الكولونيالية الأميركية الجديدة و"الشرق أوسطية"
شركات صناعة الأسلحة الأميركية "جزء لا يتجزأ من المشهد الحربي الإستراتيجي" الأميركي
كتب محرر الحقول / خاص ـ الوطن العربي : أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة، أن عدد ضحايا حرب الإبادة "الإسرائيلية" قد بلغ 68,527 شهيداً فلسطينياً إضافة إلى 170,395 مصاباً فلسطينياً منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 إلى اليوم الأول من الأسبوع الحالي. وتظهر في هذه الإحصاءات، أن قتل الجيش "الإسرائيلي" مئات ألوف الفلسطينيين (واللبنانيين والسوريين) يومياً، وتحديداً النساء والأطفال والعجائز، يوطد "جسر الشراكة" الأميركي ـ "الإسرائيلي". حيث نجحت حكومة العدو الصهيوني من خلاله، بتدمير قطاع غزة، حتى أضحى مكاناً غير قابل للحياة، بحسب مصادر دولية وعربية وفلسطينية متعددة.
لقد أيقظ طوفان الأقصى حركة شعوب العالم على القضية الفلسطينية. ودفعت حرب الإبادة الجماعية التي تشنها "إسرائيل" على قطاع غزة مئات الملايين من الناس للخروج إلى الشوارع تضامناً مع الفلسطينيين ومن أجل وقف الحرب عليهم. لكن هذه اليقظة لم تغير "السياسة الفلسطينية" لأميركا. إذ تمعن واشنطن، غصباً عن كل حركة التضامن العالمية، تلك، في إمداد الكيان الصهيوني بكافة حاجاته لحرب الإبادة : الجنود، التكنولوجيا، اللوجستيك، ضخ المال في الموازنة "الإسرائيلية"، ومنح الحماية السياسية والديبلوماسية للنظام الصهيوني في هيئات الأمم المتحدة.
أصبحت الحكومة الأميركية بعد سنتين من طوفان الأقصى تصدر التعليمات "تصدر التعليمات الى الجيش "الإسرائيلي" في شؤون قطاع غزة. هذا ما صرح به رئيس الوزراء "الإسرائيلي" السابق نفتالي بينت، منذ أيام، إلى وسائل إعلام العدو، قائلاً للقناة 12: إن "واشنطن تتغلغل في عملية صنع القرار داخل إسرائيل، وقد تم إنشاء قاعدة عسكرية أميركية في [مستوطنة] كريات غات لإعطاء الجيش الإسرائيلي التعليمات". وفي نفس الوقت، كشف المراسل العسكري في "قناة كان" إيتاي بلومنطال، إنه "في الوقت الذي يُحافَظ فيه على وقف هشٍّ للحرب في غزة، فإن قصة أخرى تدور على الحدود الشمالية" على الحدود مع لبنان.
ويوضح بلومنطال أنه : "كما في غزة، فإنه يوجد أيضاً في الشمال آلية أميركية للإشراف على تطبيق وقف إطلاق النار [مع لبنان]. وهناك ضباط أميركيون يتواجدون في مقر قيادة الجبهة الشمالية في صفد. وكل شيء يتم حسب خطط الولايات المتحدة". لقد أدى "جسر الشراكة" بين واشنطن وتل أبيب إلى أن "تسلب الولايات المتحدة صلاحيات أمنية من إسرائيل"، بحسب صحيفة هآرتس. لكن مشكلة "السيادة الناقصة"، هي نعمة لرئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو والنخبة السياسية للنظام الصهيوني. لأن هذا "الجسر" الذي سببها، هو "سر نجاحهم"، في أن تصير "إسرائيل اليوم ـ كما قال نتنياهو قبل قليل ـ هي القوة الأقوى في الشرق الأوسط ولقد غيّرنا بالكامل ميزان الردع وميزان القوى".
هذا الدعم الأميركي الغزير الذي ينهمر على "إسرائيل" ليس جديداً. فقد خاض الجيش "الإسرائيلي" ولم يزل يخوض الحروب العدوانية الكبرى ضد العرب ويحتل اراضيهم بالسلاح الأميركي. ولولا هذا الدعم ما كان بوسع النظام الصهيوني أن يتمرد على قرارات الأمم المتحدة لعشرات السنين، فيركل وجه "المجتمع الدولي" كلما طاب له أن يفعل ذلك. بيد أن هذا "الدعم التقليدي" ليس إنفاقاً مجانياً، إنما استثمار تجاري / "بيزنس" في هذه الحروب، ينمي أرباح شركات صناعة الأسلحة الأميركية، ولا سيما الشركات العشر الشهيرة، التي تعرَّف بأنها "جزء لا يتجزأ من المشهد الحربي الإستراتيجي" الأميركي.
يدخل في هذا الإستثمار المجزي، الإنفاق العربي على اقتناء الأسلحة الأميركية. تتصدر المملكة العربية السعودية قائمة زبائن صناعة الأسلحة في الولايات المتحدة من بين سائر الدول العربية. وقد ذكرنا المملكة، كمثال وحسب، وهي التي صنفها تقرير "معهد استوكهولم لأبحاث السلم" في المرتبة السابعة من بين الدول العشر الأكثر إنفاقاً عسكرياً في عام 2024. حيث وصلت قيمة النفقات العسكرية السعودية إلى 80،3 مليار دولار، بعد بريطانيا التي أنفقت 81,8 مليار دولار، وقبل فرنسا التي أنفقت 64,7 مليار دولار.
ويشكل الإستهلاك العربي للأسلحة الأميركية، جزءاً من دينامية تدوير عائدات تصدير المواد الخام من الموارد الطبيعية، بإعادة تصديرها عبر المشتريات من السوق الأميركية والأسواق الغربية، ما يدعم النظام المالي الأميركي، الذي يعتمد كثيراً على الدينامية الإنتاجية للنفط والغاز العربي والإفريقي أيضاً، لتخفيف الإضطراب المالي والنقدي في الداخل الأميركي وتثبيت الهيمنة الإقتصادية العالمية لواشنطن.
ومن المؤسف أن هذا التداخل المالي ـ التجاري بين الإقتصاد العربي والإقتصاد الأميركي، على اختلاله لصالح الثاني، لا يقابله تبادل متناسب في المصالح السياسية بين الدول العربية وواشنطن، خصوصاً بعد طوفان الأقصى. وقد رأينا الحكومة الأميركية والحكومات الغربية تمتنع عن اتخاذ إجراءات عقابية ضد "إسرائيل" على جرائم حرب الإبادة الجماعية التي يرتكبها جيش العدو الصهيوني في قطاع غزة. بل إن الرئيس ترامب الذي كان يقول أنه سينهي هذه الحرب، قد أعطى "إسرائيل" الفرصة لقتل عدد أكبر من أبناء الشعب الفلسطيني. ثم يأتي ويقدم نفسه كـ"داعية سلام" مهدداً المقاومة الفلسطينية بالإبادة.
وبدلاً من إرغام "إسرائيل" على دفع كلفة جرائمها والتعويض على الفلسطينيين، بتحميلها نفقات إعادة إعمار قطاع غزة، نجد الرئيس ترامب يطالب الدول العربية، لا سيما دول التعاون الخليجي بدفع هذه النفقات، أي بتمويل الجرائم "الإسرائيلية" وترسيخ السيطرة الأميركية والغربية في المشرق العربي. وهو يضغط عليها للتطبيع مع الكيان الصهيوني، ومد "يد الصداقة" إلى مجرمي الحرب الذي يحكمونه. إن الإدارة الأميركية تمتنع عن تقديم أي ضمانات للفلسطينيين بإعادة حقوقهم الوطنية المشروعة، أو ما يسمى الحل العادل، أو البحث بما تسميه الدول العربية والأجنبية "حل الدولتين".
إن المسألة الرئيسية التي تواجه الإقليم العربي وجواره في إيران وباكستان وحتى تركيا، هي عدم توفير ضمانات الأمن الإقليمي في مواجهة التهديد الإستراتيجي الذي تمارسه تل أبيب. لأن كل دول هذا المنطقة الجغرافية الشاسعة لها حق الدفاع عن نفسها، وحماية أمنها، من السياسة العدوانية لـ"إسرائيل". والولايات المتحدة، تريد أن تفرض على هذه الدول، قواعد للأمن الإقليمي تحت مسمى النظام الشرق أوسطي، الذي تقوده واشنطن وتل ابيب. فيما نرى أن الإعتداءات "الإسرائيلية" الحربية اليومية على غزة ولبنان وسوريا واليمن، وأخيراً على قطر، تتم بمشاركة عملياتية أميركية، في تجديد للسياسة الكولونيالية القديمة، رغم ادعاء الأميركيين والغربيين أنهم يعملون بمبادئ الديموقراطية ويهتدون بالقيم الليبرالية.
مركز الحقول للدراسات والنشر
الثلاثاء، 07 جمادى الأولى، 1447 الموافق 28 تشرين الأول، 2025






















التعليقات (0)
لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!
أضف تعليقاً