أكد الدكتور سوبرامنیام جایشانكار وزير الشئون الخارجية الهندى أنه يقع على عاتقى مصر والهند، باعتبارهما دولتين مستقلتين فى توجهاتهما، التخفيف من حدة حالة الاستقطاب العالمية، فى ظل الظروف الدولية الراهنة التى تخيم عليها ظلال جائحة كورونا والحرب الأوكرانية، مشيرا إلى أن الدولتين تسعيان حاليا إلى التعاون والاستفادة، كل من الآخر، من أجل تحقيق الأمن فى مجال توفير الأغذية والأسمدة.
وقال الوزير الهندى فى حوار صحفي بمناسبة زيارته الأخيرة مصر إن قطاعى تكنولوجيا المعلومات والهيدروجين الأخضر سوف يكونان من أكثر القطاعات الواعدة للتعاون بين البلدين، متوقعا أن تستثمر الشركات الهندية فيهما فى المستقبل.
كان الرئيس عبد الفتاح السيسى قد استقبل الوزير الهندى خلال زيارته القاهرة، بحضور السفير الهندى أجيت جوبتيه، كما التقى الوزير الهندى أيضا نظيره وزير الخارجية سامح شكري، ووضع أكاليل الزهور على تمثال الزعيم الهندى الراحل المهاتما غاندى فى حديقة الحرية بالزمالك، وكذلك عند نصب بورتوفيق التذكاري، ونصب عدن التذكارى فى مقابر الكومنولث فى هيليوبوليس، تخليدا لضحايا الهند فى الحرب العالمية الأولى.
.. وإلى تفاصيل الحوار:
ترتبط الهند ومصر بعلاقات حضارية وتاريخية وثيقة، وقد كان للدور النشط الذى لعبته البلدان فى حركة عدم الانحياز أثره فى تعزيز هذه العلاقات، ما الوضع الراهن لهذه العلاقات؟ وما آفاقها المستقبلية؟
ارتبط البلدان بعلاقات وثيقة ومريحة منذ فترة بعيدة، وانعكس هذا على مشاوراتنا السياسية، وتبادل الزيارات بين كبار المسئولين، وعلاقات التجارة والاستثمار، والعلاقات الشعبية بين البلدين، ومع ذلك، فإن الأوضاع العالمية المضطربة تجعل من الضرورى رفع مستوى هذه العلاقات، وحتى خلال جائحة فيروس كورونا، قدمت البلدان المساعدات لبعضهما البعض فى مجال توريد الأدوية واللقاحات وغيرها، وفى إطار الصراع الدائر فى أوكرانيا، سعى كل من البلدين للاستفادة من الأخر من أجل تحقيق الأمن فى مجال الأغذية والأسمدة، إن أصحاب النظرة الواقعية يتأهبون لأوضاع عالمية متقلبة وغير مؤكدة على المدى القريب، وهذا يعنى تأسيس علاقات موثوقة وطويلة الأمد، وخاصة فى تلك المجالات التى تؤثر بشكل مباشر على رفاهية الشعوب، وفضلا عن ذلك، فإن الهند ومصر، باعتبارهما دولتين مستقلتين فى توجهاتهما، يقع على عاتقيهما التخفيف من حدة حالة الاستقطاب العالمية، وإجمالا، فإن هذا يشير إلى تعاون أوثق خلال الفترة المقبلة، وانعكس هذا بالتأكيد على المحادثات التى أجريتها مع القيادة المصرية.
الاقتصاد الهندى كان واحداً من أسرع الاقتصادات نموا خلال السنوات الخمس الأخيرة، وبزغ كخامس أكبر اقتصاد على مستوى العالم، حيث بلغ إجمالى الناتج المحلى للهند أكثر من 3٫2 تريليون دولار أمريكى خلال عام 2022، كما تعد الهند أيضا إحدى الدول الرائدة عالميا فى قطاعات تكنولوجيا المعلومات والأدوية والهندسة وغيرها. فى ضوء ذلك، كيف ترى نهضة الهند وأثرها على العالم بشكل عام وكيف يمكن لمصر أن تستفيد من الخبرات الهندية؟
اقتصاد بلادنا هو خامس أكبر اقتصاد على مستوى العالم من حيث القيمة الاسمية، وخلال السنوات القليلة المقبلة، سوف نصبح ثالث أكبر اقتصاد، والأهم من ذلك أن الهند سوف تتمتع بقدرات تنافسية عالميا فى الكثير من القطاعات. وأعتقد بأن قطاعات مثل تكنولوجيا المعلومات أو الأدوية أو الهندسة يمكن أن تصبح مجالات للتعاون فى مجال الأعمال.
حجم التبادل التجارى بين مصر والهند بلغ مستويات قياسية خلال العام المالى 2021-2022، وعلى نحو ما تمت الإشارة إليه خلال انعقاد مجلس الأعمال المصرى – أخيرا، يبدو أن هذا الرقم مرشح للنمو أكثر فى ظل التعاون المتزايد بين البلدين. كيف ترى إمكانية تحقيق ذلك؟
نحن بحاجة إلى تبنى نهج ترويجى يعمل على حل المشكلات من أجل تنمية قطاع التجارة، ويجب على الجانبين التعامل مع حواجز الوصول إلى الأسواق بشكل أكثر فعالية، وفى الوقت نفسه، سوف يؤدى ضخ المزيد من الاستثمارات إلى زيادة حجم التجارة.
تمتلك الهند خبرة واسعة فى مجال تكنولوجيا المعلومات، كما أصبحت تتمتع بخبرات فى قطاع الطاقة المتجددة، كيف ترى فرص التعاون بين الهند ومصر فى هذين القطاعين؟
توفر الشركات الهندية حاليا خدمات تكنولوجيا المعلومات من خلال مراكز البيانات التى تقع بشكل أساسى فى منطقة الخليج، ومع ذلك، فإن قطاع تكنولوجيا المعلومات هو أحد القطاعات التى تشتهر بها الهند من حيث الجودة وانخفاض التكلفة، وتحتاج مصر إلى جذب شركات تكنولوجيا المعلومات الهندية من خلال سياسات تسمح لشركات تكنولوجيا المعلومات الأجنبية بإنشاء مراكز محلية للبيانات فى مصر بشكل سريع، وهناك مباحثات جارية لإنشاء مراكز محلية لتطوير تكنولوجيا المعلومات فى مصر، وذلك عن طريق شركات هندية معروفة فى مجال تكنولوجيا المعلومات، ولكن هذا الأمر لا يزال قيد المباحثات، وآمل أن يتحقق على أرض الواقع قريبا، ولعلك تعرف أن بعض الشركات الهندية فى مجال الطاقة المتجددة وقعت مذكرات تفاهم مع المنطقة الاقتصادية لقناة السويس وغيرها من الجهات فى مصر لإنشاء مشروعات الهيدروجين الأخضر، وإننى على ثقة بأن قطاع الهيدروجين الأخضر سوف يكون قطاعا واعدا، ومن المتوقع أن تقوم المزيد من الشركات الهندية بالاستثمار فى هذا القطاع فى مصر فى المستقبل.
فى رأيك، ما أكبر المشكلات التى يواجهها المستثمرون الهنود فى مصر؟ وهل أنت متفائل بأن يكون لهذه الزيارة دور مهم فى حل بعض من هذه المشكلات؟
أعرف أن أكثر المشكلات الشائعة بين المستثمرين هى مشكلة تجديد تأشيرة العمل وتصاريح الإقامة، ومن المفيد فى هذا الشأن أن يتم تقديم خدمة أسرع للمواطنين الهنود والشركات الهندية العاملة فى مصر فيما يتعلق بتمديد تأشيرات العمل وتصاريح الإقامة الخاصة بهم، وهو ما سيسهم فى جذب المزيد من الشركات لإقامة المشروعات فى مصر، وفى إطار الجهود التى تبذلها مصر لجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، ستكون بادرة طيبة من جانبها علي تحسين البيئة العامة لممارسة الأعمال التجارية، وقد أتاحت لنا هذه الزيارة بالتأكيد فرصة لاستعراض الصورة الكاملة لعلاقاتنا الثنائية والمتعددة الأطراف وتبادل وجهات النظر بشأن عدد كبير من القضايا ذات الاهتمام المشترك، وإننى على ثقة بأن هذه اللقاءات سوف تسهم بالتأكيد فى تحسين علاقاتنا التجارية أيضا.
خلال السنوات الأخيرة، بزغت الهند كإحدى الدول الرائدة على مستوى العالم فى مجال الطاقة المتجددة، ووضعت أيضا أهدافا طموحة لمواجهة تغير المناخ، كما سمعنا عن أن الهند تقوم بتطوير مشروعات طموحة للسيارات الكهربائية والهيدروجين الأخضر واستراتيجية لإزالة الكربون، هل يمكن أن تحدثنا عن الأهداف التى وضعتها الهند لتقليل استخدام الوقود الأحفورى والخطوات التى تم اتخاذها للتشجيع على استخدام السيارات الكهربائية ومشروعات الهيدروجين الأخضر؟
نعتقد بأنه يجب التعامل مع تغير المناخ بشكل فعال وجدى مع الأخذ فى الاعتبار المسئوليات المشتركة رغم تباينها، لقد دعا رئيس الوزراء مودى إلى حركة شعبية تهدف إلى التشجيع على نمط حياة يحافظ على البيئة. تنتهج الهند اليوم نهجا أكثر نظافة وصداقة للمناخ من تلك الدول التى سبقتنا فى عملية التنمية، إننا نلتزم بتقليل كثافة الانبعاثات الغازية بنسبة 45% من إجمالى الناتج المحلى لنا بحلول 2030 مقارنة بالمستوى الذى تم تسجيله عام 2005، بالإضافة إلى ذلك، من خلال نقل التكنولوجيا والحصول على تمويل دولى بتكلفة منخفضة، نسعى لتوليد 50% من القدرة التراكمية للطاقة الكهربائية المركبة من المصادر غير الأحفورية بحلول عام 2030، كما سيتم إنشاء مصرف كربون لاستيعاب من 2٫5 إلى 3 مليارات طن من ثانى أوكسيد الكربون من خلال زيادة مساحة الغابات والغطاء الشجري، ومن شأن زيادة الاستثمارات فى برامج التنمية أن تسهم فى عملية التكيف وذلك فى القطاعات المعرضة للتأثر بتغير المناخ، ومن الواضح أننا نبحث عن مصادر تمويل إضافية من الدول المتقدمة، فضلا عن حشد الجهود الوطنية، ولدينا هدف طويل الأمد، وهو الوصول إلى «صفر انبعاثات» بحلول عام 2070، وفى جميع ما سبق ذكره، فإن الفارق الذى ستحدثه السيارات الكهربائية والهيدروجين الأخضر يعد فارقا مهما، وتشجع السياسات الحكومية الهدفين بقوة، ويشترك قطاع الأعمال لدينا فى مواجهة هذا التحدى أيضا، وتعد هذه مجالات للتعاون بين الهند ومصر، وتروج الهند عالميا لمبادرتين، هما: التحالف الدولى للطاقة الشمسية، والتحالف من أجل بنية تحتية مقاومة للكوارث.
رغم عدد سكانها الهائل، فإن الهند لم تتغلب فقط على جائحة كورونا ولكنها قدمت أيضا نموذجا للعالم فى التعامل مع أزمات الصحة العامة مستقبلا، هل يمكن أن تحدثنا عن العوامل التى أسهمت فى نجاح الهند فى التعامل مع فيروس كورونا ونجاحها فى تطوير وإدارة اللقاحات؟
لقد تعاملنا مع جائحة كورونا على أنها تمثل تحديا جمعيا للمجتمع بأسره، وعملنا تحت قيادة رئيس الوزراء ناريندرا مودي، وفى المراحل الأولى، مثل الكثير من الدول الأخرى، لم يكن لدينا من الوسائل ما يؤهلنا للتعامل مع فيروس كورونا، ولكن فى غضون عدة أسابيع أو أشهر، بدأنا فى إنتاج الكمامات ومعدات الوقاية الشخصية وأجهزة التنفس الصناعى والأدوية، وأنشأنا عددا كبيرا من المراكز المخصصة لمكافحة فيروس كورونا، وبالنسبة للتطعيم، شجعت حكومة مودى على إنتاج لقاحات «صنعت فى الهند» فى وقت مبكر، كما قمنا أيضا بدعم اللقاحات التى طورتها الشركات الهندية، وبينما كنا نطلق حملات التطعيم المحلية، اتخذنا أيضا قرارا واعيا بإمداد الآخرين باللقاحات، ممن لم تتوافر لديهم إمكانية الحصول على اللقاحات فى وقت مبكر، كما أنشأت الهند منصة رقمية يطلق عليها اسم «كو – وين» لضمان تنظيم عملية التطعيم بكفاءة، وخلال تلك المرحلة، استطعنا إجراء مليارى عملية تطعيم بشكل سلس، ومن المؤكد أن الهند حققت شهرة عالمية حيث أطُلق عليها «صيدلية العالم»، ومن ناحية أخرى، كان الإنجاز الكبير يتمثل فى التوصيل الرقمى على نطاق واسع، وهناك دروس يمكن أن تتعلمها الدول النامية، وربما الدول المتقدمة أيضا، من هذه التجربة.
تعتبر الهند نموذجا رائعا لـ «الوحدة فى التنوع»، حيث يتعايش الناس من مختلف الخلفيات الدينية واللغوية معا فى سلام ووئام، وفى وسط عالم مضطرب والحروب المستمرة فى العديد من الأماكن رغم حدوث بعض المشكلات بين الحين والآخر، ما الذى يمكن للعالم أن يتعلمه من ثقافة الهند «التوفيقية»؟ هل يمكن أن تشرح لنا كيف أسهم ذلك فى تشكيل السياسة الخارجية للهند؟
يمثل احتفاء الهند بالتنوع فى كل القطاعات تعبيرا حقيقيا عن الديمقراطية، واليوم، هناك حالة من الجدل حول العالم بشأن ماهية الديمقراطية الحقيقية، المعيار الصحيح للحكم فى نهاية المطاف هو ما إذا كان المجتمع يثمن مدى تنوعه أو يشجع على النسق الواحد والمداراة السياسية، وعلى المستوى العالمي، سوف يعبر هذا الجدل عن نفسه فى شكل إعادة التوازن الثقافي.
هناك العديد من أوجه الشبه بين ثقافتى مصر والهند، حيث يشترك شعبا البلدين فى حب الموسيقى والفنون والآداب، وتركت الأفلام الهندية انطباعا جيدا وقويا لدى المصريين منذ عقود طويلة، كما يتابع جيل الشباب أيضا مسلسلات بوليوود وأفلامها عن كثب، وبالمثل، فقد شاعت ممارسة اليوجا فى مصر، ما الدور الذى تلعبه القوة الناعمة للهند فى التقريب بين الشعبين المصرى والهندي؟
أذكر المرة الأولى التى جئت فيها إلى مصر، كان هذا منذ نحو 15 عاما مضت وكنت حينها سائحا، الكثير من الأشخاص الذين قابلتهم هنا كان يعرفون عن الأفلام الهندية أكثر مني. وخلال السنوات الماضية، رأينا انتشارا للعديد من أوجه الثقافة الأخرى، وأهمها اليوجا. وقد اجتذبت الدراما السينمائية والتليفزيونية مزيدا من المشاهدين، أما المطاعم الهندية فقد أصبحت أكثر انتشارا. وعندما أنظر إلى العالم، فإننى أرى أن تنوعه الثقافى الكبير أصبح يعبر عن نفسه بشكل أفضل، ولم نعد نسمح لقارة أو ثقافة واحدة أن تفرض مبادئها على الجميع، وهذا أحد المظاهر الأساسية للنظام العالمي.
أجرى الحوار : هانى عسل، صحافي وباحث عربي من مصر
منشور في جريدة الأهرام، يوم الأحد 5 من ربيع الثاني 1444 هــ 30 أكتوبر/تشرين الأول 2022