
الغرب والعرب و"سلاح التهجير"؟
تتحرك "شبكات العمل الإنساني" التي يمولها الغرب، لكي تؤمن ضبط هذه الكتل السكانية في أماكن جغرافية بعيدة عن دوله
كتب محرر الحقول / خاص ـ الوطن العربي : تصور حكومات الإتحاد الأوروبي وبريطانيا والولايات المتحدة دولها كـ"ضحية" لظاهرة الهجرة غير الشرعية التي اجتاحتها. وتبدو في تصريحات سياسيي "الترويكا الغربية" وبرامجهم الإنتخابية "مشكلة داخلية"، يتم "احتواءها" بالعقاب للمهاجرين ومن ينقلهم إلى هذه الدول ويثاب كل من يمنعهم عنها.
وتبين معاينة أساليب بروكسل ولندن وواشنطن لإنقاذ "الضحية"، أي تخليص دولهم من أضرار هذه الظاهرة بأن "الضحية" هم المهاجرون أنفسهم. فـ"الإحتواء" باستخدام مزيج من أسلحة الديبلوماسية والقانون والمال والأمن والإعلام يسمح للغرب بأن "يتنصل" من مسؤوليته عن تضخم هذه الظاهرة وتدويلها.
ويعني "التنصل" طمس الأسباب التي أجبرت العرب في سوريا والعراق والسودان والصومال ولبنان واليمن وتونس ومن قبلهم جميعاً الفلسطينيون، على الترحل في غياهب الطرق البرية والبحرية والجوية إلى أوروبا وبريطانيا وحتى أميركا، بالتحايل على قيود الأمن وقوانين العبور وشروط الإقامة.
طبعاً، يمكن أن نزيد على تلك الدول العربية، أفغانستان، وبعض دول أميركا اللاتينية، والدول الإفريقية جنوب الصحراء. وقد أفادت تقارير صحفية أوروبية، منذ أيام، بأن بروكسل دفعت مئات ملايين اليوروهات لحكومات عربية، لكي ترمي المهاجرين الأفارقة المتسللين إلى أوروبا في متاهات الصحراء!.
لقد أتقن الأوروبيون والبريطانيين والأميركان "صناعة الهجرة غير الشرعية". تقع "مناجم" هذه "الصناعة" السرية في دول التهجير. والتدقيق في أوضاع كل منها، يؤدي إلى استنتاج واحد، قاطع : أن الحكومات الغربية هي المسبب الرئيسي للتهجير، ولظاهرة الهجرة غير الشرعية في العالم.
وهذا الإستنتاج لا يتغير بين دولة وأخرى إلا بتاريخ "ولادة" الظاهرة. مثلاً، تهجير الأفغان بدأ مع الإحتلال الأميركي لأفغانستان في عام 2001، بينما تهجير السوريين بدأ بالحرب الأطلسية الهجينة لتدمير سوريا منذ عام 2011. أو مثلاً، تهجير العراقيين مع الإحتلال الأميركي ـ الأطلسي عام 2003.
في كل الدول يرد ذكرها كدول تهجير، تتطابق السياسات الأوروبية ـ البريطانية ـ الأميركية تجاهها. من دعم الإرهاب، والعقوبات الإقتصادية والإرهاق الإعلامي وإعادة الهندسة الإجتماعية، ولا سيما الهجرة الإنتقائية، وصولاً إلى "الدمقرطة" والحرب الشاملة. هذه السياسات هي "معدات صناعة التهجير".
بهذه "المعدات" تغدو الحياة مستحيلة على الفئات الأكثر ضعفاً في المجتمع، لأنها تدمر البنى التحتية الأساسية للحياة. وناهيك عن مشقة العيش، فإن اضطراب الأمن الشخصي والعائلي والإجتماعي، هو أقوى فاعل في تهجير المواطنين الآمنين. أليس هذا ما نراه في سوريا ولبنان والعراق وفلسطين المحتلة وغيرها.
وحينما يتحول المواطنون في دولتهم إلى لاجئين في الدول المجاورة، تتحرك "شبكات العمل الإنساني" التي يمولها الغرب، لكي تؤمن ضبط هذه الكتل السكانية في أماكن جغرافية بعيدة عن الإتحاد الأوروبي وبريطانيا وأميركا. وتمول هذه "الشبكات" من الموازنات الحكومية مباشرة لتقوم بمهمتها.
كما تضبط بروكسل ولندن وواشنطن حركة المهجرين أو النازحين بعيداً عن أراضيها، من خلال الإغراء المالي لحكومات دول اللجوء في الإقليم مثل لبنان، والأردن وتركيا في حالة سوريا، لاستبقاء المهجرين أو النازحين في أراضيها. فالغرب يكافح الهجرة غير الشرعية بتوجيه حركة المهجرين في دول الإقليم.
في مرحلة معينة تستخدم السياسات الغربية ملف اللاجئين في دول الإقليم كأداة ضغط على الدول التي تستضيفهم. في الأردن استخدم النازحون السوريين ككتلة مسلحة عابرة للحدود. في لبنان يسبب النازحون توتراً طائفياً وسياسياً مزمناً. أما في تركيا فكانوا ضحايا السياسيين وأداة ابتزاز متبادل بين أنقرة وبروكسل.
في مصر مثلاً، التي "تستضيف" نحو عشرة ملايين مهجر على أراضيها، تقوم منظمات غير حكومية ممولة من مصادر غربية، والحكومات الغربية أيضاً، بـ"اختراع" ملفات حقوقية ضد القاهرة، لمحاولة "تطويعها" في ملفات معينة. اقتراح الرئيس الأميركي بتهجير الفلسطينيين من غزة إلى سيناء ليس المثل الأخير.
تحتاج ظاهرة الهجرة غير الشرعية إلى تدخل عربي جماعي عبر جامعة الدول العربية والإتحاد الإفريقي. حتى لا يبقى الغرب الإمبريالي ممسكاً بها، ويستعملها كسلاح خطير، ضد مصالح العرب والمسلمين والدول المستضعفة. ويمكن أن تقوم الدول العربية بمبادرة لتدويل مضاد لهذه الظاهرة من خلال الأمم المتحدة ومن خلال التحالف العربي والإفريقي مع دول الجنوب العالمي الكبير، الذي برزت أهميته في رفض تهجير الفلسطينيين في حرب الإبادة الجماعية "الإسرائيلية" على قطاع غزة في فلسطين المحتلة.
هيئة تحرير موقع الحقول
الأربعاء، 03 ذو القعدة، 1446 الموافق 30 نيسان، 2025
التعليقات (0)
لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!
أضف تعليقاً