الصديق البروفيسور " كويسى براه" Kwesi Prah صاحب كتاب " حال الأمة الإفريقية The State of African Nation ، ما زال يكتب قلقا على الأوضاع الإفريقية ، وهى قضايا الوحدة ، والاستعملر الجديد .وصديقنا يفكر دائما بقلق منذ كنا معا أساتذة فى جامعة "جوبا" فى جنوب السودان ، وكان يسميها " قاع الأرض" بسبب انقطاعها ونحن ، عن العالم تقريبا ، وليس ثمة وسيلة من وسائل الاتصال .
و"كويسى براه" أستاذ كبير من غانا ، وله عدد من المؤلفات التى يعرفها المثقفون الأفريقيون ؛ أحدها هذا الكتاب عن " حال الأمة الإفريقية " . وقد انتهى به المطاف إلى جنوب إفريقيا ، حيث أنشأ فى "كيب تاون" مركزا للدراسات الإفريقية باسم CASAS . وعندما زرته هناك بناء على دعوته ، أتاح لى أن أتعرف على تجربة أستاذ تفرغ بالفعل لتنظيم الدراسات والعمل على نشرها . بل وكلفنى بترجمة بعضها ففعلت بنقل كتابه " التعليم للجماهير "و…. إلى اللغة العربية .
ويتيح تبادلنا للرسائل مناقشة كثير من الأفكار ، أحدها نكرانه لوضع عرب الشمال الإفريقى كأفارقة . وأن اللغة العربية هى لغة الاستعمار العربى فى القارة الإفريقية . ومع ذلك فقد اشتركنا معا فى عدة لجان أهمها ما وجه به المثقف – رئيس مالى الأسبق " ألفا عمر كونارى A.O.Konary" لدعم التعاون العربى الإفريقى ثقافيا …!، فوضعنا معا أساس المعهد الثقافى الإفريقى العربى فى " باماكو " بمالى ، رغم اختلاف رايه عن وضع العرب فى إفريقيا .
وكنا نتذكر دائما كتابات "سنغور" ، و"شيخ أنتا ديوب" ، و" محمد عمر البشير" عن الثقافة العربية وإفريقيا ، بعضها يؤكد الإنفصال فى المفاهيم ، بل والممارسة وهو صاحب فكر الزنوجة ( سنغور) ، وبعضها يتحدث عن الأصول الزنجية للمصريين ( شيخ أنتا ديوب ) ، وبعضها يتحدث عن العلاقات الحتمية بين العرب والافارقة مثل الراحل محمد عمر البشير …الخ وكلها مدارس يتوجب على المثقف العربى أن يتعرف عليها ويعمق التعامل معها فى الوطن العربى .
أحد المعبرين البارزين عن الفكر الإفريقى إيجابا أو سلبا هو الصديق "كويسى براه" إذ يقول فى عمله المعروف عن حال الأمة الإفريقية ويشرح ذلك بقوله :
"فى إفريقيا يلتقى تاريخ الشعوب بثقافتها ، ويصنع ذلك مستقبلها ، ولابد أن نضع تحرير إفريقيا وهندسة مستقبلها فى يد أبنائها ، فهم القادرون وحدهم على إنقاذها بمبادئ الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان ، ولابد أن يتحرك الأفارقة بالوحدة فى طريق الحداثة . ويتحقق بذلك الانعتاق الحقيقى ، والقومية ، والوحدة الإفريقية ، بل والديمقراطية . وتنمو اللغة والثقافة فى ظل العدل والإنسانية ، ومراعاة مستقبلهما فى القارة ، وإلا عانينا من تأخير انعتاقنا وتنميتنا " وهنا يقول "براه": .
" لقد انتقلت إفريقيا إلى عصر الصناعة ، وبيئتها التقنية من أجل التحديث …انتهى عصر استغلالنا ، لكن تاريخ ذلك لم يتوقف ، مضى معنا ، وما زال يعوق تقدمنا . فنحن نعيش عصر دولة وثقافة الاستعمار الجديد ، ولكننا ندعى فى كل جزء من القارة أننا "أمة " ذات شأن ممايؤثر على طبيعة المستقبل . وما لم نتعلم من التاريخ فسوف نكرره …"
" لقد فقدت إفريقيا الملايين خلال فترة الاستعمار ومنافساته على المستعمرات ، ولكنها استفادت من نضالها ضد هذا الإستعمار فى إطار حركة التحرر الوطنى ، كما استفادت من حركة الوحدة الإفريقية …والتى من الملفت أنها كانت على يد أفارقة الدياسبورا ! ، وإن ضعفت مع استقلال الكثيرين ، واللجوء فقط إلى "القارية" ، ووحدة إفريقيا . مع أن ثمة من لا يريد أن يوصف كإفرقي ، ولا يقبل المواطنة على أساس الجذور التاريخية والثقافية لإفريقيا ، ومن ثم أُثيرت مسألة " من هو الإفريقى ؟ وقد أربك ذلك حركة الوحدة التى تقوم على التعدد الثقافى رغم ترحيبنا بهذا التعدد كأسلوب ديمقراطى وثقافى معا . فالديمقراطية تحتاج إلى الفضاء الثقافى والحرية الثقافية .."
ويعالج " كويسى براه" عددا من القضايا بفكر قلق على مستقبل القارة ، مع الانتباه لحالها الراهن ، ولذا أسمى كتابه "حال الأمة الإفريقية " The State of African Nation . يتساءل فيه ويحاول الإجابة على قضايا عديدة : بالسؤال عن "سبب فقداننا الطريق"، أو عن التنمية الإفريقية قبل الإستعمار ووصول المستعمر للقارة ، ثم عن عصر ما سمى الاستعمار الجديد . ويعالج "براه" عقب ذلك سيكلوجية المهمشين فى الحياه ، والأجناس المقهورة . وفى هذا الجو كيف نتصور التقدم ، أو الأمم والقوميات أو قل المسألة القومية مباشرة .
يحلل "براه" موقف عناصر الدياسبورا تجاه إفريقيا ، ومدى الإيمان بالوحدة الإفريقية ، والمسائل المتعلقة بها ، كما يحلل ويفكك دولة الاستعمار الجديد . وينبه "براه" إلى ضرورة الانتباه إلى مسألة العرقية واللغة والهوية ، وعلاقة كل ذلك بالوحدة الإفريقية . وهنا تظهر عنده تحديات الديمقراطية ، وضرورة إصدار " مانيفستو" إفريقى ـ يحدد طبيعته – بشأن كافة القضايا والعقبات أمام تقدم شعوب القارة .
ومنذ قرن فقط ، تم الانتقال من عصر تجارة الرقيق ، وتراجعت تجارة العرب فيها ، لكن ما زالت آثارها ، حيث انتهت القوى الغربية من رسم حدود امبراطورياتهم فى إفريقيا بالحديد والنار، والحملات غير السلمية، والمجموعات التجارية، وحملات احتواء المقاومة ، فاختطفوا المجتمع الإفريقى وتاريخه ، لكن الأفارقة تعلموا النضال ضده . إذ "هبَّت رياح التغيير " ، وأصبح الوعى الوطنى حقيقة سياسية . ورغم ضعف حالة الإستقلال لكن كان ثمة تعدد مجالات المقاومة أيضا …
وقد أصبحت حركة الوحدة الإفريقية مستوعبة للحركات الوطنية ، وموقعا لآمالها . ولكنها ما زالت مثالية ، أو تبدو مثالية فقط ، وتحتاج لأفكار جديدة . ولكن للأسف ما زال الأمر فى يد زعماء دول الإستعمار الجديد ، ويلجأون للتبشير بموقف يعرف "بالقارية " لآحتواء الوطنية ،
وقد كتب "براه" عن " ما بعد خط اللون" 1996 (Prah) Beyond The Color line وفى رأى البعض أن يوسمها بالإفريقية ، وهنا تنشأ مشكلة المواطنة والثقافة ذات الأصول التاريخية .
والحق أننا فى حاجة إلى تقدم نظرى مفاهيمى، وعملى فى نفس الوقت ، ولكنى أجد أن الإكتفاء قائم على عقد المؤتمرات، والظهور فى شكل المؤتمرات الكنسية التى تكتفى بتكرار نفس المسائل .
إن الديمقراطية هى التى تحل مشاكل " القارية" ووضع الدياسبورا ومعالجة موقف من لا يريدون صفة " الأفريقانية" ، والمواطنة الإفريقية اللتين تحتاجان لأساس ثقافى ، مع المساواة وضمان حقوق الإنسان بأسلوب ديمقراطى لأن التعددية قد تؤدى أحيانا إلى خسارتنا للديمقراطية ووضع التوحيد معا ، واللجوء للون لا يتيح ذلك .
إن الجامعة العربية تعبر عن وحدتهم أكثر مما يفعل الأفارقة ، ولا بد من الإعتراف بأنه ثمة فواصل بين العرب والأفارقة ، مثل الحال فى السودان وموريتانيا مما يعتبر وضعا غير مقبول . وليس هناك تنظيم للإلتقاء ، كأفارقة بعد الإستقلال بدلا من الانقسامات الداخلية ، وليس الخارجية فقط ، بينما لابد من مؤسسات شعبية تضع الشعوب أمام دورها الضرورى .
إن فكرة الوحدة الإفريقية فى ذاتها تلغى احتمالات " بلقنة " القارة إذ يحمى هذا التقسيم وجود القوات العسكرية الأجنبية ( فرنسية فى الغالب) لحماية المصالح فى أكثر من عشرة دول إفريقية ، ويحاول البنتاجون / وزارة الدفاع الأمريكية المشاركة فى العملية. أو تدريب القوات المحلية تحت الإشراف الأمريكى، تنتهى عمليا إلى إقامة القواعد العسكرية فى غرب إفريقيا لحماية مواقع البترول، حتى من مواقع فى دول أخرى رغم مقصدهم فى نيجيريا، أو غير مباشر من دول أخرى . ولا تتحرج الولايات المتحدة الآن من البحث عن المواقع فى عدد كبير من الدول الإفريقية، بينما التنمية والديمقراطية فى ذيل الاهتمامات. ولا تستفيد إفريقيا من التجارة الآسيوية مثلا ، وتكتفى النظم الإفريقية باستعمال العصا والجزرة فى العلاقة بالمجتمع المدنى، لإسكات الأصوات التى تعرقل نجاح خططها للبقاء فى السلطة.
حلمي شعراوي، مفكر وباحث عربي من مصر
منشور يوم 6 حزيران / يونيو 2020، على صفحة الكاتب في موقع فايسبوك