2025-11-28
Alhoukoul
كيف نحمي لبنان من مخاطر التطبيع مع

كيف نحمي لبنان من مخاطر التطبيع مع "إسرائيل"؟

يجب أن يكون الخطاب السياسي الوطني والمقاوم واضحاً برفض تفاوض الدولة مع العدو "الإسرائيلي"، تحت أي ظرف كان

25-11-2025

كتبت الدكتورة عبادة كسر/ الحقول ـ بيروت : بعد "اتفاق" وقف إطلاق النار في 27 تشرين الثاني 2024، نشهد ضغوطاً أميركية كبيرة لإخضاع لبنان للخيارات الأميركية و"الإسرائيلية" في المنطقة. ما يُبيّن أننا أمام مرحلة جديدة لا تحتمل الغموض، والترويج لـ"سلام" مع العدو مرفوض تماماً، وأنَّ كل من يقوم بذلك سواءً كان سياسياً أو إعلامياً فهو يمهد لقبول هذا العدو كأمر واقع في ظل الجرائم التي يرتكبها بحق الشعب اللبناني.


مذاك، نرى مساراً متدرجاً : زيارات وجولات لمبعوثين أميركيين إلى لبنان، وخطابهم الذي لا يعكس سوى منطق كولونيالي /استعماري متعالٍ على اللبنانيين، كأننا شعوب تابعة لهم، وصولًا إلى تبني الحكومة اللبنانية "الورقة الأميركية" في الخامس من آب 2025، حتى قبل أن تضع إستراتيجية دفاعية وطنية تحدد كيفية حماية لبنان من الاعتداءات "الإسرائيلية" وكيفية تحرير أرضه المحتلة.


واليوم، هناك سياسيون يتحدثون في الإعلام كأنهم يمارسون "حرية التعبير"، فيما هم في الواقع يروّجون لخطاب استسلامي، من بينهم النواب سامي الجميّل، فؤاد مخزومي، وغيرهم ممّن تحدثوا مؤخرًا عن "السلام" وضرورة "إعادة النظر بقانون المقاطعة"، معتبرين أن الحديث عن التطبيع يدخل في إطار الحريات الشخصية.


ولا يمكن بأي شكل من الأشكال التذرع بحرية التعبير لترويج التطبيع، بينما نحن أمام واقع احتلال واعتداءات مستمرة، فلبنان ما زال يتعرض يومياً لانتهاكات، لعمليات اغتيال واعتداءات يومية، ولقرى مدمّرة في الجنوب والبقاع، ومع ذلك لا نرى أحدًا من هؤلاء السياسيين يتحدث عن حماية السيادة أو كرامة اللبنانيين، وخطابهم لا يعكس سوى رغبة في جرّ لبنان إلى ركب "السلام الإجباري" الذي يراد فرضه على المنطقة.


وعندما يخرج نائب في البرلمان ليطالب بإلغاء قانون مقاطعة "إسرائيل"، كما فعل فؤاد مخزومي، أو عندما يكرر المحامي مجد حرب الدعوة ذاتها، فإننا أمام ظاهرة سياسية مدروسة لا يمكن اعتبارها صدفة. تكرار هذه الدعوات على ألسنة السياسيين ومنصّات معينة يهدف إلى تطبيع فكرة "السلام مع العدو" في الوعي العام، وجعلها قابلة للنقاش بدل أن تبقى مرفوضة من أساسها.


كما أن هناك خرقاً واضحاً أيضاً لقانون الإعلام المرئي والمسموع، إذ يمنع هذا القانون أي محتوى أو تواصل يُروّج للعدو أو يطبّع معه بصورة مباشرة أو غير مباشرة. وهنا نشير إلى أن ثمة مسؤولية كبيرة تقع على المجلس الوطني للإعلام الذي لم نرَ منه حتى اليوم أي تحرّك جدي لرصد هذه الخروقات ورفعها إلى مجلس الوزراء.


وللأسف، يبدو الأداء السياسي العام للحكومة اللبنانية متراخياً إلى حد كبير. وكل المؤشرات تدلّ على أن هذه السلطة لا تسعى إلى تشكيل حالة رفض وطنية حقيقية. واتضح ذلك من خلال تبنّي الورقة الأميركية بعد جولات المبعوثين الذين يتعاملون مع لبنان بطريقة مهينة، كما فعل المبعوث توم براك في زياراته المتكررة، حين استخدم خطابًا نيوكولونيالياً/ استعمارياً جديداً متعالياً على اللبنانيين. وبينما كنا ننتظر منها موقفاً حازماً يعبّر ويدافع عن كرامة لبنان، وجدنا حكومة خاضعة تمارس دور المنفّذ لما يُمليه عليها "السيد الأميركي"؛ لأن هذا هو المنطق الذي تتعامل به الإدارة الأميركية مع لبنان.


لقد بات واضحاً مسعى البعض لتمرير فكرة المفاوضات المباشرة مع العدو تحت ذرائع مختلفة. تارة يجري الحديث عن مفاوضات "مدنية لا عسكرية"، وتارة أخرى يقترحون "حواراً غير مباشر". إنما في الجوهر نحن أمام محاولة لتطبيع الفكرة نفسها. والأخطر أن رئاسة الجمهورية ذهبت إلى حدّ ترشيح رئيس معهد الشرق الأوسط؛ الدكتور بول سالم ليتولى مهمة التفاوض، وهو أميركي من أصل لبناني، وله مواقف معلنة في دراساته وتصريحاته تُظهر انحيازاً واضحاً للغرب وللسياسات الأميركية على حساب المصلحة اللبنانية.


ولذلك، فإن هذا الترشيح هو خطوة غير بريئة؛ لأنه ينم عن توجّه سياسي يريد أن يُسند ملفاً وطنياً سيادياً إلى شخصية "أجنبية" تحمل رؤية لمفهوم السيادة والمقاومة مناقضة تماماً للرؤية الوطنية المطلوبة".


أما بالنسبة للأحزاب الوطنية أو قوى المقاومة فإنه لا يمكنها أن تقول: "نحن نرفض المفاوضات، لكن الدولة حرّة في قرارها"، لأننا نحن جزء من هذا المجتمع الذي تمثله الدولة، وإذا فاوضت الدولة العدو، فهذا يعني أن اللبنانيين جميعاً أصبحوا طرفاً في تلك المفاوضات. ولذا، يجب أن يكون الخطاب السياسي الوطني والمقاوم واضحاً برفض تفاوض الدولة مع العدو "الإسرائيلي"، تحت أي ظرف كان؛ لأن أي تساهل في هذه النقطة سيُستغلّ سياسياً وإعلامياً لتكريس قبول التطبيع فكرة وسياسة، ضمن حدود معينة.


إن تكاتف القوى الوطنية هو ضرورة لازمة لتضع مشروعاً وطنياً مشتركاً للمقاومة، يشمل الجانب السياسي والثقافي والاجتماعي، لا العسكري فقط. وألا المقاومة تنحصر بتنظيم واحد، بل هي خيار وطني جامع. كما تقع على عاتق الإعلاميين والمثقفين والمؤثرين مسؤولية كبرى في هذه المرحلة. لأن واجبهم أن يتبنّوا خطاباً عقلانياً، متماسكاً، ومقنعاً، يقوم على تقديم المعلومة الصحيحة والتحليل الواعي، لا على الانفعال أو الشعارات.


كما إنَّ أساتذة الجامعات والنخب الفكرية مسؤولون عن بناء الوعي الوطني داخل الحرم الجامعي، حيث ينبغي عليهم أن يربطوا المعرفة الأكاديمية بالواقع السياسي، وأن يقدّموا للطلاب نموذجاً للمثقف الملتزم المنخرط في قضايا وطنه. وهنا نكون قد وضعنا الأساس لثقافة مقاومة مستدامة؛ لأن المقاومة ليست بندقية فقط، بل فكر ووعي وذاكرة جماعية.


عبادة كسر، أستاذة جامعية، عضو في حملة مقاطعة داعمي "إسرائيل" في لبنان

مركز الحقول للدراسات والنشر

الإثنين‏، 04‏ جمادى الثانية‏، 1447 الموافق ‏24‏ تشرين الثاني‏، 2025

التعليقات (0)

لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!

أضف تعليقاً

يرجى إدخال الاسم
يرجى كتابة تعليق