«الإعلام الجديد» .. نظرة على المستقبل

«الإعلام الجديد» .. نظرة على المستقبل

“حال الأمة الإفريقية” و”الحاجة إلى تقدم نظري مفاهيمي” (حلمي شعراوي)
“مسار تصادمي” : الجيش الأميركي يشرف على “البيزنس الأسود” ونهب الآثار في سوريا !
ماذا يأمل المواطنون اللبنانيون من الحكومة الجديدة؟

إعصار الميديا
«إن إدارة شبكة إخبارية تعمل على مدار 24 ساعة، فى أحسن الظروف، يشبه المشى وسط إعصار من الدرجة الثالثة».. هكذا شبه جون كلين الذى أدار شبكة سى إن إن الأمريكية فى الفترة من 2004 إلى 2010 كيفية إدارة المؤسسة الإعلامية الضخمة. ولا ينطبق هذا الكلام فقط على «سى إن إن» بل يتسع مجاله ليضم مؤسسات إعلامية سواء كبيرة أو متوسطة أو حتى ناشئة. فالسؤال كيف يمكن التكييف وسط كم هائل من التحديات التى لا تنتهى بداية من الانحياز السياسى مرورا بمزاج الجمهور المستهدف وأخيرا استغلال الذكاء الصناعى الذى لجأت إليه الكثير من المؤسسات الإعلامية؟

ولا تشهد «سى إن إن» حاليا أفضل أوقاتها، فهى تتراجع على وقع سلسلة من الأزمات الطاحنة التى تشهدها، فللمرة الثانية خلال أقل من 15 شهرا، يبحث ديفيد زاسلاف الرئيس التنفيذى لشركة «ديسكفرى» التابعة لوارنر برذارز عمن يشغل أكبر وظيفة فى الإعلام الأمريكي: رئيس شبكة «سى إن إن» الإخبارية، وهو البحث الأصعب عن شاغل لهذه الوظيفة الكبيرة. وفى المرة الأولى، قرر زاسلاف اختيار كريس ليخت مدير البرامج الذى أعاد الحياة لعدد من البرامج سواء الخفيفة أو السياسية على شبكتى «سى بى أس» و«إم أس إن بى سى»، ليصبح رئيسا لسى إن إن فى أبريل 2022.

وبعد إقالة ليخت فى بداية يونيو الماضى، بدأ زاسلاف فى البحث عن شخص لا يمتك فقط «السحر الإدارى» أو الكاريزما لإدارة 4 آلاف شخص يعملون فى الشبكة الإخبارية العالمية، ولكن أيضا أن يكون مؤهلا للعمل فى هذه الوظيفة. وسيتعين على الرئيس الجديد للشبكة أن يتولى قيادة طاقم من الموظفين القلقين والمحبطين فى وقت تتعرض فيه الشركة وصناعة التليفزيون بشكل عام لضغوط مالية شديدة.

فشركة «ديسكفرى وارنر برذارز» مثقلة بالديون، بحوالى 49٫5 مليار دولار كجزء من عملية الاندماج التى حدثت العام الماضى بين عملاقى صناعة الترفيه «ديسكفرى» و«وارنر برذارز». وتشعر الشركة بعبء التراجعات فى الصناعة بشكل عام سواء تراجع الإعلانات أو الدخل من اشتراكات التليفزيون، وهو ما ضغط على «سى إن إن» على الرغم من أن الشبكة مازالت تدر أرباحا كبيرة إلا أنه ليست المحددة كهدف. ومع ذلك، فإن ظروف مغادرة ليخت للشبكة بعد تراجع معدلات المشاهدة والأخطاء البرامجية جعل من الصعب العثور على رئيس جديد.

وبشكل مؤقت يدير سى إن إن ثلاثة مديرين تنفيذيين، هم: آمى إنتيليس وفيرجينيا موسلى وإريك شيرلينج. وفى رسالة طمأنة للموظفين، حدد المديرون الثلاثة مهمتهم فى مذكرة: «إزالة الحواجز والمشتتات التى جعلت وظيفتك أكثر صعوبة، وإعادة التركيز على العمل الذى لا مثيل له الذى تنتجه كل يوم، وتقديم خطوط اتصال مفتوحة ومنتظمة للتأكد من الشعور بالاستفادة والمشاركة فى طريقنا إلى الأمام». وبغض النظر عن مدى كفاءة المرشح للمنصب، فإن رئيس سى إن إن القادم سوف يواجه ضغطا واسع النطاق يواجه صناعة التليفزيون بشكل عام، إلى جانب مشكلات شبكته التى تعانى بشدة من تراجع عدد المشاهدات، حيث انخفض عدد المتابعين بمقدار الثلث خلال 2022، وهى ظاهرة يقول بعض المراقبين إنها تعكس تراجع شهية المستهلكين للأخبار بعد سنوات الازدهار فى عهد الرئيس السابق دونالد ترامب.

وتعانى شبكات أخرى تابعة لديسكفرى من نفس الظاهرة مثل «إتش جى تى فى» و«أنيمال بلانت»، فقد ألغى المشاهدون اشتراكاتهم، وهو اتجاه يشهد تزايدا متسارعا. بينما يتدافع المدراء التنفيذيون للشبكة للتعويض عن تراجع أعمالهم التليفزيونية من خلال بناء عروض البث الخاصة بهم، أغلقت ديسكفرى خدمة البث لسى إن إن التى بلغت تكلفتها 100 مليون دولار بعد شهر واحد فقط من التجربة.

ويرى المحللون أن الوسائط الإعلامية لديسكفرى، بما فيها سى إن إن، لا تزال تحقق الكثير من الأرباح التى يمكن أن تسدد ديون الشركة الأم. كما أن الشركة تراهن على خدمات البث لقناة «ماكس» التى أظهرت تراجعا فى الخسائر على العكس من «ديسكفرى بلس» و«إتش بى أو ماكس»، وهو ما أعطى زاسلاف بعض المرونة المالية. وحذر أندرو هيوارد، الرئيس السابق لشبكة سى بى إس نيوز، من فكرة اعتبار أن سى إن إن هى عقار متضرر وبحاجة ماسة إلى إصلاح شامل.

وليست «سى إن إن» وحدها التى تعانى، فهناك هيئة الإذاعة البريطانية «بى بى سى» التى احتفلت بذكرى تأسيسها المائة فى 18 أكتوبر الماضى. يأتى ذلك فى الوقت الذى تواجه فيه المؤسسة منافسة متزايدة من أجل الجماهير من مقدمى خدمات الترفيه العالميين مثل «نتفليكس»، ومخاوف بشأن استدامة تمويلها وسوق إخبارى عالمى شديد التنافسية. حتى التجارب التى كانت واعدة فى عالم الإعلام مثل «فايس» و«بازفيد» تعرضت لانتكاسة بسبب التنافسية الشديدة وخسائرهم الفادحة فى زمن الكورونا حتى تراجعت قيمتهم السوقية إلى مستويات غير متوقعة.

رشا عبد الوهاب، صحفية عربية من مصر
منشور في الأهرام، الإثنين 22 من ذي الحجة 1444 هــ 10 يوليو/حزيران، 2023

COMMENTS