
المباحثات السرية الجارية بين سورية وإسرائيل: ثلاث سيناريوهات محتملة
ترجح الورقة أن تفضي المفاوضات "إلى تفاهمات أمنية بين الطرفين حول بعض القضايا، وأهمها مكافحة الإرهاب وتحمل النظام السوري مسؤولية منع أي تهديد أمني من الأراضي السورية تجاه إسرائيل"
تحرير "مركز الإمارات للسياسات" / أبو ظبي : دخلت سورية وإسرائيل في الآونة الأخيرة في مباحثات سرية عبر وسطاء لمناقشة ملفات أمنية أساساً تتعلق بالحفاظ على الاستقرار ومنع الفوضى وضبط السيطرة على الحدود بين البلدين. وتزامنت هذه المباحثات مع حدوث متغير التقارب السوري ـ الأمريكي الذي ظهر في اللقاء الذي جمع الرئيس الأمريكي دونالد ترمب والرئيس السوري أحمد الشرع بالرياض بوساطة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وإعلان الرئيس الأمريكي عن رفع العقوبات عن سورية.
تتناول هذه الورقة تطور العلاقات السورية ـ الإسرائيلية، وطبيعة المباحثات السرية بينهما، وأهداف الطرفين من هذه المباحثات، والتوقعات من نتائجها.
تطورات العلاقات السورية ـ الإسرائيلية
تعاملت إسرائيل مع السلطة السورية التي أعقبت إطاحة نظام بشار الأسد في 8 كانون الأول/ديسمبر 2024، بوصفها تهديد مستقبلي أمني واستراتيجي على أمنها القومي، واتّبعت استراتيجية إضعاف السلطة الجديدة ومنع استقرارها، من خلال تدمير القدرات العسكرية المتبقية للدولة السورية عبر القصف الجوي، واحتلال المنطقة العازلة في القنيطرة من الجولان المحتل، وحتى التدخل في الشأن الداخلي السوري من خلال ادعاء حماية الدروز السوريين، وحتى تكرار التصريحات عن إمكانية تقسيم سورية إلى دويلات.
وقد عارضت إسرائيل رفع العقوبات الأمريكية عن سورية ما بعد الأسد، فبعد دخول ترمب البيت الأبيض في 20 كانون الثاني/يناير 2025 طالبه رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بعدم دعم السلطة الجديدة واستقرارها وعدم إلغاء العقوبات على سورية خشية حدوث سيناريو شبيه بأحداث 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 على الحدود السورية. ومع زيارة نتنياهو الثانية لواشنطن في شهر أبريل الماضي، وبروز موقف الرئيس الأمريكي الداعم للدور التركي في سورية -وقد بدا حينها أن الإدارة الأمريكية تبحث عن مصالحها في ظل الواقع الجديد في سورية- ثم لقاء الرئيس الأمريكي ترمب الرئيس السوري أحمد الشرع خلال زيارته الرياض في 13 أيار/ مايو الماضي وإعلانه عن رفع العقوبات عن سورية وتعيينه السفير الأمريكي في أنقرة توماس برّاك مبعوثاً خاصاً إلى سورية - أدركت إسرائيل أنها بحاجة إلى التكيف مع القبول الإقليمي والدولي، سيما الأمريكي، للنظام الجديد في سورية، ما يستدعي إعادة تقييم أهمية التعامل مع النظام الجديد في دمشق للحفاظ على الأمن القومي الإسرائيلي.
واتضح هذا الأمر مع إعلان الرئيس السوري أحمد الشرع خلال زيارته لباريس في 7 أيار/ مايو الفائت عن أن هناك "مفاوضات غير مباشرة" بين سورية وإسرائيل عبر وسطاء بهدف تهدئة الأوضاع وعدم خروجها عن السيطرة". وكانت تقارير صحفية قد كشفت عن بدء مباحثات سرية بين الحكومة السورية الجديدة وإسرائيل بوساطة إقليمية تتمحور حول قضايا الأمن، والاستخبارات المتبادلة، وبناء الثقة بين الدولتين.
ومع بدء تلك المحادثات، برزت مؤشرات على أن الطرفين حريصان على إنجاح المحادثات والتوصل إلى تفاهم حول قضايا ملحة لأمن كل منهما. فمن الجانب السوري تمثلت المؤشرات في تحرير أرشيف الجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهن؛ فبالرغم من أن إسرائيل أعلنت أن نقل أرشيف كوهن من سورية إلى إسرائيل كان نتيجة عملية نفذها الموساد الإسرائيلية، فإن الأنباء تشير إلى أن نقل الأرشيف كاملاً لإسرائيل (2500 وثيقة وغرض) كانت عملية بالتنسيق مع السلطة الحاكمة في سورية. وسبق ذلك لقاءات نظمتها السلطة السورية مع المجموعة اليهودية في سورية والعالم، من أجل التأكيد على توجه النظام التصالحي مع جميع الطوائف في سورية. كما شملت المؤشرات خطوة اعتقال قيادات فلسطينية من حركة الجهاد الإسلامي؛ فبعد أن أظهرت السلطات الحاكمة في دمشق استجابتها لأحد الشروط الأمريكية في حظر أنشطة الفصائل الفلسطينية على الأراضي السورية، وذلك بتأكيد وزارة الخارجية السورية في رسالة إلى الخارجية الأمريكية أن الحكومة السورية "لن تسمح بأن تكون سورية مكان تهديد لأي جهة، بما في ذلك إسرائيل"، قامت دمشق باعتقال قياديَّين تابعين لحركة الجهاد الإسلامي، كما أشارت تقارير صحفية عدة إلى أن قيادات الفصائل الفلسطينية التي كانت محسوبة على النظام السوري السابق، غادرت دمشق. وعليه، اعتُبرت هذه الخطوة رسالة طمأنة من دمشق إلى إسرائيل مفادها أن الأراضي السورية لن تكون مكاناً لنشاط تنظيمات معادية لإسرائيل. وأخيراً، إبداء الرئيس الشرع انفتاحه على الانضمام إلى الاتفاقيات الإبراهيمية "في ظل الظروف المناسبة"، وفقاً لتصريحات نواب أمريكيين زاروا دمشق مؤخراً. وبالرغم من صعوبة أن يتجه الشرع إلى التطبيع من دون تحقيق جملة شروط أساسية تتعلق بالأراضي السورية المحتلة من طرف إسرائيل، سواء الجديدة أو القديمة، فإنه لا يمكن إغفال أهمية مثل هذه الإشارة الإيجابية من دمشق التي كانت تاريخياً تتبنى موقفاً متشدداً تجاه إسرائيل.
أما من الجانب الإسرائيلي فتمثلت المؤشرات في تراجع عمليات القصف الإسرائيلي في سورية؛ فمنذ اللقاء الثاني الذي جمع نتنياهو وترمب في البيت الأبيض في 8 نيسان / أبريل الماضي، تراجع القصف الإسرائيلي على سورية بشكل كبير، وفي بعض الفترات سادت حالة من الهدوء في العمليات العسكرية الإسرائيلية في سورية. وأيضاً تجاوز أزمة الدروز في سورية؛ فبعد اندلاع الأزمة في بلدتَي صحنايا وجرمانا بريف دمشق، لم تتخذ إسرائيل إجراءات شديدة في هذا الشأن كما وعدت مع صعود السلطة الجديدة، فقد هدّدت بعمليات عسكرية في المناطق الدرزية للدفاع عنهم، بل اكتفت بعمليات غلب عليها الطابع الرمزي، مثل قصف مجموعة مسلحة كانت متوجهة إلى منطقة درزية، والتحليق فوق القصر الرئاسي وقصف هدف قربه. والتغير الأهم تمثل في دعوة إسرائيل لأول مرة النظام السوري إلى أخذ مسؤولياته للحفاظ على الدروز، وهو توجه جديد يدل على تطبيع إسرائيل مع السلطة الجديدة في سورية.
مصالح الطرفين من المباحثات
تؤدي مصالح الطرفين، السوري والإسرائيلي، دوراً في انطلاق المباحثات بينهما، ويمكن الإشارة إلى مجموعة من المصالح المهمة لكل منهما من نجاح هذه المباحثات.
أولاً، المصالح السورية
تعزيز شرعية النظام السوري الدولية؛ يُدرك النظام السوري أن شرعيته الدولية، ولا سيّما نيل الاعتراف الأمريكي، تتطلب منه فتح مسار محادثات مع إسرائيل، على الأقل لتسوية الجوانب الأمنية بين البلدين. وتأتي أهمية المباحثات مع إسرائيل على اعتبار أن الأخيرة بقيت الدولة الوحيدة في "المحور الغربي" التي ظلت تتعامل مع السلطة الجديدة بصورة متشدّدة، ولم تتخلَّ عن وصفه بالنظام الجهادي ووصف الشرع بـ"إرهابي يلبس بدلة".
تجنب المواجهة مع إسرائيل، وفي الوقت نفسه التوصل معها إلى تفاهمات أمنية تؤدي إلى وقف العمليات العسكرية الإسرائيلية في سورية، والتي تُهدد مكانة وهيبة النظام الداخلية، وتضعه أمام ضغوط داخلية للرد على الهجمات والاعتداءات الإسرائيلية، وهي مرحلة لا يريد النظام السوري الدخول فيها لأنها قد تُهدد وجوده، لذلك فإن التفاهمات الأمنية مع إسرائيل -التي تضمن فيها السلطة السياسية في سورية الأمن الإسرائيلي على الحدود- تخدم شرعية النظام الداخلية وتُساهم في استقراره الداخلي من خلال وقف التدخل الإسرائيلي في تغذية الانقسامات الداخلية، وتساعد في التفرغ لقضايا التنمية الاقتصادية والحفاظ على وحدة الجغرافيا السورية.
تسريع إعادة الإعمار، إذ تدخل التفاهمات مع إسرائيل ضمن سياسات النظام السوري نحو تسريع رفع القيود الاقتصادية عن سورية. وبالرغم من أن الموقف الإسرائيلي لم يكن حاسماً في قرار كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي برفع العقوبات الاقتصادية، إلا أن التفاهم الأمني مع إسرائيل يشجع -بلا شك- الاستثمار الاقتصادي في سورية لما يحمله من حالة من الهدوء الأمني والاستقرار الداخلي.
ثانياً، المصالح الإسرائيلية
ضمان الأمن على الحدود الإسرائيلية، لا سيّما أن إسرائيل لا تزال تعيش صدمة السابع من أكتوبر، وإمكانية تكرار ذلك على الحدود السورية، فالتوصل إلى تفاهمات أمنية مع السلطات الجديدة في دمشق يُحقق المصالح الأمنية لإسرائيل دون التنازل عن المناطق التي احتلتها جنوب سورية.
الضغط على النظام السوري لتفكيك سلاح المنظمات الفلسطينية في سورية ومنع أي نشاط للفصائل الفلسطينية في سورية، وذلك بعد أن قضى النظام الجديد على وجود المليشيات الإيرانية في سورية، فالمباحثات تدفع النظام السوري إلى منع النشاط الفلسطيني أو أن تكون سورية ساحة لنشاط فلسطيني، سواء سياسي أو عسكري، وبالذات أن سورية كانت موقعاً لبعض الفصائل الفلسطينية المسلحة، لا سيّما الجهاد الإسلامي الفلسطيني، وحركة حماس قبل الثورة السورية.
ضمان المصالح الإسرائيلية فيما يتعلق بمستقبل سورية، لا سيّما فيما يخص النفوذ التركي في سورية وتعميق دمشق علاقاتها الأمنية والعسكرية بتركيا، إذ تأتي المباحثات في محاولة لطمأنه النظام السوري من الأهداف الإسرائيلية في سورية، لإبعاده قدر المستطاع عن المحور التركي ومحاولة تقريبه للمحور العربي، كما تأتي لضمان عدم عودة نفوذ المحور الإيراني إلى سورية. وفي الوقت نفسه، بات واضحاً لإسرائيل أن العالم يعترف بشكل تدريجي بالنظام السوري ويتعامل معه، وعزوف إسرائيل عن ذلك قد يؤدي إلى عزلتها الدولية وعدم تأثيرها في التحولات في سورية، لا بل قد يُظهرها كعامل عدم استقرار في سورية، وهو الأمر الذي يحاول المجتمع الدولي تجنبه.
تحديّات التقارب بين دمشق وإسرائيل وعوائقه
تُواجه المباحثات بين سورية وإسرائيل وإمكانية التوصل إلى تفاهمات مشتركة، جملة من التحديّات، أبرزها ما يأتي:
- التنافس التركي-الإسرائيلي على سورية؛ فقد تتحول سورية إلى ساحة صراع بين إسرائيل وتركيا، وبالذات سعي إسرائيل لمنع التموضع العسكري التركي في سورية الذي تَعتبره إسرائيل تهديداً استراتيجياً لها، وفق الورقة الرسمية التي قدمها يعقوب نيغل رئيس مجلس الأمن القومي السابق، والتي أشارت إلى أن المواجهة القادمة ستكون بين إسرائيل وتركيا في سورية، وأوصى المؤسسة الأمنية والعسكرية التحضير لهذه المواجهة في المستقبل. ومن الواضح أن تنامي التصعيد بين قوتين إقليميتين رئيستين على الأرض السورية سيُضيف تعقيدات على مسار التفاهمات بين سورية وإسرائيل.
- قضية الأقليات في سورية، فلا تزال إسرائيل، أو تيار فيها على الأقل، يرى في مسألة الأقليات في سورية، وبالذات الدروز والأكراد، عاملاً لإبقاء التأثير الإسرائيلي في سورية، وورقة تستغلها للضغط على النظام السوري والتدخل في الشأن السوري، وليس من السهولة أن تتنازل إسرائيل عن هذه الورقة في هذه المرحلة الحاسمة من تاريخ سورية.
- ظهور معارضة سورية داخلية للتفاهم مع إسرائيل أو حتى التوصل إلى اتفاق معها، وبخاصة أن نظام الشرع يضم تيارات دينية متشددة ترى في إسرائيل عدواً لا يجوز التصالح معه. وفي الوقت نفسه، قد تستغل القوى المعارضة للنظام السوري الجديد من المحور الإيراني هذه المباحثات في محاولة لنزع شرعية النظام وإظهار "تواطئه" مع إسرائيل، وذلك لتأليب الداخل السوري، لا سيّما القوى المتشددة، على حكومة الشرع.
سيناريوهات مستقبل المباحثات بين الطرفين
في ضوء ما جاء في الورقة من فرص وتحديات للمباحثات، يمكن الإشارة إلى ثلاثة سيناريوهات لمستقبل المباحثات بين دمشق وتل أبيب.
السيناريو الأول: نجاح المباحثات والتوصل إلى اتفاق أمني شامل بين البلدين
ينطلق هذا السيناريو من نجاح الوساطة بين تل أبيب ودمشق في التوصل إلى اتفاق شامل بينهما في المجالات الأمنية تتمثل في منع التهديد المتبادل، ومكافحة الإرهاب، والحفاظ على أمن الدروز في سورية، ومنع تموضع عسكري تركي واسع في سورية، ومنع أي نشاط عسكري فصائلي مُعاد لإسرائيل، في مقابل توقف القصف الإسرائيلي، والاتفاق على نزع السلاح في منطقة جنوب سورية، وذلك في حالة قررت إسرائيل الانسحاب من الأراضي التي احتلتها بعد سقوط نظام بشار الأسد، والحفاظ على حق إسرائيل في منع أي تهديد لها في هذه المناطق، وبناء منظومة تنسيق أمني مشترك بين البلدين.
ويعتمد هذا السيناريو على مصلحة الطرفين في التوصل إلى هذا الاتفاق، بحيث يضمن المصالح الأمنية الإسرائيلية، ويحفظ الاستقرار الداخلي في سورية، ويكون بمنزلة التمهيد ولاتفاق سياسي في المستقبل بين البلدين. ويضمن الاتفاق مصالح الطرفين دون تنازلات سياسية، ففي حين أن النظام السوري يمنع القصف الإسرائيلي دون إبرام اتفاق سلام في هذه المرحلة، فإن إسرائيل تؤمّن حدودها مع سورية وتخفف العبء الأمني عليها من هذه الجبهة وتضمن مصالحها الأمنية في سورية مستقبلاً.
ويُواجه هذا السيناريو تحديات كثيرة، ومنها احتمال معارضة أطراف إقليمية، مثل تركيا، لهذا الاتفاق، وإمكانية حدوث معارضة داخلية للنظام السوري، فضلاً عن معارضة أطراف في إسرائيل تقييد حرية العمل العسكري الإسرائيلي في سورية وتسليم الأمن الإسرائيلي لنظام لا تثق فيه إسرائيل بشكل كامل، لا سيّما بعد تجربة السابع من أكتوبر.
السيناريو الثاني: فشل المباحثات بين الطرفين
يشير هذا السيناريو إلى فشل المباحثات السرية بين الطرفين، وذلك للفجوة الكبيرة بينهما والتوقعات العالية لكل طرف من الطرف الآخر، حيث تتوقع سورية توقفاً نهائياً لكل العمليات الأمنية والعسكرية الإسرائيلية في سورية، وهو أمر لن تتعهد به إسرائيل، وقد لا تتعهد بجدولة انسحابها من الأراضي التي احتلتها بعد سقوط نظام بشار الأسد. وفي المقابل لن يتعهد النظام السوري بعدم منح تركيا مكانة عسكرية خاصة في سورية، وقد يتردد النظام في الذهاب إلى اتفاق يُلبي الشروط الإسرائيلية ويتناقض مع المصالح التركية، فقد يرى أن أولوية علاقته بتركيا تسبق أي تفاهمات مع إسرائيل في هذا الشأن.
يواجه هذا السيناريو تحديّاً كبيراً متمثلاً في حرص النظام السوري على التوصل إلى تفاهمات مع إسرائيل توقف الاعتداءات الإسرائيلية على سورية، وحرصه على تسوية ملف العلاقة بإسرائيل في الجانب الأمني ليتمكن من التفرغ للملفات الداخلية وتعميق شرعيته الدولية، كما أن من مصلحة إسرائيل التوصل إلى تفاهمات أمنية مع النظام السوري تضمن مصالحها الأمنية بعد زيادة صعوبة استمرار عمليات القصف والتوغل في أعقاب تعميق مشروعية النظام إقليمياً ودولياً وأمريكياً، وقبول المجتمع الدولي بالسلطة الجديدة بسورية، مما يقيّد تحركاتها العسكرية في سورية، الأمر الذي يزيد من أهمية التوصل إلى تفاهمات أمنية مع السلطة الجديدة في دمشق.
السيناريو الثالث (المرجح): نجاح المباحثات في التوصل إلى تفاهمات جزئية
ينطلق هذا السيناريو من أن المباحثات سوف تُفضي إلى تفاهمات أمنية بين الطرفين حول بعض القضايا، وأهمها مكافحة الإرهاب وتحمل النظام السوري مسؤولية منع أي تهديد أمني من الأراضي السورية تجاه إسرائيل، مقابل توقف التوغل الإسرائيلي والقصف الجوي داخل الأراضي السورية، وأن يشمل الاتفاق أيضاً تعاوناً استخباراتياً تزود إسرائيل بموجبه السلطة السورية بمعلومات عن أي تهديد تراه للأمن الإسرائيلي على أن تتولى الأخيرة مسؤولية إحباط هذا التهديد.
يعتمد هذا السيناريو على مبدأ الوصول إلى الحد الأدنى من التفاهمات بين البلدين حول قضايا تتعلق بالأمن الراهن، بحيث تكون إمكانية الاتفاق واردة دون الدخول في تعقيدات الملفات الأخرى المتعلقة بالنفوذ التركي، والعلاقات الإقليمية المتنامية للنظام السوري مع دول إقليمية أخرى، وفي الوقت نفسه يحرر الاتفاق الجزئي إسرائيلَ من مطلب الانسحاب من المنطقة المنزوعة السلاح، كما أنه يقلل الحرج الداخلي للنظام في سورية فيما يتعلق بإبرام اتفاق أوسع مع إسرائيل.
استنتاجات
تنبع المباحثات السرية بين الحكومة السورية الجديدة برئاسة أحمد الشرع والحكومة الإسرائيلية، من إدراك الطرفين للواقع المُتشكل في المشهد الإقليمي والدولي الذي فرض عليهما الجلوس والتباحث. فإسرائيل أدركت أنه قد يفوتها القطار في المسألة السورية بعد اعتراف القوى الرئيسة في المنطقة والعالم، وفي مقدمتها إدارة ترمب، بالسلطة الجديدة في سورية، وبدء "صراع" بين محاور ودول مختلفة على جذب النظام الجديد إلى صفها. وفي المقابل، أدرك النظام السوري الجديد أن مسألة الاستقرار الداخلي وتوجيه الجهود نحو إعادة بناء سورية تتطلب تهدئة الجبهة مع إسرائيل. وبناءً على ذلك فإن التوصل إلى تفاهمات أولية على المستوى الأمني، وهي أقل من اتفاق شامل، تعتبر الخطوة الصحيحة التي يمكن للطرفين التعايش معها في ظل التحديات سالفة الإشارة، وتركز هذه التفاهمات على بناء الثقة بالدرجة الأولى، وتجاوز حالة التوتر ومنع التهديدات، وقد تمثل مقدمة لانطلاق محادثات حول اتفاق سلام أشمل مستقبلاً.
محرر الحقول :
ـ هذه الورقة وردت من "مركز الإمارات للسياسات" إلى موقع الحقول عبر البريد الإلكتروني، يوم 6 حزيران /يونيو 2025.
ـ الورقة من إعداد "وحدة الدراسات الإسرائيلية والفلسطينية" في "مركز الإمارات للسياسات"، ومنشورة على صفحة "المركز" يوم 4 حزيران/ يونيو 2025
ـ العنوان الأصلي للورقة : "المباحثات السرية بين سورية وإسرائيل: مصالح أمنية آنية واستراتيجية مُؤجلة"
ـ يعيد موقع الحقول نشر هذه الورقة الصادرة في أبو ظبي، من دون تعديل لأهميتها، حيث ذكرت تقارير الوكالات الغربية أن العاصمة الإماراتية توسطت بين دمشق وتل أبيب، لكن أبوظبي بلسان الوزيرة لانا نسيبة، "كذبت" تلك التقارير. وكانت بعض التقارير العربية قالت إن أحمد الدالاتي، الذي يشغل حالياً منصب قائد الأمن الداخلي في محافظة السويداء، هو الذي يمثل النظام الإنتقالي السوري، برىاسة أحمد الشرع في المفاوضات السرية السورية ـ الإسرائيلية
مركز الحقول للدراسات والنشر
الجمعة، 10 ذو الحجة، 1446 الموافق 06 حزيران، 2025
التعليقات (0)
لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!
أضف تعليقاً