غزة حطمت جدرانها ، فمن يحطم بقية جدران العرب ؟ (مقتطفات من شهادة صحفي غربي )

“مسار تصادمي” : الجيش الأميركي يشرف على “البيزنس الأسود” ونهب الآثار في سوريا !
اليمن : انطلاق فعاليات مؤتمر “فلسطين قضية الأمة المركزية” في صنعاء
أميركا منقذاً لـ«الديموقراطيات الأحفورية»

زار الصحفي بن ويدمان معبر رفح وقدم شهادة مؤثرة عن تدفق أهل غزة، الذين انهكهم الجيش الإسرائيلي بالقصف الجوي والمدفعي، والإغتيالات، وروعهم بالتجويع والعتمة والحصار المذل. هنا مقتطفات من شهادة ويدمان : “بالتأكيد أمر مشوق وغامض يحيط بفكرةالتبخر المفاجئ للحدود … لقد كانت مشاهدة عشرات الآلاف، وهم يجتازون السور الحديدي الشاهق الذي بنتهإسرائيل على طول الحدود المصرية مع قطاع غزة أمراً مدهشاً.

الحاجز المرعب الذيفصل غزة عن العالم بات اليوم مسجى على ظهره، وقد حولته أقدام الفلسطينيين إلى معبرأو ممشى صغير يدوسونه عند دخولهم مصر.

لا أخفيكم سراً إذا قلت أن الأمر أنعش في أذهان البعض ذكريات فترة خلت، كانآخرها زمن الإمبراطورية العثمانية … حين كانالسكان ينتقلون من بغداد إلى القدس والقاهرة وتونس دون أن يعترضهم سائل، وقبل أنيرسم الاستعمار والدول الحديثة خطوط الحدود الحالية.

في الواقع، فإن العرب في مختلف دول المنطقة تواقون بعمق للوحدة، وحرية التحركعبر الحدود، وتغمرهم حيال ذلك مشاعر جياشة. وليس عليك لمعرفة السبب سوى محاولةاجتياز الحدود.

بالنسبة لي كغربي، يحرص الجميع على أن أتلقى معاملة “خمس نجوم” عند النقاط الحدودية. لكن الأوضاع قد تصبح صعبة جداً بالنسبة للمواطن العراقي أو الأردني أو السوري،الذي يصطدم غالباً بفظاظة رجال الأمن وسوء معاملتهم، أو بمطالبتهم بدفع رشى “عن طيبخاطر” أو ترك الأمر “لتقدير” حارس الحدود الذي قد يكتفي بوضع يده على بعض متعلقاتالمسافرين الثمينة خلال تفتيش الحقائب.

عبر التاريخ، سيطرت على مختلف الأحزاب السياسية العربية هواجس وحدة المنطقةالتي يتشارك أبناؤها التراث الديني والعرقي. ورغم أن مطالب تلك الأحزاب قد تبدو للمراقبين من الخارج خيالية، إلا أن أفكارهمتلقى رواجاً.

عند بوابة صلاح الدين، المعبر الرئيسي الذي يصل ما بين غزة ومصر، قابلت رجلاًًعجوزاً يرتدي بدلة وربطة عنق ويحمل حقيبة كبيرة، وبرفقته زوجته وابنه الشاب، وقدشرح لي ـ بهدوء، لكن بشكل طارئ ـ أنه يأمل بأن يتمكن من الوصول إلى مطار القاهرةلإرسال ابنه إلى المغرب من أجل ارتياد الجامعة.

لم أعرف ما إذا كان هذا الرجل وعائلته قد نجحوا ببلوغ العاصمة المصرية، بعدماحظر الأمن المصري على الفلسطينيين الذهاب أبعد من مدينة العريش، على مسافة 40كيلومتراً شرقي رفح.

هكذا تعود الحدود لتصبح عائقاً من جديد.

معظم الفلسطينيين ممن تحدثت إليهم، كانوا سعداء بفتح الحدود، إذ قال لي أحدهم : “نحتاج الطعام والدواء والوقود .. نحتاج كل شيء .. بينما يحتاج المصريون للاتجارمعنا .. وهذا ما يجب أن يكون الأمر عليه .. فهم بحاجة إلينا، ونحن بحاجة إليهم”. وأضاف آخر: “نحن شعب واحد في بلدين .. يجب أن نكون في بلد واحد”.

على الجانب الآخر من الحدود، سرعان ما امتزج المصريون، المميزون بلهجتهمالمعروفة، بأهالي غزة الذين صارعوا شظف العيش طويلاً، ودخل الجميع في معمعة البيعوالشراء الممزوج بنفس ثوري.

وبالطبع، لم يخل الأمر من بعض لحظات التوتر، كما حدث عندما حاول حرس الحدودالمصري وقف دخول الفلسطينيين إلى مصر لفترة، فتبادل الجانبان تراشق الحجارةوالشتائم.

لكن عندما عاد الأمن المصري لفتح الحدود، تعانق السكان، وعلت الصرخات التي تشكرالرئيس المصري، حسني مبارك، على هذا القرار، حتى أن البعض وزّع وروداً على عناصرالأمن المصري الذين راقبوا المكان بصبر شديد.

وهناك الكثير من التحليلات حول حقيقة ما حدث في رفح، والمدى الذي يتحكمبالأحداث، ومن الصعوبة الإحاطة بها جميعها.

فقد حاولت إسرائيل الضغط على حركة حماس، وذلك عبر قطع إمدادات الوقود والبضائععن القطاع، على أمل أن يُحدث ذلك ضغطاً شعبياً على الحركة لوقف إطلاق الصواريخ علىإسرائيل.. لكن الأمر انقلب عليها، فما من أحد اليوم يشك بأن حماس استغلت الفوضىلإدخال الأسلحة التي تحتاجها وتثير خوف تل أبيب. بل وتمكنت الحركة من حشد التأييدالشعبي لها من مختلف الفصائل، حيث رأى الكثير من الفلسطينيين أن خطوة فتح حدودالقطاع جريئة بكل المقاييس.

بعض الأوساط الإسرائيلية بدأت تتساءل حول جدوى قرار الحكومة في تل أبيببمقاطعة حماس، وتقول … تثبت [حماس] أنها خصم جدير لم يسبق لإسرائيل أن قابلته في الساحة الفلسطينية.

وفي الوقت عينه، يحاول رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، صرف النظرعمّا يحدث في رفح. فقد سبق له أن طلب من إسرائيل تخفيف وطأة الحصار المفروضعلى القطاع، غير أن تل أبيب تجاهلت مطالبه، قبل أن تقوم حماس بتنفيذ ما تريد بالقوةوتطيح بالأسوار التي تطوق غزة.

على الولايات المتحدة الآن، أن تبدأ مراجعة سريعة لسياستهاالمتعثرة في الشرق الأوسط. في العام الماضي، دعمت عباس وقواه الأمنية التي سرعانما تهاوت وسقطت أمام حماس في غزة، كما دعمت الحصار الإسرائيلي على القطاع، وسرعانما سقط الأخير بدوره.

أما أحلام الرئيس الأميركي جورج بوش، بالوصول إلى تسوية، فقد طوتها الأحداث المتسارعة.

لكن الأمور لن تستمر على حالها في رفح. فعناصر الأمنالمصري يقومون بوضع أسلاك شائكة فوق حائط منخفض الارتفاع، يحدد المنطقة المحظورةبين قطاع غزة ومصر، وبصورة تدريجية، بدأ الوضع يعود إلى السيطرة، لكن غزة حققتسابقة ستبقى في الأذهان.

لأيام قليلة، سقطت الحواجز والجدران التي طوقت غزة. تلاقىالفلسطينيون والمصريون في مشهد بدا اعتيادياً وطبيعياً، لا بل ظهر وكأنه المسارالذي يجب أن تكون الأمور عليه أصلاً بالنسبة للسكان على ضفتي الحدود.

لقد هز سقوط جدار غزة العالم العربي، وقد يهز أيضاً كل الأسوار والحدود التيتفصل بصورة مصطنعة ـ وفق ما يقول البعض ـ هذه المنطقة.

COMMENTS