
العرب و"تحالف الراغبين" : أوروبا تريد إغراقنا في حربها الفاشلة
يتكامل هذا السلوك "الإسرائيلي"، كلياً، مع أهداف "تحالف الراغبين"
هيئة تحرير موقع الحقول / خاص ـ الوطن العربي : تتميز الدورة السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة التي تنعقد هذا الشهر، بأنها تعقب القمة الروسية ـ الأميركية في آلاسكا بين الرئيس فلاديمير بوتين والرئيس دونالد ترامب. وفي هذه المناسبة العالمية تتعدد الفرص أمام الديبلوماسية العربية لكسب التأييد الدولي للقضايا العربية واهمها القضية الفلسطينية. وتكبر مسؤولية الدول العربية وممثليها في الأمم المتحدة تجاه هذه القضية، وفي هذه الدورة بشكل خاص، بعد أن قررت إدارة الرئيس ترامب، تقديم دعم إضافي إلى "إسرائيل"، بحظر دخول ممثلي فلسطين المحتلة إلى الولايات المتحدة الأميركية.
وقد جاء العدوان الإسرائيلي على مقر قيادة حركة حماس في الدوحة عاصمة إمارة قطر، ليؤكد أهمية التوقف عند نتائج قمة آلاسكا وتأثيرها على المصالح العربية. وبالتحديد عند رد الفعل الأميركي والأوروبي على هذا العدوان. الذي وفر دليلاً حاسما على سقوط الضمانات الأمنية الأميركية لدول "مجلس التعاون الخليجي". بعدما جزم الخبراء بأن طائرات إسرائيل استفادت من المساعدة الفنية التي قدمتها القاعدة الأميركية في الإمارة، وكيف "تعطّل" الدفاع الجوي القطري، الأميركي الصنع، وفتح الطريق أمام الهجوم المعادي.
كما يتبين لدى مراجعة الموقف الإقليمي من العدوان، أن الإتحاد الأوروبي، وخاصة "تحالف الراغبين"، قدم إدانة خجولة، لم ترفق بأي خطوات عملية تتناسب مع مستوى العلاقات السياسية والديبلوماسية والأمنية والتجارية والمالية التي تربط دوله بإمارة قطر وبقية دول "التعاون الخليجي" الذي وجد نفسه من دون خيمة إقليمية أو دولية ترد عن أحد أعضائه غطرسة القوة الصهيونية الغاشمة. رغم أن تعدي "إسرائيل" على قطر، وهي إحدى أقطاب التطبيع الإبراهامي العربي والإسلامي معها، يعد نكسة كبيرة بل فضيحة للمزاعم الأوروبية، عن الإلتزام بقواعد القانون الدولي الحالي.
إن سلوك "إسرائيل" الإجرامي في فلسطين ولبنان وسوريا واليمن والعراق وتونس وفي إيران أيضاً، لهو تعبير جلي عن سيولة النظام الدولي الحالي، مثلما أنه هو أحد الديناميات الإمبريالية لإحباط مسار العالم نحو نظام دولي متعدد الأقطاب. ويتكامل هذا السلوك "الإسرائيلي"، كلياً، مع أهداف "تحالف الراغبين". ولذلك، نجد أن أركان هذا "التحالف" قد انزعجوا من نتائج قمة آلاسكا، وأولها، بل أهمها، إدراك الولايات المتحدة الأميركية، بأن هزيمة روسيا في الميدان العسكري في أوكرانيا، كما يتوهم الزعماء الأوروبيين، هو هدف مستحيل.
إن "تحالف الراغبين" الذي دعا إليه ماكرون وميرتس، وستارمر، كان رد فعل "تخريبي" على نتائج قمة آلآسكا بين بوتين وترامب. لكنه رد فعل "بائس" في الواقع. لأنه يبين أن هؤلاء الساسة، قد حشروا "المصير الأوروبي" بـ"الحرب الأوكرانية". وهذه مسألة يجب ألا تغيب عن الوجدان العربي. فقد عشنا، جميعاً، لحظة عتو دول "تحالف الراغبين"، في 8 ـ 9 ـ 10 أوكتوبر / تشرين الأول 2023، أيام هرولت إلى "إسرائيل" لتسندها كي تقف على قدميها، في مواجهة فقراء قطاع غزة، الذين "تمردوا" على الحصار "الإسرائيلي" لهم، طيلة نحو عقدين من الزمن. بينما كان السياسيون الأوروبيون، يتفرجون على الشعب العربي الفلسطيني، يسحق بآلة الحرب "الإسرائيلية" التي تغذيها دول الغرب قاطبة.
إن تهاوي نفوذ الإتحاد الأوروبي في السياسة الدولية المعاصرة، يبرهن بالمؤشرات الثابتة، خصوصاً في قمة آلاسكا. و"تحالف الراغبين، وبريطانيا بالذات، الذين عطلوا المفاوضات الروسية ـ الأوكرانية في اسطنبول، يريدون جرَّ العرب والمسلمين، بل كل الجنوب العالمي إلى عربة "المصير الأوروبي" التعس. وقد أشاحوا النظر عن "توسل" 52 دولة عربية وإسلامية لهم، طلباً للسلم مع الكيان الصهيوني، ولكي يعمل الإتحاد الأوروبي، على وقف حرب الإبادة الجماعية التي تشنها "إسرائيل" على شعب فلسطين في غزة والضفة الغربية في أراضي 1948. مع أن الجميع يدرك بأن الأمن المتبادل يتقدم كل قواعد تحقيق السلم الراسخ الإقليمي والدولي. والذي لا يقوم إلا بخلق الظروف الأولية المناسبة، بحيث يكون العرب والدول الإسلامية وسائر الجنوب العالمي الكبير، جزءاً من النظام العالمي للأمن الشامل الذي حان الوقت تشييده.
نشير إلى هذه الوقائع لننبه إلى أن "تحالف الراغبين" يعيد الكرَّة عله ينجح. فالتقارير الإحصائية الرسمية تجمع على ارتفاع نسب الفقر بريطانيا وفي فرنسا وألمانيا. حيث يُصنَّف أكثر من واحد من كل خمسة بريطانيين على أنهم يعيشون حالة “حرمان من الدخل”، أي أنّ دخولهم المتدنية أو البطالة تحول دون تغطية احتياجاتهم الأساسية.
كما كان 7 بالمئة من الفرنسيين غارقاً في الفقر عام 2023. وهذه النسبة ترتفع سنوياً، باعتراف رئيس الحكومة السابق فرنسوا بايرو. الذي خاطب الجمعية الوطنية الفرنسية قبل أيام، قائلاً : إن "مستقبل البلاد على المحك" بسبب "ديونها المفرطة". وأضاف : "بلادنا تعمل وتظن أنها تزداد ثراءً، لكنها في الواقع تزداد فقراً كل عام، إنه نزيف صامت وغير مرئي، ولا يُحتمل". أما في ألمانيا، ووفقا للمكتب الاتحادي للإحصاء، فقد أضحى أكثر من 21.3 بالمئة من السكان (ما يعادل أكثر من 25.5 مليون شخص) يعيشون تحت خط الفقر أو مهددون بالإقصاء الاجتماعي بحلول عام 2024. ويضاف عليهم 14.4 بالمئة من الألمان الذين يتهددهم بخطر الفقر.
هذا الواقع البائس الذي تعيشه شعوب دول "تحالف الراغبين" لم يثن قادتها عن السياسة الفاشلة التي يتبعونها. وبدلا ًمن إنقاذ شعوبهم من براثن الجوع والفاقة، نجدهم مصرين على إحضار الولايات المتحدة الأميركية إلى "ساح القتال". ويفتشون عن طرق بديلة لإحباط تفاهمات قمة آلاسكا بشأن "مصير أوكرانيا". وفي حالتهم، فإن إحدى أفشل هذه الطرق، كان قرار حكومات دول "التحالف" رفع نسبة العجز في موازناتها العامة لتغطية نفقات "العسكرة" الجامحة التي تجتاح أوروبا. ما ألقى أعباء ثقيلاً على اقتصاداتها القومية، يتوقع ألا تنجو منه.
إن "العسكرة تجتاح أوروبا في القرن الحادي والعشرين". هكذا كان مانشيت صحيفة "لوموند" الفرنسية في نيسان الماضي. يتصدر "حزب العسكرة" الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والمستشار الألماني أولاف شولتز، ورئيس الوزراء البريطاني كير ستامر، ورئيسة المفوضية الأوربية أورسولا فون ديرلاين، تضمن موقعاً قوياً لأوكرانيا على مائدة التفاوض مع روسيا. وهؤلاء الساسة الإنتهازيين، كما نردد دائماً، يحلمون بضمان موقع قوي لأوكرانيا على مائدة التفاوض مع روسيا، ولذلك أعلنوا عن تخصيص 800 مليار دولار لبناء الجيوش الأوروبية، وملء مخازن السلاح والذخيرة التي جرى تجريفها دعماً للمجهود الحربي الأوكراني. ولذلك، يقوم هذا "الحزب" بسن القوانين والتشريعات التي تسمح برفع سقف الدين العام لدول الاتحاد الأوروبي.
حتى أصبحت لندن وباريس وبرلين مسكونة بالحرب، ولذلك، تسعى إلى توريط دول الجنوب العالمي الكبير في مساعي إحباط فرص السلم كافة.
ولقد أحسنت ديبلوماسية الدول العربية صنعاً، في الأيام الأخيرة، عندما رفضت تأييد بيان الأمم المتحدة، الذي يحمل روسيا المسؤولية عن حادث المسيرات التي تاهت ووصلت إلى بولندا. وفي هذا الموقف لم يكن العرب وحدهم. فمن من أصل 193 دولة عضواً في الأمم المتحدة، وقعت على البيان 46 دولة فقط، وهي : بولندا، "صاحبة المصاب"، النمسا، بلجيكا، المجر، المملكة المتحدة، ألمانيا، اليونان، جورجيا، إيطاليا، إسبانيا، النرويج، كوريا الجنوبية، الولايات المتحدة، أوكرانيا، فرنسا، اليابان. ناهيك عن بعض الدول ـ الجزر وعدد من "الدول المصطنعة".
ويدل هذا الموقف العربي والدولي على تحالف ستارمر وماكرون وميرتس لم يقدر على خداع "جنوبيي العالم"، بما في الدول العربية. يريد "تحالف الراغبين تعويم نظام اليهودي الصهيوني فلاديمير زيلينسكي في أوكرانيا، بل وتعويمه شخصياً، بدعوة دول "الجنوب غلى الإجتماع إليه أو الإتصال به، مع كل جرائمه بحق الشعب الأوكراني في شرق البلاد. ويمتد الخداع الأوروبي لـ"الجنوبيين"، حالياً، إلى هيئة الأمم المتحدة، حيث تبذل المساعي لتوفير تأييد "عالمي" لزيلينسكي في دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة التي تنعقد هذا الشهر.
من البديهي ألا تقع حكومات دول الجنوب الكبير في هذا الشَرَك السياسي والديبلوماسي الذي ينصبه "تحالف الراغبين" لها. لا سيما وأنها رأت كيف قررت إدارة الرئيس دونالد ترامب استيفاء ثمن الأسلحة الأميركية التي يرسلها الإتحاد الأوروبي إلى أوكرانيا. وهو ما يضعف عزم "تحالف الراغبين" باستمرار الحرب الأطلسية في أوكرانيا. وهذا القرار كان حجَّة شديدة على أن أميركا تأبى التورط في الحرب ضد روسيا، مباشرة، الأمر الذي تتوق بروكسل وكييف إليه وتعمل لفرضه على الأميركيين.
إن قرار الإدارة الأميركية بتمويل "حرب اوكرانيا" من جيوب المكلفين الأوروبيين قد تسبب بصدع محور الحرب الغربي في هذا البلد السلافي العتيق. ولكن الأوروبيون لم يفقدوا الأمل، بإنقاذ إرادتهم السياسية وترميم هذا الصدع، من خلال دول الجنوب العالمي الكبير. لقد أدت "حرب أوكرانيا" إلى اضطراب أسواق الغذاء والزراعة في العالم. والشعب العربي وسواه من الشعوب الأفروآسيوية قد تضررت كثيراً من هذه الحرب المريرة. لقد لمعت في القمة الروسية ـ الأميركية بارقة خير، بتهدئة هذه الأسواق وخفض أكلاف الإنتاج الزراعي وزيادته، كما خفض أكلاف الغذاء والمؤن لصالح الأمن الغذائي لتلك الشعوب. ولذلك، نجد أن تشجيع قمة آلاسكا على عودة التفاوض الروسي ـ الأوكراني المباشر، وعلى أساس حقائق الوضع الميداني القائم في أوكرانيا هو في مصلحة الجنوب العالمي الكبير وبقية الشعوب. كما أنه المخرج الوحيد لإنهاء تلك الحرب المدمرة، الذي يمكن أن يعيد ترسيخ الأمن العالمي. بل إن تسوية الأزمة الأوكرانية، قد تفتح الباب ليس لتأمين اسواق الزراعة والغذاء وحسب، وإنما لتسوية قضايا عالمية أخرى.
هيئة تحرير موقع الحقول
الثلاثاء، 24 ربيع الأول، 1447 الموافق 16 أيلول، 2025
التعليقات (0)
لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!
أضف تعليقاً