افتتاحيات الصحف اللبنانية، يوم الجمعة الأول من تشرين الثاني، 2019

افتتاحيات الصحف اللبنانية، يوم الجمعة 5 كانون الثاني، 2018
افتتاحيات الصحف اللبنانية، يوم الخميس 6 تموز، 2023
إفتتاحيات الصحف اللبنانية، يوم الإثنين 31 تموز، 2017

ركزت الصحف على مساعي تشكيل الحكومة، عرض معظمها خطاب رئيس الجمهورية العماد ميشال عون "غصباً عنه". بل حاول، كما فعلت "النهار"، أن يهدد بإعادة قطع الطرقات إن تأخر الرئيس عون عن تعيين موعد للإستشارات والتكليف بالسرعة المطلوبة (!!؟؟). كل الصحف، ما عدا "الأخبار" و"البناء" صارت "ثورية". لم تتوقف عند الكلام الرئاسي الإصلاحي، عن "حكومة تلبي طموحات اللبنانيين وتنال ثقتهم اولا ثم ثقة ممثليهم في البرلمان، وان تتمكن من تحقيق ما عجزت عنه الحكومة السابقة بأن تعيد للشعب اللبناني ثقته بدولته، ولذلك يجب ان يتم اختيار الوزراء وفق كفاءاتهم وخبراتهم وليس وفق الولاءات السياسية أو استرضاء للزعامات". كما حاولت بعض الصحف أن توحي للقارئ  بأن الحراك كان ضد الرئيس، وأن خصومه كسبوا جولة ضده، خصوصاً بعد استقالة الرئيس الحريري. لكن خطاب السيد حسن نصر الله بعد الظهر، بدد أوهام أقطاب الأوليغارشيه، وحذرهم من تصديق أنفسهم بأنهم قادة "الثورة اللبنانية".

 

اللواء
غضَب الِمحوَر من الحريري يدفع التأليف إلى المأزق الكبير

ردّت حركة الاحتجاج في الساحات على خطاب الرئيس ميشال عون برفضه عند الثامنة والنصف من مساء أمس، لمناسبة مرور نصف ولايته (3/6)، وفي ما وصفه بكشف حساب "عما انجزه في نصف الولاية؟".. مع اعتراف بأن المعالجات لم تسفر عن نتائج مرتجاة، متعهداً بالعمل على إيصال حكومة يثق بها الشعب، تؤدي إلى مكافحة الفساد، ودولة مدنية، من خلال اختيار وزراء وفقاً للكفاءات والخبرات..
بعد انتهاء الرئيس عون من كلمته، التي كانت مسجلة، هتف مئات المتظاهرين في وسط بيروت "كلهم يعني كلهم"، وتوجهوا إلى الرئيس عون بالقول: إرحل يعني إرحل، عهدك تسبب بالجوع، والشعب يريد إسقاط النظام..
والأساس في رفض الشارع ان الرئيس عون وإن تعهد بمحاربة الفساد، وتبني شعارات، السؤال الذي أثاره المجتمعون في رياض الصلح ان رئيس الجمهورية، تحدث عن الماضي، ولم "يخبرنا ماذا يريد ان يفعل على الأرض، ومطلبنا الأمور الملموسة".
وإذا كانت بعبدا حددت بعد بعد غد الاثنين موعداً لبدء الاستشارات النيابية الملزمة لتسمية شخصية تكلف تشكيل الحكومة، فإن ملابسات الاستقالة، والمواقف منها، وما ترتب عليها بقيت في الواجهة ففي وقت نقلت "رويترز" إلى مسؤول كبير ان "الحريري قد يُشكّل حكومة جديدة إذا تمت الموافقة على شروطه"..
ولم تخفِ الوقائع أن فريق المحور (تحالف حزب الله- التيار الوطني الحر) أبدى غضبه من خطوة الحريري، إذ وصفت دوائر المراقبين الاستقالة "بأنها تمثل ضربة كبيرة لحزب الله".
وقال مصدر مطلع (رويترز) على رأي حزب الله "هذه ضربة قوية للحزب، الذي اصبح مكبل الأيدي، الفائز الأكبر هو الحريري".
وأكّد المصدر ان الحزب احجم عن مهاجمة الحريري بسبب قراره الخاص بالاستقالة ليترك الباب مفتوحا امام إمكانية ان يصبح رئيسا مرّة أخرى في حكومة ائتلافية جديدة.
وقال المصدر ان حزب الله "يُحب ان يحافظ على خط الرجعة" للخروج من الأزمة.
وفي وقت نفت فيه دوائر بعبدا المماطلة أو التمييع أو أي أمر آخر، من زاوية ان الرئيس عون ملزم، وفقا للأصول بخيارات النواب، تحدثت مصادر أخرى ان شخصيات سنيّة زارت بعبدا، للبحث في كيفية تجاوز مسألة اختيار شخصية رئيس الحكومة، خارج تيّار "المستقبل"، وفي هذا أشارة إلى ان بعبدا تبحث عن خيارات غير الرئيس الحريري.
وفي السياق، تحدثت معلومات عن ان الوزير جبران باسيل، استقبل في قصر بعبدا شخصيات سنيّة من زاوية الوقوف على رأيها قبل الإنطلاق بالاستشارات النيابية لتأليف حكومة جديدة، فأجابه انه سيجري جولة مشاورات لمعرفة من يريده أهل السنّة.
ومع ان النائب نهاد المشنوق نفى زيارة بعبدا الا ان المصادر تحدثت عن أن الوزير السابق محمّد المشنوق زار بعبدا وكذلك النائب فؤاد مخزومي.
وتحدثت المعلومات عن ان الوزيرة السابقة ليلى الصلح اعتذرت عن تحمل المسؤولية بسبب المرض، بعدما فاتحها مستشار خاص بالموضوع في محاولة لجس نبضها.
بالمقابل رددت معلومات أخرى، ان من بين الشخصيات التي يمكن ان يقترحها الرئيس الحريري وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال ريّا الحسن، لتأليف حكومة خبراء واختصاصيين غير سياسية.
مشاورات تسبق الاستشارات
وكانت الاتصالات تواصلت أمس بكثافة بين الأطراف السياسية، وان كان معظمها بقي بعيداً من الإعلام، وهي شملت كلاً من الرؤساء ميشال عون، نبيه بري وسعد الحريري ورئيس "التيار الحر" الوزير جبران باسيل و"حزب الله" والحزب التقدمي الاشتراكي، بهدف التوافق المسبق على موضوع الحكومة لجهة تكليف من يرأسها ولجهة شكلها، وتردد انه قد يُصار الى اعادة تكليف الرئيس الحريري بتشكيل الحكومة الجديدة واما ان يختار هو شخصية مقربة منه تتم تسميتها. فيما تدور السيناريوهات حول احتمالين: اما حكومة سياسية – تكنوقراط واما حكومة تكنوقراط لكن من شخصيات على صلة بالعمل السياسي والعام. لكن لم يتقرر شيء بعد، فيما تقرر ان يجري الرئيس عون الاستشارات النيابية الملزمة مطلع الاسبوع المقبل، او مساء الاحد في اقرب تقدير.
وذكرت معلومات من قصر بعبدا، ان الرئيس عون يجري اتصالات مع الاطراف السياسية للاطلاع على مواقفها من تشكيل الحكومة الجديدة، وقالت ان الرئيس يسعى الى ان تكون الحكومة على قدر توقعات اللبنانيين.
وأشارت المعلومات إلى ان جانباً من اتصالات الرئيس عون تتركز على الاستشارات النيابية، بحيث تكون سريعة لجهة التكليف والتأليف، لأن الأوضاع الراهنة لا تحتمل التأخير، في ظل استمرار الانتفاضة الشعبية والتي دخلت أمس يومها الخامس عشر، وتلقى الرئيس عون في هذا الإطار تقارير أمنية عن وضع الطرقات التي فتحت معظمها باستثناء مستديرة العبدة في عكار التي بقيت مقفلة بالسواتر الترابية، لكن مفاوضات جرت مساءً بين الجيش وفعاليات البلدة أفضت إلى ان الأمور تتجه منحى ايجابياً، مع التأكيد بأن عكار لن تكون حالة شاذة عن بقية المناطق اللبنانية.
واستمر الحراك الشعبي في هذه الاثناء بشكل محدود ومتقطع، أمس، لا سيما في بعض مناطق البقاعين الأوسط والغربي، حيث أقفلت الطرقات بالسواتر الترابية لكن الجيش أعاد فتحها، كما فتحت سائر الطرقات من الزوق إلى جل الديب وجسر الرينغ في بيروت، وطريق خلدة، فيما حافظت طرابلس على وهج الانتفاضة باستمرار الحشود في مستديرة النور مع التأكيد على العودة اليوم وكل يوم حتى تحقيق المطالب.
لكن ساعات المساء، حملت تطوراً بالنسبة للمعتصمين عند جسر "الرينغ" امام برج الغزال، حيث انتقلوا من هناك إلى مدخل الجميزة وقطعوا الطريق بين "الرينغ" والصيفي، كما قطعت لبعض الوقت طريق الجنوب عند خلدة، فيما ظلت طريق ضهر البيدر مقطوعة بالاطارات المشتعلة لبعض الوقت أيضاً بالتزامن مع قطع طرقات تعلبايا وقب الياس وجديتا في البقاع الأوسط.
وتدخلت القوى الأمنية وأعادت فتح جسر الرينغ قرابة منتصف الليل.
ولم يعط المعتصمون أي تفسير لتبدل تحركهم في اتجاه التصعيد، سوى انهم لا يريدون ان يخسروا ورقة قطع الطرقات للضغط على السلطة بوجوب التجاوب مع مطالبهم، وفي مقدمها الإتيان بحكومة تكنوقراط أو حيادية وقانون انتخاب عصري يسمح باجراء انتخابات نيابية مبكرة.
ورأى هؤلاء ان الكلمة التي خاطب بها الرئيس عون الانتفاضة الشعبية، لا ترضى طموح الشباب، وانه لم يُعطنا أي حل جذري، ولم تتضمن الكلمة أية إصلاحات تعطى اللبنانيين املاً بالمستقبل، في حين قال آخرون ان كلام الرئيس عون حلو لكنه مليء بالوعود التي سبق ان سمعناها تكراراً، والشعب مل الوعود.
رسالة عون
لكن المواصفات التي كشف عنها الرئيس عون في رسالته إلى اللبنانيين لمناسبة الذكرى الثالثة لانتخابه، رجحت ان تكون الحكومة المقبلة تكنوقراط، أو ربما تكنو-سياسية، خاصة وانه عزا أسباب فشل الحكومة المستقيلة إلى ان "المقاربات السياسية فيها سياسية أكثر مما هي تقنية وتنفيذية"، رغم انها قامت بعدد من الخطوات الشاقة وأخرى خططاً ومشاريع مهمة، وفي ذلك إشارة مهمة إلى تفضيله حكومة التكنوقراط، لا سيما عندما قال ان "الاعتبار الوحيد المطلوب هذه المرة للحكومة الجديدة هو ان تُلبّي طموحات اللبنانيين وتنال ثقتهم أولاً، ثم ثقة ممثليهم في البرلمان، وان تتمكن من تحقيق ما عجزت عنه الحكومة السابقة، بأن تعيد للشعب اللبناني ثقته بدولته".
صوت الشارع
وفيما غرد النائب شامل روكز محيياً رئيس الجمهورية أملاً ان يكون النصف الثاني من الولاية مرحلة أفعال، توقفت مصادر سياسية مطلعة لـ"اللواء" عند التواصل الذي بدأ في "بيت الوسط" بين الرئيس الحريري والوزير علي حسن خليل وقالت ان اي تواصل بين بعبدا وبيت الوسط يفترض به ان يحصل على ان الموضوع الحكومي امام 3 خيارات اثنان منهما الأقرب الى التحقيق وهما تكليف الرئيس الحريري او شخصية سنية بالأتفاق معه، في حين ان قيام حكومة اللون الواحد مستبعد كليا.
ورأت المصادر نفسها ان الرئيس عون اجرى سلسلة مشاورات تتصل بالمرحلة المقبلة ولاسيما في ما خص تسهيل الأستشارات النيابية مؤكدة انها ستتم في وقت قريب ولا يمكن الحديث هنا عن تأخير بالمعنى الحرفي للكلمة، لأن المقصود اليوم هو السعي لأختصار وقت تشكيل الحكومه الذي في العادة يأخذ وقتا.
واعلنت المصادر نفسها ان ما يتحكم بالمشهد ايضا هو صوت الشارع مشيرة الى ان هناك نقاشا يجري حول شكل الحكومة التي ترضي تطلعات اللبنانيين وبرنامج عملها في حين ان شروط الأطراف المعنية ليست واضحة خصوصا ان هناك هذا المشهد الماثل امام الجميع.
واكدت المصادر اننا اليوم في وضع استثنائي وليس طبيعيا والهدف ان يصار الى التكليف والتأليف بسرعة وبمسيرة متوازية، نافية وجود تمييع او اي امر اخر مع الاشارة الى ان اي من الكتل لم تجتمع بعد او تعلن موقفها، واكدت ان الرئيس عون ملزم وفق الاصول الدستورية بخيارات النواب.
إلى ذلك، نقلت محطة OTV الناطقة بلسان "التيار الوطني الحر"، عن مصادر رفيعة المستوى، نفيها ان يكون هناك أي تأخير في الدعوة إلى الاستشارات النيابية الملزمة، مشيرة إلى ان الرئيس عون لن يُبادر إلى هذه الاستشارات إذا لم يكن متأكداً من ان ما يسنجم عنها هو تسمية شخصية تنال الأكثرية في مجلس النواب.
وقالت لا أحد يضع فيتو على عودة الرئيس الحريري إلى الحكومة، لكن يجب ان تكون عودته كريمة وهو مرحب به، لكن من دون شروط تعجيزية.
"بيت الوسط"
وفي هذه الاثناء، استمر توافد الشخصيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والوفود الشعبية من مختلف مناطق بيروت، لليوم الثالث على التوالي، إلى "بيت الوسط"، للتعبير عن "تأييدها لمواقف الرئيس الحريري الوطنية، التي تصب في مصلحة لبنان واللبنانيين جميعا"، مؤكدة "دعمها ووقوفها إلى جانبه في هذا الظرف الدقيق الذي يمر به لبنان".
واكد الحريري امام الوفود ان "الايام المقبلة ستكون افضل، وقال انا قمت بما يمليه عليّ ضميري، وانا الحمد لله مرتاح، وإن شاء الله سنكمل المشوار معا، الاهم هو الهدوء والعمل بأعصاب باردة، لا نريد تحركات في الشارع توتر الاجواء، حفاظا على المصلحة الوطنية العامة".
"حزب الله"
من جانبها، وعشية الكلمة التي يلقيها الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله عند الثانية والنصف من بعد ظهر اليوم الجمعة في حفل تأبيني للسيد جعفر مرتضى العاملي، رأت كتلة الوفاء للمقاومة ان استقالة الرئيس الحريري ستسهم في هدر الوقت المتاح لتنفيذ الاصلاحات واقرار موازنة 2020 وتزيد من فرص الدخول على خط الأزمة.
وفي حين، نفت مصادر قريبة من الحزب ان يكون لديه مرشّح حتى الآن لرئاسة الحكومة، رأت ان عودة الحريري إلى رئاسة الحكومة أمر وارد، لكنها اشارت إلى ان الحزب ما زال مصراً على رفض حكومة التكنوقراط، ويتمسك بحكومة سياسية يملك فيها زمام المبادرة.
وتوقعت ان تحسم كلمة السيّد نصر الله اليوم توجهات الحزب لهذه الناحية، في حين وصفت كتلة الوفاء للمقاومة الاستقالة بأنها مضيعة لمزيد من الوقت اللازم للاصلاحات التي تعتبر على نطاق واسع ضرورة لإخراج لبنان من الأزمة.
ارتفاع السندات وفتح المصارف
مالياً، سجلت للمرة الأولى بادرة إيجابية تمثلت بارتفاع سندات لبنانية الدولارية في 10 جلسات تداول، وصعد إصدار 2021 صفر فاصلة 8 سنتات بعد استقالة الحكومة وفتح الطرقات.
ومن المقرّر ان تستأنف المصارف فتح أبوابها امام الجمهور بعد ان كانت عاودت أعمالها من دون استقبال الزبائن لإنهاء معاملاتها المصرفية.
وأعلنت جمعية المصارف في بيان عن تمديد العمل إلى الساعة الخامسة بعد الظهر ليومي الجمعة والسبت، وأكدت عن استعدادها لتوفير الحاجات الملحة والاساسية والمعيشية ومنها دفع الرواتب والأجور.
وقالت مصادر مصرفية ان المصارف مستعدة اليوم لكل الاحتمالات ومنها التهافت على سحب الودائع، لكنها استبعدت ان يحصل شيء غير طبيعي، مشيرة إلى ان المصارف مستعدة لاستقبال الزبائن بشكل طبيعي.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

البناء
عون لحكومة كفاءات تنال الثقة… والحريري إلى الشارع… والقومي وحزب الله لاتّباع الدستور

كانت كلمة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بمناسبة مرور ثلاث سنوات من عهده الرئاسي تأكيداً على التزامه مكافحة الفساد، ومخاطبة للحراك الشعبي بتفهّم تطلعاته لبناء الدولة المدنية ووعد بفتح حوارات وطنية تحت هذا العنوان. وفي الملف الحكومي شرح الرئيس عون تعقيدات التوازنات التي تحكم تشكيل وعمل الحكومات داعياً لحكومة كفاءات تنال ثقة الشعب والمجلس النيابي، فيما كان الرئيس سعد الحريري المستقيل يضغط عبر الشارع والشغب لفرض إعادة تسميته لتشكيل الحكومة المقبلة في ظل تريّث الثلاثي المتحالف حكومياً، التيار الوطني الحر وحزب الله وحركة أمل، في تحديد وجهة تعامله مع الاستشارات النيابية المقبلة، بانتظار استيضاح الوجهة التي يرغب الرئيس الحريري التحرّك ضمنها، مع لاءات نهائية لدى الثلاثي لحكومة تكنوقراط والتمسك بحكومة سياسية طالما أن النظام الدستوري ينيط السلطة السياسية بمجلس الوزراء مجتمعاً، وعلى إيقاع ملف الحكومة وعودة قطع الطرقات العامة إلى الواجهة، عقد لقاء قياديّ بين الحزب السوري القومي الاجتماعي وحزب الله أكد الحاجة لتحصين الوضعين السياسي والأمني، وإعطاء الأولوية لتلبية مطالب الشعب ومكافحة الفساد، وفي الشأن الحكومي أكد الحزبان على اتّباع المسارات التي حددها الدستور.
دعا رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، خلال رسالته في الذكرى الثالثة لانتخابه الى "اختيار الوزراء وفق كفاءاتهم وخبراتهم وليس وفق الولاءات السياسية او استرضاء للزعامات، فلبنان عند مفترق خطير خصوصاً من الناحية الاقتصادية، وهو بأمس الحاجة الى حكومة منسجمة قادرة على الإنتاج، لا تعرقلها الصراعات السياسية، ومدعومة من شعبها".
ودعا الرئيس عون الكتل النيابية الى تسهيل ولادتها، محذراً القيادات والمسؤولين من "ان استغلال الشارع في مقابل آخر هو أخطر ما يمكن ان يهدد الوطن وسلمه الاهلي"، وأكد المضي في الحرب على الفساد "مهما كان الطريق شاقاً"، وكرر نداءه الى اللبنانيين بالضغط على النواب لإقرار القوانين التالية: "انشاء محكمة خاصة بالجرائم الواقعة على المال العام، انشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، استرداد الاموال المنهوبة، رفع الحصانات والسرية المصرفية عن المسؤولين الحاليين والسابقين وكل من يتعاطى المال العام"، بالتزامن مع قيام سلطة قضائية مستقلة وشجاعة ومنزّهة، لافتاً الى ان التعيينات القضائية الأخيرة تضاف الى الجهود التي ستؤول الى قانون جديد للسلطة القضائية المستقلة.
وتوجّه عون الى اللبنانيين الذين شاركوا بالاعتصامات، وخصوصاً منهم الشباب بالقول: على الرغم من كل الضجيج الذي حاول أن يخنق صوتكم الحقيقي ويشوش عليه ويذهب به الى غير مكانه، تمكنتم من إيصال هذا الصوت الذي صدح مطالباً بحكومة تثقون بها، وبمكافحة الفساد الذي نخر الدولة ومؤسساتها لعقود وعقود، وبدولة مدنيّة حديثة تنتفي فيها الطائفية والمحاصصة .
وأضاف: أمامنا وإياكم عمل دؤوب لإطلاق ورشة مشاورات وطنية حول الدولة المدنية لإقناع من يجب إقناعه بأهميتها وضرورتها ، داعياً إياهم الى عدم السماح لأحلامهم وخياراتهم أن تتهاوى أمام توظيف من هنا واستغلال من هناك.
وتعهّد عون، مع بدء النصف الثاني من الولاية الرئاسية، بمتابعة الحرب على الفساد، والدفع باتجاه اقتصاد منتج، وبذل الجهود لإقامة دولة مدنيّة عصرية والتخلص من براثن الطائفية.
وكان رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي فارس سعد استقبل بحضور رئيس المجلس الأعلى النائب أسعد حردان وعضوي المجلس قاسم صالح وجورج ديب، نائب رئيس المجلس السياسي في حزب الله الوزير محمود قماطي ووفداً ضمّ د. علي ضاهر، سعيد نصر الدين وأحمد مهنا.
وأكد المجتمعون على ضرورة مقاربة ما يحصل في البلد، على أساس المصلحة الوطنية العليا، والحرص التامّ على حماية استقرار لبنان وسلمه الأهلي وضمان أمن وسلامة اللبنانيين.
واعتبر المجتمعون أنّ كلّ استغلال سياسي لوجع الناس ومطالبهم، إنما يرتبط بأجندات ومشاريع سياسية، والمطلوب وأد كلّ محاولات الاستغلال والتسييس، وأن تتحمّل الدولة مسؤولياتها، لوقف المسار الانحداري الذي يرمي إلى تقويض أسس الدولة في لبنان.
وشدّدوا على التمسك بثوابت لبنان وخياراته وعناصر قوته، لأنها عوامل تحصين للبنان ولوحدة اللبنانيين، وأنّ المطلوب راهناً هو سلوك المسارات الطبيعية وفقاً للدستور، بما يكفل تأمين استقرار الدولة بكلّ مؤسساتها، وقطع الطريق أمام أيّ محاولة لاستهداف لبنان.
ولم يُترجَم نداء رئيس الحكومة المستقيلة سعد الحريري لمناصريه بعدم قطع الطرقات على أرض الواقع، إذ وفور انتهاء كلمة الرئيس عون، انطلقت جموع تيار المستقبل لقطع الطرقات في برجا والجية والناعمة وعدد من طرقات البقاع والشمال، وحسب معلومات البناء أن الحريري لجأ الى استخدام الشارع لابتزاز الأطراف الأخرى لا سيما حزب الله ورئيس الجمهورية لفرض تكليفه تشكيل الحكومة وذلك بعدما استشعر بأن هناك تفكيراً جدياً بتكليف رئيس غيره .
وأولى الاتصالات مع الحريري كانت مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري وعقد بعده لقاء مطوّل بين الحريري والوزير علي حسن خليل موفدًاً من بري دام 90 دقيقة وتناول الوضع الحكومي.
واستنكرت أوساط 8 آذار عملية قطع الطرقات الممنهجة على وقع بدء الاستشارات النيابية وأكدت أن اللعبة خطيرة ونصحت الحريري بالإقلاع عنها، لأنها سترتدّ عليه بشكل سلبي، مشيرة الى أنّ هذه الممارسات الميليشياوية فضحت أهداف الحراك في الشارع، وكشفت التنسيق الخبيث والفاضح بين الحريري والحراك المشبوه في الشارع.
وأكدت كتلة الوفاء للمقاومة في بيان إثر اجتماعها الدوري، في مقرّها في حارة حريك، برئاسة النائب محمد رعد، أن استقالة الحريري سوف تسهم في هدر الوقت المتاح لتنفيذ الإصلاحات، ولإقرار الموازنة العامة للعام 2020، وستزيد من فرص التعقيدات للدخول على خط الازمة ، معتبرة أن ذلك يفرض على القوى السياسية كافة أن تتحمل المسؤولية لتدارك ما قد ينجم من تداعيات ما بعد الاستقالة في الوقت الذي لا يزال فيه البلد عرضة للتهديدات العدوانية وللتدخلات التآمرية من جهة ولتغييب القوانين أو التطبيق السيئ أو الاستنسابي لها من جهة أخرى . ودعت حاكمية المصرف المركزي الى اتخاذ كل التدابير والإجراءات الآيلة الى ضمان عدم تفلت الوضع النقدي في البلاد، خصوصاً إبان هذه المرحلة الدقيقة والصعبة ، مطالبة الأجهزة الأمنية والعسكرية كافة، وفي مقدّمتها الجيش اللبناني، القيام بمسؤولياتها الوطنية في ضمان أمن البلاد والمواطنين، وحماية حقهم في التعبير، كما في التنقل والانتقال ضمن الأراضي اللبنانية كافة دون أي تردد او إبطاء .
وأعلنت جمعية المصارف بعد اجتماعها أمس، عن فتح فروع مصارفها اليوم لتوفير الحاجات الملحة والأساسية والمعيشية ومنها دفع الرواتب والأجور.
وفي توقيت مشبوه دخل الاحتلال الإسرائيلي على خط الحراك عبر إرساله طائرات مسيرة الى لبنان، تمكّنت المقاومة الإسلامية من إسقاط إحداها، واشارت في بيان الى أنها "تصدّت بالأسلحة المناسبة لطائرة مسيرة معادية في سماء جنوب لبنان وأجبرتها على مغادرة الأجواء اللبنانية".
وعلقت مصادر عسكرية على الخرق الاسرائيلي بالقول إنه فضح أهداف الحراك المزعوم، ولاقت مشهد رفض إحدى الفتيات اللبنانيات الآتية من اميركا حرق العلم الإسرائيلي.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


الأخبار
تسمية الحريري غير مضمونة… و«التكنوقراط» مرفوضة
أميركا تدخل على خط التأليف: حجب مساعدات عن الجيش
حزب الله يتصدّى لخرق العدوّ الجوّي: تبديد الرهان على القيد الداخلي
انتفاضة المصارف المضادّة: قيود قاسية على سحب الودائع والن
قد
بدأت أمس المشاورات غير الرسمية للاتفاق على شكل الحكومة المقبلة واسم الرئيس الذي سيكلف تشكيلها. لا مسلّمات في التعاطي مع أي من الملفين. فلا اسم سعد الحريري محسوم، ولا حكومة التكنوقراط مقبولة في ظل التحديات السياسية التي تواجه البلد. لكن، قبل أن تحسم كل الأطراف وجهتها، كان الأميركيون يسعون إلى فرض أجندتهم من خلال حجب 105 ملايين دولار عن الجيش.
في خطوة غير مسبوقة، قررت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب حجب مساعدات عسكرية عن الجيش اللبناني بقيمة 105 ملايين دولار. ونقلت وكالة «رويترز» عن مسؤولَين أميركيين رفضا الكشف عن اسميهما أن وزارة الخارجية أبلغت الكونغرس أن مكتب الميزانية في البيت الأبيض ومجلس الأمن القومي اتخذا ذلك القرار، من دون الإشارة إلى سببه.
وتأتي هذه الخطوة، التي تطال الجيش اللبناني بالدرجة الأولى، لتنبئ بمسار تصعيد بدأت به أميركا في لبنان. ولأن التنسيق عال بين الجيش والأميركيين، فقد فُسّرت هذه الخطوة بكونها محاولة للتأثير في المسار الحكومي، لا سيما لناحية رفض إشراك حزب الله في الحكومة، عبر التلويح بأن واشنطن ماضية في مواجهة حزب الله، ولو كان ذلك على حساب هز الاستقرار اللبناني.
ويأتي هذا الإعلان في وقت حاولت الولايات المتحدة أن تبدي حرصها على عدم التدخل في مسار الأحداث في لبنان، إذ سرّبت عبر قناة «ام تي في» أن «أميركا كانت بصدد إصدار عقوبات جديدة على حلفاء لحزب الله إلا أنّها أجّلتها كي لا تفسّر على أنّها تدخّل في الشأن اللبناني».
حكومياً، كانت زيارة الوزير علي حسن خليل إلى بيت الوسط، أمس، فاتحة عودة التواصل بين «معسكري» الحكم، في سبيل تشكيل حكومة جديدة.
وقد خرج خليل بخلاصتين، الأولى إن الحريري راغب بالعودة إلى رئاسة الحكومة والثانية بأنه يميل إلى حكومة تكنوقراط. لكن في المقابل، فإن الجو العام لدى 8 آذار، صار ميّالاً إلى عدم قبول هذه الحكومة، مع استعداد لمناقشة حكومة سياسية مطعّمة بوجوه تكنوقراط، انطلاقاً من أن المرحلة المقبلة ستشهد تحديات سياسية عديدة، ولا يمكن، بالتالي، مواجهتها بحكومة لا تملك قراراً سياسياً.
أما بالنسبة لاسم الرئيس المكلف تشكيل الحكومة، فلم يحسم الرئيسان ميشال عون ونبيه بري وحزب الله مسألة تسمية الحريري، بالرغم من تيقّن الجميع أن حظوظه هي الأعلى. ولا يتعلق هذا الموقف، بحسب المعلومات، بمحاولة الاتفاق على صورة الحكومة المقبلة قبل الخوض في التسمية، بل يتعلق بالموقف من الاستقالة نفسها، والتي يعتبر بري أن الحريري خذله عندما أعلنها، فيما يذهب عون وحزب الله إلى اعتبارها طعنة في الظهر.
وفي ما بدا واضحاً أن عون يتريث في الدعوة إلى الاستشارات النيابية، ريثما يتم الاتفاق على صورة الحكومة، فإن مصادر مطّلعة أكدت أن النقاش يتعلق بخطوات أبعد من تشكيل الحكومة أيضاً. أما مصادر قصر بعبدا، فقد أشارت إلى أن التأخير يعود إلى الرغبة في إعطاء الكتل النيابية الفرصة لتحديد موقفها، مؤكدة أنها لن تتأخر عن الأسبوع المقبل. وأفضت المشاورات أمس إلى تأجيل حسم موقف حزب الله وحركة أمل، بعدما وعدهما الرئيس ميشال عون والتيار الوطني الحر بتقديم اسم تنطبق عليه صفة «تكنوقراط»، لدرس إمكان تبنّيه من تحالف 8 آذار – التيار الوطني الحر.
في مقابل الصراع على شكل الحكومة ووجوهها، كانت مجموعات الحراك الشعبي تؤكد على مطلب «حكومة الإنقاذ المدنية» من خارج أحزاب السلطة القائمة.
إلى جانب النقاشات المرتبطة بتشكيل الحكومة، ركّز خليل في الاجتماع مع الحريري على العراضة التي نفذها المستقبل في المناطق اللبنانية أمس. رئيس الحكومة المستقيل أعاد تأكيد عدم مسؤوليته عما حصل، وقال إنه أعطى تعليماته للاجهزة الأمنية بمنع تكراره، وبتوقيف أي متورط. لكن في المقابل، فإن القناعة كانت جليّة بأن من يتحمّل مسؤولية قطع الطرقات هو الحريري في الشمال والبقاع وطريق الجنوب، والقوات اللبنانية في جل الديب، وان هدفهما الضغط باتجاه إعادة تكليف الحريري تأليف الحكومة بشروطه. وأبدت أوساط متابعة خشيتها من أن يؤدي ذلك إلى شارع مقابل شارع، خصوصاً أن قواعد حركة أمل وحزب الله بدأت تضغط على قياداتها للتحرك في وجه قطع طريق الجنوب الذي يشكل إغلاقه استفزازاً كبيراً للحزبين ولجمهورهما.
ودرءاً لأي احتمال من هذا النوع، حذّر الرئيس ميشال عون، في كلمة ألقاها في الذكرى الثالثة لانتخابه، من استغلال الشارع في مقابل شارع آخر، معتبراً أنه «أخطر ما يمكن أن يهدد وحدة الوطن وسلمه الأهلي، ويقيني أن أحداً لا يمكنه أن يحمل على ضميره وزر خراب الهيكل». ودعا عون الكتل السياسية إلى تسهيل ولادة الحكومة الجديدة.
وقال: «ان الاعتبار الوحيد المطلوب هذه المرة هو ان تلبي الحكومة طموحات اللبنانيين وتنال ثقتهم اولا ثم ثقة ممثليهم في البرلمان، وان تتمكن من تحقيق ما عجزت عنه الحكومة السابقة بأن تعيد للشعب اللبناني ثقته بدولته، ولذلك يجب ان يتم اختيار الوزراء وفق كفاءاتهم وخبراتهم وليس وفق الولاءات السياسية أو استرضاء للزعامات، فلبنان عند مفترق خطير خصوصاً من الناحية الاقتصادية، وهو بأمسّ الحاجة الى حكومة منسجمة قادرة على الانتاج، لا تعرقلها الصراعات السياسية، ومدعومة من شعبها». وفيما اعتبر عون التحركات الشعبية المطلبية والعفوية محقة، توجه الى اللبنانيين الذين شاركوا بالاعتصامات وخصوصاً منهم الشباب بالقول: «على الرغم من كل الضجيج الذي حاول ان يخنق صوتكم الحقيقي ويشوش عليه ويذهب به الى غير مكانه، تمكنتم من ايصال هذا الصوت الذي صدح مطالباً بحكومة تثقون بها، وبمكافحة الفساد الذي نخر الدولة ومؤسساتها لعقود وعقود، وبدولة مدنية حديثة تنتفي فيها الطائفية والمحاصصة». واضاف: «امامنا واياكم عمل دؤوب لاطلاق ورشة مشاورات وطنية حول الدولة المدنية لاقناع من يجب اقناعه بأهميتها وضرورتها».
وفي محاولة لاستثمار نتائج الانتفاضة الشعبية المستمرة منذ 15 يوماً، اعتبر المكتب السياسي لتيار المستقبل، في الاجتماع الذي ترأسه الحريري، أن الحراك «حقّق نقلة نوعية في المسار الوطني اللبناني ونجح بقوة في تخطي الاصطفافات الطائفية وحواجز الولاءات العمياء». وكما لو أن الحريري لم يكن من الذين طالب الحراك باستقالتهم، قال بيان المكتب السياسي إنه «يتطلع للنجاحات المطلبية والسياسية الوطنية التي حققها الشباب اللبناني في كل الساحات». كما حيا التيار سلمية التظاهرات، برغم «محاولات ميليشيوية للإساءة إليها وإخراجها عن توجهها الوطني وتطييفها».
وفي بيان، إثر اجتماعها الدوري، أشارت كتلة «الوفاء للمقاومة» إلى وجود «تساؤلات مشروعة فرضتها استقالة الحريري، سواء حول الاسباب الحقيقية والمبررات، أو حول التوقيت، أو حول الاهداف والمرامي التي جرى توسل الاستقالة لإنجازها». وفي ضوء ما تشهده البلاد من تردّ نقدي واقتصادي، رأت الكتلة أنه «مهما قيل عن الاعتبارات التي استند إليها رئيس الحكومة لتبرير استقالته، فإن هذه الاستقالة ستسهم في هدر الوقت المتاح لتنفيذ الاصلاحات، ولاقرار الموازنة العامة للعام 2020، وستزيد من فرص التعقيدات للدخول على خط الازمة». وأملت الكتلة أن «تسلك الاستشارات النيابية الملزمة لتسمية الرئيس المكلف مسارها الطبيعي من أجل الشروع بتشكيل حكومة نزيهة وذات صدقية وقادرة على النهوض بالمهام المطلوبة منها، سواء لناحية تحقيق الاستقرار النقدي والاقتصادي، أو لناحية تعزيز روح الوفاق الوطني، والتصدي بحزم لملفات الفساد والفاسدين». وجددت دعوتها إلى «أوسع حوار وطني ممكن بين كل المكونات والقوى السياسية وشرائح المجتمع اللبناني لأن التفاهم الوطني هو المدماك الاساس لاستقرار البلاد وتنمية اوضاعها».
حزب الله يتصدّى لخرق العدوّ الجوّي: تبديد الرهان على القيد الداخلي
شكَّل تصدّي حزب الله الصاروخي لخرق العدو الجوي فوق جنوب لبنان، أمس، ترجمة لما تعهد به الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، بعد اعتداء الضاحية في 25 آب الماضي. وهو ما كانت قيادة العدو ــــ ومعها حلفاء المقاومة وخصومها ــــ تنتظر استشراف آفاق ما إذا كان حزب الله قد قرر السير في هذا المسار الدفاعي عملياتياً، أو سيكتفي بما تم إسقاطه حتى الآن على الحدود مع فلسطين المحتلة. أسلوب التصدي الذي نفذه حزب لله، أي استخدام صاروخ أرض ــــ جو، كان كافياً للدلالة على أن مستوى الهدف من النوع الذي يتطلب استخدام هذا النوع من الأسلحة. ما تقدّم يتلاءم مع ما أقر به جيش العدو، كما نقلت القناة 13 في التلفزيون الإسرائيلي، بأن الطائرة المستهدفة هي من نوع "زيك" (هرمس 450). وبحسب القناة نفسها، تُستخدم هذه الطائرة لجمع المعلومات الاستخبارية، وقادرة على حمل صواريخ لشن هجمات جوية.
تلمَّسَ العدو جدية حزب الله في التصدي لخروقاته الجوية. وإذا كان جيش العدو قد اتخذ إجراءات عملانية احتياطية لحماية طائراته منذ أن أطلق الأمين العام لحزب الله وعده، فإنه بات الآن أكثر إدراكاً لحقيقة أنه أمام واقع عملياتي في سماء لبنان لم يسبق أن شهده منذ عشرات السنوات. على ما تقدم، من السهولة التقدير أن العدو بات على يقين بأنه سيكون لهذه العملية ما يليها، وأن ما جرى ليس إلا محطة في سياق متواصل في مواجهة الخروقات المتواصلة. من هنا، وبالرغم من سقوط طائرات استطلاع إسرائيلية سابقة، إلا أن التصدي الذي نفذه حزب الله، وبلحاظ الزمان والمكان وطبيعة الهدف والأسلوب، لهُ بُعد استثنائي وتأسيسي لمسار جديد ــــ من الناحية العملانية ــــ في مواجهة الخروقات الجوية.
ينطوي تصدي حزب الله الصاروخي للتجسس الجوي للعدو، (وثبت أنه يمكن أن يتحول في أي لحظة الى اعتداء جوي كما حصل في الضاحية، وانطلاقاً من مزايا الطائرة المستهدفة) على أكثر من بُعد إضافي يتصل أيضاً بالسياق والتوقيت. أتت العملية الصاروخية (أرض ـ جو) بعد الكشف عن مساعي وزارة الخارجية الإسرائيلية مع عواصم القرار الغربي الرامية إلى ربط المساعدات إلى لبنان بنزع سلاح حزب الله النوعي، وبعد إعلان نتنياهو عن هزة أرضية يمرّ بها لبنان. كشفَ عن بعض جوانب الفرصة التي ينطوي عليها هذا التوصيف ــــ الموقف، من منظور تل أبيب، رئيسُ أركان جيش العدو أفيف كوخافي، بالقول إن "حزب الله مشغول بالتظاهرات التي يشهدها لبنان"، بحسب ما نقل عنه المعلق الأمني يوسي ميلمان. وبالاستناد إلى نظرة العدو الى البيئة الداخلية اللبنانية تحديداً وكيفية تأثيرها المحتمل على خيارات حزب الله ــــ وفق الرهانات الإسرائيلية ــــ يمكن التقدير بأن هذه العملية حطّمت أي رهان راوَد القيادتين السياسية والأمنية في تل أبيب، على أن ما يجري في الداخل اللبناني قد يشكل قيداً على حركة حزب الله في المبادرة والرد. أهمية هذا المعطى ودلالته أن العدو بعدما فشل في منع تراكم قدرات حزب الله الصاروخية والعسكرية على المستويين الكمّي والنوعي، يحاول أن يؤثر ويستفيد من التطورات التي قد تترك أثراً على إرادة حزب الله في تفعيل هذه القدرات. لكن هذه العملية شكلت ضربة قاسية للرهانات المتصلة بالظرف الداخلي اللبناني الحالي.
بعبارة أخرى، إذا ما كانت قيادة العدو تراقب لاستكشاف مدى تقييد تعقيدات المشهد السياسي والأمني والاقتصادي الداخلي على أداء حزب الله، فقد أتاه الجواب جليّاً ومفاجئاً. وينبغي التذكير بأن هذا المستوى من الرسائل العملانية ــــ لجهة الزمان والمكان والأسلوب والتوقيت والهدف ــــ يساهم في تعزيز استقرار لبنان، كونها تحدّ من احتمال إقدام العدو على مغامرات بالاستناد الى تقديرات، "ساعده" حزب الله على اكتشاف خطئها ــــ ولو من ناحية النتائج المترتبة ــــ قبل أن يصطدم بالواقع ويتسبب بما قد يورط نفسه ولبنان في مواجهة يسعى الأطراف كافة، ابتداء، الى تجنبها.
وبلغة أكثر مباشرة، بات العدو أكثر إدراكاً بعد هذه العملية بأن حزب الله، وبالرغم من المستجد الداخلي الذي يزداد تعقيداً وخطورة بكل المعايير، متوثب وجاهز للرد على أي اعتداء قد يبادر إليه العدو، وفي مواجهة أي تهديد يحدق بالمقاومة، وهو ما سيحضر بالضرورة على طاولة القرار السياسي والأمني لدى دراسة خياراته بالاستناد الى الظروف السياسية الداخلية في لبنان.
من المؤكد، وبالاستناد الى المحطات التي مرت بها مواجهة حزب الله ضد الاحتلال والعدوان الإسرائيلي، أن قيادة العدو أدركت لدى سماعها خبر التصدي الصاروخي للخرق الجوي الإسرائيلي، بأن حزب الله، لدى تنفيذه ما توعد به أمينه العام قبل نحو شهرين، مصمّم على مواجهة أي اعتداء قد يبادر إليه متذرعاً بالتصدي لاعتدائه الجوي. وهو ما وضع القيادتين السياسية والأمنية أمام خيارات ضيقة، فاختارت منها تجنب أيّ اعتداء يستدرج رداً مضاداً من قبل حزب الله. أتى هذا القرار بالرغم من إدراك قيادة العدو أن هذه العملية تؤشر بما لا لبس فيه الى مسار متواصل في هذا المجال، وأنها ترجمة عملية لمساعي المقاومة الهادفة الى فرض قواعد اشتباك جديدة في الأجواء اللبنانية. مع ذلك، ينبغي تأكيد أن المقاومة لم تدّع يوماً أنها قادرة على منع تحليق طائرات العدو في الأجواء اللبنانية، وهو حقها وواجبها لو كانت قادرة، كما هي حال معادلات القوة في البر والبحر وفي استهداف العمق الإسرائيلي.
تبقى دلالة أساسية، لا تقل أهمية عن الرسائل المتصلة بمعادلات الصراع مع العدو، وهي أن حزب الله أثبت بالممارسة مرة أخرى، أنه مهما كان عبء الوضع الداخلي ثقيلاً عليه، بعناوينه السياسية والاقتصادية والأمنية، وأيّاً كانت السهام التي تلقَّاها، ولا يزال، تبقى جهوده الأساسية موجّهة نحو حماية البلاد من العدو الإسرائيلي. وأنه في أشد الظروف الداخلية تعقيداً لم ترتبك رؤيته ولا أولويّاته.
انتفاضة المصارف المضادّة: قيود قاسية على سحب الودائع والنقد
صباح اليوم، ستفتح المصارف أبوابها للجمهور بعد 12 يوماً من الإقفال. التحضيرات التي أعدّتها في الأيام الماضية، تمهيداً لفتح الأبواب، خلصت إلى اتفاق شفهي منسّق مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بأن تعمل المصارف على تقييد عمليات السحب والتحويل بكل الطرق المتاحة خشية أن يؤدي الأمر إلى كوارث. «فهذا اليوم، وفق توقعاتنا، سيكون أقسى مما شهدناه في شباط 2005 بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، ولا في صيف 2006 أثناء حرب تموز» يقول مسؤول مصرفي (مقال محمد وهبة).
هلع المودعين بدأ يظهر أمس قبل فتح الأبواب للجمهور. فقد تبيّن أن المصارف تلقّت اتصالات من زبائنها للسؤال عن إمكان سحب ودائعهم إلى الخارج، أو طالبين تحضير المبالغ المستحقة لسحبها نقداً. إجابات مديري الفروع أو مراكز الاتصالات جاءت رافضة بشكل قاطع لإجراء مثل هذه العمليات، مشيرين إلى أن السحب النقدي محدّد بـ 2000 دولار أسبوعياً. بعض هؤلاء الزبائن اتصلوا بـ«الأخبار» للاعتراض على سلوك المصارف التي باتت "تتسلبط" على ودائعهم وتمنعهم من ممارسة حقوقهم في الحصول عليها بأي شكل كان، ويجزمون بأن إصرار المصارف على هذا السلوك قد يدفعهم إلى اتخاذ إجراءات قانونية بحق المصارف التي تمتنع عن تسليمهم ودائعهم نقداً، أو أنهم سيلجأون إلى أساليب أخرى.
هذه ليست سوى عيّنة بسيطة جداً مما هو متوقع أن يحصل اليوم. وبحسب التقديرات المصرفية، يرتقب أن يكون هناك طلب على سحب الودائع وتحويلها إلى الخارج بقيمة تصل إلى 3 مليارات دولار في أول أسبوع بعد فتح الأبواب، وأن تزداد عمليات هروب الودائع إلى الخارج لتبلغ 5 مليارات دولار بعد ثلاثين يوماً، وهذا على اعتبار أنه لم تحصل تطورات أخرى، سواء في الشارع أو تطورات سياسية متعلقة بتشكيل الحكومة.
خشية المصارف من هذا الأمر دفعها إلى عقد سلسلة اجتماعات، بعضها اقتصر على مجلس إدارة الجمعية وبعضها الآخر كان موسعاً، للنقاش في إجراءات موحّدة يمكن اتخاذها لمواجهة ضغط غير مسبوق ستكون له انعكاسات سلبية على سيولة المصارف بالدولار، وعلى احتياطات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية أيضاً. في هذه الاجتماعات، كان هناك رأيان: الأول يتحدث عن عدم إمكان فتح الأبواب من دون «كابيتال كونترول» معلن من مصرف لبنان أو ما يعرف بقيود وضوابط على عمليات السحب والتحويل، علماً بأن بعض المصرفيين اقترحوا تحديد سحب الوديعة بقيمة 25% إلى جانب إجراءات أخرى تتعلق بضبط السحوبات المالية النقدية بالدولار وبالليرة. وأصحاب الرأي الثاني كانوا يطالبون بالاستمرار في إغلاق الأبواب لفترة أطول نسبياً وتسيير الأعمال داخلياً حتى يتضح المسار الذي تسلكه البلاد.

انقر على الصورة لتكبيرها

إزاء تشدّد سلامة في رفض مبدأ إعلان الـ«كابيتال كونترول» نظراً الى ما سيرتّبه من مخاطر كبيرة تضرب إمكانية تدفق رؤوس الأموال إلى لبنان على فترة طويلة نسبياً، وخصوصاً أنه تردّد عن إمكان استقطاب ودائع كبيرة إلى لبنان في هذه الفترة بعد انخفاض أسعار الفائدة الأميركية، اتُّفق على أن تفرض المصارف نوعاً من القيود والضوابط المتحرّكة ضمن حدود قصوى ودنيا تحدّدها هي فقط ليصبح الـ«كابيتال كونترول» غير معلن وغير واضح ومرتبط بمديري الفروع والزبائن. المصارف وافقت على هذا الأمر، وخصوصاً أن مديريها يمارسون هذه القيود منذ أشهر، وإن كان الأمر يختلف اليوم بعد إقفال لـ 12 يوماً بعد تحركات احتجاجية هي الأكبر في تاريخ لبنان، وبالتالي بات على موظفي الفروع المصرفية أن يتعاملوا مع الزبائن بخشونة أكثر وبقسوة وحزم لفرض قيود وضوابط أشد وطأة. طبعاً هذا الأمر قد يسبب مواجهات «عنيفة» مع الزبائن نظراً إلى مستوى وحجم الإجراءات المتفق عليها والتي يمكن إيجازها بالآتي:
– يجب منع كل عمليات تحويل الودائع إلى الخارج. وهذا الأمر لا يسري على كبار المودعين المرتبطين بعلاقة مع أصحاب المصارف أو مع كبار المديرين فيها.
– استجابة المصرف لطلبات الزبائن الراغبين بتحويل ودائعهم من الليرة إلى الدولار بالسعر المحدّد من مصرف لبنان (1507.5 ليرات وسطياً لكل دولار)، على أن يوافق المودع على تجميد وديعته لفترة سنة، وإذا رفض مطالباً بالحصول على وديعته يمكن للمصرف أن يحرّر شيكاً مصرفياً للزبون بعملة الوديعة.
– لا يجب التنافس بين المصارف على استقطاب الودائع، سواء من خلال رفع الفوائد أو منح تسهيلات للزبائن متصلة بآجال الاستحقاقات. وبالتالي فإن أي زبون سيحصل على شيك مصرفي بقيمة وديعته ستكون لديه صعوبة في نقل حساباته من مصرف إلى آخر، وبالتالي ستكون لديه صعوبة في تحويل وديعته من الليرة إلى الدولار وسحبها إلى الخارج.
– بالنسبة إلى العمليات التجارية، فإنه يجب على كل مصرف أن يقلّص التسهيلات المصرفية بالدولار التي كانت ممنوحة للشركات إلى حدّها الأدنى، إلا إذا كانت هناك اتفاقات مسبقة بين المصرف والزبون على تمويل مشروع ما في هذه الفترة.
– بالنسبة إلى عمليات السحب النقدي، فإن المصارف حدّدت سقفاً متدنياً لقيمة المبالغ المسحوبة أسبوعياً. بعض المصارف أوضحت للزبائن أنها تسمح بسحب نقدي أسبوعي لا يتجاوز 2000 دولار، ومصارف أخرى حدّدته بـ 3000 دولار… إلا أن من الثابت أن كل المصارف منعت السحب النقدي المفتوح منذ أسابيع وأوقفت بشكل نهائي تزويد الصرافات الآلية بالدولارات.
أصل الأزمة
ما الهدف من كل هذه الإجراءات؟ اقتصاد لبنان القائم منذ 1994 على تثبيت سعر صرف الليرة مقابل الدولار على سعر وسطي يبلغ 1507.5 ليرات لكل دولار، يعتمد بشكل أساسي على تدفق الأموال من الخارج التي تأتي على شكل دولارات تستعمل لتمويل استيراد السلع والبضائع الاستهلاكية والصناعية ولتغطية مدفوعات خدمة الدين العام بالعملات الأجنبية. بمعنى آخر، إن ثبات سعر الليرة واستقرار الاقتصاد مرتبط باستمرار التدفقات. ما حصل في السنوات الأخيرة، وتحديداً منذ عام 2011، أن هذه التدفقات بدأت تتقلّص وتتباطأ، وصولاً إلى توقفها بشكل شبه كامل اليوم، ما بات يهدّد ثبات سعر الليرة مقابل الدولار. في السابق، كان مصرف لبنان يمتصّ الدولارات الآتية من الخارج (التدفقات) ويضعها في احتياطاته بالعملات الأجنبية بكلفة متدنية نسبياً، ثم يضخّها بوتيرة محدّدة للحفاظ على سعر الصرف ولتمويل الاقتصاد بحاجاته من النقد الأجنبي، وهذه العملية كانت تخلق «ثقة» تستعمل لاستقطاب المزيد من الدولارات من الخارج.

أنقر على الرسم البياني لتكبيره

إلا أنه في ظل تباطؤ تدفق الدولارات وصولاً إلى توقفها منذ 2011 إلى اليوم، بات مصرف لبنان يستنزف احتياطاته لتمويل الاستهلاك وتسديد فوائد الديون، ما اضطره إلى اللجوء إلى الهندسات المالية اعتباراً من صيف 2016. يومها نفّذ مصرف لبنان الهندسة الكبرى التي حققت للمصارف ومودعيها أرباحاً استثنائية، أي غير أرباحها الاعتيادية السنوية، بقيمة 5.5 مليارات دولار في سنة واحدة، ثم واصل هذه الهندسات في 2017 وفي 2018 وفي 2019 متكبداً خسائر تفوق 3 مليارات دولار لاستقطاب الأموال. هذه الهندسات مبنية على إغراء المصارف بفوائد عالية تتقاسمها مع كبار المودعين، ما أدّى إلى رفع أسعار الفائدة.
ومنذ مطلع 2019، لم تعد هذه الهندسات تجدي نفعاً، ما اضطر مصرف لبنان الى أن يعمل على خطّ آخر وهو استقطاب الودائع مباشرة إليه وبيع شهادات إيداع صادرة عنه في السوق الدولية، علماً بأن هذا النوع من العمليات ينطوي على مخاطر تتعلق بقدرة حاملي الشهادات على مقاضاة مصرف لبنان ومصادرة أصوله في القضاء الدولي… استمرّ الأمر إلى أن وصلت الاحتياطات إلى خطوط حمر، فقلّص مصرف لبنان ضخّ الدولارات في السوق، ما دفع الشركات المستوردة إلى البحث عن الدولارات النقدية عند الصرافين. بذلك، يكون مصرف لبنان قد خلق سوقاً ثانية لسعر صرف الليرة موازية للسعر المعلن بينه وبين المصارف.
الصرافون باعوا الدولار للشركات والأفراد بقيمة وصل أقصاها إلى 1900 ليرة لكل دولار، أي بأكثر من 25% من قيمته المعلنة. ولم يطل الأمر حتى بدأت الشركات التي تبيع سلعاً أساسية مسعّرة من الدولة اللبنانية بالليرة اللبنانية، تشكو من ارتفاع سعر الدولار وتطالب برفع الأسعار أو الحصول على التمويل من مصرف لبنان. هكذا اندلعت أزمة المشتقات النفطية والدواء والقمح التي لا تزال ذيولها قائمة إلى اليوم. أما باقي السلع المستوردة، فقد بدأت تشهد موجة تضخّم أسعار في عزّ الركود الاقتصادي. كذلك، بدأ الأفراد يسحبون ودائعهم نقداً ويشترون بها دولارات لخزنها استناداً إلى توقعاتهم بأن سرع الصرف سينهار.
هذه التوقعات تركت أثراً سلبياً في وعي اللبنانيين، أعادهم بالذاكرة إلى أيام الانهيارات النقدية في الثمانينيات ومطلع التسعينيات، ما يثير قلقهم من حصول انهيار ما. أصلاً، يجزم بعض الخبراء الاقتصاديين بأن جزءاً من هذا الانهيار قد حصل وأن العاملين في لبنان يسدّدون ثمنه من خلال ارتفاع أسعار السلع وانخفاض قيمة أجورهم الفعلية، وأن المسألة لم تعد تتعلق بانهيار العملة، بل بانهيار القطاعات الاقتصادية، سواء كانت تعمل في مجال الخدمات المالية أو العقارية، أو في المجالات الإنتاجية.
هندسة مالية جديدة
يستحق الآن نحو خمسين بالمئة من الودائع التي جمدت لمدة شهر، ما سوف يفرض على إدارات المصارف التفاوض مع أصحابها لتمديد التجميد لفترة إضافية ويحتم عليها تقديم مغريات للزبائن. وحسب مصادر مصرفية، فان رياض سلامة وعد المصارف بتوفير دعم إذا اضطرت الى رفع الفوائد على هذه الودائع، ما يعني استمرار سلامة في سياسة الهندسات المالية التي أثقلت البلاد وزادت من حجم الدين العام وأكلافه. وسيوفّر سلامة شهادات إيداع بفوائد عالية تمكّن المصارف من استيفاء قيمة الفوائد الإضافية الى جانب أرباح جديدة.
عجز ميزان المدفوعات يستنزف 88.2% من الفوائض المالية

أنقر على الرسم البياني لتكبيره

بلغ العجز المُسجّل في ميزان المدفوعات، حتى أيلول 2019، نحو 4.4 مليارات دولار، وفقاً لحسابات مصرف لبنان، وهو أقل بنحو 400 مليون دولار من العجز المُسجّل طوال السنة الماضية والذي بلغ 4.8 مليارات دولار، وفقاً للحسابات نفسها.
لكن من المعروف أن مصرف لبنان أدخل في تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2017 تعديلات جوهرية على منهجية حساب ميزان المدفوعات، وبات يُدرِج سندات الدَّين بالعملات الأجنبية (اليوروبوندز) التي يحصل عليها من الحكومة كما لو أنها تدفّقات مالية من الخارج. إلّا أن إعادة احتساب العجز في ميزان المدفوعات على أساس المنهجية السابقة قبل تعديلها، وهي المنهجية المُعتمدة في معظم بلدان العالم، تظهر أن العجز الحقيقي في ميزان المدفوعات سجّل حتى أيلول 2019 نحو 6.4 مليارات دولار، وهو رقم قياسي جديد يسجّل في الميزان، ويتجاوز بنحو 2 مليار دولار ما أعلنه مصرف لبنان، وأعلى بنحو 400 مليون دولار من العجز المُسجّل طوال السنة الماضية من دون احتساب سندات اليوروبوندز.
يُعبّر العجز في ميزان المدفوعات عن أزمة التمويل بالعملات الأجنبية التي يواجهها لبنان. فهو ببساطة يشير إلى أن الأموال التي تخرج من لبنان هي أكثر من الأموال التي تدخل إليه، ما يؤدّي إلى استنزاف الاحتياطات بالعملات الأجنبية ويضغط على سعر صرف الليرة.
إلى ذلك، تبيّن الإحصاءات المتوافرة أن هذا المستوى القياسي من العجز لم يشهده لبنان يوماً، حتى في سنوات الحرب، وهو سياق مستمرّ منذ عام 2011، بحيث يقدّر العجز التراكمي بين عامَي 2011 وأيلول 2019، بنحو 22.5 مليار دولار (وفقاً للعجز الحقيقي المُسجّل أي من دون زيادة سندات الدين بالعملات الأجنبية)، وهذا ما يعني أن 88.2% من الفوائض المحقّقة بين عامي 2002 و2010، وتبلغ 25.4 مليار دولار، قد استُنزِفت.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

النهار
عون يحدّد مواصفات الحكومة والحريري يتقدّم الخيارات

بمعزل عما يمكن ان تخلّفه كلمة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون من تأثير، سواء على مجريات الازمة الكبيرة التي يجتازها لبنان أو على صعيد انتفاضة 17 تشرين الاول المستمرة في يومها الـ16 وعن "كشف الحساب" و"الجردة" اللذين قدمهما لنصف الولاية الرئاسية، فانها عكست في ملامحها العامة الى حدود بعيدة مدى التأزم الكبير الذي يحاصر الرئاسة والدولة والمؤسسات، خصوصاً في ظل استقالة الحكومة والتهيؤ لانطلاق الاتصالات والاستشارات لتكليف رئيس وزراء جديد في الايام القريبة.
وبدا واضحاً ان الرئيس عون الذي حرص على ابراز اهتمامه بمطالب المنتفضين كانعكاس مباشر لاستقالة الحكومة، حاول بقوة توجيه رسالة دافئة الى المنتفضين بالقول إنه يحتضن مطالبهم، كما رمى كرة المسؤولية في تسهيل عملية التكليف والتاليف المقبلة للحكومة في مرمى القيادات السياسية. وهما عاملان يجري رصد ترجمتهما بدءا من اليوم للتحرك بقوة نحو انجاز الاتصالات لتحديد مواعيد الاستشارات النيابية الملزمة تمهيداً لتكليف الشخصية التي تنال الاكثرية النيابية لتأليف حكومة، علما أن التأخير في اجراء الاستشارات ترك تداعيات تمثلت في انفجار الاحتجاجات ليل الاربعاء وصباح الخميس، كما ان الوسط المصرفي والاقتصادي كان يأمل في التعجيل في الاستشارات لاعطاء جرعة انعاش وامل في الحل عشية اعادة فتح المصارف اليوم، وان تكن هذه قداتخذت كل الاجراءات اللازمة لتلبية طلبات الزبائن وتبديد وطأة المخاوف لديهم.
وتجدر الاشارة الى ان ردود الفعل الفورية التي رصدت في ساحات الاعتصامات لم تكن ايجابية على كلمة رئيس الجمهورية، الامر الذي لم يفاجئ المراقبين نظراً الى ازمة الثقة التي تتحكم بالمنتفضين حيال رموز الدولة والسلطة، الامر الذي اشار اليه الرئيس عون بنفسه.
وكان رئيس الجمهورية، بعدما عدد في كلمته في الذكرى الثالثة لانتخابه ما اعتبره انجازات، تطرق الى موضوع الحكومة الجديدة، فدعا الكتل النيابية الى تسهيل ولادتها محذراً القيادات والمسؤولين من "ان استغلال الشارع في مقابل آخر هو أخطر ما يمكن ان يهدد الوطن وسلمه الاهلي"، وقال: "ان الاعتبار الوحيد المطلوب هذه المرة هو ان تلبي الحكومة طموحات اللبنانيين وتنال ثقتهم أولاً ثم ثقة ممثليهم في البرلمان، وان تتمكن من تحقيق ما عجزت عنه الحكومة السابقة بأن تعيد للشعب اللبناني ثقته بدولته، ولذلك يجب ان يتم اختيار الوزراء وفق كفاءاتهم وخبراتهم وليس وفق الولاءات السياسية أو استرضاء للزعامات، فلبنان عند مفترق خطير خصوصاً من الناحية الاقتصادية، وهو في أمس الحاجة الى حكومة منسجمة قادرة على الانتاج، لا تعرقلها الصراعات السياسية، ومدعومة من شعبها". وخاطب اللبنانيين الذين شاركوا في الاعتصامات ولا سيما منهم الشباب قائلاً: "على رغم كل الضجيج الذي حاول ان يخنق صوتكم الحقيقي ويشوش عليه ويذهب به الى غير مكانه، تمكنتم من ايصال هذا الصوت الذي صدح مطالباً بحكومة تثقون بها، وبمكافحة الفساد الذي نخر الدولة ومؤسساتها لعقود وعقود، وبدولة مدنية حديثة تنتفي فيها الطائفية والمحاصصة". وأضاف: "أمامنا واياكم عمل دؤوب لاطلاق ورشة مشاورات وطنية حول الدولة المدنية لاقناع من يجب اقناعه بأهميتها وضرورتها"، داعياً اياهم الى عدم السماح لاحلامهم وخياراتهم ان تتهاوى أمام توظيف من هنا واستغلال من هناك. وتعهد مع بدء النصف الثاني من الولاية الرئاسية، "متابعة الحرب على الفساد، والدفع باتجاه اقتصاد منتج، وبذل الجهود لاقامة دولة مدنية عصرية والتخلص من براثن الطائفية".
الاستعدادات للاستشارات
في غضون ذلك، لا تزال المشاورات في الكواليس وبين القوى السياسية تدور حول التأليف والاسماء ليتفق على التكليف واسم الرئيس الذي سيكلف. ولا يزال الرئيس سعد الحريري الاسم الذي يتقدم كل الصيغ الحكومية حتى اللحظة. وتجمع المصادر المواكبة لحركة الاتصالات على ان التركيز هو على صيغة الحكومة الرشيقة والمنتجة والتي توحي بالثقة، ولا يزال الطرح حكومة تقوم على فصل الوزارة عن النيابة وبرئاسة الحريري يتقدم اَي طرح آخر، لكنه يحتاج الى اجماع لم يتبلور بعد. وفِي اطار الاتصالات الناشطة بين القوى السياسية للاتفاق على التكليف والتأليف، لقاء وحيد خرج الى العلن هو ألدي ضمّ في "بيت الوسط" الرئيس الحريري ومعاون الرئيس نبيه بري الوزير علي حسن خليل على مدى ساعة ونصف ساعة، وسط تكتم شديد على المحادثات التي تخللته. وفهم من المصادر المواكبة ان البحث لا يقتصر على عملية التكليف بل خاض ايصاً في عملية التأليف وحتى في الاسماء. كما فهم ان "حزب الله" لا يقبل بحكومة تكنوقراط في هذه المرحلة الدقيقة والحساسة إقليمياً وداخلياً، الا ان حكومة مختلطة من تكنوقراط ومن سياسيين من غير النواب قد تشكل حلاً وسطاً تحتاج تفاصيله الى مشاورات في اكثر من اتجاه ولاسيما مع الحليف المسيحي اَي رئيس "تكتل لبنان القوي" الوزير جبران باسيل.
في هذا الوقت، لا يزال رئيس الجمهورية يتريث في تحديد موعد الاستشارات النيابية الملزمة لتكليف رئيس الوزراء المقبل. ومن وجهة نظر بعبدا، لا تأخير في هذه الاستشارات بمعنى التأخير، ففي الساعات الاخيرة لم تكن ثمة قدرة على تحديد الطرق المقفلة من الطرق المفتوحة.
وتقول المصادر المطلعة على موقف رئيس الجمهورية إن الحكومة العتيدة تأتي في ظروف استثنائية ويجب فسح المجال امام الكتل للاتفاق على اسم شخصية لتكليفها.
ولذلك يمكن القول إن توقيت الاستشارات مرتبط بالظرف الأمني العام الذي كان سائدا وبمشاورات الكتل النيابية.
تكليف وتأليف سريعان ؟
وتوضح المصادر أنه سيستفاد من هذا التوقيت في جولة مشاورات لاستشراف شكل الحكومة، لان الهدف ان يتم التكليف والتأليف سريعاً وان تختصر فترة تصريف الأعمال.
الى ذلك، أشارت مصادر وزارية متابعة لاتصالات قصر بعبدا الى أن رئيس الجمهورية سيدعو إلى الاستشارات النيابية الملزمة عندما يرى أنها لن تؤدي إلى شرذمة وضياع واستمرار الفراغ،إذ أن الرئيس عون يرى في عملية تصريف الأعمال فراغاً في ظل الأوضاع الأمنية والاقتصادية السائدة وقالت إن.
الرئيس يواصل مشاوراته من أجل تكليف شخصية تحظى بالأكثرية النيابية، وأن الرئيس الحريري هو من الشخصيات التي يقدرها الرئيس عون كما يقدر جهات سياسية أخرى أيضاً، وأن لا كلام حتى الأن لا عن شكل الحكومة ولا عن حددها.
وتخوفت المصادر من أجهاض مطالب الناس بعد تسييسها في الشارع،وأن تكون الاستقالة قد أدت إلى انقسام، مبدية ارتياحها الى يقوم به الجيش لفتح الطرق بعدما أزيلت الحواجز من وجهه.
ورجحت معلومات مصادر قريبة من "التيار الوطني الحر" مساء أمس ان تجرى الاستشارات بعد ظهر الاحد أو يوم الاثنين، استناداً الى ثلاثة احتمالات هي: تكليف الحريري مجدداً أو التفاهم معه على صيغة الحكومة والشخصية التي تتولى رئاستها أو من دون الحريري مع استبعاد الاحتمال الاخير.
وعلمت "النهار" ليل أمس ان كلاً من حركة "أمل" و"حزب الله" لا يزال متمسكاً باعادة تكليف الرئيس الحريري الى حد كبير، بينما الرئيس عون منفتح أكثر على التغيير. والى لقائه الوزير علي حسن خليل، علم ان الحريري التقى أمس للمرة الثانية في 48 ساعة نائب رئيس مجلس النواب ايلي الفرزلي. وتحدثت المعلومات عن عمل دؤوب يجري لتدوير الزوايا الحادة التي واكبت الاستقالة ومنها تهدئة الاجواء المتعلقة بما أثير عن توتر بين الحريري والوزير باسيل.
والتقى الحريري مساء في "بيت الوسط" الرئيس نجيب ميقاتي الذي اكتفى بالقول إن "موقفه معروف، وموقف رؤساء الحكومات السابقين الثلاثة واحد".
ولليوم الثالث استمر توافد الشخصيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والوفود الشعبية الى "بيت الوسط" من مختلف مناطق بيروت للتعبير عن تأييدهم لمواقف الحريري.


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الجمهورية 
عون يستأخِر الإستشارات.. وواشنطن تُجمِّد مساعدات عسكرية

بَدا رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون، وهو يوجّه رسالته في الذكرى الثالثة لانتخابه، كَمَن يتلو خطاب قسم جديد مشحون بالتطوّرات الجارية من الانتفاضة الشعبيّة إلى استقالة الحكومة، مُحدّداً مواصفات الحكومة الجديدة لتكون "منسجمة وقادرة على الإنتاج، ولا تُعرقلها الصراعات السياسيّة والمناكفات، ومدعومة من شعبِها"، وفق ما قال. وإذ لم يأت عون على ذكر الاستشارات الملزمة التي عليه أن يجريها لتسمية من سيكلفه تأليف الحكومة الجديدة، علمت "الجمهورية" انه يستأخِر الدعوة الى هذه الاستشارات في انتظار حصوله من مختلف الافرقاء على أجوبة حول الحكومة العتيدة رئيساً وشكلاً ومضموناً، فيما يعكف هؤلاء على مراجعة ما جرى تمهيداً لتحديد خياراتهم ازاء الحكومة العتيدة، في ظل انطباع مفاده انّ المرحلة ما تزال تفرض بقاء الحريري في رئاسة الحكومة بغضّ النظر عمّا سبق استقالته ورافقها وأعقبها من مضاعفات، فالواقع السائد هو واقع احتوائي وليس واقعاً يفرض الدخول في تصفية حسابات سياسية، وإنما يفرض الذهاب الى خطوات عملية لتجنيب البلاد خطر الانهيار المالي. وليلاً كشف مسؤولان اميركيان لـ"رويترز" عن تجميد الرئيس الأميركي دونالد ترامب مساعدات عسكرية بقيمة 105 ملايين دولار كانت مخصصة للبنان.
تحدّث عون في رسالته عمّا قامت به الحكومة المستقيلة من خطوات شاقة وإقرار لمشاريع وخطط مهمة، "ولكن مشكلتها كما سابقاتها انّ المقاربات فيها سياسية اكثر ممّا هي تقنية وتنفيذية، وشرط الاجماع الذي اعتمده البعض حال دون التوصّل الى الكثير من القرارات الضرورية".
وعن الحكومة الجديدة، دعا الكتل النيابية الى تسهيل ولادتها محذّراً القيادات والمسؤولين من "انّ استغلال الشارع في مقابل آخر هو أخطر ما يمكن ان يهدد الوطن وسلمه الاهلي"، وقال: "انّ الاعتبار الوحيد المطلوب هذه المرة هو ان تلبّي الحكومة طموحات اللبنانيين وتنال ثقتهم، ولذلك يجب ان يتم اختيار الوزراء وفق كفاءاتهم وخبراتهم وليس وفق الولاءات السياسية أو استرضاء للزعامات، فلبنان عند مفترق خطير، خصوصاً من الناحية الاقتصادية، وهو بأمسّ الحاجة الى حكومة منسجمة قادرة على الانتاج، لا تعرقلها الصراعات السياسية، ومدعومة من شعبها". ولفت الى انّ لبنان سيدخل بعد شهرين نادي الدول المنتجة للنفط، بعد ان أصرّ على إقرار الحكومة مراسيم استخراج النفط والغاز، ما سيؤمّن متنفّساً اقتصادياً على المدى الطويل.
وتوجّه عون الى اللبنانيين الذين شاركوا بالاعتصامات، ولاسيما منهم الشباب، قائلاً: "على رغم من كل الضجيج الذي حاول ان يخنق صوتكم الحقيقي ويشَوّش عليه ويذهب به الى غير مكانه، تمكّنتم من ايصال هذا الصوت الذي صَدح مطالباً بحكومة تثقون بها، وبمكافحة الفساد الذي نَخر الدولة ومؤسساتها لعقود وعقود، وبدولة مدنية حديثة تنتفي فيها الطائفية والمحاصصة".
وأضاف: "أمامنا وإيّاكم عمل دؤوب لإطلاق ورشة مشاورات وطنية حول الدولة المدنية، لإقناع من يجب إقناعه بأهميتها وضرورتها".
وعلى صعيد آخر، لم يبرز اي مؤشر حتى الآن الى عزم رئيس الجمهورية الدعوة الى الاستشارات النيابية الملزمة لاختيار الرئيس المكلف تشكيل الحكومة الجديدة، قبل انتهاء حركة المشاورات التي ستجريها الكتل النيابية والقوى السياسية بين بعضها البعض لتحديد خياراتها، حول مَن سترسو عليه التسمية في الاستشارات، وهو أمر يفترض ان يتبلور في الايام القليلة المقبلة، علماً أنه ثمة كلاماً عن انّ رئيس الجمهورية سيدعو يوم الاحد الى الاستشارات الملزمة لتبدأ الاثنين المقبل، إلّا انّ هذا الامر لم تؤكده دوائر القصر الجمهوري.
وفي هذا السياق، اكدت مصادر وزارية لـ"الجمهورية" انه حتى الآن لم يتم الدخول في أسماء المرشحين لتشكيل الحكومة، وهذا معناه انّ كل الخيارات مفتوحة، وانّ الحريري هو أحدها، إنما ليس خياراً نهائياً بعد.
ولفتت المصادر الى انّ المسألة معقدة لجهة التكليف والتأليف ايضاً، فالتكليف غير محسوم لأحد بعد، وامّا التأليف فهو يرتبط بشكل الحكومة التي لم يُتّفق عليه بعد، وكذلك مكونات هذه الحكومة التي لا يمكن ان تنطلق بإبعاد مكونات سياسية أساسية عنها، سواء أكان تيار "المستقبل" او غيره.
بري والحريري
وكان البارز أمس، التواصل المباشر بين رئيس مجلس النواب نبيه بري والحريري، عبر الوزير علي حسن خليل الذي زار الرئيس المستقيل لساعة ونصف.
وامتنع بري عن الخوض في تفاصيل اللقاء، إلّا انه اشار الى انه "بداية بحث، ويؤمل ان يتم الخروج من هذا الواقع وتشكيل حكومة في اقرب وقت".
وبحسب مصادر واكبت اللقاء، فإنّ الملف الحكومي كان الطبق الرئيس فيه، حيث عرض الحريري وجهة نظره ازاء التطورات التي أدت الى استقالته، وما أعقبها من ردود فعل على الارض، واستنكر "الخطوات الاستفزازية" التي قام بها مناصروه في بعض المناطق، مؤكداً عدم قبوله بهذه التصرفات، ومشدداً على انه في صَدد وَقفها نهائياً.
واكدت المعلومات انّ خليل لم يحمل معه الى الحريري طرحاً معيناً بل انّ الغاية الاساس من اللقاء كانت استشراف المرحلة المقبلة، من دون التطرق الى أسماء معينة مرشّحة لتوَلّي رئاسة الحكومة الجديدة، أو الدخول تفصيلاً في شكل الحكومة التي تتطلبها المرحلة.
وبحسب مصادر سياسية معنية فإنّ الحريري لا يبدو مُتهيّباً من خطوة استقالته، بل على العكس فإنه يعتبر انها كانت في موقعها كصدمة يجب اعتبارها ايجابية، ومن شأنها ان تؤدي الى تأليف حكومة انقاذية يحتاجها البلد اكثر من اي وقت مضى، فضلاً عن انّ هذه الاستقالة قد أمّنت له احتضاناً شعبياً متجدداً حوله، سعى كثيرون الى مصادرته، وخصوصاً في شارعه.
وقالت المصادر انّ الحريري ما زال يتحدث صراحة عن انّ الصيغة الحكومية السابقة لم تعد تصلح لمقاربة الازمة الداخلية الاقتصادية والسياسية وتعقيداتها، ولا يخفى في هذا الاطار "شكواه" من الوزير جبران باسيل.
معادلة
لكنّ مصادر عاملة على خط الاتصالات قالت لـ"الجمهورية" انّ التوجه العام لمقاربة الاستحقاق الحكومي الذي يناقش حالياً لدى "الثنائي الشيعي" و"التيار والوطني الحر" وتيار "المردة"، قد رَسا فيه النقاش على المعادلة الآتية: حكومة يترأسها الحريري تعني حكومة سياسية، وبالتالي سيتم تسمية سياسيين فيها يمثلون القوى السياسية. أما اذا كانت حكومة إنقاذ تتكون من وزراء تكنوقراط، فلا يفترض أن يترأسها الحريري.
"بيت الوسط"
ورفضت أوساط الحريري ليلاً التعليق على مضمون الرسالة الرئاسية، وقالت: "سيكون له تعليقه".
وعن اللقاء الذي جمعه بالرئيس نجيب ميقاتي، قالت هذه المصادر لـ"الجمهورية" انه "كان تتمة لزيارة الرئيسين فؤاد السنيورة وتمام سلام الى "بيت الوسط"، ولم يسمح له وقته ان يشاركهما فيها".
وأشارت الى انّ البحث تناول مختلف التطورات التي واكبت استقالة الحريري، وكل التوقعات إزاء المرحلة المقبلة. وقال ميقاتي بعد اللقاء: "موقفي معروف، وموقف رؤساء الحكومات السابقين الثلاثة واحد".
نصرالله
وفي المواقف من التطورات الجارية يتحدث الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصر الله الثانية والنصف بعد ظهر اليوم، في الاحتفال التأبيني الذي سيقام لمناسبة مرور أسبوع على رحيل العلامة المحقق السيد جعفر مرتضى، وذلك في مجمع "المجتبى". وسيتناول نصرالله في كلمته استقالة الحكومة، والظروف السياسية السائدة، وآفاق المرحلة المقبلة.
"القوات"
الى ذلك، قالت مصادر "القوات اللبنانية" لـ"الجمهورية" انّ تكتل "الجمهورية القوية" سيجتمع بعد ظهر اليوم في معراب وعلى جدول أعماله:
أولاً، مناقشة تطورات الوضع العام منذ "ثورة 17 تشرين" وما آلت اليه الاوضاع.
ثانياً، استقالة الحريري ودخول البلاد في مرحلة تكليف وتأليف وموقف "القوات" من التكليف والتأليف.
ثالثاً، تأكيد "القوات" دعمها لمطالب الناس و"الثورة الشعبية"، وكذلك تأكيدها وجهة نظرها القائلة بضرورة تأليف حكومة اختصاصيين لأنه لا يمكن إنقاذ الواقع الاقتصادي في لبنان من دون هذه الحكومة. وينتظر ان يصدر بعد الاجتماع موقف لرئيس التكتل الدكتور سمير جعجع.
وعن موضوع التكليف قالت مصادر "القوات" انّ "الأولوية لدى رئيس الحزب والتكتل أن يكون هناك برنامج أساسي للرئيس المكلف، وهو تشكيل حكومة من اختصاصيين لأنها الوحيدة القادرة على مواجهة التحديات الاقتصادية والمالية".
موقف فرنسي
وفي المواقف الدولية، وزّعت السفارة الفرنسية في بيروت أمس تصريحاً لوزير الخارجية الفرنسية جان إيف لودريان، قال فيه انه بعد استقالة الحريري "لا بدّ من الإسراع في تشكيل حكومة جديدة قادرة على إنجاز الإصلاحات التي تحتاج إليها البلاد، وذلك حرصاً على مستقبل لبنان".
وأضاف: "في سياق الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي يشهدها لبنان منذ أسابيع عدة، يَتعيّن على جميع المسؤولين السياسيين اللبنانيين إبداء روح من الوحدة الوطنية والمسؤولية بغية ضمان استقرار البلاد وأمنها ومصلحتها العامة. ومن هذا المنطلق، يجب القيام بكل ما يلزم من أجل الامتناع عن الأعمال الاستفزازية وعن ممارسة العنف، ومن أجل صَون حق المواطنين في التظاهر سلمياً. ويجب أن تبدأ كل القوى السياسية منذ الآن بتذليل العقبات أمام تشكيل حكومة جديدة قادرة على تلبية التطلعات الشرعية التي عبّر عنها اللبنانيون واللبنانيات، وعلى اتخاذ القرارات الضرورية لإنعاش الاقتصاد اللبناني. وتُعرب فرنسا عن استعدادها لدعم لبنان في هذا النهج، ضمن الإطار الذي حَدّده مؤتمر الأرز الاقتصادي (سيدر) من أجل تحقيق التنمية في لبنان عبر الإصلاحات وبمعيّة المنشآت. وتقف فرنسا إلى جانب لبنان في هذه المرحلة الحاسمة، كما فعلت دائماً".
عودة الزخم
وليلاً، أعادت كلمة رئيس الجمهوريّة الزخم إلى المحتجّين الذين عاوَدوا قطع الطرق التي كان الجيش والقوى الأمنيّة قد فتحاها صباحاً، وأبرز الطرق التي أُقفلت: جسر الرينغ على المسلكَين في بيروت، طريق صيدا عند تقاطع إيليا، أوتوستراد طرابلس والجيّة. فيما عمل الجيش ليلاً على فتح معظمها من دون حصول إشكالات، باستثناء تَدافع حصل بين القوى الامنية ومتظاهرين عند جسر الرينغ.
امّا في طرابلس، فتوجّه عدد من الشبّان والشابّات إلى بعض المؤسّسات العامّة ومكاتب المنطقة التربوية والمكاتب الرئيسيّة لشركتي الخلوي وسنترال الميناء وبعض المصارف، حيث أقفلوها وأجبروا الموظّفين على مغادرتها.
السوق المالية
وللمرة الاولى منذ نحو أسبوعين، تعود السوق المالية في لبنان الى العمل، مع اعادة فتح المصارف أبوابها امام الزبائن. ويترقّب المتابعون حجم الحركة التي ستشهدها المصارف ونوعيتها ليبنوا على الشيء مقتضاه. فهل ستكون هناك حال هلع وجنوح نحو سحب أكبر مقدار من السيولة، أو محاولات تحويل اموال الى الخارج، أم انّ الحركة ستكون مقبولة انطلاقاً من استقالة الحكومة الحالية، وإمكان تشكيل حكومة جديدة يمكن ان توحي بالثقة وتوقِف النزف المالي؟
والسؤال الأهم ما هي الاجراءات التي ستعتمدها المصارف للحَد من النزف المالي؟ وهل من قيود غير معلنة ستتضّح معالمها اليوم؟ وما هي تأثيراتها على الحركة المالية عموماً؟
الى التساؤلات المطروحة، من المؤكد أنّ المصارف ستشهد زحمة غير اعتيادية، ليس للراغبين في سحب المال فحسب، بل ايضاً للذين تأخّروا عن تسديد فاتورة أو سند أو استحقّت إيداعاتهم في خلال الاقفال ويرغبون في تغيير وضعية ودائعهم. وبالتالي، سيكون الضغط كبيراً على المصارف. وقد سجلت حملات لناشطين تحت عنوان "اسحبوا بس اللي عايزينو، الاقتصاد مسؤوليتنا"، في محاولة لعَقلنة سلوك المواطنين في اليوم الأول لإعادة فتح المصارف.
فوضى الأسعار
الى ذلك، تشهد الاسواق التجارية نوعاً من فوضى الأسعار، ربطاً بالسعر غير الرسمي للدولار في سوق الصيرفة. إذ يعمد التجار الى انتقاء التسعيرات التي تناسبهم، وتشهد أسعار السلع ارتفاعات بعضها غير منطقي وغير مُراقب، الأمر الذي دفع الى طرح تساؤلات عن سبب غياب مصلحة حماية المستهلك في هذه الظروف الدقيقة التي يحتاج فيها المواطن الى من يحميه من جشع الاستغلال الذي يقوم به بعض التجار.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


نداء الوطن 
الشارع يردّ بالعصيان وقطع الطرقات
عون يلوِّح بحكومة تكنوقراط تستبعد الحريري

على وقع استمرار الثورة متمثلة بتظاهرات وقطع طرقات متقطع في ارجاء مختلفة من لبنان زادت مع استقالة الرئيس سعد الحريري، وعلى وقع استمرار "الثنائي الشيعي" والتيار العوني في ترويج نظرية المؤامرة والصاق التهم بالثوار، تارة بتمويل مشبوه وطوراً بالتبعية للسفارات، جاءت كلمة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون امس في مناسبة انقضاء نصف ولايته لتعطي فكرة عن الحكومة التي يتوقعها أو التي تطبخ في الكواليس، ويرجح انها تستبعد الحريري في مقابل استبعاد وزير الخارجية جبران باسيل.
وجاء الرد سريعاً على كلمة الرئيس من الشارع الذي عبر عن موقفه بقطع الطرقات وحرق الاطارات من جديد خصوصاً في صيدا والبقاع الغربي وطرابلس والجية وبيروت.
وبدا الرئيس عون في كلمته التي بدأها بكشف حساب السنوات الثلاث العجاف نائياً بنفسه عن المسؤولية متبنياً مطالب الثورة في رفض الفساد وتحقيق السلطة القضائية والدولة المدنية وصولاً الى حكومة التكنوقراط، بل مغالياً في الاصلاحات الى حد التعهد بإقرار قانون موحد للأحوال الشخصية يعرف مسبقاً الاعتراضات الدينية وخصوصا الاسلامية عليه.
فأورد سلسلة من الانجازات تتعلق بالاستقرار الأمني ومحاربة الإرهاب وإقرار قانون انتخاب، لكنه استدخلها في حسابه وليس في حساب حكومات الحريري. وارتكب خطأ في شمل التعيينات بالإنجازات كونها كانت محاصصة وحزبية ومحسوبية بامتياز. وإذ ركز الخطاب على جردة الايجابيات، فإنه تناسى كل الصفقات التي كان فريقه وحلفاؤه والتسوية الرئاسية مسؤولين مباشرة عنها. وإذ لم ينس تحميل "التركة الثقيلة" والسياسات الاقتصادية المتراكمة عبء الأزمة الاقتصادية، (هي مسؤولية حريرية في ادبيات التيار)، فانه اغفل استمرار الهدر في الكهرباء المصدر الاساسي للعجز منذ شارك "التيار" في السلطة وفي السنوات الثلاث الأخيرة. كذلك ضرب صفحاً عن ازمة النفايات وعدم معالجة قضية الدين العام والحرائق التي كشفت فشل الدولة الشامل ناهيك عن استمرار الفلتان على المعابر ووهم معالجة قضية النازحين وعدم المبادرة الى مناقشة جدية للاستراتيجية الدفاعية.
لكن رئيس الجمهورية اعترف صراحة بالحراك وأحقية مطالبه. وأكد ان صوت الشباب وصل وأنه يتعهد "تشكيل حكومة تنال ثقتكم قبل ثقة البرلمان". وتفسير ذلك انه يناقض نظرية المؤامرة التي اطلقها الأمين العام لحزب الله ضد الثائرين ويسفِّه تياره السياسي الذي استنفر أجهزته الحزبية والاعلامية والوزارية والنيابية لتشويه مطالب الناس وسمعتهم وضرب محاولتهم تحصيل حقوقهم بالعيش الكريم ومطالبتهم بدولة محترمة. وهي خطوة استيعابية قوية من جانب المسؤول الاول في البلاد جاءت قاصرة لأن الرئيس لم يذكر اطلاقاً مطلباً اساسياً للحراك وهو اجراء انتخابات نيابية مبكرة.
وأعطى الرئيس عون اشارة الى نوع الوزارة التي يريد تشكيلها وحددها بحكومة "اصحاب خبرة وكفاءات" أي تكنوقراط، و"ليس وفق الولاءات والزعامات" اي انها لن تكون بوجوه حزبية وطائفية فاقعة ما يعني انها ستستثني المنتمين الى الأحزاب مباشرة على الأقل وعلى رأسهم صهره جبران باسيل الذي كان اكثر من استهدفه الحراك، وستكون "منسجمة" ما يمكن ان يوحي بحكومة تكنوقراطية قريبة من 8 آذار مطعمة بوجوه تلوذ بفلك هذا الفريق او لا لون لها تشبه الموظفين الذين يوالون من عيَّنهم.
وتوجه رئيس الجمهورية الى الكتل النيابية طالباً تسهيل ولادة الحكومة ورافضاً ان تتطور الأوضاع الى "شارع مقابل شارع" علماً ان فريقه يحضّر لحشد شعبي الاحد الى بعبدا لإظهار شعبيته وتجديد الولاء.
وقبل كلمة الرئيس عون كانت الاتصالات السياسية على قدم وساق بين اطراف الحكومة المستقيلة. ورجحت مصادر معنية بالاتصالات ألا تكون المداولات الجارية في الكواليس قد دخلت في تفاصيل تشكيلها استباقاً للاستشارات النيابية الملزمة التي سيجريها رئيس الجمهورية. وقالت المصادر لـ"نداء الوطن" إن لا تطور نوعياً على هذا الصعيد ولا سيما في ما يخص عقدة استبعاد الوزير باسيل.
واتفقت مصادر متطابقة على انه لم يتحقق اي خرق نوعي، وأن تقديرات معظم الذين يتولون التواصل بين الرئاسات الثلاث أن الرئيس عون يؤخر الاستشارات إلى ما بعد الحشد الشعبي الذي يقام الأحد في القصر الرئاسي. وذكرت هذه المصادر أن قيادة "التيار الحر" تريد توظيف هذا الحشد في مواجهة الحراك الشعبي، ولمصلحة إعادة توزير باسيل قبيل الاستشارات النيابية لتسمية رئيس الحكومة. وقالت إن فريق العهد يسعى لتكريس معادلة الحريري مقابل باسيل "وجئنا سوياً ونخرج سوياً" من الحكم.
في المقلب الآخر، ما زال الحريري على موقفه بوجوب قيام حكومة مصغرة تكنو – سياسية، لا تضم باسيل، كي لا تأتي صيغتها متجاهلة الحراك الشعبي ومطالبه. بينما بقيت الأسئلة حول موقف الرئيس عون و"حزب الله" من تسمية الحريري لتأليف الحكومة الجديدة.
وأوضحت مصادر مقربة من الحريري لـ "نداء الوطن" أن تكليفه تأليف الحكومة لن يكون سهلا عليه، لأنه سيمسك بين يديه كرتي نار هما الحراك الشعبي، والوضع الاقتصادي الصعب. وصيغة الحكومة العتيدة في حال جرى تكليفه، يفترض أن تعكس القدرة على إطفاء الكرتين.
ويضيف مقربون من الحريري أنه "إذا افترضنا عدم وضع عراقيل في التأليف، فإن هذا لا ينفي أن الحريري سيكون أمام مهمة معالجة اقتصاد ومالية متراجعة، ضاقت مهلة التصدي لهما، وأمام حركة شعبية غير مسبوقة في البلد، ما يجعل رئاسته للحكومة مسؤولية كبرى على عاتقه.


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الشرق
خطاب منتصف الولاية: تكرار الوعود

في الذكرى الثالثة لانتخابه، توجه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الى اللبنانيين بما يشبه "كشف حساب" بما التزم به في خطاب القسم، وما تحقق وما لم يتحقق وما زال يعمل على تحقيقه.
وعدّد الرئيس عون في رسالة وجهها الى اللبنانيين في الثامنة والنصف من مساء امس، ما تحقق على صعيد القضاء على الارهاب وخلاياه النائمة، واقرار قانون انتخابي جديد رغم كل الصعوبات المتراكمة، واجراء سلسلة تعيينات في مؤسسات الدولة والجيش والاجهزة الامنية والقضاء، وعودة المالية العامة لكنف الدستور وقانون المحاسبة العمومية، واصدار 3 موازنات بعد 12 عاماً على انقطاعها، واحالة موازنة 2020 الى المجلس النيابي ضمن المهلة الدستورية لاول مرة منذ زمن وبنسبة ضئيلة من العجز، ودون زيادة ضرائب على المواطنين، ورفض التسويات على الحسابات المالية بحيث اعيد تكوينها منذ العام 1993 الى اليوم واحيلت الى ديوان المحاسبة للتدقيق قضائياً بصحتها.
ولفت رئيس الجمهورية الى ان لبنان سيدخل بعد شهرين نادي الدول المنتجة للنفط، بعد ان اصرّ على اقرار الحكومة مراسيم استخراج النفط والغاز، ما سيؤمّن متنفساً اقتصادياً على المدى الطويل.
واشار الرئيس عون الى "بذل جهود كبيرة للمعالجات الاقتصادية لكنها لم تأت بالنتائج المرجوة بعد، فالخطة الاقتصادية الوطنية لا تزال بانتظار اقرارها، ومشاريع البنى التحتية التي سيتأمن تمويلها من الجهات المانحة في اطار مؤتمر "سيدر" مجمّدة، ومن المفترض ان تتحرك بعد استجابة الحكومة المستقيلة لمعظم الشروط الموضوعة، وصار هذا الملف الثقيل في انتظار الحكومة الجديدة التي يجب ان تضعه على السكة الصحيحة والسريعة".
وشدد رئيس الجمهورية على انه حمل ازمة النازحين السوريين الى المنابر العربية والدولية، وان لبنان "يدفع ثمن رفضه بشكل قاطع الضغوط المتواصلة لابقاء النازحين حيث هم لاستعمالهم في ما بعد ورقة ضغط عند فرض التسويات السياسية".
وتحدث الرئيس عون عما قامت به الحكومة المستقيلة من خطوات شاقة واقرار لمشاريع وخطط مهمة، "ولكن مشكلتها كما سابقاتها ان المقاربات فيها سياسية اكثر مما هي تقنية وتنفيذية، وشرط الاجماع الذي اعتمده البعض حال دون التوصل الى الكثير من القرارات الضرورية".
وعن الحكومة الجديدة، دعا الرئيس عون الكتل النيابية الى تسهيل ولادتها محذراً القيادات والمسؤولين من "ان استغلال الشارع في مقابل آخر هو اخطر ما يمكن ان يهدد الوطن وسلمه الاهلي"، وقال: "ان الاعتبار الوحيد المطلوب هذه المرة هو ان تلبي الحكومة طموحات اللبنانيين وتنال ثقتهم اولا ثم ثقة ممثليهم في البرلمان، وان تتمكن من تحقيق ما عجزت عنه الحكومة السابقة بأن تعيد للشعب اللبناني ثقته بدولته، ولذلك يجب ان يتم اختيار الوزراء وفق كفاءاتهم وخبراتهم وليس وفق الولاءات السياسية او استرضاء للزعامات، فلبنان عند مفترق خطير خصوصاً من الناحية الاقتصادية، وهو بأمس الحاجة الى حكومة منسجمة قادرة على الانتاج، لا تعرقلها الصراعات السياسية، ومدعومة من شعبها".
واكد الرئيس عون المضي في الحرب على الفساد "مهما كان الطريق شاقاً"، وكرر نداءه الى اللبنانيين بالضغط على النواب لاقرار القوانين التالية :"انشاء محكمة خاصة بالجرائم الواقعة على المال العام، انشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، استرداد الاموال المنهوبة، رفع الحصانات والسرية المصرفية عن المسؤولين الحاليين والسابقين وكل من يتعاطى المال العام"، بالتزامن مع قيام سلطة قضائية مستقلة وشجاعة ومنزهة، لافتاً الى ان التعيينات القضائية الاخيرة تضاف الى الجهود التي ستؤول الى قانون جديد للسلطة القضائية المستقلة.
وتوجه الرئيس عون الى اللبنانيين الذين شاركوا بالاعتصامات وخصوصاً منهم الشباب بالقول: "على الرغم من كل الضجيج الذي حاول ان يخنق صوتكم الحقيقي ويشوش عليه ويذهب به الى غير مكانه، تمكنتم من ايصال هذا الصوت الذي صدح مطالباً بحكومة تثقون بها، وبمكافحة الفساد الذي نخر الدولة ومؤسساتها لعقود وعقود، وبدولة مدنية حديثة تنتفي فيها الطائفية والمحاصصة". واضاف: "امامنا واياكم عمل دؤوب لاطلاق ورشة مشاورات وطنية حول الدولة المدنية لاقناع من يجب اقناعه بأهميتها وضرورتها"، داعياً اياهم الى عدم السماح لاحلامهم وخياراتهم ان تتهاوى امام توظيف من هنا واستغلال من هناك.
وتعهد الرئيس عون، مع بدء النصف الثاني من الولاية الرئاسية، بمتابعة الحرب على الفساد، والدفع باتجاه اقتصاد منتج، وبذل الجهود لاقامة دولة مدنية عصرية والتخلص من براثن الطائفية.