تركيا "الإخوانية" ودكتاتورية العائلة "العثمانية الجديدة"؟

تركيا "الإخوانية" ودكتاتورية العائلة "العثمانية الجديدة"؟

بريطانيا : الإستخبارات تحرك القوميين الإسكتلنديين ودعواتهم إلى العصيان الجماعي
Lebanon’s revolution is without revolutionary ideology (Ali Kadri)
بعدما لوث العراق بإشعاعاتها : الجيش الأميركي يؤكد استخدام قذائف اليورانيوم المنضب في سوريا

أصبحت شبكات الفساد ركيزة نظام حكم “الإخوان” في تركيا. يتوقع بعض الخبراء تنامي هذه الشبكات بعد انقلاب الرئيس رجب طيب أردوغان على رئيس الحكومة السابق أحمد داوود أوغلو. لأن بن علي يلديريم الذي كلف بتشكيل الحكومة الجديدة، هو من كبار رجال الأعمال الأتراك. فقد ارتبط اسم يلديريم خلال ولايته على وزارة النقل والملاحة والمواصلات بمشاريع البنى التحتية العملاقة، كالمطارات والجسور والأنفاق والطرقات. لكن وراء هذه الوظيفة العامة يكتشف الباحث أن يلديريم هو من كبار احتكاريي النقل البحري، بأسطول البواخر الضخم الذي يملكه ويتألف من 27 باخرة[1].

يمتد الفساد المؤسسي التركي بين أركان الحكم “الإخواني”، بمصالحهم المترابطة مع شركات القطاع الخاص، إلى أفراد العائلة الحاكمة. مثلاً، سلجوق بيرقدار رجل الأعمال ومنتج الطائرات بلا طيار هو صهر الرئيس أردوغان لابنته سمية. كذلك وزير الطاقة برات البيرق، هو صهر اردوغان لابنته إسراء. وهو رجل أعمال معروف، ومن المحتمل أن يصبح وزيراً للاقتصاد في حكومة يلديريم المقبلة، لكي يمسك بملفات الاقتصاد التركي. تحالف عائلة أردوغان والبورجوازية المحافظة، يمثل قلب المثلث الحكومي ـ الخاص ـ العائلي للسلطة “الإخوانية” التركية[2].

وكانت صحيفة “دويتشي ويرتشاخست ناخريكين” الألمانية قد توقعت أن يقوم أردوغان بتعيين ألبيرق، رئيسا لحزب “العدالة والتنمية”، لأن الرئيس التركي الذي يسعى إلى تعزيز سيطرته على قطاع النفط، لا يثق بأحد إلا أفراد عائلته[3]. لكن حزب “العدالة والتنمية” الحاكم في تركيا، انتخب خلال مؤتمره الذي انعقد يوم الأحد 22 أيار الجاري، وزير النقل والملاحة والمواصلات بن علي يلدريم رئيسا له بشكل رسمي ليخلف أحمد داود أوغلو، وبالتالي يكون رئيسا للوزراء[4]. وربما يكون أردوغان قد بدل رأيه، لضرورات الحكم الفردي ـ العائلي الذي يرسي أركانه على أنقاض “ديموقراطية أتاتورك”.

يقول عمر تشيليك القيادي “الإخواني” في “العدالة والتنمية”، إن “زعيمنا” هو رئيس الجمهورية أردوغان، و”لا توجد مسافة حتى ميلليمتر واحد بين الحزب وبين رئيس الجمهورية”. يهمل الرئيس التركي نصوص الدستور التي نظمت العلاقة بين رئيس الجمهورية والأحزاب وكل المؤسسات الأخرى[5]. وهو يجعل مخالفة الدستور “ممارسة دستورية” لديه، للحصول، كما تقول نيويورك تايمز، على مزيد من السلطة. ويشير شقاقه عن داوود أوغلو إلى قرب تحول أردوغان من سياسي ديمقراطي إلى متسلط. أما طموحاته إلى تركيز السلطة التنفيذية بين يديه، فأصبحت قريبة المنال[6].

وتضيف الصحيفة الأميركية أنه في محاولة للحصول على مزيد من السلطة، قام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بتطهيرات في نظام الأجهزة القضائية للتخلص من أعدائه هناك، وألقى الصحفيين في السجون وقمع التظاهرات المناهضة للحكومة. وهو، الآن، ينحي عن السلطة حليفه السياسي الأقرب رئيس الوزراء أحمد داوود أوغلو، الذي أبدى محاولات هيابة لكبح طموحات أردوغان، ما استنفذ صبر الرئيس التركي عليه[7]. إن مصالح الفساد الرسمي، لا سيما فساد العائلة الحاكمة، تدفع أردوغان في طريق الحكم الفردي المتسلط والقمع السياسي للحريات العامة.

وقد نشرت مجلة “بيلد” الألمانية تقريراً عن الفساد في عائلة الرئيس التركي الذي لا يتجاوز دخله السنوي رسميا 500 ألف يورو، بينما أولاد أردوغان الأربعة “يغمرهم المال”. وأشارت المجلة إلى أن معظم أولاد أردوغان الذين معظمهم لا يعملون، يعيشون في منازل فاخرة ولديهم مشاريع ربحية خاصة لا تتميز بشفافية. ووفقا لـ”بيلد” لا توجد أية معطيات رسمية حول أموال عائلة أردوغان، بينما فضائح الفساد وتبييض الأموال تلاحق أفرادها، وبالتحديد ابنته إسراء وإبنه بلال، الذي يملك أسطولا للنقل البحري يضم مجموعة من أكبر السفن التجارية.

ويعتبر فساد بلال أردوغان المزمن، عنصراً محفزاً للفساد الشبكي في الشركات الخاصة والإدارة العامة في تركيا. وحينما كان أردوغان لا يزال رئيساً للوزراء، أجرت النيابة العامة التركية تحقيقات في فضائح بلال أردوغان. وقد ركز المحققون، يومها، على إحدى المؤسسات الخيرية، وهي “المؤسسة التركية لخدمة الشباب والتربية” (تورجيف) التي يشغل بلال منصب أحد أعضاء مجلس إدارتها، ولكنه حولها لخدمة مصالح. حتى أنه أجريت تعديلات على خطة تشييد مبنى أجرته المؤسسة لمجلس اسطنبول المحلي كمكان لإقامة الطلاب. وتمس فضائح بلال مشاريع خدمية، وشفاعة لفاسدين من العائلة[8].

وتحدثت تقارير عربية وأجنبية عن العلاقات المشبوهة بين “إسرائيل” وشركة “إم بي” التركية الضخمة التي يملكها نجل الرئيس أردوغان. وكشف معارضون أتراك عن صفقات تجارية عقدها بلال مع “إسرائيل” بعد حادثة السفينة مرمرة عام 2010. وقالوا إن سفينتين تابعتين لشركة “إم بي” كانتا تنقلان المواد التجارية بين مواني تركيا وإسرائيل خلال الثلاث سنوات الأخيرة. كما كان من بين فضائح بلال التي ساقته إلى القضاء، أعمال رشوة وفساد في أنشطة مؤسسة تعليمية يديرها أفراد الأسرة الأردوغانية[9].

وهناك أدلة على علاقة بلال أردوغان بدعم إرهاب الدولة الإسلامية ـ داعش. ووردت تقارير في تشرين الثاني الماضي عن أن شركة نقل مملوكة من نجل الرئيس التركي تقوم بتهريب النفط السوري والعراقي المسروق من  إرهابيي “داعش”، إلى داخل تركيا. وتقول اتهامات أخرى إن بلال أردوغان متورط في تهريب النفط العراقي الذي تنتجه داعش إلى بلدان آسيا، حتى إن وسائل إعلام محلية تركية لقبته بـ”وزير نفط داعش”[10].

وظهر أنباء فساد بلال أردوغان في بيروت الأسبوع الماضي. ونشرت الأسبوعية اللبنانية Magazine في عددها الصادر يوم الجمعة 20 أيار الجاري تقريراً حوله. وجاء فيه أن الزيارة الأخيرة التي قام بها الرئيس سعد الدين الحريري إلى تركيا، كانت من أجل الخروج من قطاع الإتصالات هناك وبيع أصول أخرى. وأشار التقرير إلى أن الحريري تعرض لنوع من الإبتزاز السياسي من جانب نظام حكم “الإخوان” القائم في أنقرة، حيث وقَّتَ الرئيس أردوغان موعد استقبال المسؤول في ذكرى المجازر المرعبة التي ارتكبها العثمانيون ضد مئات الألوف من ابناء الشعب الأرمني عام 1914.

كما كشف تقرير Magazine عن أن الحريري قد رضي ببيع أصوله في الأسواق التركية إلى بلال نجل الرئيس أردوغان، الذي يدير بيزنساً فاسداً. وأن صفقة البيع بين الرجلين تتضمن شروطاً تجارية غير عادلة، حيث بدا الرئيس الحريري وكأنه عاجز عن التوجه نحو مشترين آخرين من خارج العائلة الحاكمة في تركيا[11]. ومن المؤكد أن الفساد الشبكي الذي تديره عائلة اردوغان قد أجبر وكالة التنمية الدولية الأميركية (USAID) على وقف تمويل مساعدات إنسانية فاسدة قدمت لنازحين سوريين في تركيا[12]. كما “يزداد الإضطراب بسبب خلافات السياسيين، في حين تواجه البلاد عددا كبيرا من مختلف التحديات”[13].

مركز الحقول للدراسات النشر
‏الإثنين‏، 23‏ أيار‏، 2016

[1]  مقال محمد نور الدين. السفير، 21 ايار 2016.

[2]  مقال محمد نور الدين. السفير، 21 ايار 2016.

[3]  وكالات، 5 ايار 2016.

[4]  تقرير صحيفة الرياض يوم الأحد 21 ايار 2016. راجع الرابط :

http://www.alriyadh.com/1505240

[5]  مقال محمد نور الدين. السفير، 21 ايار 2016.

[6]  نيويورك تايمز، الخميس 5 أيار 2016

[7]  نيويورك تايمز، الخميس 5 أيار 2016

[8]  العرب البريطانية، 27 آذار 2014. راجع المصدر :

http://www.alarab.co.uk/m/?id=16444

[9]  العرب البريطانية، 27 آذار 2014. راجع المصدر :

http://www.alarab.co.uk/m/?id=16444

[10]  وكالات، 7 أيار 2016.

[11]  للإطلاع على تقرير Magazine، أنظر :

http://magazine.com.lb/index.php/fr/confidences/confidences-liban-?issue_id=235

[12]  واشنطن تُعلّق مساعدات إلى سوريين بسبب “الاختلاس” في تركيا. السفير، 10 أيار 2016.

[13]  نيويورك تايمز، الخميس 5 أيار 2016