«أوراسيا» مركز العالم

«أوراسيا» مركز العالم

قراءة في كتاب غالب أبو مصلح : "هزيمة المنتصرين : المقاومة في الجبل (1982 ـ 1985)"
العرب والجغرافيا السبرانية .. الجيوبوليتيك السبراني
“أولاد الغيتو” : الياس خوري في لعبة الذات

تتميز سيادة أمريكا وتفوقها الحالي، بسرعة بزوغها على النطاق العولمي، وأيضاً في طريقة ممارستها لهذه السيادة، على مدى قرن واحد، حولت أمريكا نفسها، كما تحولت بفعل القوى الدينامية الدولية، من دولة معزولة نسبياً في نصف الكرة الغربي إلى قوة ذات استيعاب غير مسبوق وواسع الانتشار.

تعد الحرب الأمريكية ـ الإسبانية في سنة 1898 أولى حروب النصر لأمريكا في ما وراء البحار، فقد أقحمت أمريكا في الباسفيكي أو المحيط الهادي في ما وراء هاواي حتى الفلبين، ومع نهاية القرن انشغل الاستراتيجيون الأمريكيون في تطوير بيانات وتعاليم خاصة بالسيادة البحرية على المحيطين، فقد بدا آنذاك تحدي البحرية الأمريكية ضد الفكرة السائدة بأن بريطانيا «تحكم الأمواج».
ويشير زبغينيو بريجينسكي في كتابه «رقعة الشطرنج الضخمة»، إلى أنه بحلول عام 1940 اتفق اثنان من أكثر البشر طموحاً للسيطرة والهيمنة العالمية، ألا وهما أدولف هتلر، وجوزيف ستالين في المباحثات السرية بينهما في العام نفسه بأن أمريكا يجب أن تقصى من أوراسيا، كلاهما أدرك أن دخول القوى الأمريكية داخل أوراسيا، سوف يحول دون طموحاتهما، في ما يتعلق بالهيمنة الكونية، كلاهما اشترك في اعتبار أن أرواسيا هي مركز العالم، ومن يسيطر عليها سوف يهيمن على العالم بأسره، وبعد ذلك بنصف قرن أعيد تعريف الموضوع، هل تتحمل أمريكا وجودها في أوراسيا؟ وإلى أي الغايات يمكن أن تصل؟

يوضح الكتاب أنه منذ 500 سنة مضت، أصبحت أوراسيا مركزاً لقوى عالمية، وبطرق شتى وأوقات مختلفة اخترقت الشعوب القاطنة أوراسيا – بالرغم من أن معظمها جاء من الحدود الخارجية الأوروبية – وسيطرت على باقي مناطق العالم، حيث بلغت الولايات الأوراسية المتفردة المكانة الخاصة، وتمتعت بمزايا كونها أولى القوى العالمية.

في السنوات الأخيرة من القرن العشرين، حدثت نقلة في أحوال العالم، فلأول مرة تبزغ قوى غير أوراسية ليس فقط كوسيط للقوى الأوراسية، لكن أيضاً كأهم قوى العالم، فقد كانت هزيمة وانهيار الاتحاد السوفييتي الخطوة النهائية والأخيرة في الهيمنة السريعة لقوى نصف الكرة الغربي، الولايات المتحدة، باعتبارها القوة الوحيدة بل القوة الكونية الحقيقية الأولى.

لكن أوراسيا احتفظت بأهميتها الجيوبوليتكية ليس فقط من ناحية حدودها الغربية، أوروبا، التي لا تزال موضع وموقع الكثير من القوى الاقتصادية والسياسية للعالم، لكن في إقليمها الشرقي، آسيا، حيث أصبحت أخيراً محوراً حيوياً للنمو الاقتصادي والتأثير السياسي المتنامي.

تعتبر أوراسيا لوحة الشطرنج التي لا تزال تمارس عليها لعبة الصراع، ورغم الصبغة الأكاديمية المحايدة فالكتاب يفصح صراحة عن رغبة الولايات المتحدة فرض هيمنتها على العالم، ويزعم مؤلف الكتاب أنه من المسلم به لصالح العالم، ألا تترك الفرصة لأية قوة أخرى تحاول الظهور أو لعب دور ترى فيه الولايات المتحدة تهديداً لتفردها بالهيمنة.

كان بريجينسكي البولندي الأصل، مستشاراً للأمن القومي بين عامي 1977 و1981 في ولاية الرئيس الأمريكي جيمي كارتر وحصل على الدكتوراه من جامعة هارفارد عام 1953 التي قام بالتدريس فيها، ثم انتقل إلى جامعة كولومبيا.