حول أبعاد القرار الأميركي (ـ “الإسرائيلي”) بشأن الصحراء الغربية

حول أبعاد القرار الأميركي (ـ “الإسرائيلي”) بشأن الصحراء الغربية

الدراما السورية: "حَكَم الهوا" على "اهل الغرام"
المقاومة الوطنية في المغرب : الـمـقــاوم والـمـنـاضــل الـشـهـيــد مـوحــى أومــوح نـآيــت بــري
صور القمّة الخليجيّة… ظلالٌ وتساؤلات

تُصَدِّعِ الولايات المتحدة و”إسرائيل” فرص الوئام الإقليمي بين الجزائر والمغرب. كان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب قد أخذ بهذه السياسة التخريبية، عندما صدق على مزاعم ملك المغرب بالسيادة الإقليمية على الصحراء الغربية[1]، بعد دخول حكومته في “اتفاق سلام” مع الكيان الصهيوني. يومها، “غرد” ترامب، قائلاً : إنه “اختراق تاريخي آخر اليوم، اتفق صديقتانا العظيمتان: إسرائيل والمملكة المغربية، على إقامة علاقات دبلوماسية كاملة، اختراق هائل للسلام في الشرق الأوسط”[2].

جاء الإنحياز الأميركي إلى صف الرباط في قضية الصحراء الغربية، موجهاً بالكامل ضد الجزائر، دولة وشعباً. لأن ترامب وقتما محض التأييد للنظام المغربي في هذه القضية، لم ينطلق، طبعاً، من المصالح العليا للشعب المغربي، بل من أهداف مخطط “صفقة القرن”، الذي وضعته إدارته، لتصفية القضية الفلسطينية، نهائياً، وتطبيع العلاقات بين العرب و”إسرائيل”[3]. كان أحد تلك الأهداف، الرد على إباء الحكومة الجزائرية الدخول في هذه “الصفقة”، مُعْرِضَةٌ عن السياسة الإنتهازية وحسابات المكاسب والخسائر، وثابتةٌ على دعم نضال الشعب العربي الفلسطيني وحقوقه ضد كيان العدوان “الإسرائيلي”[4].

بعد فوزه لم يتراجع الرئيس الجديد جون بايدن عن قرار سلفه، إذ كرر مستشاره برت ماكغورك ووزير الخارجية أنطوني بلينكن لمسؤولين مغاربة، أن “الإدارة الديموقراطية” في واشنطن، “لن تتراجع عن اعتراف ترامب بسيادة المغرب على الصحراء الغربية”[5]. ومثلما حصل سابقاً، فقد كرر كل من ماكغورك وبلينكن الترحيب بـ”الخطوات المغربية لتحسين العلاقات مع إسرائيل”، كما “أشارا إلى أن العلاقة المغربية ـ الإسرائيلية ستجلب فوائد طويلة الأجل لكلا البلدين”[6].

فتحت “خطوات” التطبيع المتسارعة بوابات المغرب أمام “إسرائيل” لكي “تنفخ” وزنها في التفاعلات الإقليمية بين، وفي داخل، الدول العربية وغير العربية في الشمال الإفريقي. كان “التعاون” المغربي ـ “الإسرائيلي” سرياً لسنوات طويلة. وهناك معلومات كثيرة منشورة عن تصدير النظام الصهيوني السلاح وخدمات الإستخبارات إلى المغرب، بما في ذلك مساعدته ضد ثوار “جبهة تحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب / بوليساريو” في عام 1975[7].

لكن خروج ملفات “التعاون” من ظلال الكتمان إلى ضوء العلن، في إطار التطبيع الجاري بينهما، يدل على سقوط المغرب في شكل من التبعية الإستراتيجية للكيان الصهيوني، تضاعف من ارتهانه لواشنطن، وجواره الأطلسي. وتنال هذه التبعية التكنو ـ عسكرية / أمنية، حتماً، من استقلال المملكة المغربية وسيادتها. وتعتبر معلومات الباحث “الإسرائيلي” جوناثان هيمبل، التي ذكرها في مقال صحفي مصدراً مقبولاً للإطلاع على مستوى هذه التبعية المذلة[8].

فقد كان هيمبل سباقاً في الكتابة عن تصدير برامج التجسس إلى المغرب، الذي حظي بمساعدة تكنولوجية “إسرائيلية” في مجال المراقبة السبرانية، منذ عام 2017. حينما بدأت سلطات الرباط باستخدام برامج تجسس من صنع شركة NSO Group “الإسرائيلية”، لتتبع وجمع المعلومات عن الصحفيين ونشطاء حقوق الإنسان. واليوم، أصبحت صادرات هذه الشركة الصهيونية واستعمالها في انتهاك الأمن الفردي والحريات الشخصية لعشرات آلاف الشخصيات العامة في كثير من الدول، فضيحة تجسس دولية، تحط من سمعة المغرب السياسية والديبلوماسية والأمنية بعدما اتضح أنه طرف فيها[9].

إن تحويل المغرب إلى سوق “إسرائيلية” تغرف منها عشرات مليارات الدولارات لقاء تزويدها بمعدات الحروب العسكرية والأمنية، يقزم مكانته العربية والإفريقية والإسلامية. أولاً، وأساساً، تجاه الجزائر ونخبها السياسية التي ترفض تطبيع العلاقات بين الرباط ومجرمي الحرب في تل أبيب، وتحذر بصوت مرتفع من أن “المغرب جلب الصهاينة لباب البيت، ولا يمكن أن نثق فيه مجددا، إلا في حال ابتعاده عن الطريق الذي سلكه، وعندها سيكون هناك حديث آخر”[10].

إن تمسك إدارة بايدن بقرار ترامب بشأن الصحراء الغربية، يمثل عامل تهديد للوئام الإقليمي بين الجزائر والمغرب، والذي بقي سائداً رغم المسائل الخلافية الكبيرة، ومن بينها قضية الصحراء الغربية، التي كانت توتر علاقات الجزائر والرباط في مراحل مختلفة. ومن المؤكد أن “إسرائيل” وقفت خلف هذا القرار، ولديها مصلحة قوية لاستغلاله. هذا على الأقل ما يتضح من التصريحات المعادية للوحدة الإقليمية للدولة الوطنية الجزائرية، التي تفوه بها الممثل الدائم للمملكة المغربية لدى الأمم المتحدة، عمر هلال[11].

تحتاج “إسرائيل” إلى دورها “المغربي” لأسباب عربية وإفريقية، من أهمها الهزائم المتكررة أمام قوى المقاومة في المشرق العربي، وكان آخرها في “معركة سيف القدس”[12]. لكن العبث الصهيوني في أمن منطقة المغرب العربي، وتحديداً الجزائر، قد ينقلب على العابثين ومؤيديهم، ويخلق بؤرة تجاذب إقليمي ودولي لن يسلم المغرب، ولا “إسرائيل” من أخطارها. فالقرار الأميركي (ـ “الإسرائيلي”) عزز العلاقة الديالكتيكية بين قضية الصحراء الغربية والقضية الفلسطينية.

 

مركز الحقول للدراسات والنشر
‏الأحد‏، 25‏ تموز‏، 2021    

[1]  محمد السادس: لا حل بالصحراء يمس سيادة المغرب.”. وقال الملك في خطاب بثه التلفزيون الرسمي “لا لأي حل لقضية الصحراء خارج سيادة المغرب الكاملة على صحرائه، ومبادرة الحكم الذاتي التي يشهد المجتمع الدولي بجديتها ومصداقيتها”. خطاب للملك المغربي، ورد في تقرير منشور يوم 11 تموز 2017، على موقع الجزيرة نت القطري :

https://www.aljazeera.net/news/arabic/2017/11/7/%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%A7%D8%AF%D8%B3-%D9%84%D8%A7-%D8%AD%D9%84-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%AD%D8%B1%D8%A7%D8%A1-%D9%8A%D9%85%D8%B3-%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%AF%D8%A9

[2]  “ترامب يعلن عن سلام بين المغرب وإسرائيل، والاعتراف بسيادة الرباط على الصحراء”. تقرير منشور يوم 10 كانون الأول / ديسمبر 2021، على موقع التلفزيون الأميركي/ قناة الحرة :

https://www.alhurra.com/morocco/2020/12/10/%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D9%85%D8%A8-%D9%8A%D8%B9%D9%84%D9%86-%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85-%D8%A8%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%BA%D8%B1%D8%A8-%D9%88%D8%A5%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D9%84-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B9%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D9%81-%D8%A8%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%AF%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A8%D8%A7%D8%B7-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%AD%D8%B1%D8%A7%D8%A1

[3]  واشنطن ترعى توقيع اتفاقيتي سلام بين إسرائيل والإمارات والبحرين. وقد وصف الفلسطينيون يوم التوقيع بأنه “الثلاثاء الأسود”. تقرير منشور يوم 15 أيلول 2020، على موقع التلفزيون الألماني/ دويتشه فيلي :

https://www.dw.com/ar/%D9%88%D8%A7%D8%B4%D9%86%D8%B7%D9%86-%D8%AA%D8%B1%D8%B9%D9%89-%D8%AA%D9%88%D9%82%D9%8A%D8%B9-%D8%A7%D8%AA%D9%81%D8%A7%D9%82%D9%8A%D8%AA%D9%8A-%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85-%D8%A8%D9%8A%D9%86-%D8%A5%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D9%84-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%85%D8%A7%D8%B1%D8%A7%D8%AA-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AD%D8%B1%D9%8A%D9%86/a-54929262

[4]  الجزائر ترفض “صفقة القرن” و تجدد دعمها للشعب الفلسطيني، تقرير بقلم مصطفى ق. منشور يوم 30 كانون الثاني/ جانفي 2020، على موقع النهار أونلاين الجزائري :

https://www.ennaharonline.com/%d8%a7%d9%84%d8%ac%d8%b2%d8%a7%d8%a6%d8%b1-%d8%aa%d8%b1%d9%81%d8%b6-%d8%b5%d9%81%d9%82%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%b1%d9%86-%d9%88-%d8%aa%d8%ac%d8%af%d8%af-%d8%af%d8%b9%d9%85%d9%87%d8%a7-%d9%84/

 

[5]  أكسيوس: إدارة بايدن لن تتراجع عن قرار ترامب بشأن الصحراء. تقرير مترجم عن موقع أكسيوس، منشور يوم الأول من أيار/ مايو 2021، على موقع التلفزيون الأميركي / قناة الحرة :

https://www.alhurra.com/morocco/2021/05/01/%D8%A3%D9%83%D8%B3%D9%8A%D9%88%D8%B3-%D8%A5%D8%AF%D8%A7%D8%B1%D8%A9-%D8%A8%D8%A7%D9%8A%D8%AF%D9%86-%D9%84%D9%86-%D8%AA%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D8%AC%D8%B9-%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%B1-%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D9%85%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%AD%D8%B1%D8%A7%D8%A1

[6]  أكسيوس: إدارة بايدن لن تتراجع … المصدر السابق.

[7]  بحثٌ إسرائيليٌّ: الكيان هو الثامن عالميًا في بيع الأسلحة ويُصدِّر لأبشع الأنظمة الديكتاتوريّة والمغرب اشترى الأسلحة منه منذ السبعينيات لقمع الحُريّات بالمملكة ومُحاربة الثوّار في الصحراء الغربيّة.. وأمريكا تدعم. تقرير زهير أندراوس من مدينة الناصرة المحتلة، منشور يوم 18 آذار 2021، في موقع رأي اليوم :

https://www.raialyoum.com/index.php/%d8%a8%d8%ad%d8%ab%d9%8c-%d8%a5%d8%b3%d8%b1%d8%a7%d8%a6%d9%8a%d9%84%d9%8a%d9%91%d9%8c-%d8%a7%d9%84%d9%83%d9%8a%d8%a7%d9%86-%d9%87%d9%88-%d8%a7%d9%84%d8%ab%d8%a7%d9%85%d9%86-%d8%b9%d8%a7%d9%84%d9%85/

[8]  “صحيفة إسرائيلية: صفقات الأسلحة السرية مع المغرب قبل التطبيع”. تقرير مترجم منشور يوم 19 آذار 2021، على موقع التلفزيون الأميركي / قناة الحرة :

https://www.alhurra.com/morocco/2021/03/19/%D8%B5%D8%AD%D9%8A%D9%81%D8%A9-%D8%A5%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D8%B5%D9%81%D9%82%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B3%D9%84%D8%AD%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D9%85%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%BA%D8%B1%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B7%D8%A8%D9%8A%D8%B9

 

[9]  “محامي المغرب في فرنسا ينفي علاقة المملكة ببرنامج بيغاسوس الإسرائيلي للتجسس”. تقرير من يورونيوز مع وكالات، منشور يوم 24 تموز 2021، على موقع وكالة يورونيوز :

https://arabic.euronews.com/2021/07/24/morocco-lawyer-in-france-denies-any-ties-with-pegasus-espionage-software

[10]  مقري : المغرب بين خيارين.

عبد الرزاق مقري: نعم لتكتل مغاربي لكن على المغرب التوبة عن التطبيع. تصريحات منشورة يوم 28 شباط 2021، في موقع جريدة الوطن التونسية :

https://alwatan.com.tn/%D8%A7%D8%AE%D8%A8%D8%A7%D8%B1-%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%8A%D8%A9/%D8%B9%D8%A8%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%B2%D8%A7%D9%82-%D9%85%D9%82%D8%B1%D9%8A-D9%86%D8%B9%D9%85-%D9%84%D8%AA%D9%83%D8%AA%D9%84-%D9%85%D8%BA%D8%A7%D8%B1%D8%A8%D9%8A-%D9%84%D9%83%D9%86-%D8%B9%D9%84

[11]  الجزائر تستدعي سفيرها في المغرب وتلمح للتصعيد. تقرير إخباري للوكالات، منشور يوم 19 تموز / يوليو 2021، على موقع وكالة سكاي نيوز الإماراتي ـ الأميركي :

https://www.skynewsarabia.com/middle-east/1452160-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%B2%D8%A7%D9%8A%D9%94%D8%B1-%D8%AA%D8%B3%D8%AA%D8%AF%D8%B9%D9%8A-%D8%B3%D9%81%D9%8A%D8%B1%D9%87%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%BA%D8%B1%D8%A8-%D9%88%D8%AA%D9%84%D9%85%D8%AD-%D9%84%D9%84%D8%AA%D8%B5%D8%B9%D9%8A%D8%AF

 

[12]  غزة تُشْهِرُ سيف القدس : “الجحيم الصاروخي” ينتظر “إسرائيل”. افتتاحية موقع الحقول، منشورة يوم 16 أيار / مايو 2021، على موقع الحقول :

https://alhoukoul.com/%d8%ba%d8%b2%d8%a9-%d8%aa%d8%b4%d9%87%d8%b1-%d8%b3%d9%8a%d9%81-%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%af%d8%b3-%d8%a7%d9%84%d8%ac%d8%ad%d9%8a%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%b5%d8%a7%d8%b1%d9%88%d8%ae%d9%8a-%d9%8a%d9%86/