إصلاح الأمم المتحدة وقواعد السياسة الأميركية

إصلاح الأمم المتحدة وقواعد السياسة الأميركية

مات رفسنجاني فهل تهتز ايران؟
تركيا وبلاد الرعب!
الذكرى الـ104 : التركي ذبح الأرمن والسريان لأنهم وقفوا بوجه المشروع الطوراني

عادت قضية إصلاح “هيئة الأمم المتحدة” إلى أروقة الديبلوماسية الدولية، بعد إعلان الولايات المتحدة الأميركية عن تجديد البحث باقتراح زيادة عدد الأعضاء الدائمين في “مجلس الأمن”. وصرحت السفيرة ليندا توماس غرينفيلد، المبعوثة الدائمة لواشنطن في الأمم المتحدة، بأن حكومتها ترمي إلى “توسيع نفوذ العالم النامي في هذه الهيئة”، وجعل “المجلس”، المسؤول عن صون الأمن والسلم الدوليين، أقدر على “استيعاب الحقائق العالمية الحالية، ووجهات النّظر الأكثر تنوعاً جغرافياً”.

وكان الأميركيون قد عرضوا هذا الإقتراح أثناء الدورات السنوية الـ75 والـ76 للجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 2020 وفي عام 2021. وفي خطابه خلال الدورة الـ77 التي انعقدت في أيلول/سبتمبر 2022، قال الرئيس الأميركي جو بايدن، إن “بلاده تؤيد زيادة عدد الممثلين الدائمين وغير الدائمين للمجلس. ويشمل ذلك المقاعد الدائمة لتلك الدول التي دعمناها منذ فترة طويلة والمقاعد الدائمة لدول في أفريقيا وأميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي”.

لكن تاريخ هذه القضية يعود إلى بضعة عقود. فهي لم تكن أميركية يوما. لأن إصلاح الأمم المتحدة كان وما زال من بين الأهداف الطموحة لـ“دول عدم الإنحياز” و”جامعة الدول العربية” ودول “الإتحاد الإفريقي” وكذلك، بلدان أميركا اللاتينية، حيث طالبت أكبرها وهي البرازيل بزيادة عدد أعضاء مجلس الأمن وان تكون هي عضواً دائماً فيه. وهذه الكتلة الدولية، لديها رؤى إصلاحية متقاربة حول المشاركة في عمل مؤسسات هيئة الأمم المتحدة واتخاذ القرارات فيها، بصيغ فعالة وديموقراطية.

اصطدمت هذه الرؤى بتوازنات النظام الدولي وتحولاته. لأنها تمس بنفوذ الدول الكبرى الخمس التي يحق لكل منها تعطيل قرارات مجلس الأمن باستخدام حق النقض/ veto. بيد أن ما أعاق الإصلاح هي سياسة الولايات المتحدة الأميركية تحديداً، التي أرادت تسخير الأمم المتحدة لخدمة أهدافها أثناء “الحرب الباردة” (1949 ـ 1991) بينها وبين الإتحاد السوفياتي السابق (1917 ـ 1991). على غرار ما حصل في الحرب الكورية (1950 ـ 1953)، وما جرى ولا يزال يجري في الصراع العربي ـ الصهيوني والقضية الفلسطينية (1948 ـ …).

لقد استغل الأميركيون “انتصارهم” على السوفيات، لكسر التوازن الدولي الذي وفره النظام الثنائي القطب، واستبدلوه بنظام أحادي القطب هيمنوا عليه مع حلفائهم. فـ”القيادة الأميركية للعالم” لم تجر بالتصويت في الأمم المتحدة ولا باختيار أعضائها، بل فُرضت بالقوة الوحشية التي استخدمتها الجيوش الأميركية ـ الأطلسية في الحروب النظامية التي شنتها ضد دولة العراق ودولة يوغوسلافيا، لاحتلال أراضيهما وتدمير الكيان الإجتماعي ـ الدولتي للشعبين العراقي واليوغوسلافي، وكذلك ضد أفغانستان وفي الصومال. وهذه الحروب هي خلاصة “مبادئ”/ Doctrine الرؤساء الأميركيين المتعاقبين من جورج بوش الأب إلى جو بايدن.

لقد استغلت الولايات المتحدة انهيار خصمها الأوراسي، لتثبيت “ما يُسمّى النظام الليبرالي الدولي، ومن ثم قيادته من خلال مؤسسات متعددة الجنسيات كالأُمم المتحدة ومنظمة التّجارة العالميّة وصندوق النقد الدّولي”، والإستقواء على مختلف دول العالم، خصوصاً الدول الضعيفة في آسيا وإفريقيا وأميركا اللاتينية. ما أثار الحركات المضادة للعولمة، في مواجهة العولمة / mondialisation الرأسمالية التي تماهت مع الأمركة. ولذلك، أصبح إصلاح الأمم المتحدة عنواناً لرفض النظام الدولي الأحادي القطب، الذي تحتكر منافعه الرأسمالية الأورو ـ أميركية، ويكرس “تفوق إسرائيل”، فيما يهمش بقية دول العالم.

ولئن كان لدى النظام السياسي الأميركي أي رؤية إصلاحية إلى أوضاع الأمم المتحدة، كما تزعم إدارة بايدن، اليوم، لكان هذا النظام قد طبقها، آنذاك، بعد “انتصاره” على العدو الجيوسياسي الأول (1991)، بحيث يصير  توازن القوى الدولي داخل الأمم المتحدة، أكثر عدلاً ونفعاً لمصالح مختلف الدول والأمم. لكن الأميركي وجد أن تفكك “العدو السوفياتي” هو “الفرصة السانحة” لإعلان قيام “نظام دولي جديد” تقوده واشنطن، ويفرض إرادتها على كل دول الأمم المتحدة، بالغصب والإكراه والعقوبات والتهديد وبالحرب.

إن النظرية الأميركية الرجعية، بكل تأكيد، في شأن التعامل مع هيئة الأمم المتحدة ومكانة أعضائها ودورهم في إدارة الشؤون العالمية، مكتوبة بأبلغ معنى، بقلم الرئيس الأميركي السابق ريتشارد نيكسون، في كتاب “الفرصة السانحة” الذي نشره في عام 1992، بعد عام واحد على تفرد واشنطن بـ”القيادة العالمية”. وقد لخصها بالقاعدة الإستراتجية الآتية : “تعمل الولايات المتحدة من أجل مصالحها الخارجية مع الأمم المتحدة أو بدونها”. ومن ذلك الحين تطبق الإدارات الأميركية هذه القاعدة بحذافيرها.

إن ما يقترحه بايدن بلسانه أو بلسان سفيرته توماس غرينفيلد بشأن إصلاح الأمم المتحدة، لا يشير إلى أدنى تغير في الخصائص الإمبريالية الرجعية للنظام السياسي الأميركي وأهمها خاصية الهيمنة الدولية وخوض حروب الهيمنة. فهذه المقترحات الإصلاحية، ظاهراً، هي مناورات ديبلوماسية وسياسية، يلجأ إليها الأميركيون لمعالجة معضلة نقص القوة اللازمة للإستمرار بالهيمنة الشاملة على الأمم المتحدة ومؤسساتها وعلى الكثير من دول العالم.

ولا يعزى تراجع القوة الأميركية، اليوم، إلى العوامل الخارجية، وأهمها نمو القوى التكنوـ إقتصادية المنافسة للولايات المتحدة في أوراسيا وأميركا اللاتينية، وحسب. وإنما يعزى إلى ضعف إنتاجية الولايات المتحدة المادية في المجالين المدني والعسكري، حتى باتت عاجزة عن تحمل “عبء القيادة” أيضاً. وقد تسبب هذا الضعف بـتداعي نفوذها الذي كان منتشراً في العالم، نتيجة الخوف من القوة الأميركية. ولا يعني دخول أميركا مرحلة العجز المادي ـ السياسي تخليها عن سياسات الهيمنة الإمبريالية، أي تبديل الطبيعة الرجعية للنظام الأميركي.

إذن، إن تقمص إدارة بايدن لبوس المصلحين لشؤون الأمم المتحدة وأمورها، يأتي في سياق البحث الأميركي الدؤوب عن خريطة جديدة لتقسيم معسكرات الحلفاء والخصوم في “عالم ما بعد أميركا”، لكي يستمروا في “قبول” هيمنة واشنطن في ظروف تدهور قوى الدولة الأميركية. مع أن واقع العالم المعاصر، والواقع العربي المعاصر، يحفلان بالشواهد الكثيرة التي تبرهن أن السياسة الخارجية الأميركية في عهد بايدن، ما انفكت تقوم على القاعدة الإستراتيجية ذاتها، التي صاغها ريتشارد نيكسون قبل نيف وثلاثين عاماً، وهي أن واشنطن “تعمل من أجل مصالحها الخارجية مع الأمم المتحدة أو بدونها”.

ونعاين أقرب هذه الشواهد في إدارة الأميركيين لـ”الأزمات الدولية” التي يفتعلونها في فلسطين المحتلة ولبنان والعراق وسوريا ومصر والسودان والصومال، وفي أوكرانيا وجنوب القوقاز، ومع روسيا ومع الصين، ومع إيران، وعند مثلث كوبا ـ نيكاراغوا ـ فنزويلا، وكذلك مع حلفائهم في الإتحاد الأوروبي، الذين يكتوون بنيران “الميدان الأوكراني” المشتعل في “دارهم”، وينتظرون انفجار “أزمة دولية” في البلقان، بينما أميركا وبريطانيا مكتفيتان بإلقاء الحطب في النار.

هيئة تحرير موقع الحقول
‏الإثنين‏، 08‏ ذو الحجة‏، 1444 الموافق ‏26‏ حزيران‏، 2023

COMMENTS