فنانة من عُمان : نادرة محمود تفكّك الواقع حتى التجريد

إعدام أنطون سعادة : رياض الصلح والمطران مبارك “تعاملوا” مع الصهاينة، وحاولوا اتهام الزعيم القومي بذلك
“اسرائيل” ـ “أكراد العراق” : تحالف سري بين “كيان الإنفصال” و”كيان الإحتلال” ضد العرب و…إيران؟
السودان “بعد الثورة” : عودة 6 آلاف شاب من “اسرائيل” ويطالبون الحكومة باعادة أموالهم المصادرة!

على تلة مرتفعة تشرف على بحر مسقط أقامت الفنانة العمانية نادرة محمود محترفها التشكيلي. فهي جارة الشمس والبحر، وعاشقة حديقة صغيرة تشكل الفسحة التي ترتاح اليها في جلسات القهوة والرسم والتخييل في فضاء الفن.
عندما طلبت منها أن أتعرف الى محترفها كانت مرحبة وراغبة في أن أرى صنيعها الفني، فهي، في الأساس، تتأرجح بين عزلة تمارسها عندما تنقطع للفن عن الحياة وعلاقات تحرص على تمتينها لتبقى منفتحة على العالم الذي تتنفس منه فنها وتتجدد به.

لا أخفي أني فوجئت إذ عرفت فنانة من الجيل الأول للتشكيل العماني مصرة على أن تكون تجريدية حتى النفس الأخير، وقد مزجت بين الحداثة العربية متمثلة بشاكر حسن آل سعيد، والغربية متمثلة بالفنان الاسباني الذي رحل من شهور، أنتوني تابييس، من دون أن تقلد أياً منهما. ويظهر أن نادرة التي تقدس عزلتها للرسم عشقت السفر وزيارة المتاحف والتعرف الى الشعوب والحضارات، وقد سمح لها وضعها الميسور تقريباً بأن تزور دولاً أوروبية وشرق آسيوية، لا سيما الصين وكوريا، إضافة إلى أنها عاشت في العراق ولبنان والأردن وزارت معظم الدول العربية، متنقلة بين متاحفها ومحترفات فنانيها.
قبل زيارة المتحف كانت أعمال نادرة محمود أمامي كيفما تنقلت في صالات فندق كونتيننتال في مسقط، وفي ردهاته وممراته، أثناء إقامة محترف مسقط الدولي للفن المعاصر. أكثر من مئة لوحة ومنحوتة لها تحتل الجدران الأساسية للفندق، على سبيل الإعارة. كنت أتنقل بين أعمالها مستغرباً هذا التوجه نحو التجريد والتشكيل المعاصر المنفتح على التقنيات المختلفة والمتداخلة.

أمام المحترف مجموعة من المنحوتات شكلت حديقة فنية. أشكال تغلب عليها الاسطوانية، تبدو كأنها جذوع أشجار مقطوعة وما هي كذلك، فالفنانة بعيدة كل البعد عن التصوير الواقعي وإن تماهت مع روح الطبيعة أحياناً ورسمت وجوهاً في مراحلها الأولى، بل هي تفكك الواقعي لتعيد بناءه مجرداً. وقد رأينا كيف تقطع مقاعد مشغولة بحبال بلاستيكية لتستخدمها في لوحة. تأتيها الأفكار من حيث لا نحتسب ولا تحتسب، فكل شيء قابل ليكون في لوحة، المسامير والبراغي وقطع الخشب والشرائط المعدنية والجلد، بالإضافة إلى المواد اللونية والعجائن والكثير من الأشكال التي قد تكون مبتذلة أو مشغولة لاستخدامات أخرى فتحوّل استخدامها.

الأعمال منتشرة بين طابقين، تحشر فيهما أعمالاً منتهية وموقعة وأعمال العديد من الفنانين العرب، وقد تفاجأت بوجود حوالى عشرين عملاً للشاعر والفنان أدونيس، اشترتها من أحد معارضه، إضافة إلى أعمال للبهجوري والسيوي ومصريين آخرين. وفي منزلها رأينا أعمالاً للبناني بول غيراغوسيان وأحد أبنائه ولور غريب.

وننتقل إلى مبنى مجاور للمحترف وقد تحول هو الآخر إلى مستودع، لكثرة الأعمال الموجودة في محترفها الأساسي. ولعل وجود الكم الكبير من الأعمال لفنانين عرب ناتج عن علاقتها بأصحابها من خلال «غاليري رواق»، التي كانت تديرها، وهي أول غاليري للفن التشكيلي في العاصمة العمانية، عرضت فيها لفنانين كبار أمثال شاكر حسن آل سعيد ومحمد فتاح الترك وفاتح المدرس وآخرين، واستمرت في العمل فيها بين العامين 1993 و2005، لتتفرغ بعد ذلك كلياً للفن، وهي من العاملين بكد ساعات طويلة من النهار. أشارت نادرة إلى المكان الذي ترسم فيه، وهو باحة أمام المحترف مفتوح على الحديقة وتلال مسقط والبحر.

لا يستغرب المتنقل بين أعمال نادرة في المحترف طغيان اللون الأبيض، ذلك أنه اللون الذي يرافقها وهي تتنقل في شوارع مسقط المحاطة بأبنية كلها بيضاء، كأن هذا اللون يتوافق مع النظافة التي تتمتع بها المدينة من جهة، ومع رد أشعة الشمس الحارقة لنصف سنة على الأقل، كذلك تستخدم اللون البني القريب من ألوان التلال المحيطة بها.
نادرة محمود غريبة في بلدها وفنها وسلوكها.. لكنها أليفة أحياناً.

COMMENTS