المستوى المالي فحسب، بل على المستوى العسكري أيضاً، لأنّ جزءاً مهمّاً من الأسلحة المصنّعة في الغرب، وخاصة في الولايات المتحدة، تستخدم في هذا النزاع. لكن إدارة ترامب تعتبر أنّ العدو الرئيسي بالنسبة إلى الولايات المتحدة هي الصين وليس روسيا. لذلك، هناك رغبة في الانسحاب من هذا النزاع وإعطاء الأولوية لمناطق أخرى من العالم ولتوجّهات إستراتيجية مختلفة.


يعتقد البعض أنّ هناك نيّة لدى واشنطن للشروع بتغيير جذري في تحالفاتها عبر القيام بتقارب وثيق مع روسيا. هذه الفرضية لم تثبت صحّتها وأعتقد أنّ هناك مبالغة كبيرة في مدى التقارب المذكور يعود إلى تركيز الأوروبيين شبه الحصري على أوكرانيا. إذا تفحّصنا بدقّة الاقتراحات التي قدّمتها واشنطن، سنجد أنها ليست بالأهمّية التي يشار إليها، وأنّ فكرة احتفاظ روسيا بالأراضي التي سيطرت عليها تجري مناقشتها منذ أيام إدارة بايدن.


كانت هناك أصوات في الإدارة تشكّك في القدرة على استعادة الأراضي الخاضعة للسيطرة الروسية. وفي مؤتمر «الناتو» في صيف 2021، رفضت إدارة بايدن أن تقطع وعداً واضحاً بانضمام أوكرانيا إلى «الناتو». نستطيع أن نقول اختصاراً إنّ هناك إرادة لدى الإدارة الحالية للانسحاب من الحرب الأوكرانية لوجود أولويات أخرى لديها لكنني أبقى حذراً جدّاً حيال فرضية التقارب الحميم الأميركي-الروسي.


■ هناك اعتقاد شائع بأنّ الحرب في أوكرانيا قد أفضت إلى انحسار في النفوذ الروسي حدّ من مقدرة موسكو على التأثير الوازن في مسارح أخرى. لم تتدخّل روسيا للحؤول دون انهيار النظام السوري السابق ولا في سياق الحرب بين إيران وإسرائيل. هل سيتيح تفاهم أميركي-روسي تجدّداً لدور موسكو في الشرق الأوسط؟

ينبغي العودة قليلاً إلى الأحداث التي تسارعت في الشرق الأوسط. انهيار النظام السوري السابق هو بلا أدنى شكّ فشل لموسكو التي سعت لجعل تدخّلها في هذا البلد استعراضاً لقدرتها على مساندة حلفائها خارج الفضاء ما بعد السوفياتي. غير أنّ هذا الانهيار ارتبط بجملة من الأسباب الداخلية أيضاً، وكذلك بتراجع نفوذ إيران في المنطقة. تورّط روسيا في الحرب الأوكرانية قد يكون بين العوامل التي ساهمت في تسريع انهيار النظام السوري ولكنني أظنّ أنّ مثل هذا الأمر كان محتمل الحدوث من دون التورّط المشار إليه. أرى هنا أيضاً أننا أمام قدر كبير من المبالغة.


صحيح أنّ إيران وقّعت مع روسيا على اتّفاق إستراتيجي، غير أنّ الاطّلاع التفصيلي عليه يوضح أنه لا يتضمّن تحالفاً عسكرياً بالمعنى الفعلي للكلمة. الالتزام الوحيد الذي ينصّ عليه الاتّفاق هو ألّا يقوم أي من البلدين بمساعدة جهة خارجية تعتدي على أحدهما. وحول هذه النقطة، أنا أجزم بأنه حتى ولو لم تقعْ حرب في أوكرانيا، فإنّ روسيا ما كانت لتقف مباشرة إلى جانب إيران في صراعها مع إسرائيل. روسيا لم تفكّر حتى في مثل هذا الخيار، مع أو من دون الحرب في أوكرانيا.


أمّا بالنسبة إلى المفاعيل الإقليمية لتفاهمات روسية-أميركية، فإنني أرى مستويَين: القوة الصاعدة بنيوياً في الشرق الأوسط هي الصين، وإذا تراجعت حدّة التنافس بين الولايات المتحدة وروسيا، قد يسمح ذلك لهما، كل على حدة، بمواجهة مثل هذا الصعود بشروط أفضل.


■ منذ بداية الحرب على غزة، بقي سقف مواقف روسيا النقدية لإسرائيل منخفضاً وهي احتفظت بعلاقات ودّية مع حكومة نتنياهو، ما أثار حيرة البعض. بالتوازي مع ذلك، حرصت موسكو على أخذ مسافة عن طهران في أثناء مجابهتها مع إسرائيل، رغم أنها، وفقاً للعديد من التقارير، استخدمت على نطاق واسع مسيّرات إيرانية الصنع في حربها في أوكرانيا. هل سيكون لهذا الموقف الروسي تداعيات على العلاقات مع إيران؟

هذه وقائع ينبغي أخذها بالاعتبار، لكنّ المشهد الإجمالي أكثر تعقيداً. في بداية حرب غزة، لم يتردّد الرئيس بوتين في استخدام عبارات قاسية لدرجة المقارنة بين حصار غزة وحصار لينينغراد من قبل النازيين في أثناء الحرب العالمية الثانية، والذي تسبّب بموت حوالي مليون مدني روسي.


لكن منذ بضعة أشهر، نشهد غياباً للديبلوماسية الروسية عن هذا الملف. من الممكن القول أيضاً إنّ الإعلام الروسي بات يتعامى عمّا يجري في غزة. نحن أمام تغيّر لافت في التعاطي مع هذه الحرب من قبل روسيا حيث عملت في مراحلها الأولى على تظهير مجرياتها لكشف تواطؤ الغرب مع انتهاكات فاضحة للقانون الدُّولي، ما يضرب صدقيّة خطابه تجاه روسيا حول هذا الموضوع. أمّا في المرحلة التالية، فإنها باتت تتجاهل حرب غزة تماماً ما يزيد الشكوك حول وجود صفقة بينها وبين إسرائيل. هل حصلت روسيا على ضمانات من إسرائيل بعدم منحها أي مساعدة لأوكرانيا في مقابل التزامها بعدم التدخّل في مسار الصراع الدائر في غزة؟ هذه فرضية مطروحة وليس لدي تفسير شافٍ حتى الآن لهذا الأمر.


أمّا بالنسبة إلى العلاقات مع إيران، فإنّ مسألة المسيّرات مهمّة، خاصة بعد تراجع الاعتماد الروسي على تلك الإيرانية وصناعة مسيّرات روسية أكثر تطوّراً. علينا ألّا ننسى أنّ الحرب في أوكرانيا تدخل عامها الرابع، أي هي حرب طويلة، وأنّ الروس استداروا نحو الإيرانيين عندما أضحت الأخيرة حرب استنزاف، ولم يكن لديهم خبرة كافية في مجال المسيّرات. بكلام آخر، لا تصحّ المقارنة بين نزاع طويل، كذلك الدائر في أوكرانيا، وبين آخر قصير جداً على المستوى الزمني جرى بين إيران وإسرائيل. من المحتمل أنّ عمليات نقل لتكنولوجيا عسكرية روسية إلى إيران قد تمّت دون أن يحظى ذلك بتغطية إعلامية لأسباب بديهية. تتمّ مثل هذه العمليات بسرّية وعادة ما يسمح للشركاء بتطوير قدراتهم العسكرية بعيداً عن أعين وسائل الإعلام والأعداء.


لا أعتقد أنّ الرّوس لم «يردّوا الجميل» للإيرانيين في بعض المجالات العسكرية. أمّا إذا تناولنا الموضوع بمنظور المدى الطويل، فإنّ الرّوس كانوا دائماً حذرين في علاقاتهم مع إيران. مبيعات السلاح الروسي، خاصّة السلاح المتطوّر، كانت دائماً تخضع لمفاوضات طويلة ومدد تسليم طويلة هي الأخرى. العلاقات الروسية-الإسرائيلية كانت بين الاعتبارات التي تفسّر مثل هذا الحذر الرّوسي وكذلك العلاقات المهمّة بنظر موسكو مع بلدان الخليج على المستويات الديبلوماسية والاقتصادية.


■ ذكرتم أنّ من بين دواعي سياسة إدارة ترامب الراهنة سنجد الأولوية التي تمنحها للتصدّي لصعود الصين. هل هذه الإدارة تطمح لإبعاد روسيا عن الصين وهل هذا الخيار مطروح بالنسبة إلى موسكو؟

أنا غير مقتنع بأنّ هذا الخيار مطروح بالنسبة إلى روسيا. الصين هي الجار الرئيسي لروسيا ولديها حدود مشتركة طويلة جدّاً معها وهي، كقطب اقتصادي مجاور، شريكها الاقتصادي الأبرز. ليس لروسيا أدنى مصلحة في أن تلعب ورقة الغرب ضدّ الصين. أعتبر، من جهتي، أنّ ما قد نراه مستقبلاً هو عملية إعادة توازن لعلاقات روسيا الخارجية لأنّ ليس لأي قوة كبرى مصلحة في أن تكون معتمدة حصرياً على العلاقات مع قوة كبرى أخرى. قد نشهد ذلك عندما تنتهي الحرب الأوكرانية بطريقة أو بأخرى. روسيا سعت دوماً إلى تنويع شراكاتها الخارجية وهذا ما تفعله في إطار «البريكس» مثلاً، عبر تنمية تعاونها في شتّى المجالات مع دول الجنوب الصاعدة.


أجرت المقابلة وأعدتها للنشر :

لينا كنوش، باحثة وكاتبة عربية في قضايا الجيوبوليتيك


مركز الحقول للدراسات والنشر

14 أيلول، 2025


*ديفيد تورتري، فرنسي باحث فرنسي، في الشؤون الروسية

التعليقات (0)

لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!

أضف تعليقاً

يرجى إدخال الاسم
يرجى كتابة تعليق