رفقة لا أحتاجها

راسموسن : لتزويد تايوان بالأسلحة فوراً تفادياً لتكرار السيناريو الأوكراني
مستثمرون عرب في سلة الغذاء العربي والإفريقي في وادي النيل
أفريقيا: فقر وجوع وإيدز… و250 مليون هاتف خلوي!

متدين شاب، كنت سبقته الى كابينة المصعد في مركز عملي، وأبقيت على الباب مفتوحا بانتظاره، احتراما وتأدبا، اولا من احترامي لنفسي ومن تأدبي، ثانيا لتلافي شبهة الأنانية ولئلا يحسبني الرجل بلا ذوق.

أغضى رجل الدين بصره عني متجاهلا انتظاري، مشيحا بوجهه، مرفرفا بيده رفرفة عصبية، تعني ان اصعدي من دوني فلا حاجة بك الى انتظاري ولا أمل لك البتة في مرافقتي لك!

حسبت رفضه، من حسن نيتي وسلامة او سذاجة طويتي، كرما منه ورهافة، في رغبته الى تركي استقل المصعد وحدي، لتوفير نوع من الخصوصية (برايفتي) لامرأة يهمها الاطمئنان الى شكلها في المرآة من دون احراج، او تركها تعالج شأن هندامها الى تفاصيل اخرى يفعلها واحدنا في استقلاله “الاسانسيرات” منفردا، صعودا وهبوطا.

خمنت مئات الأسباب التي وسوست لرجل الدين عدم مرافقتي ما عدا السبب الحقيقي. خمنت مئات الاسباب، ما عدا السبب الوحيد والأكيد (عرفت هذا في ما بعد) الذي حدا برجل يرفض عن مصعد متمهل لأجله، وسيدة محتارة تنتظره تأدبا، بينما ينتظرها مليون شغلة. خمنت مئات الأسباب، الا ذاك الرادع عن فتنة شيطانية تجمع رجلا وامرأة في مكان مقفل.

كابينة صغيرة، مضيئة ونظيفة، وتكاد المسافة الى الطوابق التي تحملنا اليها (مهما علت) لا تكفي لالقاء أحدنا، نظرة على الآخر. احسب مع ذلك، ان زمن صعودنا السماوي! الى أعلى طابق في المبنى يتسع فعلا لنظرة متبادلة، فهل تكفي نظرة لتجريم فعل الاجتماع نفسه، والطلوع، وإغلاق الباب على كلينا بالطبع، والا فإن المصعد، لن يصعد.

هل تكفي النظرة تلك، لألقى صدوده، أنا التي انتظرته، واحترمته، مع انني في الحقيقة لا أطيق أحدا، وما من وقت أضيعه على انتظارات كهذه!!

هل تكفي نظرة استكشاف عجلى بين كائنين من كائنات خلق الله، بين رجل وامرأة لكي يبطل اجتماعهما في مكان مغلق، رغم انني اشك، في ما لو كان تهوّر وطلع معي، انه يلقي تلك النظرة، فقد بدا استعداده الى الاغضاء عني، أبديا وسرمديا.

ثم ان رجل الدين ذاك، لم يكن وحده. الأمر الذي لم يكن ليمكنني من ان أفتك به في المصاعد. كان برفقته شاب آخر (مدني) أحسبه مرافقه على ما بدا لي، وحاميه بالمرة من اغواء النساء مثيلاتي في “الأسانسيرات” وغيرها. مع ذلك، اشار اليّ برفرفة يده النزقة ان اصعدي من دوننا، مفضلا الانتظار حتى تعود كابينة المصعد خالية من النساء، لكي لا يضيفوا الى آثام العالم العربي، والاسلامي، إثما جديدا متعلقا بي هذه المرة.

وفي مرة ثانية، سوف لن أتمهّل إليك ان وجدتك تسعى الى مصعدي. سأقفل الباب دونك أمضي في كابينتي وحدي، فلست أحتاج الى رفقتك، وبين رفقة روحي اللطيفة التي تغنيني وتفيض. في مرة ثانية ـ تعلمت ـ تجد بابا يوصد بشدة، علّ باب الجنة يُفتح لك، وحدك.

عناية جابر، كاتبة وصحفية عربية من لبنان

COMMENTS