
الضربات الأميركية تؤخر أم تنشط طموحات إيران النووية
قال جيه دي فانس إن الضربات على إيران أعاقت برنامجها النووي "بشكل كبير"، لكنه هو مخطئ
ترجمة الحقول / خاص ـ بيروت : صرّح نائب الرئيس الأمريكي، جيه دي فانس، في حديثه صباح أول أمس الأحد، بأن الضربات الجوية الأمريكية على إيران يوم السبت الماضي قد "أعاقت برنامجها النووي بشكل كبير". وجاءت تصريحات دي فانس بعد وقت قصير من تصريح الرئيس دونالد ترامب بأن العملية "دمرت بالكامل" منشآت نووية رئيسية في البلاد. ولا شك أن صور الأقمار الصناعية للمباني المدمرة وسفوح الجبال المليئة بالحفر تُثبت هذه الادعاءات.
لكن تصريحات فانس وترامب تظهر ثقة مبالغاً بها. إذ من المرجح أن تتمكن إيران من إعادة بناء برنامجها النووي بسرعة، ربما في غضون عام أو نحو ذلك. والأكثر من ذلك، أنه بعد الضربات الأمريكية، ثمة خطر حقيقي من أن تتخذ طهران قرارًا يتجاوز تخصيب اليورانيوم وتخزينه إلى صناعة قنبلة نووية.
وقد خمن رئيس هيئة الأركان المشتركة، الجنرال دان كين، أن تكون المواقع الثلاثة التي تعرضت لضربات طيران الولايات المتحدة، بما فيها منشأة التخصيب الإيرانية الواقعة تحت الأرض في فوردو، قد تعرّضت "لأضرار بالغة وتدمير"، لكنه كين حذّر من ناحية ثانية من أنّ التقييم النهائي "سيستغرق بعض الوقت". ورغم كل ذلك، فمن المرجّح أن تحتفظ إيران بيورانيوم عالي التخصيب، ومكونات أجهزة الطرد المركزي، مع خبرة واسعة وهي عنصر أساسيّ يسمح لها بإعادة بناء برنامجها النووي بسرعة كبيرة.
ليس من الواضح كميّة اليورانيوم الصالح للاستخدام في تركيب قنبلة التي دمّرتها الضربات الصاروخية. ووفقًا للوكالة الدولية للطاقة الذرية، فقد راكمت إيران حوالي 400 كلغ من اليورانيوم المخصب بنسبة 60 بالمئة بحلول 17 أيار /مايو الماضي. وهذه الكمية تكفي لصنع عدد قليل من الأسلحة النووية بشرط زيادة تخصيبها. وقد تحدث المدير العام للوكالة، رافائيل غروسي في العلن إلى أنّه قبل شن الهجوم الأميركي المواقع الثلاثة، إلى أن إيران ربما تكون قد نقلت كل أو بعض هذه الكمية من منشأة التخزين التي كانت تحت مراقبة الوكالة الدولية للطاقة الذرية. كذلك، ألمح فانس إلى أن هذه المواد لا تزال في أيدي الإيرانيين.
وتحظى إيران بفرصة جيدة للحفاظ على هذا اليورانيوم عالي التخصيب آمنًا وسريًا. وعادةً ما تُخزن هذه المواد في أسطوانات صغيرة بحجم وشكل عبوة الهواء التي يحملها الغطاس. ومن الصعب كثيراً تتبع هذه المعدات، حتى بالنسبة للولايات المتحدة وإسرائيل، اللتان تتميزان بقدراتهما الاستخباراتية الفائقة.
إن المعدات اللازمة لزيادة تخصيب هذه اليورانيوم لا تزال تحت تصرف إيران. وحتى لو دمرت إسرائيل جميع منشآت إنتاج أجهزة الطرد المركزي (وهذا غير مؤكد)، فإن إيران تمتلك مخزونًا كبيرًا من مكونات أجهزة الطرد المركزي. وقد فقدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية القدرة على رصد هذه المكونات عندما انهارت "خطة العمل الشاملة المشتركة" المعروفة أيضًا باسم الاتفاق النووي الإيراني، عقب انسحاب الولايات المتحدة من الإتفاق عام 2018. وكما هي كمية اليورانيوم عالي التخصيب، فإن مكونات أجهزة الطرد المركزي صغيرة الحجم أيضاً، وسهلة النقل، ومن الصعب اكتشاف مخازنها السرية.
وبالنظر إلى إخلاء إيران منشآت رئيسية قبل الضربات الأمريكية على المواقع النووية الثلاثة، فإن من المفترض أن يكون معظم الكوادر الإيرانية من العلماء والفنيين المهرة قد نجوا من تلك الضربات. ومع كمية اليورانيوم المخصب بنسبة 60 بالمئة ونحو 100 أو 200 جهاز طرد مركزي سلموا من التدمير، بوسع هؤلاء العلماء والفنيين أن يباشروا بإنتاج ما يكفي من اليورانيوم الصالح للاستخدام في صنع قنبلة نووية في غضون أسابيع قليلة.
ستكون المنشأة المطلوبة أصغر بكثير من فوردو التي صُممت لتضم بضعة آلاف من أجهزة الطرد المركزي، وأصغر بكثر من نطنز المصممة لعشرات الآلاف الأجهزة المذكورة. فالمنشأة النووية المطلوبة صغيرة ويمكن تمويه عملها بوضعها في منشأة صناعية صغيرة قد تكون بُنيت لغرض آخر، أو دفنها داخل جبل أعلى من الجبل الذي ضم فوردو. وقد لا تبدأ إيران ببناء مثل هذه المنشأة على الفور، إذ من المرجح أن ينصب تركيزها الفوري على الحفاظ على سلامة موادها ومعداتها وكوادرها قدر الإمكان. ولكن بمجرد إعطاء الضوء الأخضر، يُرجَّح أن يتمكن الفنيون الإيرانيون من تشغيل منشأة نووية بهذا الحجم في غضون عام، وربما أسرع بكثير بالنظر إلى نجاحهم مؤخراً من تشغيل أجهزة الطرد المركزي.
ويضاعف هذا الإحتمال حقيقة أن الضربات الأمريكية والإسرائيلية ربما زادت من عزم إيران على التخلي عن مبدأ عدم انتشار السلاح النووي. فقد كانت على مدى أكثر من 20 عامًا، تسعى إلى التمكن من إلى امتلاك القدرة على تركيب أسلحة نووية في وقت قصير، ولكن ليس العمل على إنتاج الأسلحة. وتقدر تقارير أجهزة الاستخبارات التي صدرت قبل الهجوم الأمريكي على إيران، أن ضرب فوردو من المرجح أن يدفع طهران إلى اتخاذ القرار السياسي ببناء القنبلة النووية.
وإذا اتخذت طهران هذا القرار، فستحتاج إلى "تسليح" اليورانيوم عالي التخصيب، أي القيام بخطوات لتحويله إلى قنبلة فعّالة وقابلة للاستخدام. وقد وردت أنباء عن وجود خلاف بين الولايات المتحدة وإسرائيل، وكذلك داخل الحكومة الأمريكية، حول المدة التي ستستغرقها هذه الخطوات. وتشير التقديرات الأكثر تفاؤلاً لوكالات التجسس، من وجهة نظر الولايات المتحدة، إلى حوالي عام. وبما أن جهود إيران لإنتاج اليورانيوم عالي التخصيب وتصميم سلاح نووي يمكن أن تسير بالتوازي في الوقت نفسه، إلى حد كبير، فمن غير المرجح أن تتطلب عملية "تسليح" اليورانيوم إلى تأخير حصول إيران على سلاح نووي.
يفيد هذا التقدير بأنه الضربات الجوية الأمريكية لن تعطل قدرة إيران على إنتاج سلاح نووي خلال عام، من قرار البدء. ولكن هناك الكثير من عدم اليقين في هذا التقدير. لكنه تقدير متوسط، بين أفضل وأسوأ الاحتمالات.
في أسوأ الاحتمالات هو أن تمتلك إيران بالفعل منشأة تخصيب نووية سرية عاملة، تتيح تصميم شبه مكتمل لسلاح نووي، يمكنها أن تصنعه في غضون بضعة أشهر.
في أفضل الاحتمالات، وهو أبعد ما يكون عن الحدوث، أن يؤدي المزيد من العمل العسكري الأميركي ضد إيران إلى تدمير مخزونات إيران من اليورانيوم عالي التخصيب ومكونات أجهزة الطرد المركزي. ولكن هذه النتيجة لن تكون جيدة على الإطلاق. بما أن إيران تحتفظ بالمعرفة والخبرة، فمن المرجح أن تتمكن من إعادة بناء برنامجها النووي بالكامل في غضون بضع سنوات. لا ينبغي أن يكون هذا سببًا للإرتياح؛ فقد هاجم المعترضون الاتفاق النووي الإيراني لأن حدوده (بحسب روايتهم التبسيطية المفرطة) لم تصمد سوى 10 إلى 15 عاماً.
أريد أن أكون مخطئًا. آمل أن تقبل إيران الآن اتفاقًا شاملًا وقابلًا للتحقق ودائمًا لنزع السلاح النووي. بل الأفضل من ذلك، آمل أن يُستبدل النظام الحالي بديمقراطية ليبرالية، شفافة، ذات توجه غربي، تتمتع بوعود منع الانتشار النووي بمصداقية نيوزيلندا. ومع ذلك، تبدو هذه النتائج مستبعدة للغاية. فقد أعلنت إيران، بمصداقية مبالغ فيها، أنها ستُقلص تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بل وهددت غروسي. علاوة على ذلك، حتى لو انهار النظام الحالي، فمن المرجح أن يُستبدل بنظام مماثل، إن لم يكن أكثر ضرراً للمصالح الغربية.
جيمس م. أكتون
يشغل جيمس م. أكتون كرسي جيسيكا ت. ماثيوز، وهو المدير المشارك لبرنامج السياسة النووية في مؤسسة كارنيغي للسلم الدولي
ترجمة وتحرير موقع الحقول مركز الحقول للدراسات والنشر
المقال منشور في موقع مجلة "بوليتيكو" بتاريخ 23 حزيران 2025
مركز الحقول للدراسات والنشر
الإثنين، 27 ذو الحجة، 1446 الموافق 23 حزيران، 2025
التعليقات (0)
لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!
أضف تعليقاً