"تآكل الردع الإيراني"؟!
أن تنامي المكاسب الإستراتيجية في سلة إيران إبان "الحرب"، ولّد اطمئناناً خفياً كان الإقليم بحاجة إليه
كتب الأستاذ علي نصّار / خاص الحقول ـ بيروت : أبرزت "حرب الـ 12 يوم" التي شنها المحور الأميركي ـ "الإسرائيلي"، فعالية القوة الدولتية الشاملة للجمهورية الإسلامية الإيرانية، بعدما نجحت في إحباط "استراتيجية السلام بالقوة" التي اتبعتها واشنطن وتل أبيب ضد طهران، في تلك "الأيام" من شهر حزيران الماضي. وحسب باحثين لبنانيين، فإن الصمود الديناميكي للقوات المسلحة الإيرانية استرد قدراً من المبادرة، وقيّد "القوة" المهاجمة، وجعل الرئيس دونالد ترامب يطلب وقف إطلاق النار من الإيرانيين، بعد أن كان دعا قيادتهم إلى الإستسلام.
كان بعض "المحللين" يحاولون الترويج لنظرية "تآكل الردع الإيراني"، عندما وقعت تلك "الحرب". لقد بنوا آراءهم على نتائج المعارك الميدانية التي حققتها "إسرائيل" ضد القوى شبه الدولتية المكونة من حركات المقاومة الوطنية في فلسطين المحتلة/غزة وفي لبنان. كذلك، بنيت على كثافة وقسوة الضربات التدميرية التي تعرضت لها السيادة الإيرانية في مجالات الإستخبارات الداخلية والإستطلاع والدفاع الجوي ـ الصاروخي والإتصالات والأمن السبراني وفي مجال الديبلوماسية.
كانت هذه الآراء تقترب من الجزم المتسرع أو المستخف بعزيمة وقدرة الدولة الإيرانية والشعب الإيراني على إدارة مواجهة إقليمية ـ دولية، قد تنتهي بتفكيك المصير القومي لأمة عريقة. بعد تمام الشهرين على توقف تلك "الحرب"، وخلال ندوة خاصة عقدت في بيروت، انتقد باحثون إيرانيون نظرية "تآكل الردع". وقد لفتوا محدثيهم إلى ثلاثة عوامل أحاطت بمفهوم الردع الإيراني، خلال "حرب الـ 12 يوم"، وهي :
1. استمرار القيادة الإيرانية العليا في إدارة المواجهة الشاملة وتحمل الضربات العسكرية والأمنية الشديدة التي تلقتها من العدو.
2. قدرة الحكومة على العمل مع الشعب، سوياً، بثبات وصبر، رغم وطأة العدوان الحربي، ما أوقع العدو بالخيبة، وخفف من أضرار العدوان.
3. إدارة صناع القرار في طهران للحرب الدفاعية أمام أميركا و"إسرائيل" بمنهجية حل الأزمة وليس تصعيد وتيرة "الحرب".
مع استمرار الردع الإيراني وسقوط نظرية "تآكله" بعد ايام من بدء "الحرب"، سعى العدو الأميركي ـ "الإسرائيلي"، لاستدراج إيران إلى كشف أوراقها الإستراتيجية وإرباكها. وقد بذل التحالف الأميركي ـ "الإسرائيلي" جهوداً محسوسة في جمع معلومات عن أنواع ومواصفات ترسانة الصواريخ الإيرانية التي لم تُعَبَّأ للقتال، وبقي خائفاً منها، لا سيما بعدما فوجئ بتماسك قوى النظام الإسلامي.
نجم عن التماسك القومي الداخلي وقوع التحالف العدواني في الحيرة الإستخبارية، فزادت أسئلته عن أدوات وحجم وجغرافيا رد الجيوش الإيرانية المتوقع. حتى أنه استفاد من موارد "حلفائه"، لتحريك "جوقة الإحراج الإعلامي"، فاسترجعت تصريحات إيرانية سالفة عن مهاجمة السفن الحربية الأميركية أو تخريب منشآت "خليجية" عربية أو "إغلاق مضيق هرمز"، ولكن من دون نفع. لأن ما تعجز القوة العسكرية عن حله، لن تقدر القوة الإعلامية على حله.
ووفقاً لأولئك الباحثين، فإن تماسك قوى نظام الحكم وأركان الدولة في إيران سياسياً وعسكرياً، ارتد ضربة قاصمة بددت آمال المعتدين كافة. وتحدثت مصادر مطلعة في العاصمة اللبنانية، عن أن تنامي المكاسب الإستراتيجية في سلة إيران إبان "الحرب"، ولّد اطمئناناً خفياً كان الإقليم بحاجة إليه، خصوصاً في المملكة العربية السعودية وفي باكستان وفي تركيا. وتضيف المصادر أن الرياض أرسلت موفداً شخصياً عبّر عن التضامن والدعم، وقررت بقاء الحجاج الإيرانيين في ضيافتها، حتى انتهاء "الحرب".
قد تفيد دراسة الأثر السياسي والإستراتيجي لموقف هذه الدول من إيران وهي تصد عدوان التحالف الأميركي ـ "الإسرائيلي" الذي هددها بالفناء النووي في فهم مواقف هذه الدول فالسعودية، تبدو آنذاك، وكأنها وطّدت ائتلافاً إقليمياً دولياً ترعاه الصين. والبيان الثلاثي الذي صدر اليوم، الثلاثاء 9 كانون الأول 2025، يؤكد صحة ذلك. كما أن إعلان باكستان عن "وقوفها مع" الجمهورية الإسلامية، لحظة انطلاق الهجوم المعادي عليها، قد لا يكون بعيداً عن موقف الصين، وهو أقوى دعم خارجي معلن حصلت عليه طهران.
أما تركيا التي لاذت بالصمت في الأيام الثلاثة للعدوان الأميركي ـ "الإسرائيلي"، ثم ظهر رئيسها السيد أردوغان، مقترحاً "الوساطة" بين الجانبين، فكان موقفه ضعيفاً، إلا أنه يظل أقرب إلى إيران، لـ"أسباب استراتيجية كبرى"، على حد قول مسؤول إيراني كبير في لقائه مع مجموعة مختصة.
على أي حال فقد يكون المكسب الأعظم الذي حققته "حرب الـ 12 يوم" للنظام الإسلامي الذي يقوده السيد علي خامنئي، هو التحول السياسي ـ النفسي في موقف الحركات الإجتماعية الإيرانية التي تعارض السياسة الإقليمية للنظام الإسلامي منذ عام 2009. لقد اشتهر مؤيدو هذه الحركات في تجمعاتهم بالهتاف الشهير : "لا غزة ولا لبنان، روحي فداء إيران". سوى أنه سرى في كيانات هذه المعارضة غضب وطني عارم ضد المعتدين، وانبرت بهمة وإقدام على حماية سلامة الدولة وصون الوحدة المجتمعية للأمة.
كانت هذه الحركات المعارِضة، محل استثمار ومتابعة أميركية وغربية ومحط رهان استراتيجي، حتى من "إسرائيل". حتى وقعت "الحرب" فأطاحت الوطنية الإيرانية بهذا الرهان خلال "حرب الـ 12 يوم" وسحقت أماني المراهنين ورجاءهم. وبات التأييد لمشروع المقاومة واستراتيجية المقاومة جلياً للعيان بين مختلف فئات المواطنين الإيرانيين.
لقد خاضت إيران القتال وفق نظرية "الردع المتعدد الطبقات". وهذه المنهجية الردعية، تفسر تقشف طهران في صرف الموارد القتالية إلا في حدود الرد على العدو وكبح إرادته وتقييدها. ما ينسجم مع خصوصية دفاع إيران، التي قاتلت وحدها جيوش الحملة الأميركية ـ "الإسرائيلية"، من دون أي حلفاء، وحالت دون فوزها، في إرساء نظام إقليمي "شرق أوسطي"، مبني على بسط "السلام بالقوة". كما أن هذه المنهجية تخفي اقتناع القيادة الإيرانية أثناء "حرب الـ 12 يوم" التي كانت تخوضها، بأنها "جولة قتال" وأنها بانتظار "جولات جديدة" ومستعدة ومتأهبة لخوضها، "جولات" في حرب متعددة الساحات لم تُحسم بعد.
علي نصّار
مدير موقع الحقول
السبت، 08 رجب، 1447 الموافق 27 كانون الأول، 2025






















التعليقات (0)
لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!
أضف تعليقاً