“أطلسة” أمن دول الخليج العربي تحت ستار “الشراكة”؟

سحب الصلبان من المدارس الإيطالية وعودة الجدل بشأن الهوية الأوروبية؟
سفير روسيا في بيروت : يوجد كسر أكيد للأحادية الأميركية، ونتقدم الى عالم متعدّد الأقطاب. الحوار هو الطريق الى الحل في سوريا
تدهور الديموقراطية الأميركية : اتهام متدربين مسلمين بالتجسس في الكونغرس

هل يغزو حلف شمال الأطلسي‏/ناتو‏ منطقة الخليج العربي ويصبح القوة الرئيسية المسؤولة عن ترتيباتها الأمنية، عوضا عن الاتفاقيات الثنائية الموقعة بين دول مجلس التعاون الست‏,‏ وبين كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا على نحو ثنائي ؟

هذا السؤال بات يطرح بقوة خصوصا أن ناتو حرص على أن يكون له موضع قدم في منطقة الخليج عبر انضمام العديد من دول مجلس التعاون لمبادرة اسطنبول للتعاون، التي أعلنها الحلف في قمة لقادته بمدينة أسطنبول التركية في حزيران/يونيو ‏2004‏، والتي تهدف إلى المساهمة طويلة المدى في الأمن العالمي والإقليمي، من خلال توفير التعاون الأمني العملي الثنائي لدول منطقة الشرق الأوسط الموسع مع حلف الناتو‏.‏
صحيح أن هذا التعاون لم يأخذ أشكالا عسكرية واضحة المعالم والقسمات‏,‏ لكنه ينبئ عن توجه لدى الناتو لأن يكرس حضوره في المنطقة ذات الأهمية الإستراتيجية من الناحية الجيوسياسية‏.‏

وقد بدا هذا التوجه شديد الوضوح في المؤتمر الذي عقد أخيرا بمدينة أبوظبي للدول الأعضاء في مبادرة أسطنبول بحضور مسؤولي‏28‏ دولة عضو في حلف شمال الأطلسي‏,‏ وأمينه العام الجديد أندرس فوغ راسموسن والأمين العام لمجلس التعاون الخليجي عبد الرحمن بن حمد العطية‏.‏
ومؤتمر أبوظبي لم يكن الأول من نوعه، وإنما سبقه مؤتمران. عقد كلاهما بالدوحة وشكلا بداية التطور الحقيقي في العلاقة بين دول الخليج العربي وناتو,‏ وإن كان الحوار بين الجانبين قد بدأ منذ مطلع التسعينيات. المؤتمر الأول ‏: ‏كان بعنوان ‏’‏تحولات الناتو والأمن في الخليج‏’,‏ وقد عقد في نيسان/إبريل‏2004,‏ وبحث في طبيعة الدور الذي يمكن أن يلعبه حلف شمال الأطلسي في أمن الخليج‏,‏ والمكاسب التي يمكن أن تجنيها دول المجلس من هذا التعاون أو الشراكة المرتقبة والتحديات التي تقف أمام مثل هذا التعاون‏.‏

والمؤتمر الثاني : كان بعنوان ‏’‏دور الناتو في أمن الخليج‏’,‏ وعقد في كانون الأول/ديسمبر‏2005‏ وظهر فيه اتفاق الأطراف المشاركة على ضرورة تفعيل الشراكة الإستراتيجية في مجال الأمن في ظل وجود تحديات مشتركة‏.‏ وجاء مؤتمر أبو ظبي الأخير ليرسخ الخطوات العملية التي ستنتج عن دخول ناتو على خط المعادلة الأمنية لمنطقة الخليج. وحسب رؤية الأمين العام للحلف فإن دول الخليج ودول حلف شمال الأطلسي تواجه الأخطار والتهديدات نفسها التي تؤثر بشكل متزايد في أمن كل دول الجانبين‏ ‘‏ومن بين هذه الأخطار‏’ ‏التطرف والإرهاب والجريمة عبر الحدود.

وحذر أندرس فوغ راسموسن في هذا السياق، من مخاطر أن تنتقل الأسلحة الاكثر خطورة إلى أيدي الإرهابيين‏,‏ مؤكدا أن ‏‏ناتو ‘يعلق أهمية كبرى على أمن دول الخليج‏’‏، وهو يري أن “ثمة مصلحة مشتركة بين الجانبين في مساعدة دول مثل أفغانستان والعراق على النهوض‏,‏ وفي تعزيز الاستقرار في الشرق الاوسط والحوؤل دون أن تغرق دول مثل الصومال والسودان في الفوضي أكثر فاكثر‏’.

‏ولم ينس الأمين العام لحلف شمال الاطلسي أن يبدي القلق إزاء البرنامج النووي الإيراني ويقول بالحرف الواحد‏ ‘‏لدينا قلق جدي من الطموحات النووية لإيران ومن تأثير ذلك على المنطقة‏,‏ الحيوية للاستقرار والأمن العالميين‏’.‏
في المقابل، فإن منطقة الخليج العربي، كما يؤكد مسؤولون من دول مجلس التعاون من بينهم الشيخ عبدالله بن زايد وزير الخارجية الإماراتي والذي استضافت بلاده المؤتمر الاخير للتعاون مع ناتو‏,‏ تبدو في حاجة إلى الحلف كرقم مهم في ترتيباتها الأمنية‏,‏ خصوصا في ظل ما تتسم به من أهمية إستراتيجية كبيرة ليس فقط بحسبانها مصدرا رئيسيا للاقتصاد والطاقة في العالم، وإنما أيضا لاعتبارات جيوسياسية وأمنية مهمة‏,‏ مما يستدعي تعاونا إقليميا ودوليا مشتركا ذلك لأن التهديدات والتحديات التي تواجه الجانبين متشابكة‏,‏ ولا سبيل للتعامل معها إلا بتعاون دولي شامل ومستمر،لافتا النظر إلى حجم ونوعية التحديات المستجدة التي لا تقف عند الحروب والصراعات فحسب‏,‏ وإنما تمتد لتشمل تهديدات متنوعة قد تكون لعواقبها أخطار أكثر من النزاعات المسلحة‏,‏ الأمر الذي يؤكد ضرورة إيجاد مفهوم أشمل للأمن في الإقليم باعتبار أن التهديدات التي تتعرض لها منطقة الخليج العربي تستوجب الاهتمام ليس فقط على الصعيد الإقليمي بل وعلى المستوى الدولي أيضا‏.‏

وفق رؤية الخبراء فإنه منذ نهاية حرب الخليج الثالثة‏، أي الحرب الأمريكية على العراق‏,‏ يستند التعاون مع حلف ناتو إلى رؤى جديدة تهدف إلى إعادة ترتيب المنظومة الأمنية في الخليج من المعطيات أفرزتها حرب الخليج الثالثة‏ ـ‏ الحرب الأمريكية على العراق‏ ـ‏ سواء فيما يتعلق بتحول الولايات المتحدة إلى جار إقليمي واتجاهها إلى إعادة صياغة علاقاتها مع القوى الإقليمية في المنطقة بناء على نتائج الحرب وميل ميزان القوى في النظام الإقليمي الخليجي لصالح إيران، مقارنة بدول مجلس التعاون الخليجي والعراق‏,‏ إضافة إلى حالة الغياب العربي الواضحة عن ترتيبات الأمن في الخليج‏.‏

ويأتي اهتمام ناتو بأمن الخليج في إطار الإستراتيجية الجديدة التي يتبناها منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر‏2001‏ والتي تقوم على ضرورة توسيع الحلف لنطاق عملياته إلى خارج أوروبا‏,‏ وبناء علاقات تعاون مع كل جيرانه بمن فيهم أعداؤه السابقون وعلى رأسهم روسيا‏.‏
وتنطلق رؤية ناتو لأمن الخليج من بناء حلف متعدد الأقطاب يتقاسم أعضاؤه الأعباء والمهام‏,‏ ومن تشجيع عملية التحول إلى تحالف ذي فاعلية أكبر‏,‏ ومن أجل الاستفادة من هذه التجارب لا بد من أن يتم الاهتمام بتوسيع برنامج الشراكة الذي يتبناه الحلف ليشمل دول الخليج.

وهناك من يرى أن التمدد الإستراتيجي الأمريكي والأوروبي الذي يمثله حلف شمال الأطلسي بهذا التوجه نحو المنطقة العربية عموما ومنها الخليجية خصوصا‏,‏ إنما ينطلق من أجندة إستراتيجية عالمية تتعدي حدود هذه المنطقة‏,‏ ولكن انطلاقا من هذه المنطقة التي تمتد لتشمل العالم الإسلامي كله من إندونيسا إلى المغرب‏,‏ والتي تطلق عليها الإدارة الأمريكية وصف‏(‏ الشرق الأوسط الكبير‏).‏
ويجيئ هذا التمدد الأطلسي في أعقاب عدة متغيرات ومستجدات عالمية‏,‏ منها تنامي ظاهرة الإرهاب وزيادة المخاوف الأطلسية من انتشار أسلحة الدمار الشامل في أيد غير صديقة للغرب‏,‏ وغياب حلف وارسو من الساحة العالمية‏,‏ مما فتح شهية ناتو للتوسع شرقا‏,‏ وتغيير إستراتيجيته ليقوم بدور سياسي بعد أن كان عسكريا فقط‏,‏ وفي خارج أراضيه بعد أن كان قاصرا على أراضي دوله فقط‏,‏ وليبادر إلى شن عمليات استباقية بعد أن كان دفاعيا فقط‏.‏

ويبدو أن دور حلف ناتو في الشرق الأوسط لم يتوقف مع الحوار الأطلسي‏ ـ‏ المتوسطي فقط‏,‏ لكنه تجاوز ذلك بالوصول إلى منطقة الخليج‏,‏ لتنفيذ المشاركة في مجال الأمن مع هذه الدول كل على حدة‏,‏ مع الأخذ في الاعتبار أن هذه الدول هي الأخري تسعي لإيجاد علاقة أمنية مع ناتو‏,‏ فما زال الأمن في منطقة الخليج يواجه العديد من المشكلات التي تتمثل في صعوبة إيجاد نقطة توازن في علاقات القوى الإقليمية يمكن أن تشعر مختلف الأطراف الخليجية العربية بالأمن‏,‏ وكيفية تحقيق الموازنة بين العناصر الوطنية والإقليمية‏,‏ والدولية في المعادلة الأمنية‏.‏

وتدرك دول مجلس التعاون الخليجي بدورها أن صيغة المشاركة الأمنية الإقليمية‏,‏ والمقننة والمعززة بصداقات وترتيبات أمنية إقليمية قائمة على الاحترام والمصالح المتبادلة‏,‏ توليفة فرضتها ضرورة التعامل مع معطيات خلل علاقات القوى في المنطقة‏,‏ وطموحات بعض القوى الإقليمية وتطلعاتها المتعارضة‏,‏ لذا اتجهت بعض دول المجلس لفتح حوار مع حلف شمال الأطلسي في هذا الشأن‏.‏
وقد رحب الحلف بهذا التوجه مجددا التزامه بتقديم المساعدة لدول مجلس التعاون الخليجي في إطار دعم قدراتها الدفاعية‏,‏ عبر تبادل المعلومات‏,‏ ووسائل الدفاع‏,‏ وملائمة عتاد الدفاع‏,‏ وإعادة هيكلة القوات المسلحة‏,‏ ومهمات حفظ السلام‏,‏ وتدريب ضباط البلدان المعنية في الأكاديميات العسكرية التابعة للحلف.

ولكن على الرغم من ترحيب دول المجلس بالتعاون الأمني مع ناتو في بعض المجالات‏,‏ فإنها أصرت على أن يكون هذا التعاون في إطار قاعدة الاحترام المتبادل البعيد عن منطق فرض الهيمنة لتحقيق المصالح المتبادلة بين الجانبين‏,‏ والعمل على تطوير صيغ جديدة للتعاون والتكامل بين القوات العسكرية الخليجية لدعم قدرتها على الدفاع عن أمن المنطقة‏,‏ والربط بين أمن الخليج والأمن الإقليمي‏,‏ وهو ما يتطلب التوصل إلى حل عادل ودائم وشامل للقضية الفلسطينية وللصراع العربي‏ ـ‏ الإسرائيلي عموما وتطبيع الوضع في العراق‏.‏

ومع التسليم بأن أهداف الحلف المعلنة تجاه منطقة الشرق الأوسط عموما ودول الخليج بخاصة تأتي ضمن برامج الحلف للتعاون مع الدول غير الأعضاء‏,‏ ومنها برنامج الحوار المشترك مع مناطق يعتبرها الحلف إستراتيجية منها‏ :‏ جنوب المتوسط‏,‏ والشرق الأوسط‏,‏ ووسط آسيا‏,‏ والقوقاز‏,‏ حيث تتضمن هذه البرامج حوارا يستهدف تعزيز الثقة والتعاون ويتضمن علاقات لا تنتهي بالعضوية‏,‏ فإن الواقع يشير إلى أن هناك أهدافا أخرى غير معلنة لهذا التوجه‏,‏ وهنا يمكن الإشارة إلى ثلاثة أمور‏:‏

الأول‏:‏ تمثل الدول الخليجية الست وبلدان البحر المتوسط الجانب الأكبر لمبادرة الشرق الأوسط الكبير التي دعت إليها الولايات المتحدة وتبنتها قمة الدول الصناعية الثماني التي عقدت في ‏8‏ حزيران/يونيو‏2004‏ م‏,‏ فضلا عن قمة التحالف الأوروبي‏ ـ‏ الأمريكي التي عقدت في بأيرلندا بعد ذلك بأيام‏.‏
الثاني‏:‏ انتقال حلف شمال الأطلسي من الدفاع عن أراضي الدول الأعضاء إلى الدفاع عن مصالحها المشتركة خارج نطاق أراضيها من خلال المشاركة في تنفيذ مفهوم الضربات الاستباقية أوالإجهاضية,‏ أي الذهاب إلى مصادر التهديد والتعامل معها دون انتظار وقوعها‏,‏ وفي هذا الشأن يؤكد مسئولو الحلف أن ‏’‏قوة الرد العسكري للحلف جاهزة وتعمل‏,‏ ولدينا وسائل دفاع لمقاومة الإرهاب وبخاصة الهجمات الكيميائية والبيولوجية والإشعاعية والنووية‏’,‏ وهنا تجدر الإشارة إلى أن ناتو لا يزال يخشي سعي تنظيم القاعدة لامتلاك أسلحة دمار شامل‏.‏
الثالث‏:‏ يأتي الاهتمام الجديد من جانب حلف شمال الأطلسي بدول الخليج في إطار ما يطلق عليه‏ : ‘‏عولمة الأمن في الخليج وتدويل قضاياه‏’,‏ حيث يلاحظ أن التوجه الأمريكي بشأن منطقة الشرق الأوسط‏,‏ هو الذي أقنع الحلف بانتهاج هذا التوجه الجديد‏,‏ والمساهمة في أمن الشرق الأوسط‏.‏

وهناك عوامل عديدة تدفع حلف الناتو إلى العمل على تطوير إلية للتعاون والشراكة مع دول مجلس التعاون الخليجي ومد مظلته الأمنية إلى المنطقة‏,. يأتي أولا‏ ما تتمتع به المنطقة من إمكانات اقتصادية ونفطية هائلة تؤثر بشكل أو بأخر على مصالح دول ناتو إذا ما تعرضت للتهديد‏,‏ كما أن لدول الحلف مصلحة في الوجود العسكري في منطقة الخليج التي تتمتع بأهمية جوهرية من الناحية الجيواستراتيجية‏,‏ وذلك للإبقاء على الأحداث الجارية في الشرق الأوسط وشمال وشرق إفريقيا ووسط وجنوب آسيا تحت السيطرة‏ الغربية.‏

وبرغم أن الولايات المتحدة الأمريكية تقوم بدور الضامن الرئيس للمصالح الأمنية للدول الغربية خارج حدود القارة الأوروبية‏,‏ فإن ضرورات سياسية واقتصادية وعسكرية في بعض الحالات تفرض عليها أن تتقاسم مع حلفائها هذا العبء‏,‏ لذا فإنها تحض حلفاءها الأوروبيين على أداء دور أكثر بروزا في الدفاع عن تلك المصالح‏,‏ وخصوصا في منطقة الخليج العربي‏,‏ التي تعتمد فيها أوروبا كليا على القوة العسكرية الأمريكية لحماية إمدادات النفط التي قد تتعرض لمجموعة من الأخطار والتهديدات الداخلية والخارجية‏,‏ الأمر الذي قد تواجه معه المؤسسة العسكرية الأمريكية ضغوطا متزايدة للوفاء بالتزاماتها الأمنية العالمية‏,‏ في وقت تتحمل فيه القدر الأعظم من عبء الدفاع عن المصالح الغربية المشتركة في المنطقة‏;‏ لذا فإن الشراكة الأمريكية ـ‏ الأوروبية في أمن الخليج وعبر حلف ناتو إن هي إلا توجه تسعي الولايات المتحدة إلى تكريس أسسه باعتباره إحدى أهم الضمانات لأمن الخليج.

العزب الطيب الطاهر،صحفي وكاتب عربي من مصر
السبت 16 / 1 / 2010
المصدر :
http://arabi.ahram.org.eg/Index.asp?CurFN=wrld4.htm&DID=10194

COMMENTS