يتحدث السواحلية وعاش في الكونغو: هل تعكس شخصية غرايشن استراتيجية أوباما في السودان

بريطانيا الإمبريالية تنوي التنافس مع روسيا على النفوذ في الدول الأفروآسيوية وأميركا اللاتينية
تقرير : “القاعدة” تقترب من السلاح الكيميائي ومعلومات عن تهريبه من ليبيا إلى … تركيا؟
POLICE ATTACKS ON PROTESTERS ARE ROOTED IN A VIOLENT IDEOLOGY OF REACTIONARY GRIEVANCE

استند كثيرون إلى الخلفية الإفريقية للرئيس الأميركي باراك أوباما وتوجهات أعضاء إدارته المتشددة تجاه السودان، ليؤكدوا على رأيهم بان أوباما سيعطي الأولوية للسودان والقضايا الإفريقية قبل أي قضية أخرى. كما ذهب آخرون داخل واشنطن وخارجها إلى القول: إن القضية السودانية ستتقدم على الصراع العربي ـ الإسرائيلي على أجندة الإدارة الأميركية الجديدة.
إلا أن الاهتمام الأميركي بالسودان قد جاء متأخرًا مقارنة باهتمام أوباما بقضايا شرق أوسطية أخرى. فبعد تعيين ثلاثة مبعوثين ـ جورج ميتشل وريتشارد هولبروك ودينس روس ـ لملفات مفتوحة ومتأزمة عين الرئيس الأميركي الجنرال المتقاعد من سلاح الجو الأميركي “سكوت غرايشن Scott Gration”، مبعوثًا خاصًّا للسودان في الثامن عشر من مارس الماضي (2009). ويُعد “غرايشن” المبعوث الأميركي الخامس في عهد الرئيس عمر البشير.
يأتي هذا التعيين في وقت تتوتر فيه العلاقات الأميركية ـ السودانية بعد إصدار المحكمة الجنائية الدولية International Criminal Court في الرابع من مارس مذكرة توقيف بحق الرئيس السوداني “عمر البشير” لاتهامه بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. وردا على تلك المذكرة أمرت حكومته في الخامس من مارس بطرد ثلاث عشر من الوكالات الإنسانية الدولية العاملة في السودان. تلك الوكالات قدمت أكثر من نصف المساعدة للحفاظ على حياة ما يقرب من 1.5 مليون شخص نزحوا عن ديارهم بسبب الصراع في دارفور منذ ست سنوات.
وقد بدأ المبعوث الأميركي للسودان “سكوت غرايشن Scott Gration” زيارته الأولى إلى السودان يوم الخميس (الثاني من نيسان/إبريل 2009)، والتي ستستمر أسبوعًا يجري خلالها محادثات مع مسئولين سودانيين ومعارضين، كما يزور إقليم دارفور وجنوب السودان، في وقت تصاعدت فيه المواجهات القبلية في جنوب دارفور وأوقعت 44 قتيلاً وما لا يقل عن 73 جريحًا.

اهتمام أميركي بالسودان
يأتي تعيين “غرايشن” مبعوثًا أميركيا إلى السودان مؤشرًا على التزام إدارة أوباما بحل الأزمة غير الإنسانية في دارفور، فقد تعهد أوباما خلال حملته الانتخابية العام الماضي (2008) ببذل الجهد لحل مشكلة دارفور. وفي بيان تعيين “غرايشن” قال أوباما: إنها إشارة قوية على التزام إدارته بدعم شعب السودان في الوقت الذي تسعى فيه للتوصل إلى تسوية دائمة لأعمال العنف التي أدت إلى خسائر كثيرة في الأرواح البريئة. مضيفًا أن “السودان من أولويات هذه الإدارة لاسيما في هذا الوقت حيث توجد حاجة صارخة للسلام والعدل. والوضع الإنساني يجعل مهمتنا أكثر إلحاحًا”.
وعبر أوباما في بيانه عن نيته للعمل مع المجتمع الدولي والاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة لوضع حد لمعاناة السودانيين لحفظ السلام، والتفاوض على حل سياسي من شأنه أن يعطي لشعب دارفور صوتًا مسموعًا في القرارات التي تؤثر على مستقبلهم.
وقال أوباما لدى لقائه مع “غرايشن” قبل توجهه إلى الخرطوم: “إنه سينقل إلى المسئولين أن لدينا أزمة عاجلة نتيجة طرد منظمات غير حكومية”. وأضاف أن الولايات المتحدة ستبحث عن سبيل لإحياء المحادثات بين “الحركة الشعبية لتحرير السودان” و”حزب المؤتمر الوطني” للمساعدة في معالجة الأوضاع في دارفور، لكنه اعتبر أن المهمة ستكون صعبة للغاية وتتطلب وقتًا فقال: “لا نتوقع أي حلول بين عشية وضحاها للمشكلات القائمة هناك منذ وقت طويل”.

ترحيب بتعيين غرايشن
وقبل مغادرته العاصمة الأميركية إلى العاصمة السودانية التقى المبعوث الأميركي للسودان “غرايشن” مع الرئيس أوباما وممثلين للجماعات المدافعة عن دارفور. وقد عبرت تلك المنظمات عن استحسانها مما سمعته من إدارة أوباما تجاه السودان في هذا الاجتماع و عن عين تعيين “غرايشن” مبعوثًا أميركيا إلى السودان. فبعد هذا اللقاء قال مدير ائتلاف إنقاذ دارفور Save Darfur Coalition “جيري فوولر Jerry Fowler”: ” إن الائتلاف مطمئن لسماع تعهد إدارة أوباما عن تحقيق السلام في دارفور”.
كما عبرت قيادات إنجيلية ومنظمات حقوق الإنسان عن استحسانها لتعين باراك أوباما “غرايشن” مبعوثًا إلى السودان. فقال القس فرانكلين جراهام Franklin Graham ـ ابن القسيس الأميركي المعروف بيلي جراهام ـ :”أعتقد أن الرئيس أوباما اتخذ القرار الصواب بتعيين غرايشن”، مضيفًا أن السودان تمر بوقت حرج، والذي يفرض على واشنطن بذل أقصى جهد ممكن لمساعدة الملايين من الناس المعرضة حياتهم للخطر بسبب استمرار الأزمات.
وتجدر الإشارة إلى أن جراهام، الذي عاد مؤخرًا من زيارة إلى السودان التقى خلالها الرئيس السوداني عمر البشير، قد طلب مرارًا من الرئيس أوباما أن يعين مبعوثًا إلى السودان بعد أن أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف بحق الرئيس السوداني.
ومن جانبه رحب القس الدكتور جيف تونيكليف Geoff Tunnicliffe المدير الدولي والرئيس التنفيذي لاتحاد الكنائس الإنجيلية في العالم World Evangelical Alliance ـ وهذا الاتحاد عضو في ائتلاف إنقاذ دارفور Save Darfur Coalition ـ بتعين أوباما “غرايشن” الذي يرى أيضًا أنه يأتي في وقت حرج للغاية بالنسبة للسودان. وعن هذا التعيين قال مسئول أميركي: “إن غرايشن شخص لديه خبرة واسعة بالمنطقة، ولدية علاقات شخصية ومهنية مع كثير من الشخصيات المهمة، والأهم من ذلك علاقته الشخصية القوية مع الرئيس باراك أوباما”.

مهمة غرايشن في السودان
تتمحور مهمة المبعوث الأميركي للسودان والذي أعلن عنه لأول مرة في 2001 في التوسط للتوصل إلى اتفاق سلام بين الخرطوم وجماعات المتمردين في الجنوب. ثم تحولت مهمته إلى وقف الإبادة الجماعية في دارفور. والسؤال الذي يفرض نفسه ما مهمة المبعوث الأميركي الجديد للسودان بعد طرد الرئيس السوداني منظمات الإغاثة الإنسانية العاملة هناك بعد قرار المحكمة الجنائية باعتقال البشير؟
عن مهمة غرايشن يقول جيري فوولر Jerry Fowler، رئيس لجنة ائتلاف إنقاذ دارفور Save Darfur Coalition ـ وهو تحالف يضم ما يقرب من 200 من المنظمات الدينية وجماعات حقوق الإنسان ـ: “إنها تتمحور حول تشكيل تحالف دولي يضم الصين والدول العربية والإفريقية الرئيسة لوصول المساعدات الإنسانية إلى السودان دون معوقات. والعمل على إقناع حكومة البشير للوفاء بالتزاماتها بموجب القانون الدولي لحماية أرواح المدنيين السودانيين، والتحرك نحو سلام دائم”.
ويشير البعض لنجاح مهمة غرايشن في السودان إلى تربيته في دولة إفريقية “الكونغو الديمقراطية” حيث كان والده يعمل مبشرًا هناك، فضلا عن مرافقته الرئيس الأميركي باراك أوباما في زياراته إلى القارة الإفريقية منذ عام 2006، حيث رافق باراك أوباما حينما كان “سيناتور” بمجلس الشيوخ خلال رحلة إلى أفريقيا في عام 2006 بوصفه خبيرًا في الشئون الأفريقية. وكانت إحدى محطات الزيارة مخيمًا للاجئين الدارفوريين بشرق تشاد. فضلاً عن حديثه بطلاقة اللغة السواحيلية.
وتأتي زيارة غرايشن إلى الخرطوم ودارفور التي بدأها أمس الخميس بعد احتدام التوتر بين واشنطن والخرطوم بعد قرار الحكومة السودانية بطرد ثلاث عشرة منظمة إغاثة دولية بدارفور بعد قرار المحكمة الجنائية الدولية في الرابع من مارس الماضي باعتقال الرئيس السوداني “عمر البشير” باتهامه بجرائم حرب في دارفور. وفي هذا السياق يرى فوولر أن على غرايشن خلال زيارته إلى الخرطوم إقناع الحكومة السودانية أنها تواجه مرحلة خطيرة لقرارها بشأن المنظمات الإنسانية في دارفور. وأن عليه زيارة عدد من الدول الأخرى لحشد دعم أكثر ضد الحكومة السودانية وقراراتها التي تزيد المآسي الإنسانية في السودان.

نبذة عن حياة غرايشن : من سلاح الجو إلى السياسة
ولد سكوت غرايشن في أربعينيات القرن الماضي بسان شارلز بولاية إلينوي. وقضى طفولته بجمهورية الكونغو الديمقراطية Democratic Republic of Congo حيث كان والداه يعملان بإحدى البعثات التبشيرية، وهناك تعلم اللغة السواحيلية. وخلال الأزمة الكونغية في ستينيات القرن المنصرم هُجرت أسرته ثلاث مرات وأصبحوا لاجئين في ذلك الوقت.
بعد عودة أسرته إلى الولايات المتحدة عام 1960 درس سكوت بجامعة روتجرز Rutgers University بولاية نيوجرسي حتى حصل على درجة البكالوريوس في الهندسة الميكانيكية. وخلال هذه الفترة تم تجنيده في إطار برنامج تدريب ضباط الاحتياطReserve Officers’ Training Corps . وحصل على درجة الماجستير في دراسات الأمن القومي من جامعة جورج تاون Georgetown University في واشنطن في عام 1988.
وفي سبتمبر 1974 انضم إلى القوات الجوية الأميركيةUnited States Air Force . وقد مكنه الالتحاق بالقوات الجوية من التنقل بين عدد من القواعد الأميركية بالخارج منها القواعد الموجودة في كينيا (1980)، وإزمير بتركيا (1988)، ورامشتاين بألمانيا (1991).
وفي منتصف عام 1995 تولى قيادة فرقة العمليات 4404 التابعة للقوات الأميركية الموجودة بالمملكة العربية السعودية خلال الفترة التي تم فيها الهجوم على قاعدة الخبر. وبين عامي 2000 و2001 تولى منصب نائب مدير شئون العمليات في هيئة الأركان المشتركة Joint Staff في وزارة الدفاع بواشنطن، وهي الفترة التي هوجم فيها مبنى وزارة الخارجية (البنتاغون) في الحادي عشر من سبتمبر 2001.
وفي عام 2003 وبعد ترقيته إلى جنرال في الجيش الأميركي أشرفَ على نحو 300 مهمة قتالية قام بها سلاح الجو الأميركي خلال الحرب على العراق. وعلى مدى خدمته العسكرية قام غرايشن بأكثر من خمسة آلاف ساعة طيران منها نحو 1000 ساعة تمت في نحو 270 مهمة قتالية بالعراق.
بدأ غرايشن العمل السياسي في عام 2006 ـ عام تقاعده ـ بمرافقة الرئيس الأميركي باراك أوباما حينما كان “سيناتور” بمجلس الشيوخ خلال رحلة إلى أفريقيا بوصفه خبيرًا في الشئون الأفريقية وكانت إحدى محطات الزيارة مخيمًا للاجئين الدارفوريين بشرق تشاد. وفي عام 2007 أبدى مساندته لأوباما كمرشح للحزب الديمقراطي للانتخابات الرئاسية الأميركية (نوفمبر 2008).
وفي التحليل الأخير، نخلص إلى أن تعيين الجنرال المتقاعد “سكوت غرايشن” مبعوثًا أميركيا إلى السودان يؤشر إلى التزام إدارة أوباما بحل الأزمة المحتدمة والتي تهدد آلاف المدنيين بفقدان حياتهم بين الحين والآخر لاشتعال النزاعات من وقت إلى آخر أو لغياب التنمية والحاجات الأساسية للعيش. ولكنها في واقع الأمر خطوة غير كافية نحو تحقيق السلام في السودان. وإنما على الرئيس بارك أوباما ووزيرة الخارجية “هيلاري كلينتون” وسفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة “سوزان رايس” والمبعوث الأميركي الجديد للسودان، العمل على الفور (1) وقف عمليات طرد الحكومة السودانية مؤسسات الإغاثة الإنسانية الدولية، (2) التوصل إلى اتفاق السلام في دارفور (3) تعزيز عمل قوات الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة لحفظ السلام (4) ضمان تنفيذ اتفاق السلام الشامل. والمبعوث الأميركي للسودان في حاجة إلى فريق قادر على الانتشار بصورة كاملة في المنطقة لدعم جهوده الدبلوماسية.
المصدر :
http://www.taqrir.org/showarticle.cfm?id=1238&pagenum=1

COMMENTS