مقومات الإصلاح الاقتصادي في لبنان (2/2)

“جريمة في رام الله” : السلطة الفلسطينية تصادر رواية عبّاد يحيى وتستدعيه والناشر للتحقيق!
السودان : احتجاجات ضد غلاء المعيشة ورئيس جامعة يضرب طالبتين أمام الكاميرا!
العراق : متظاهرون ينتفضون ضد حكم “حزب الدعوة”

يشكو الإقتصاد اللبناني من أزمات بنيوية حادة، تنعكس على مختلف جوانب الحياة الإجتماعية السياسية. وقد طرحت مشاريع إصلاحية كثيرة، اعتمدت رؤى سياسية وفكرية متغايرة، من دون أن تفلح في حل هذه الأزمات حتى الآن. في هذا المقال يعرض جورج قرم رؤية نقدية للسياسات التي تنتج هذه الأزمات الإقتصادية.

ج ـ بالنسبة إلى المالية العامة

ـ تحقيق اللامركزية في الإنفاق العام: لا بدَّ من أن يتم الإنفاق على الرعاية الصحية والاجتماعية والتعليم الابتدائي عبر أجهزة البلديات أو اتحاد البلديات في كل قضاء، إذْ إنَّ مثل هذا النظام يسمح للمواطنين بمراقبة صحة الإنفاق على المستفيدين وعدم التلاعب بالمال العام كما يحصل عندما يتم الإنفاق على صعيد الجهاز المركزي للدولة.

ـ تقوية إيرادات الدولة وإدارة النظام الضريبي على أساس اللامركزية:

• يتم توسيع القاعدة الضريبية لتقوية إيرادات الدولة عبر إعادة النظر بالنظام الضريبي بحيث يتوزَّع العبء الضريبي بشكل عادل بين الضرائب المباشرة وغير المباشرة، وبين القطاعات الاقتصادية والفئات الاجتماعية المختلفة… ومن أجل ذلك يجب تعديل قانون ضريبة الدخل لإدخال مبدأ فرض الضريبة المباشرة على أساس مظاهر الثروة على كل من ليس له نشاط إنتاجي أو مهني يدفع بموجبه ضريبة الدخل في لبنان، أيْ أن يُكلَّف كل من لا يخضع لأي تكليف بضريبة الدخل على ما يملكُه من عقارات وشقق وسيارات ويخوت في لبنان وذلك بناءً على معايير واضحة وشفافة لا تفتح الباب للعشوائية.

• هذا بالإضافة إلى ضرورة مكافحة الفساد في الدوائر الضريبية للقضاء على العشوائية في فرض الضرائب بين الماليات الإقليمية المختلفة وبين مراقب ضريبي وآخر وبين مكلَّف يتمكَّن من التهرُّب من الضريبة ومكلَّف يخضع للابتزاز الضريبي… وهذه قضية مزمنة في لبنان يجب معالجتها بشكل حاسم، ومن أجل ذلك يُستحْسَن إقامة هيئة ضريبية مستقلَّة وحكومية الطابع، يكون لها فروع في كل أقضية لبنان وأحياء المدن الكبرى تكلف وتجبي الضرائب ضمن نطاق عملها الجغرافي.

ـ زيادة كفاءة الإنفاق العام على الصحة والتعليم والرعاية الاجتماعية، وتجدر الإشارة في هذا المجال إلى أنَّ الدولة اللبنانية تقوم بالعديد من النشاطات في هذه الحقول بما يمثِّل ثلث الإنفاق العام تقريباً، إنَّما يشكو هذا الإنفاق من العشوائية والكلفة العالية في الخدمات التي يقدِّمها القطاع الخاص إلى المستفيدين من تلك الخدمات التي تتحمَّل الدولة أعباءها، وخاصة في المجال الصحي. ومن أجل ذلك لا بدَّ من إدخال نظام الموازنة بالأهداف على الصعيد المحلي عملاً بمبدأ اللامركزية المالية المذكور سابقاً، مع وضع معايير واضحة لبلوغ تلك الأهداف ولتقييم أداء القطاع العام والقطاع الخاص المموَّل من قبل القطاع العام لتقديم الخدمات المذكورة.

ـ معالجة وإصلاح قطاعيْ الكهرباء والمياه

يجب أن تتم هذه المعالجة بشكل حاسم بحيث يتوفر للمواطن المياه القابلة للشرب، والكهرباء على مدار 24 ساعة.

* الكهرباء: يجب جعل كلفة الكهرباء لا تتعدَّى متوسط الكلفة في دول مماثلة لا تتمتّع بموارد الطاقة الرخيصة؛ كما يجب تحرير القطاع من احتكار الدولة.

* المياه: يجب تطبيق الخطط الموجودة لتحديث وتجديد شبكات التوزيع وتوسيعها لتصل إلى كل بيت وذلك دون الدخول في عمليات الخصخصة التي تؤدي دائماً إلى زيادة كلفة إيصال المياه إلى المواطن. كما لا بدَّ من إقامة السدود الصغيرة في كل الأراضي اللبنانية لتحسين التوزيع العادل لكل المناطق والبلدات ولتوفير مزيد من المياه لقطاع الزراعة.

2 ـ في شؤون التنمية المحلية ونظام الرعاية الاجتماعية والنظام التربوي

أ ‌ـ إنشاء شركات تنمية محلية: يجب إنشاء هذه الشركات على صعيد القضاء، يساهم في رأسمالها كل من الصندوق الاقتصادي والاجتماعي والبلديات والأوقاف والفعاليات الاقتصادية المحلية ومنظمات المجتمع الأهلي المهتمة بالشأن الاقتصادي والاجتماعي وهيئات التمويل الإقليمية والدولية… وعلى هذه الشركات أن تقوم بمسحٍ لإمكانيات التنمية المحلية في كل قضاء وتحديد المشاريع المفيدة لتطوير القدرات المحلية الإنتاجية وتأمين فرص العمل عبر تمويل إنشاء مؤسسات جديدة أو الدمج بين المؤسسات الصغيرة الموجودة في القضاء والتي تعمل في نفس المجال وتحديثها لكيْ تتمكَّن من تطوير قدرتها التنافسية في السوق المحلية واللبنانية والأسواق الأجنبية. ويمكن أيضاً فتح المجال للمغتربين للمساهمة في رأسمال شركات التنمية المحلية.

ب ‌ـ توزيع النشاطات السياحية والترفيهية على كل المناطق اللبنانية، تشجيع السياحة الداخلية خارج المرافق السياحية القائمة في بيروت وجبل لبنان والعمل من أجل إبقاء المواطنين في المناطق الريفية والتخفيف من حدَّة تركُّز السكان على الشاطئ اللبناني ممَّا يضرُّ بالبيئة والتوازنات الاقتصادية والاجتماعية التي أصبحت تختلُّ أكثر فأكثر منذ الاستقلال.

ج ـ نظام الرعاية الاجتماعية

يجب أن يستهدف نظام الرعاية الاجتماعية الفئات الفقيرة والمهمَّشة والفئات الريفية المستبعدة حتى الآن عن مثل هذا النظام وألا يمول خدمات صحية للفئات الميسورة أو الفئات المغطاة من قبل أنظمة مهنية أو خاصة. ويمكن أيضاً أن يتم وضع نظام لامركزي لصندوق الضمان الاجتماعي مع إقامة صناديق مناطقية لكيْ تخضع لمراقبة المواطنين ميدانياً.
د ـ النظام التربوي

لا بدَّ من تقوية الجامعة اللبنانية وإعادتها إلى ما كانت عليه قبل الحرب من كفاءة عالية، وخاصة في مجالات العلوم الدقيقة والأدب والتاريخ، فهذه الجامعة هي الجامعة الوطنية التي يجب أن تمنح للعنصر الشاب اللبناني الذي ليس له الموارد المالية لدفع الأقساط المالية العالية أن يتلقّى العلم بنفس المستوى الذي يتلقاه الشباب الميسورون في الجامعات الأجنبية. وهذا الأمر ينطبق أيضاً على الثانويات الرسمية.

هـ ـ معالجة النفايات الصلبة وتكرير المياه المبتذلة

إنَّ الوضع الذي وصل إليه لبنان بالنسبة إلى تلوث البيئة والمياه يتطلَّب تطبيق خطة متكاملة وحاسمة لمعالجة هذه القضية المزمنة التي تهدد السلامة العامة والسياحة والقدرات الزراعية.
3 ـ في تنمية القدرات الإنتاجية

من المعروف أنَّ لدى لبنان قدرات إنتاجية كبيرة غير مستغلَّة، وخاصة بالنسبة إلى توفُّر المياه والتربة الخصبة والتعدد البيولوجي، ممَّا يسمح للبلاد بأن تتحوَّل إلى اقتصاد منتج في مجال تصنيع الأدوية وخاصة تلك المعتمدة على الأعشاب الطبية وعلى المنتجات الزراعية ذات الجودة العالية وعلى إنتاج البذور للتصدير.

كما أنَّ لبنان يمتاز بالكفاءات البشرية فيُمكِنه أنْ يدخل ميدان الخدمات ذات القيمة المضافة العالية في كل مجالات الأبحاث والتطوير وخاصة في المجال الطبي والصحي والمعلوماتية والإلكترونيات…كما فعلت عدة دول كانت متخلِّفة للغاية اقتصادياً وأصبحت في عداد أغنى دول العالم بفضل تطوير مثل هذه النشاطات الخدماتية (إيرلندا، سنغافورة، مالطا، قبرص، تايوان وبعض المناطق في الهند).

وعلى شركات التنمية المحلية أن تهتمَّ بتطوير قدرات لبنان في كل هذه المجالات بالتعاون مع القطاع الخاص والجامعات ومعاهد التدريب المهني.

COMMENTS