إفتتاحيات الصحف اللبنانية، يوم الجمعة 27 أيلول، 2019

افتتاحيات الصحف اللبنانية، يوم الخميس 8 كانون الأول، 2022
إفتتاحيات الصحف اللبنانية، يوم الإثنين، 13 شباط، 2017
افتتاحيات الصحف اللبنانية، يوم الثلاثاء 9 نيسان ، 2024

ليلة أمس، كانت ليلة سقوط "الإقتصاد الحر" تحت عجلات سيارات المواطنين، الذين تهافتوا على محطات البنزين. يقول حاكم مصرف لبنان رياض سلامة إن "الدولارات متوفرة". يذهب المواطنون إلى المصارف ليسحبوا دولاراتهم المودعة فيها، فلا ترد لهم. أو ترد جزئياً. "بالقطارة". في مقدمة الدستور اللبناني، الفقرة "و" : "النظام الإقتصادي حر يكفل المبادرة الفردية والملكية الخاصة". أين الحرية. طالما أن المصرف يمنع المواطن من سحب ودائعه المالية. يحظر عليه أن يتصرف بماله الخاص الذي أودعه لديه. النظام المصرفي ـ السياسي أقوى من الدستور. بل هو الدستور. يتصرف بالملكية الخاصة للأشخاص كما لو أنه هو المالك الحقيقي. نظام الأوليغارشية المهيمن في السوق وكل الحياة الإقتصادية، هو أكثر من أي وقت مضى، جبري، إكراهي للمواطن اللبناني ينهب حقوقه النقدية ويتصرف بحقوقه الإقتصادية. يكمل هذا النظام أهداف "الإحتلال المالي" الأميركي. ويعبر عن إرادته بكل خسة وذل. كان جورج باباندريو رئيس وزراء اليونان (2009 ـ 2011) متردداً في تنفيذ بعض إملاءات سلطات الإحتلال المالي. جاءته "السيدة ميركل" ومعها ساركوزي "الشهير"، وقالا له "أنت هاوٍ في السياسة، إذهب إلى بيتك". فاستقال وترك سلطة الحكم مع أن البرلمان، أي الشعب اليوناني، هو الذي فوضه الحكم. وهكذا، بدأت دوامة "الإنهيار اليوناني" بالتسارع. هنا، في لبنان "رجال" السلطة السياسية ليس هواة مثل باباندريو. كلهم محترفون. ينظمون "الإنهيار اللبناني" من موقعهم في السلطة. في أعلى موقع. من لا يصدق، فليستمع إلى "الحاكم" رياض سلامة.  

 

  
 

اللواء
«موازنة الأزمات»: البنزين يهدِّد بحرق الإستقرار!
رواتب القطاع العام على مشرحة التخفيض.. وحزب الله ينصح الشيعة بالتحوُّل إلى «اليورو»

في الوقت الذي كان فيه مجلس الوزراء يتقدّم في اجراء تخفيضات على أرقام موازنات الوزراء ويهدد رواتب موظفي القطاع العام بالتخفيض مجدداً، وتعلن وزيرة الطاقة والمياه ندى البستاني الاقتراب من دخول لبنان نادي الدول المنتجة للنفط في كانون أوّل المقبل، كانت الأنباء تتطاير عن عودة نقابات اصحاب الصهاريج واستيراد المحروقات إلى الإضراب، بين مفتوح أو تريث بانتظار الاجتماع الذي يعقد عند الثالثة من بعد ظهر اليوم مع رئيس الحكومة سعد الحريري، بالتزامن مع إنتهاء زيارة الرئيس ميشال عون إلى نيويورك، حيث ترأس وفد لبنان اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.
كل ذلك على وقع، طفرة في وضعية الدولار الأميركي في الأسواق اللبنانية، بين سعر وسطي، يحدده مصرف لبنان، وسعر على غاربه لدى الصيارفة ومؤسسات النشاط المالي والاقتصادي، وسط انقسام، عبرت عنه نقابات المحطات والمستوردين والموزعين للمحروقات، يجري ضغط بدءاً من اليوم على المحطات الخاصة بتوزيع البنزين والمازوت وسائر المشتقات النفطية.
لكن فادي أبو شقرا ممثّل شركات موزعي المحروقات قال لا إضراب اليوم، ونحن مع متابعة الحوار، وسيكون اجتماع مع الرئيس الحريري.
وازاء هذا الوضع، سرت إشاعات ان اقفالا للمدارس والجامعات، بسبب أزمة المحروقات، سرعان ما بدده تأكيد وزير التربية والتعليم العالي.
وتنادت هيئات في المجتمع المدني للاجتماع غداً لتنسيق النزول إلى الشارع، والمطالبة برحيل الطبقة السياسية.
هكذا، بدا المشهد ليلا، البنزين يُهدّد بحرق الاستقرار، بعد تفلت سعر صرف الدولار من رقابة المركزي في الأسواق.
الموازنة على إيقاع الشارع
وعلى إيقاع تهافت غير مسبوق على محطات البنزين مما تسبب بازدحام خانق في الشوارع والطرقات في العاصمة والمناطق ترافق مع حالات احتجاج شعبية على خلفية أزمة شح السيولة بالدولار، مما جعل سعره في الأسواق الموازية يقفز عن السعر المحدد رسمياً، اقترب مجلس الوزراء في جلسته أمس من الانتهاء من مناقشة مشروع موازنة العام 2020، بعدما أنجز تخفيض النفقات في 15 وزارة، باستثناء وزارة الصحة، وبقي منها فقط 5 وزارات، علىان تكون الجلسة الأخيرة يوم الاثنين المقبل، بحسب ما توقع وزير المال علي حسن خليل.
لكن الحكومة باشرت عبر اللجنة الوزارية الفرعية البحث على خط مواز في أوراق الإصلاحات التي قدمها الفرقاء السياسيون.
وتركز البحث في اجتماع اللجنة، وهو الأوّل لها، على جملة مقترحات لم يتقرر فيها شيء تتعلق بزيادة الواردات وخفض النفقات.
وعلمت «اللواء» ان بعض البنود الاصلاحية سيتم دمجها في الموازنة اذا تم التوافق حولها، وبعضها الاخر سيحال كمشاريع قوانين الى المجلس النيابي. وسيتم البت بهذه المقترحات في جلسة الاثنين، وقد كان من ضمن المقترحات:زيادة رسم الضريبة على القيمة المضافة على الدخان وبعض السلع الكمالية والفاخرة، تنفيذ خطة الكهرباء بما يؤدي الى خفض العجز،زيادة رسم الحد الادنى على صفيحة البنزين بما يرفع سعرها الى 750 ليرة فقط، تجميد زيادة الاجورمدة زمنية او الغاؤها، ورفع الحسومات التقاعدية من 6 الى 8 في المائة.
لكن المصادر الوزارية شددت على ان هذه المقترحات لا زالت قيد الدرس ولم يُتخذ اي قرار بها لا سيما زيادة سعر البنزين لوجود اكثرمن رأي، حيث يرى بعض الوزراء ضرورة وضع ضوابط لسعر الصفيحة ويرى اخرون رفع السعر لكن بالحد الادنى الممكن. ويُفترض ان يتم اتخاذ القرارت بهذه المقترحات خلال جلسة الاثنين المقبل.
عون يعود اليوم والحريري إلى باريس
وذكرت بعض المعلومات ان الرئيس سعد الحريري قد يغادرعصر او مساء اليوم او صباح غد السبت الى باريس، للمشاركة في مراسم دفن الرئيس الفرنسي الاسبق الراحل جاك شيراك، فيما أنهى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون زيارته إلى نيويورك، بعدما شارك في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة والقى كلمة لبنان واجرى سلسلة محادثات ويتوقع ان يصل الرئيس عون الى بيروت صباح اليوم الجمعة.
واوضحت مصادر سياسية مطلعة لـ«اللواء» ان سلسلة ملفات يتابعها رئيس الجمهورية فور عودته الى بيروت. واكدت انه كان مرتاحا لهذه المشاركة التي ابرزت المقاربة اللبنانية لملفات المنطقة ولا سيما موضوع النازحين السوريين بعدما تحدث مباشرة عن التواصل مع الدولة السورية اذا لم يكن المعنيون من دول العالم والمنظمات الدولية قادرين على مساعدة لبنان.
واشارت الى انه ليس معروفا ما اذا كان من آلية محدده عن التواصل في هذا المجال بإنتظار ردة الفعل الدولية على ما قاله الرئيس عون، في حين ان ردة الفعل المحلية، بقيت مكبوتة، ولم يصدر أي رد فعل رسمي أو سياسي، على رغم قناعة بعض القوى السياسية، من ان موقف عون من شأنه ان يعمق الهوة بين اللبنانيين أنفسهم.
جلسة منتجة
ووصفت مصادر وزارية جلسة مجلس الوزراء بالهادئة والمنتجة، حيث اقتصر النقاش على موازنات الوزارات التي تمت مناقشتها منذ اشهر قليلة ضمن موازنة 2019، واشارت المصادر ان لا شيء جديداً سوى بعض التخفيضات على أغلب الموازنات فبعضها بقيت كما كانت في موازنة 2019 والبعض الاخر تم تخفيضها باستثناء وزارة الصحة التي زادت موازنة الدواء 10مليارات كذلك 10 مليارات على موازنة الاستشفتاء مع العلم ان اخر مرسوم صدر لتوزيع مبلغ الاستشفاء كان في العام 2016.
وتوقعت المصادر ان ينتهي البحث في أرقام مشروع الموازنة في الاسبوع المقبل، وتبقى هناك امور كبيرة تحتاج الى نقاش كملف دعم كهرباء لبنان وموضوع الاتصالات ووارداته في الموازنات الملحقة والخطوات الاصلاحية الاجرائية الكبرى التي ستكون ضمن الموازنة اضافة الى موضوع فذلكة الموازنة.
واشارت المصادر الى ان مجلس الوزراء لم يتطرق الى مناقشات لجنة الاجراءات الاصلاحية التي ناقشت اقتراحات عامة وستستكمل مناقشاتها أيضاً يوم الاثنين المقبل.
لجنة الإصلاحات
وانضم إلى اجتماع لجنة الإصلاحات الوزير صالح الغريب بحيث بلغ عدد أعضائها ثمانية وزراء يمثلون مختلف الكتل البرلمانية، وتركز الاجتماع على البحث في 5 نقاط بحسب وزير الاتصالات محمّد شقير وهي: تجميد زيادة الرواتب، زيادة الحسومات التقاعدية، زيادة ضريبة القيمة المضافة على الكماليات وفرض رسوم على الدخان والبنزين، ولم يتم اتخاذ أي قرار بشأن هذه النقاط بعد».
واكدت مصادر وزارية شاركت في الاجتماع الاول على اهمية عمل هذه اللجنة التي ستكون داعمة لجلسات مجلس الوزراء المخصصة لدرس مشروع موازنة 2020، وكشفت ان ما تم مناقشته في اجتماعها الاول امس هي مواضيع هامة كالخصخصة والتهرب الضريبي والجمارك ونظام التقاعد ووضع المؤسسات العامة ووضع رسوم محددة على بعض السلع.
وكشفت انه تم طرح موضوع تجميد الرواتب لثلاث سنوات أو الغاء الزيادة على الرواتب، فالتجميد يعني انه يمكن اعادة دفعها للموظفين بعد ثلاث سنوات، ولكن المبالغ تكون تراكمت بشكل كبير، ولم يتم التوافق على احد هذين الطرحين ولكن الاكيد ان هناك حفظ حق الموظف بالتدرج دون زيادة راتبه، واعطت المصادر مثلا بانه من حق الضباط الترقية ولكن دون زيادة في رواتبهم ولكن بعد ثلاث سنوات تتم زيادة الرواتب بشكل طبيعي.
اما بالنسبة الى زيادة الرسوم على البنزين فاشارت المصادر ان هناك اقتراحا لزيادة 3% وكذلك ان يكون هناك حد ادنى وحد اقصى للزيادة فإذا انخفض سعر البنزين تربح الدولة اما اذا ارتفع فالدولة تدفع ويثبت السعر على الحد المرتفع. وتوقعت المصادر ان تكون هناك اجتماعات متتالية ومكثفة للجنة الوزارية.
أزمة الدولار والعقوبات
وفيما لم تتوافر معلومات دقيقة عن محصلة اجتماع اللجنة الوزارية الخاصة بدفاتر شروط إنشاء معامل إنتاج الكهرباء، باستثناء تأكيد وزيرة الطاقة ندى البستاني بأنه تحقق تقدّم في وضع دفاتر الشروط، متوقعة ان تكون جلسة اليوم للجنة نهائية قبل الذهاب إلى مجلس الوزراء، كان لافتاً للانتباه الاجتماع الذي جمع الرئيس الحريري بحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، حيث تركز البحث على موضوع شح الدولار، والذي وصل، بحسب المعلومات إلى مستوى قياسي في الأسواق خارج المصارف، لكن الحاكم سلامة نفى وجود أزمة دولار، عازياً ما يجري إلى عمليات المضاربة التي تتم نتيجة عدم وجود ثقة بين النّاس الذين تحدث بعضهم ان سعر ما هو متوافر في السوق، غير ما هو مدون على الورق سواء لدى مصرف لبنان أو المصارف وهو 1507 ليرة للدولار، في حين ان بعض الصيارفة تداول بسعر يفوق 1600 ليرة بالدولار، وهو أعلى مستوى وصل إليه حتى الآن.
وفي السياق، لوحظ في كواليس «حزب الله» حملة على أداء سلامة الذي تصفه مصادر في الحزب بأنه متماهي مع العقوبات الأميركية، ولا سيما في معالجة أزمة «جمّال ترست بنك» بعد وضعه على لائحة الإرهاب الأميركية.
ولفتت المصادر إلى ان نفي الموفد الأميركي مساعد وزير الخزانة الأميركية مارشال بيلينغسلي المعلومات المتداولة عن توجه بلاده لفرض عقوبات على ثلاثة مصارف لبنانية، لم يقنع كبار المسؤولين اللبنانيين الذين كانت لديهم معلومات تؤكد عزم واشنطن على اتباع سياسة تطويق المصارف التي تفترض انها تؤيد حزب الله.. معتبرة ان الأزمة المالية في لبنان لم تعد مزحة، وهي كبرت إلى حدّ ان الثنائي الشيعي يبحث جدياً عن حلول لإعادة تعويم السوق الاقتصادي وحماية كبار رجال الأعمال الشيعة وغير الشيعة من المقربين من الحزب من العقوبات الأميركية، وواحد من الحلول يتم التداول بها توجه هؤلاء لتحويل اموالهم إلى «اليورو» والتعامل به كعملة بديلة عن الدولار.
أزمة محروقات تحرك الشارع
في هذا الوقت ضج البلد باخبار توقف أصحاب محطات المحروقات عن تأمين الوقود للسيارات احتجاجاً على تأخر الرئيس الحريري في إعطاء الجواب لهم بالنسبة لحل مشكلة التسعير بالدولار، بدل الليرة اللبنانية، علماً ان مصرف لبنان كان يعتزم إصدار تعميم الثلاثاء المقبل لتنظيم عمليات استيراد المحروقات والطحين.
ورغم ان المعلومات أكدت ان الرئيس الحريري اتصل مساء بحاكم مصرف لبنان، وتم الاتفاق على آلية معينة سيتم ابلاغها لقطاع المحروقات خلال اجتماعهم اليوم، فإن بعض شوارع بيروت والضواحي والمناطق اللبنانية كافة، شهدت زحمة سير كثيفة بسبب اكتظاظ السيّارات على محطات الوقود، حيث اقفل بعضها في بيروت ورفعت خراطيمها، فيما اصطفت طوابير السيّارات امام المحطات التي توفّر لديها هذه المادة الملتهبة.
والغريب ان حمى التهافت على البنزين الذي لم تنج منه منطقة لبنانية، تزامن مع عمليات قطع طرقات بالإطارات المشتعلة في الضاحية الجنوبية (مستديرة المشرفية) وطريق عام بعلبك- رياق احتجاجاً على الأوضاع الاقتصادية ووقفات احتجاجية في صيدا، بالإضافة عن شائعات بإقفال المدارس والجامعات، اليوم على خلفية أزمة المحروقات، لكن وزير التربية والتعليم العالي اكرم شهيب سارع إلى نفي ما يتم تداوله عن إغلاق المدارس والجامعات الرسمية والخاصة، معتبرا انه «كلام مفبرك وعار من الصحة»، مؤكداً ان اليوم هو يوم تدريس عادي في جميع المدارس والجامعات في لبنان.
كذلك نفت غرفة التحكم المروري ما يتم تداوله عن قطع للطرقات لإسقاط الحكومة، وعزت زحمة السير إلى التهافت على محطات الوقود.
تجدر الإشارة إلى ان الشركات المستوردة للنفط أعلنت في بيان ان اليوم هو يوم عمل طبيعي وسيتم تسليم كل المشتقات النفطية إلى المحطات، في حين أعلن رئيس نقابة أصحاب محطات الوقود سامي البراكس ان القرار بالإضراب المفتوح اتخذ بالاكثرية، اعتبارا من مساء أمس، لكن ممثّل شركات موزعي المحروقات فادي أبو شقرا أكّد «اننا لسنا ملزمين بما أعلن البراكس ولا اضراب بانتظار مبادرة الحريري».

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

البناء
دمشق متمسّكة باستعادة النازحين وكلّ الإجراءات المساعدة تتخذ… والمشكلة ليست في سورية
السفير السوري لـ البناء : تقدّم مشروع الدولة السوريّة فرض حضوره على المقاربات الدولية
أزمة المحروقات وغياب الدولار يفجّران موجة غضب… والحكومة تكتفي بالتطمين والإنكار

حلّ السفير السوري في لبنان علي عبد الكريم علي ضيفاً على هيئة تحرير البناء ، وتحدّث باستفاضة عن كل المواضيع التي تطرح في التداول حول ملفات كثيرة، أبرزها ملف النزوح السوري وتعقيدات عودة النازحين، والملف السياسي الذي دخل مرحلة جديدة مع الإعلان عن تشكيل اللجنة الدستورية وحجم التأييد الذي لقيه دولياً وإقليمياً. في قضية النازحين أشاد السفير علي بمواقف رئيس الجمهورية العماد ميشال عون التي لم تتغيّر في الحرص على مقاربة تأخذ بالاعتبار مصلحة لبنان والسعي للتعامل الأخوي مع سورية كدولة شقيقة، منوّهاً بالكلام الأخير لرئيس الجمهورية أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة. وقال السفير علي إن دمشق جادة بفعل كل شيء يساعدها لاسترداد أبنائها، بمن فيهم الكثير ممن تورّطوا بخيارات ومواقف ضد دولتهم ضمن إطار تسويات تمّ منها الكثير، ومعالجات تجسّدت بمراسيم العفو الرئاسي المتكررة لفتح المزيد من الأبواب أمام النازحين للعودة، ومثلها الكثير من الإجراءات والتسهيلات الصادرة بتعاميم عن وزارتي الخارجية والداخلية. وقال علي إن المشكلة ليست سورية، وتنتظر سورية من أشقائها وخصوصاً في لبنان، لغة تليق بعلاقات الأخوة في التعامل مع هذا الملف وتصرفات تنمّ عن هذه الروح في معاملة السوريين في لبنان، لأن كثيراً مما يُقال وما يفعل يسيء لمستقبل هذه العلاقات وتاريخها، مع تقدير حجم أثر النزوح على لبنان وطاقته على التحمل، والانفتاح على أي مسعى لبناني جدي للتعاون مع الحكومة السورية للتعاون في بلورة خطط مشتركة لتسريع وتوسيع نطاق العودة، معتبراً أن ما تفعله المنظمات الدولية والجمعيات التي تتعاطى مع النازحين تحت مظلة المنظمات والجمعيات الدولية، لا يزال يعقّد عودة النازحين، خصوصاً بربط المساعدات التي تقدّم لهم ببقائهم نازحين، ورفض تحويل هذه المساعدات لهم إلى داخل بلدهم إذا قرروا العودة، قائلاً، عليهم أن يصدقوا أن الخسمين دولار التي يمنحونها للنازح في لبنان لا تساوي شيئاً في تغطية حاجته لحياة لائقة، بينما تعادل إذا منحت للعائد إلى سورية ألف دولار مما يمكن أن يُعطى له في لبنان.
في الملف السياسي وتشكيل اللجنة الدستورية دعا السفير علي إلى النظر للأمور كسياق متكامل له خط بياني ينبني على سنوات، نجحت خلالها الدولة السورية بدعم صادق من حلفائها، ما جعل مشروعها يثبت تقدّمه المضطرد، وسقوط فرضية وجود أي أهلية للمشاريع المناوئة للدولة السورية، معيداً الأساس في ذلك إلى ثلاثية، اتساع متنامٍ في الأرضية الشعبية المؤيدة للدولة، والتي تكتسب كل يوم المزيد من الشرائح التي كانت في مواقع أوهام أو مخاوف أو رهانات، أسقطتها الدولة السورية من عقول ووجدان شرائح سورية كبيرة تلتفّ اليوم حول دولتها، ويتجه مثلها الكثير من الباقين، معيداً هذا التقدم الشعبي كأساس لقوة المشروع السوري، إلى رؤية وبصيرة الرئيس بشار الأسد، الذي يشكل مع الشعب الركن الثاني لهذه الثلاثية، بثقته بشعبه ويقينه بقدرته على تبيان الخيط الأبيض من الخيط الأسود، وصبره حتى صارت الحقائق واضحة وساطعة حول طبيعة ما تشهده سورية، وحول المقارنات بين المشاريع التي يتقدم بها الآخرون لسورية ومشروع الدولة، مضيفاً أن هذا الثبات في مواقف الرئيس وشجاعة تعامله مع استحقاقات الأزمة والحرب، لم تقتصر آثارها على الجبهة الشعبية الداخلية وبين النازحين، بل أثمرت تماكساً في حلف مساندي سورية، من دول وحركات المقاومة، وأصدقاء سورية من روسيا والصين وسائر الدول المستقلة. أما السبب الثاني لاستعادة الحاضنة الشعبية وتوسعها باضطراد مستمر، وهو الركن الثالث في المعادلة، وفقاً لما قاله السفير علي، فهو النجاحات التي حققها الجيش السوري في الميدان والتي فاجأت الصديق والعدو، وأثبتت أن الدولة السورية محصّنة بتضحيات جيشها قادرة على فرض إرادتها وإلزام الآخرين بطيّ الكثير من مشاريعهم وأوهامهم ورهاناتهم، وشلّ قدرة الذين يرغبون بالتلاعب بالوقت مع سورية، على المراوغة، واصفاً تشكيل اللجنة الدستورية كترجمة لهذا السياق، متوقعاً أن تواجه اللجنة محاولات للعرقلة وعدداً من المشاكل من الذين لا يرغبون رؤية سورية سيدة ومستقلة، وقوية وقادرة، تحتكم للحوار السياسي في رسم مصيرها، دون تدخّلات خارجية، لكنه توقع مواصلة التقدم في المسار السياسي وسواه من مسارات الحل، لاستعادة سورية وحدتها وسيادتها كاملتين، لأن الذين استثمروا في مشروع إضعاف سورية وإسقاطها أو تفتيتها، يكتشفون أن خسائر مواصلة الرهان باتت أكبر من أوهام الأرباح التي ظنوا قدرتهم على تحقيقها، ويصيبهم اليأس من ذلك مرة بعد مرة، داعياً لمراجعة يقوم بها هؤلاء، من موقع مصالحهم هم، وسورية تمدّ يدها لكل محاولة مخلصة للمراجعة، عربياً ودولياً، والتعرّجات التي تسلكها مسارات إنهاء الحرب لن تغير الاتجاه ولو أخّرت التوقيت، فخير للمعرقلين أن ينضموا إلى ضفة الاستثمار على الحلول، التي يشكل مشروع الدولة محورها.
وفي السياق رداً على أسئلة الزملاء، نفى السفير علي ما نشر عن شائعات حول مصادرات أملاك وأموال لعديد من رجال الأعمال السوريين، قائلاً إن هناك دولة تقوم بمهامها لمواجهة الظواهر المخالفة للقوانين دون تمييز، وقد يكون بين ما نشر حقيقة صغيرة وجزئية، لكن الكلام عن سلة كبرى بهذا الحجم ليس إلا نسيج تخيّلات لا أساس لها في الواقع.
لبنانياً طغت المشكلات الضاغطة في الشارع على المشهد السياسي، حيث إقفال محطات البنزين من جهة ونفاد الدولار من شبابيك المصارف وحضوره في شبابيك الصرافين من جهة ثانية، ورفض شركات الخلوي اعتماد الليرة اللبنانية في فواتيرها، شكلت مناخاً كافياً مع التطمينات الكلامية الصادرة عن مسؤولي الدولة لتكون سبباً لموجات غضب شعبي بدأت تعبر عن ذاتها بإحراق الإطارات والتجمعات، وبات يخشى انفجارها بثورة غضب تسيطر عليها الفوضى، وتأخذ البلاد إلى حيث يخطط لها خصومها. فالفوضى تشكل جوهر مشروع تحويل لبنان إلى ساحة قابلة للعبث، بالتزامن مع الرهانات الخارجية على تفكيك الساحة السياسية من بوابة الضغوط الاقتصادية، ودفع الناس إلى الشارع لاستعمالها كما استعملت في الربيع العربي، الذي شهد تدحرج رؤوس حكام موثوقين ومقرّبين من والغرب وعلى رأسه واشنطن، لكن ثبت أن تعميم الفوضى أغلى من هذه الرؤوس.
«المحروقات» الى الإضراب المفتوح!
فيما تشهد السرايا الحكومية نشاطاً مكثفاً لمتابعة الملفات الاقتصادية والمالية والاجتماعية، لا سيما مناقشة مشروع موازنة 2020 ومقرّرات اجتماع بعبدا الاقتصادي ودراسة الأوراق الاقتصادية المقدمة من بعض الأحزاب السياسية، تفاقمت أزمة الدولار والمحروقات بعد انتهاء مهلة الـ48 ساعة التي حدّدها أصحاب محطات الوقود من دون التوصل الى حلول عملية رغم الاجتماعات المتكرّرة بين رئيس الحكومة سعد الحريري وحاكم البنك المركزي رياض سلامة، الذي أعلن من السرايا الحكومي في ردّه على سؤال لـ»البناء» أن لا أزمة دولار في البلد والأوضاع مستقرة ولا داعي للقلق، واضعاً كل المعلومات المتداولة عن أزمة وانهيار وإفلاس مالي في إطار الإشاعات. علماً أن سلامة أعلن في وقت سابق عن عزمه إصدار تعميم الثلاثاء المقبل حول تنظيم شراء المواد الأولية بالدولار.
إلا أن أصحاب قطاع المحروقات قرروا الإضراب المفتوح وذلك بعد اجتماعهم أمس في خلدة، حيث سادت خلافات في وجهات النظر بين المجتمعين، إذ هناك أكثرية تطالب بالإضراب والنقيب يرفض.
وبعد انتهاء الاجتماع، قرر النقيب سامي البراكس إعلان الإضراب المفتوح تماشياً مع الاكثرية. وأشار البراكس إلى أنه «كنا ملتزمين مع رئيس الحكومة سعد الحريري لنهار الخميس وتمّ تأجيلنا حتى الاثنين ولدينا حرية متكاملة». إلا أن ممثّل شركات موزّعي المحروقات فادي أبو شقرا أعلن عدم الالتزام بما أعلنه البراكس وأن «لا إضراب بانتظار مبادرة الحريري». ورأى أبو شقرا في تصريح أن «موضوع الدولار لا يحتمل»، وقال: «أخذنا وعداً من الحريري ولسنا مع الإضراب بانتظار حل الحريري».
وعقب إعلان محطات البنزين الإضراب المفتوح، بدأت محطات المحروقات بالإقفال، فيما توقفت أرتال من السيارات أمامها وتهافت المواطنون إلى المحطات للتعبئة وقد سُجّلت زحمة كثيفة أمام المحطات في كل المناطق اللبنانية. كما تداعى حشد من المواطنين الى الشارع في صيدا للاحتجاج على تردي الأوضاع الاقتصادية.
وفي سياق نفي حاكم مصرف لبنان وجود أزمة دولار، قالت مصادر وزارية معنية بالشأن الاقتصادي لـ»البناء» إن «أزمة المواد المدولرة ستحل الثلاثاء المقبل عبر إجراءات يتخذها مصرف لبنان». وفي وقت تحذر مصادر سياسية من خطة أميركية ممنهجة ومتدرجة عن طريق العقوبات المالية الأميركية وصولاً لخنق لبنان وتعميم الفوضى المالية والاجتماعية حتى الانهيار، استبعد أكثر من مصدر وزاري لـ»البناء» «تفاقم الأزمة الى حد الإفلاس او الانهيار المالي او ارتفاع سعر صرف العملة الوطنية الى الفي ليرة لبنانية كما يُشاع في الاسواق»، مشيرين الى أن «عامل الثقة لدى المودعين والمستثمرين الأجانب والتجار والسياح وحتى المواطنين العاديين هو الحاسم في ثبات العملة وتوافرها في الأسواق»، وعزت المصادر أسباب الأزمة الى تأثر هذه الفئات بالإشاعات ما يدفعهم للحصول على الدولار ما يرفع الطلب عليه، وبالتالي ارتفاع سعره، فضلاً عن السياسة النقدية لدى البنك المركزي التي تحتفظ بالدولار لتعزيز الاحتياط النقدي».
وإذ عمدت بعض الجهات المحلية الى استغلال أزمة الدولار لتصويب الاتهام الى سورية وإيران بسحب الدولار من السوق اللبناني، نفت مصادر وزارية مقربة من الحريري ذلك، مشيرة لـ»البناء» الى «أن لا وقائع تثبت ذلك فيما هناك أدلة تثبت تهريب المازوت والبنزين ومواد أخرى من سورية الى لبنان». وقالت مصادر «البناء» إن «شبكات مؤلفة من لبنانيين وسوريين وفلسطينيين يستغلون أزمة الدولار عبر شراء الدولار بسعره المرتفع من الاسواق اللبنانية ونقله الى سورية ودول أخرى لبيعه بسعر أعلى لتحقيق أرباح».
ووسط هذا المشهد القاتم، وبُعيد زيارة مساعد وزير الخزانة الأميركية مارشال بيلنغسلي تردّدت معلومات عن طلب ادارة مصرف بيروت والبلاد العربية من المودعين المحسوبين على بيئة المقاومة سحب ودائعهم من المصرف، ورداً على هذه الخطوة دعا عدد من المواطنين على مواقع التواصل الاجتماعي الى التجمع أمام المبنى الرئيسي للمصرف في وسط بيروت الأحد المقبل للتظاهر والاحتجاج على هذا القرار.
وقالت مصادر وزارية مطلعة على موقف حزب الله لـ»البناء» إن «حزب الله والقوى الحليفة كما قال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله لن يقفوا مكتوفي الأيدي حيال تمادي الولايات المتحدة الأميركية في استهداف لبنان وحزب الله والبيئة الشعبية الحاضنة بالعقوبات»، كاشفة أن «الحزب بصدد مواجهة هذه الحملة الأميركية عبر جملة من الإجراءات»، وعن طبيعة هذه الإجراءات اذا كانت عبر المؤسسات أو شعبية لم تكشف المصادر عنها، مشيرة الى «انها لا زالت قيد الدرس»، محذرة من أنه «عندما تستهدف واشنطن البيئة المالية والشعبية للمقاومة وتستخدم بعض الجهات الداخلية وبعض القطاع المصرفي للضغط، فيجب أن تتوقع ردات فعل من الشعب وقوى سياسية متعدّدة ترفض الظلم والعدوان»، مشيرة الى أن هذه الحرب الاقتصادية لا تختلف عن الحرب العسكرية والأمنية والسياسية والإعلامية التي تمارسها اسرائيل واميركا والإرهاب ضد المقاومة ومحورها منذ عقود».
في المقابل، قالت مصادر السرايا الحكومية لـ»البناء» إن «رئيس الحكومة وخلال محادثاته مع المسؤولين الأميركيين يعمل على التخفيف من وطأة العقوبات على لبنان وعلى تحييد القطاع المصرفي قدر المستطاع والفصل بين العقوبات على حزب الله عن العقوبات على المصارف والأفراد».
وعُلِم أن الرئيس الحريري سيغادر بيروت متوجّهاً الى فرنسا للمشاركة في مراسم دفن الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك. كما غادر رئيس الجمهورية العماد ميشال عون نيويورك عائداً الى بيروت بعد ترؤسه وفد لبنان الى اجتماعات الجمعية العامة للامم المتحدة.
زحمة لجان وموازنة
وعلى وقع تفرخ الأزمات والتهديد بالشارع، واصل مجلس الوزراء دراسة مشروع الموازنة في وقت ترأس الرئيس الحريري اجتماعاً للجنة الوزارية لدراسة الإصلاحات المالية والاقتصادية وجرى البحث في خمس نقاط بحسب وزير الاتصالات محمد شقير هي «تجميد زيادة الرواتب، زيادة الحسومات التقاعدية، زيادة ضريبة القيمة المضافة على الكماليات وفرض رسوم على الدخان والبنزين، ولم يتم اتخاذ أي قرار بشأن هذه النقاط بعد». وأفيد ان اللجنة ناقشت تجميد الأجور لمدة 3 سنوات وزيادة الحسومات التقاعدية وزيادة الـ tva على الكماليات وفرض رسم حد أدنى على البنزين ورفع الرسوم على الدخان. ومن المتوقع ان تعقد اللجنة اجتماعاً ثانياً يوم الاثنين المقبل.
وتعتبر اللجنة، بحسب معلومات «البناء» مقررات بعبدا أولوية لجهة ما تحققه من مردود مالي، اذا ما نفذت، وبالتالي تخفف نسبة العجز، وعند إقرارها تجري إحالتها الى المجلس النيابي كمشاريع قوانين وإقرارها مع الموازنة بقوانين مستقلة، أما الاوراق الاقتصادية فتناقش ايضاً وما يتفق عليه الحكومة يحال الى مجلس النواب ايضاً».
وعلمت «البناء» من أوساط حكومية نية الحكومة زيادة سعر صفيحة البنزين 3 في المئة أي ما يوازي 700 ليرة لبنانية، وتحديد السعر الأقصى والأدنى لصفيحة البنزين، كما سيصار الى اعادة النظر بمخصصات وزيادات الموظفين وهناك خياران بحسب المعلومات: إما إلغاء الزيادات على الرواتب لمدة ثلاث سنوات فقط ثم تُعاد، واما تجميدها لمدة ثلاث سنوات وتدفع لهم كاملة لاحقاً ولم يحسم الأمر».
كما ترأس الحريري، اجتماع اللجنة الوزارية لدراسة دفاتر الشروط في موضوع الكهرباء، وركز الحزب الاشتراكي في الجلسة بحسب معلومات «البناء» على تحديد شروط الشريك المحلي الذي سيشارك في استثمار هذا القطاع واستبعاد استقدام البواخر. وأعلنت وزيرة الطاقة ندى البستاني أن لبنان يدخل الخريطة النفطية، قائلة «نسعى لحفر اول بئر في كانون الاول». واضافت من «منتدى بيروت الدولي للطاقة» أن «الوزارة وهيئة البترول طبقتا أعلى معايير الشفافية عبر نشر معايير تأهيل الشركات، دفاتر الشروط، العقود الموقعة مع الشركات العالمية».
وكان مجلس الوزراء ناقش في جلسته أمس الجزء الأول لعدد من الوزارات، على أن يستكمل الاثنين المقبل، وأشارت مصادر وزارية لـ»البناء» أنه يمكن إدخال إصلاحات في مشروع الموازنة لكن دون تعديل في ارقام الموازنة».

 


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


الأخبار
شبح الـ 1992
تحذيرات أمنيّة من ردّات فعل على التعثّر المالي

كان أمس يوماً صعباً على اللبنانيين. الشائعات ملأت البلد وأسفرت عن تهافت الناس على شراء الدولارات خوفاً من انهيار العملة الوطنية، وكذلك انتظارهم لساعات طويلة لتعبئة الوقود خوفاً من فقدان هذه المادة الحيوية. بدت بيروت أمس تعيش تحت شبح العام 1992، عندما تهاوى سعر العملة الوطنية، وأطيح بحكومة الرئيس الراحل عمر كرامي، تمهيداً لوصول الرئيس رفيق الحريري إلى السلطة.
كأن الانهيار حلّ دفعة واحدة. أمس كان يوماً هستيرياً تفجّر فيه كل الخوف من الأزمة المالية – الاقتصادية المتوقعة منذ زمن. بين ارتفاع سعر صرف الدولار الذي وصل إلى 1700 ليرة عند بعض الصرافين، والخوف من انقطاع المحروقات بعد إعلان نقابة أصحاب المحطات الإضراب المفتوح، ظهرت هشاشة البلد وهشاشة ثقة المواطنين بالسلطة وقدرتها على مواجهة الأزمة، فتهافتوا إلى المصارف والصرافين لجمع ما أمكن من العملة الصعبة، وعلى المحطات لملء خزانات سياراتهم بالوقود.
رغم كل هذا الهلع، ظلت السلطة غائبة عن تقديم أي تفسير لما يحصل، وسط معلومات وتحليلات حمّلت المسؤولية لكل الكوكب، باستثناء السلطة نفسها التي تقود البلاد إلى الهاوية منذ سنوات، إما بالفساد والمحاصصة أو بغياب الرؤية أو بالخضوع للإملاءات الخارجية، كما بالتمسّك بنموذج اقتصادي ثبت انه ليس سوى ازمة دخلت مرحلة الانحدار السريع في الأشهر الأخيرة. ولأن ليس هناك من مسؤول، انتشرت الشائعات عن أسباب الأزمة النقدية، فكان أبرزها تحميل سوريا، بشكل ممنهج، مسؤولية فقدان الدولارات من السوق. أما حاكم مصرف لبنان فظل حتى يوم أمس يجاهر بعدم وجود أزمة دولارات. وهو كرر ذلك لدى دخوله السرايا الحكومية للقاء الرئيس سعد الحريري. كل البلد ضجّ بالحديث عن عدم توفر الدولارات لدى المصارف أو رفض معظمها بيع العملة الصعبة بالسعر الرسمي، مقابل توفره بأسعار عالية لدى الصرّافين، وحده سلامة، مهندس السياسة النقدية والعالم بكل أمور النقد والمال، لم يتنبه إلى انتهاء مرحلة استمرت 25 عاماً صمد فيها الدولار عند 1507.5.
على الجبهة السياسية، بدت الحكومة أيضاً غير معنية بكل ما يجري. ينعقد مجلس الوزراء كأن شيئاً لم يكن. لا أزمة دولارات ولا أزمة سيولة. يحار المرء من يصدّق: الحقائق التي تؤكدها حركة سوق القطع أم المسؤولين الذين يظنون أنهم إذا أنكروا الأزمة انتهت. عندما كان المجلس يناقش موازنات الوزارات كان النهم لتحصيل أعلى قدر من الأموال هاجس الجميع، رغم أن تلك الموازنات تراجعت بشكل عام، لكي «نعطي إشارة إيجابية عن جديتنا في موضوع الإنفاق»، على ما جاهر وزير الإعلام جمال الجراح بعد انتهاء مجلس الوزراء.
بالنتيجة، لم يتم التطرق في الجلسة إلى كل ما يجري في البلد. لم يشعر الوزراء بأن هناك أزمة لا بد من السعي إلى حلّها. وعلى المنوال نفسه سارت اللجنة الوزارية المكلفة درس الاصلاحات المالية والاقتصادية على المدى القصير والمتوسط والبعيد، في اجتماعها الأول. فعند طرح عدد من الوزراء ضرورة التطرق إلى الوضع الاقتصادي العام ليكون بالإمكان وضع الأهداف المناسبة، انبرى وزير المالية علي حسن خليل إلى إقفال النقاش بالقول إن الموضوع نقدي ونحن نبحثه مع المصرف المركزي. كلام خليل، وصمت زملائه، يؤكدان أن الحكومة مستقيلة، وترفض القيام بواجباتها المعنوية والقانونية. فهذه الازمة تهدد مستقبل البلاد وحاضرها، وليس رياض سلامة المؤهل لحلها وحده، ولا هو المسؤول الوحيد عن حلها. وقانون النقد والتسليف، وفي المادة 72 منه، واضح في ما ينص عليه: «تستشير الحكومة المصرف (المركزي) في القضايا المتعلقة بالنقد وتدعو حاكم المصرف للاشتراك في مذكراتها حول هذه القضايا». تجاهلت الحكومة ذلك، وعاد الوزراء إلى الموضوع الأسهل، أي زيادة الضرائب والرسوم. فقد بدأت اللجنة الوزارية سريعاً بمناقشة زيادة الواردات بعد أن أعطاها الرئيس سعد الحريري الأولوية على حساب الإصلاحات. وأول الوارادت المطروحة للنقاش كانت مجدداً زيادة ضريبة القيمة المضافة إلى 15 في المئة على الكماليات، ووضع سقفين أدنى وأعلى لسعر البنزين، ورفع الرسوم على الدخان، وزيادة الاقتطاعات الضريبية على المتقاعدين. هي الجلسة الأولى وستعقبها جلسات عديدة مهمتها الاتفاق على الاجراءات والإصلاحات المطلوبة، انطلاقاً من الأوراق التي قدمت لها، وأولها ورقة بعبدا، على أن تليها تباعاً ورقة رئيس الحكومة ثم كتلة «لبنان القوي» فورقة القوات…
تلك جلسة كانت سبقت إعلان نقيب أصحاب محطات الوقود سامي البراكس الإضراب المفتوح، بعد اجتماع عاصف للجمعية العمومية للنقابة، أسفر عن أغلبية تؤيد الإضراب، بعد ما اعتبروه عدم اكتراث من المعنيين بمشكلتهم. أضف أن رئيس الحكومة الذي التقوه قبل أيام، كان قد وعدهم بأن تحلّ قضيتهم يوم أمس، إلا أن أحداً من قبله لم يتحدث في الأمر، علماً بأن سلامة اعلن أنه سيصدر تعميماً الثلاثاء المقبل ينظّم فيه توفير السيولة لمستوردي الوقود والقمح والدواء. لكن مقابل قرار الإضراب المفتوح، أصدر «تجمع الشركات المستوردة للنفط» في لبنان بيانا أكد فيه أن يوم غد الجمعة (اليوم) سيكون يوم توزيع عادي للمحروقات، علماً بأن هذه الشركات تملك شبكة كبرى من المحطات التي لن تلتزم بالإضراب. أما البراكس، فقد أعاد ليلاً التأكيد لـ«الأخبار» أن أصحاب المحطات ملتزمون بالإضراب، لكنه أشار إلى أنه على أثر اللقاء مع الحريري عند الثالثة من بعد الظهر، سيتقرر الاستمرار بالإضراب من عدمه.
إلى ذلك، وربطاً بالازدحامات التي شهدتها محطات الوقود في كل المناطق، تداعى عدد من الشبان، في أكثر من منطقة، لقطع الطرقات أو الاعتصام اعتراضاً على ما آلت إليه الأوضاع.
تحذيرات أمنيّة من ردّات فعل على التعثّر المالي
حذرت مراجع أمنية مسؤولين سياسيين رفيعي المستوى وقوى سياسية معنية من خطورة ارتداد الأزمة المالية النقدية على الوضع الأمني. وتحدثت معلومات عن أن التحذير جاء على خلفية نقاشات سياسية وأمنية ومالية، تمحورت ليس حول جوهر الأزمة المالية وطبيعتها، إنما حول ردود الفعل المحتملة لبقاء حالة الخوف المالي لدى الناس وتفاقمها، ولا سيما في ضوء ملاحظات الأيام الأخيرة (هيام القصيفي).
وأشارت المعلومات الى أن جس النبض الأولي لردة فعل المودعين، أثبت أنه لا يمكن حصر التعامل مع أي احتمال للتدهور المالي، رغم كل التطمينات السياسية، بالمسارعة الى سحب الودائع، لأن المخاوف الحقيقية تكمن في الخشية من أن تساهم إجراءات المصارف للحد من سحب الودائع بالعملة الأميركية، في حدوث ردات فعل توضع في خانة أمنية صرف، وخصوصاً في ما يتعلق بمودعين من الطبقة المتوسطة وما دون الذين يخشون على مدخراتهم، ويمكن أن يتحول رفض مدّهم بأموالهم أو وقف الصرافات الآلية الى ردة فعل تتجاوز الخط الأحمر.
وتأتي التحذيرات من مغبة حصر علاج الأزمة المالية بتدابير اقتصادية ومالية، على ضرورتها القصوى، من دون الأخذ في الحسبان هواجس أمنية وردود فعل المواطنين الغاضبة، ولا سيما أن الإطار السياسي العام لا يزال يتعامل مع الأزمة المالية بأقل من خطورتها الحقيقية.
وقياساً الى دول أوروبية خبرت المعاناة نفسها، من خلال مواجهات مع القوى الأمنية المكلفة حماية المصارف والمؤسسات النقدية، رغم وجود سلطة ودولة قائمة بذاتها، فإن لبنان يشكل بيئة هشة بسبب تفاقم المشكلات الاجتماعية والمالية، يضاف إليها عاملان أساسيان، النقمة الشعبية على الطبقة السياسية والمالية والمصارف، وتفلت السلاح في صورة عامة واحتمال استغلال أي طرف لهذا الوضع المتفاقم.
ويأتي هذا التحذير ليؤكد ضرورة استيعاب خطورة الواقع المالي لأن الأمر يتجاوز ما حصل في الثمانينيات، مع ارتفاع سعر الدولار وخسارة المودعين قيمة أموالهم. فأزمة الثمانينيات التي حصلت في عز الحرب ووجود الميليشيات، مختلفة بطيعتها المالية عما يحصل اليوم، لأن النظام المالي أصبح مختلفاً، فضلاً عن حيثيات المصارف وانتشارها وتضخّمها والعمل بنظام تقني عبر آلات الصرف، اضافة الى دولرة النظام المالي في شكل مختلف تماماً عن الثمانينيات. وإذا كان بطء ردة فعل الناس حينها على التدهور الذي بقي مقنّعاً لفترة، وحجم الودائع بالليرة اللبنانية، ساهما في خسارتهم أموالهم لمصلحة طبقة سياسية ــــ مالية سارعت حينها الى تحويل أموالها الى الدولار، وتحقيق أرباح فائضة لاطلاعها المسبق على المجريات المالية، فإن عبرة الثمانينيات، للذين عايشوها ولم يعايشوها، تشكل بالنسبة الى المودعين سبباً كافياً للتهافت على سحب ودائعهم، فضلاً عن فقدان الثقة أساساً بالتطمينات المتتالية التي أثبتت عدم جدواها أخيراً بدليل استمرار التهافت على المصارف وآلات السحب، اضافة الى ردة الفعل على تحميل المسؤولين الماليين المواطنين الخائفين، مسؤولية العبث بالاستقرار النقدي.
كل ذلك وضع برسم المعنيين، في صورة جدية، في موازاة الحث على ضرورة القيام بإجراءات سريعة مواكبة تعطي مزيداً من الاطمئنان، لأن أي حادث فردي في مصرف ما يخشى معه ان يتحول كرة ثلج، وهذا لا يصب في مصلحة الوضع العام، علماً بأن «الرقابة الدبلوماسية» على الوضع المصرفي والوضع الداخلي ربطاً به باتت لا تقتصر على دولة واحدة كالولايات المتحدة. فالعين الأوروبية فعّلت في الآونة الأخيرة مراقبتها بدقة لتداعيات الأزمة المالية، تزامناً مع عودة اهتمام وسائل إعلام أوروبية ــــ والفرنسية منها تحديداً ــــ بالوضع المالي، مواكبة لدور باريس في «سيدر» والضغط لإجراء الإصلاحات المطلوبة. وهذا في حد ذاته يشكل مؤشراً مقلقاً، لأنه يتعدى موضوع العقوبات الأميركية على المصارف، او التلويح بمزيد منها، بل يهدد البنية الاقتصادية التي تحاول اوروبا الإبقاء على استقرارها لأسباب عدة. وأي عبث بالوضع المالي وتدحرجه نحو خضة اجتماعية لن يبقى من دون ارتدادات تنعكس على مقاربة هذه الدول لمشاريع ترعاها في لبنان. ما يعني ان كل ذلك هو حلقات متشابكة في سلسلة واحدة، تفترض تغييراً في أسلوب المعالجة المعتمد حالياً، التي لا تزال تقتصر على تدابير سلحفاتية، خطوة خطوة، لا تتماشى مع حجم المخاوف من انعكاسات سلبية على الوضع الداخلي، علماً بأن ردة الفعل على ما حصل في الثمانينيات وأفقد الناس مدخراتهم، أكلتها الحروب آنذاك. اليوم، الأمر مختلف تماماً، وما التصق الى الأبد بعهد الرئيس امين الجميل، قد يلتصق أيضاً بعهد الرئيس ميشال عون.