البناء
في المتاهة الحكوميّة لا جديد، حيث تقف الحكومة في عنق الزجاجة، حيث لا تقدّم ولا قدرة على التراجع، فأصحاب التكليف الذين تمثلهم قوى الغالبية النيابية برؤى متعدّدة، مختلفون في ما بينهم، لكنهم متفقون على الاختلاف مع الرئيس المكلف، أو على الأقل فإن قوتين رئيسيتين ورئاسيتين من الغالبية يمثلهما رئيسا الجمهورية ومجلس النواب في موقف يتمسّك بحكومة تكنوسياسيّة كما يؤكد الرئيس نبيه بري أو سياسيّة مطعّمة باختصاصيين، كما قالت مقدّمة نشرة قناة الـ»أو تي في» التي تعبّر عن موقف العهد والتيار الوطني الحر، بينما الرئيس المكلف متمسك بصلاحياته، وبتصوّره للحكومة الجديدة، وليس بوارد الاعتذار ولا الرضوخ، كما تقول مصادر متابعة، فيما بقي حزب الله على اتصال بالحليفين الرئيسيين في حركة أمل والتيار الوطني الحر وبالرئيس المكلّف في محاولة للوصول إلى تفاهم على مخرج، ويفترض أن تظهر نتائج هذا المسعى خلال الساعات المقبلة.
واعتبر السيد نصرالله أن «ما حصل في قاعدة «عين الأسد» صفعة أولى وخطوة قوية ومزلزلة على طريق طويل للردّ على الجريمة الأميركية، موضحاً أن الصواريخ وصلت إلى قلب القاعدة وأصابت أهدافها. ولفت الى أن قرار الردّ على أميركا يعبّر عن شجاعة وجرأة منقطعة النظير، ويثبت الشجاعة الإيرانية في الوقوف بوجه أميركا وضرب قاعدة لها بالصواريخ. كما أوضح أن الضربة كشفت عن حقيقة القدرة العسكرية الإيرانية، حيث نفذت بصواريخ إيرانية الصنع وبخبرات ايرانية، كما أنها تعني أن كل قواعد أميركا في المنطقة تحت مرمى الصواريخ الإيرانية رغم عدم استخدام القوات الايرانية للصواريخ الأكثر دقة، مشدداً على أن الضربة «هي رسالة لـ»إسرائيل» أيضاً بأن تأخذ التهديدات الإيرانية بجدية، حيث طال القصف الصاروخي الإيراني عين الاسد في العراق لكن العزاء كان في الكيان الصهيوني».
وأكد السيد نصر الله بأن ضربة عين الأسد كسرت هيبة أميركا وانضبّ جنودها ووقفوا على رجل ونصف، وأن ذهاب ترامب إلى العقوبات من دون الردّ هو بسبب القوة الإيرانية». وأعلن أن الساحة الثانية الأكثر أولوية والمعنيّة بالردّ هي الساحة العراقية حيث ارتكبت أميركا جريمتها، ولأنها استهدفت الحاج أبو مهدي المهندس، مشدداً على أنه «إذا لم يخرج الأميركي من العراق فإن الشعب العراقي وفصائل المقاومة هم مَن يقرروا كيف يتمّ التعامل مع قوات الاحتلال». وأوضح أن على الأميركيين في الأيام والأسابيع والشهور المقبلة أن يخرجوا جنودهم وضباطهم وبوارجهم وأن يرحلوا من المنطقة، وأنه ليس هناك حل آخر إلا بالرحيل أفقياً بعد أن جاؤوا عمودياً، مؤكداً أن «مسألة خروج الأميركيين مجرد وقت». وأضاف أن «الإدارة الأميركية ستدفع الثمن غالياً ولن تمرّ هذه الجريمة وتنسى»، قائلاً هم «يقولون إن العالم بعد سليماني أكثر أماناً ونحن نقول لهم إنهم سيكتشفون خطأهم بالدم، وإن العالم بعد استشهاد سليماني سيكون مختلفاً ولا مكان فيه للمستبدّين». ولم يشِر السيد نصرالله الى عمليات انتقامية في لبنان لعدم وجود قوات عسكرية أميركية فيه.
واعتبرت مصادر مطلعة لـ»البناء» أن «خطاب السيد نصرالله جاء استمراراً لمواقف وخطابات قيادات محور المقاومة من الإمام الخامنئي الى المسؤولين في القيادة الإيرانية الى المسؤولين في العراق واليمن وسورية وفصائل المقاومة الفلسطينية»، ومشيرة الى أن «السيد نصرالله أبرز دور قاسم سليماني في تحرير الجنوب وانتصار تموز وتحرير الجرود اللبنانية من الإرهاب وكذلك تحرير العراق وسورية من الإرهاب وتعزيز قدرة الصمود في فلسطين للإشارة الى أهمية الدور الإيراني في دعم دول وحكومات وشعوب ومقاومات دول المنطقة، بعكس الأميركيين الذين دمروا المنطقة»، وترى المصادر أن الأهمية في خطاب السيد تكمن في أن محور المقاومة دخل الى مرحلة جديدة من المواجهة الطويلة مع أميركا». ويرجّح خبراء عسكريون لـ»البناء» أن تبدأ فصائل من المقاومة العراقية بشن عمليات عسكرية متنوّعة على القوات الأميركية في العراق من عمليات استشهادية وكمائن وقنص وعبوات ناسفة وصواريخ على الجنود والآليات والمراكز والقواعد العسكرية الأميركية».
ولم يتطرق السيد نصرالله الى الشأن الحكومي، إلا أن كلامه أوحى أنه سيكثف إطلالاته لمواكبة تطورات المنطقة، بحسب مصادر مراقبة، فيما لم يرَ حزب الله أن الملف الحكومي قد بلغ من التعقيد ما يدفعه للدخول على خط الوساطة بين المؤلفين، إذ لا يزال هناك متسع من الوقت لإخراج الحكومة من عنق الزجاجة لا سيما أن المهلة لم تتعدّ الثلاثة أسابيع التي حددها الرئيس المكلف، إلا أن مصادر «البناء» تشير الى أن تطورات اليومين الماضيين لا توحي بالإيجابية بل تتجه الى السلبية مع تمسك الأطراف السياسية المشاركة بالحكومة بمطالبها وشروطها، ما يوحي بأن أمد التأليف سيطول ما يُنذر بتداعيات كبيرة على المستويين المالي والاقتصادي بدأت ملامحه تلوح بارتفاع سعر الدولار الى 2500 ليرة والمرشح للقفز الى 3 آلاف ليرة لبنانية، بحسب خبراء اقتصاديين إذا ما استمرّ الوضع على ما هو عليه.
وعلمت «اللواء» ان النائب جميل السيّد تحرَّك باتجاه طرفي الأزمة، لإعادة فتح قنوات اتصال بين الرئيس المكلف والوزير باسيل، الذي أصرَّ علي الحصول على 5 وزراء لتكتل لبناني القوي، ووزيرين لرئيس الجمهورية أي 7 وزراء من أصل 18 وزيراً..
وكان الوزير السابق كريم بقرادوني المقرب من بعبدا هاجم الرئيس المكلف.
جمود ولا مبادرات
في الاثناء، بدا واضحاً ان تجاهل الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله، لمجرد الإشارة إلى الموضوع الحكومي، وللمرة الثانية في غضون أسبوع يعني ان الحزب لا يريد الدخول في حرب الصلاحيات التي اندلعت بين الرئاستين الأولى والثالثة، حول مسألة التأليف، أو في التجاذب الحاصل بين الرئاسة الثانية والرئيس المكلف لتشكيل الحكومة، حول حكومة «لم الشمل»، ما يعني أيضاً ان عملية التأليف دخلت في مرحلة الجمود القاتل، وإذ لا حل لحلحلة المواقف المبدئية لكل من الرؤساء المتصارعين على شكل الحكومة ومضمون وظيفها لهذه المرحلة، سوى بتدخل فاعل من قبل الحزب، لدى حلفائه، الا انه لا يبدو حتى الآن ان الحزب في وارد المبادرة، أقله لكي لا يغضب حليفيه، سواء رئيس الجمهورية أو رئيس المجلس اللذين لا يبدو انهما منسجمين في موضوع التأليف، بل فقط على حكومة تكنو-سياسية، ولا سيما بالنسبة لمحاولات «التيار الوطني الحر» الاستئثار بكل الحصة المسيحية، ما دفع برئيس تيّار «المردة» سليمان فرنجية إلى التأكيد بأنه لن يرضى بوزير واحد، بل يطالب بوزيرين، لاحدهما حقيبة الاشغال، علماً ان تلويح الرئيس برّي، بعدم المشاركة في الحكومة، والاكتفاء بمنحها الثقة، يُمكن ان يستتبعه قرار مماثل من الحزب بالامتناع عن دخول الحكومة، وبالتالي سيصبح الغطاء الطائفي والمذهبي لحكومة دياب حتى ولو تشكّلت بالتكنوقراط مفقوداً، وهو ما لا يريده الحزب الذي قدم كل التسهيلات لتأليف حكومة، بما يرضي الرئيس المكلف.
وفي تقدير مصادر مطلعة، ان اندلاع حرب الصلاحيات الرئاسية في تشكيل الحكومة، لا مبرر لها سوى محاولة الأطراف السياسية تحقيق بعض الشروط في التشكيل، وهو ما يراه الرئيس المكلف محاولة للتأثير على خياراته في التأليف، ولذلك عاد في بيانه منتصف ليل الجمعة إلى استخدام عبارة «ان رئاسة الحكومة ليست مكسر عصا»، ما دفع وزير الدولة لشؤون رئاسة الجمهورية سليم جريصاتي للرد عليه في اليوم التالي، معتبرا ان «رئيس الجمهورية ليس ساعي بريد أو صندوق اقتراع في عملية التكليف والتسمية، وليس مجرّد موثق بتوقيعه لوثيقة تأليف الحكومة».
سجال دياب – جريصاتي
ومع ان الرئيس ميشال عون، وكذلك الرئيس دياب أقرّ كل منهما للآخر بعدم تجاوز صلاحياته الدستورية في تشكيل الحكومة، فإن بيان منتصف الليل للرئيس المكلف أصاب أكثر من رئيس ومرجع سياسي، بما يطال أيضاً رئيس المجلس.
وقالت مصادر مطلعة على موقفه لـ«اللواء»: ان الرئيس المكلف هدف في بيانه الى تذكير كل القوى السياسية بالمعايير التي وضعها للتشكيل ووافقت عليها هذه القوى، ومنها عدم اختيار وزراء من الحكومة السابقة التي اسقطها الشارع وليس وزراء من الحكومات السابقة. وانه ملتزم بهذه المعايير وبناء عليها سيشكل حكومته، وللاخرين ان يوافقوا او يرفضوا. ولذلك اراد التذكير ان رئاسة الحكومة ليست مكسر عصا، تفرض عليها القوى السياسية ماتريد ومن تريد».
لكن مصادر مطلعة على رد الوزير جريصاتي أكدت ان ردّه ليس على الرئيس دياب وحده بل هو ردّ عام ايضا لتذكير الجميع بأن لرئيس الجمهورية صلاحية واسعة ايضا في تشكيل الحكومة بحسب المادة 53 من الدستور. استغربت المصادر دفاع الرئيس دياب عن موقع رئاسة الحكومة وهو لم يصبح بعد رئيسا للحكومة ولا يصبح بموجب الدستور رئيسا للحكومة الا بعد صدور مرسوم تكليفه وصدور مرسوم تشكيل الحكومة رسمياً! وتساءلت: فلماذا يعتبرها مكسرعصا، ومن اعتبرها اصلاً مكسرعصا؟ ومن تهجم على الموقع وعلى صلاحياته؟
وقالت المصادر: هناك أزمة اقتصادية واجتماعية خانقة والعناد ليس هو الحل، ويفترض بالرئيس المكلف الانفتاح والتعاون اكثرمع رئيس الجمهورية والتشاور معه من اجل التوافق سريعاً على تشكيل الحكومة، وطالما رئيس الجمهورية غير راضٍ عن التشكيلة فلن ترى الحكومة النور. هذا هو المنطق الدستوري والسياسي.
ولاحظت المصادر، انه منذ صدور بيان الرئيس المكلف ورد جريصاتي لم يطرأ أي جديد، وهناك جمود في ملف التأليف، خاصة وان كل طرف باق على موقفه لجهة اصرار دياب على حكومة اختصاصيين من 18 وزيرا وتوزير دميانوس قطار في حين ان الرئيس بري يتحدث عن حكومة تكنوسياسية من دون شروط .
ولفتت الى ان الرئيس عون اعتبر ان المرحلة تفرض العودة الى حكومة تكنوسياسية ولكن في اعتقاده ان هناك حاجة الى حكومة محصنة قادرة على مواجهة التطورات ولاسيما الأقليمية التي استجدت، بعد اغتيال قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني.
وعلمت «اللواء» ان الرئيس عون طلب من الرئيس المكلف اعادة النظر بالصيغة الأولية التي ارسلها له في التشكيلة الحكومية ولم يحصل اي تواصل باستثناء مساء الجمعة قبيل صدور بيانه، حيث دار الحديث حول امكانية البحث بحكومة تكنوسياسية عن طريق زيادة عدد من الوزراء على الحكومة المقترحة، فصدر بيان الرئيس المكلف والرد فيه وفي اليوم التالي رد الوزير جريصاتي .
وافادت المصادر ان محركات التأليف جامدة، اما موضوع تصريف الأعمال ينتظر عودة الرئيس الحريري كي يصار الى تصرف الأعمال لاسيما في المواضيع الأساسية التي تتطلب قرارات وتحدثت المصادر عن سعاة خير في الملف الحكومي يجرون المشاورات دون معرفة اذا كانت ستنجح في احداث خرق في حائط الجمود الحكومي.
وفي السياق، أفادت محطة O.T.V الناطقة بلسان التيار الوطني الحر ان موقفاً نوعياً متقدماً لتكتل «لبنان القوي» سيعلن عنه غداً الثلاثاء بعد اجتماعه برئاسة الوزير جبران باسيل، وان هذا الموقف سيأتي نتيجة متابعة لما جرى في الأسابيع والأيام الماضية، في إشارة إلى الأسابيع التي استغرقتها حتى الآن عملية تشكيل الحكومة.
لكن أوساط تيّار «المستقبل» ردّت على الدعوات المتتالية إلى تفعيل حكومة تصريف الأعمال وتحميلها تبعات المرحلة الاقتصادية والسياسية، بالقول بأن هذه الدعوات يفترض ان تركز على تأليف الحكومة من المعنيين بتأليفها وإصدار مراسيم تشكيلها، معتبرة ان «رمي الكرة في ملعب حكومة تصريف الأعمال خطوة في الاتجاه الخطأ، لأن الملعب الحقيقي موجود حيث يتقرر مصير الحكومة العتيدة وليس في «بيت الوسط».
فضيحة «بجلاجل»
ولاحظت المصادر، أيضاً، ان السجال الذي دار بين وزارتي الخارجية والمالية، على خلفية فضيحة فقدان لبنان حقه في التصويت على قرارات الأمم المتحدة بسبب تأخره في دفع مساهمته المالية في موازنة الأمم المتحدة، ضاعفت من «البهدلة» التي تعرض لها لبنان الذي كان من مؤسسي هذه المؤسسة الدولية، وزادت من «الشرخ» بين مرجعيتي الوزارتين، خصوصاً وأنهما تجنبتا الكشف بوضوح عمن يتحمل مسؤولية هذا الإهمال والتقصير، واكتفيتا بتبادل الاتهامات من دون ان يتضح من هو المسؤول، الخارجية لتقاعسها عن تذكير المالية، أم لأن المالية صرفت اعتماد المساهمة المالية، من دون ان تنتبه لمواعيد الاستحقاقات، وفي كلتا الحالتين، فإن الاتهام يفترض ان يصيب الوزارتين معاً وليس طرفاً واحداً، حتى لو قالت الخارجية انها قامت بواجباتها وانهت المعاملات ضمن المهلة القانونية، وتأكيد المالية انها لم تتلق أي مراجعة أو مطالبة بتسديد أي من المستحقات المتوجبة لأي جهة.
واللافت ان مندوبة لبنان الدائمة في الأمم المتحدة أمل مدللي، حاولت التحفيف من وطأة الفضيحة، رغم ان المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك صنف لبنان من ضمن الدول العشر الفاشلة ووضعه إلى جانب افريقيا الوسطى وجزر القمر وغامبيا وليسوتو والصومال وفنزويلا واليمن وغيرها، وهو في حدّ ذاته أمر مُعيب ولا يليق بسمعة لبنان ودوره، وأعطى انطباعاً بأن دولته غائبة عن القيام بواجباتها الأساسية في ظل تقاذف المسؤوليات بين الوزارتين المعنيتين.
وقالت مدللي في اتصال مع تلفزيون LBCI ان الموضوع يحل ببساطة (كذا) وان وزير الخارجية جبران باسيل «أخبرها ان الأموال ستدفع غداً (اليوم) وعند وصولها سيرفع الحظر عن لبنان»، لافتة إلى ان «حجم الموضوع ليس كما يأخذه البعض في لبنان».
وأشارت إلى «أننا سندفع الاشتراك غداً (اليوم) وسنقول لهم تأخرنا بسبب الأوضاع في لبنان»، لافتة إلى ان «كل الأمور تعود إلى مجراها (اليوم) والثلاثاء سيعقد جلسة وسنشارك خلالها بالتصويت».
صلاحيات استثنائية للحاكم
في غضون ذلك، برز إلى الواجهة، بحسب ما اشارت إليه «اللواء»، طلب حاكم مصرف لبنان رياض سلامة صلاحيات استثنائية للبنك المركزي من أجل حماية مصالح المودعين والعملاء، وللحفاظ على الاستقرار النقدي والمصرفي، وذلك تطبيقاً لما تمّ الاتفاق عليه مع الرئيس عون عندما زاره سلامة يوم الجمعة الماضي، حيث طلب إليه رئيس الجمهورية، إرسال كتاب بهذا المعنى إلى وزير المال في حكومة تصريف الأعمال علي حسن خليل، فإذا وافق عليه يحال الكتاب إلى رئاسة مجلس الوزراء لتوقيعه، ومن ثم يُصار إلى توقيعه من قبل رئاسة الجمهورية، وتصدر هذه الصلاحيات بمرسوم.
لكن مصادر مطلعة، لاحظت ان الرئيس عون لم يرد ان يتحمل مسؤولية الموافقة على منح الحاكم سلامة صلاحيات استثنائية، خاصة وأن خبراء اقتصاديين رأوا في ما يطالب به سلامة فعلياً هو منحه صلاحية تحويل الـ«كابتال كونترول» إلى اجراء شرعي، رغم ان الموضوع يحتاج إلى قانون، وتهدف هذه الصلاحية إلى تحقيق غايات ثلاث: تنظيم السحوبات والتحويلات وكيفية اجرائها، وإلغاء استنسابيتها، وتنظيم مشكلة الاستيراد وتحديد السلع التي يتوجّب على المصارف فتح اعتمادات لها.
ولفت هؤلاء إلى ان إعطاء غطاء قانوني لهذه العملية يحول دون ملاحقة المصارف قانونياً في لبنان والخارج، وصولاً إلى حجز أموال بعض المصارف في الخارج.
وكانت مطالبة الحاكم بهذه الصلاحيات قد حال دونها التخوف من وقف إرسال المغتربين وغيرهم من المودعين اموالاً إلى لبنان، وهو الأمر الذي أصبح واقعاً، بالإضافة إلى توقيف المصارف المراسلة خطوط الائتمان للمصارف اللبنانية، الأمر الذي أصبح واقعاً ما منح للحاكم مجال المطالبة بالصلاحيات الاستثنائية.
وتساءل خبراء آخرون عن توقيت رسالة سلامة التي جاءت بعد المعلومات عن تدفق المليارات إلى خارج لبنان، وهم يتخوفون على رغم تأكيد الحاكم ان لا نية لديه باتخاذ إجراءات إضافية، من ان تؤدي قراراته إلى حماية رؤوس أموال المصارف وتحويل المودع إلى الخاسر الأكبر.
ومساءً أكّد الحاكم سلامة، انه لم يذكر في أي لحظة من مقابلته التلفزيونية الأخيرة، ان المصارف يمكن ان تحول الودائع لديها والتي هي بالدولارات إلى الليرة اللبنانية، مشيراً إلى ان «تصريحه كان واضحاً بما يتعلق بالاوراق النقدية ان الإلزام القانوني للمصارف هو إلزام لتسديد هذه المبالغ النقدية وبالليرة اللبنانية، وان ما تقوم به المصارف اللبنانية بتسديد مبالغ بالدولار الأميركي هو خدمة تقدمها ولا اعتراض لي عليها».
ولوحظ ان النائب عن حركة «أمل» هاني قبيسي هاجم الحاكم بقوة واتهمه بالتواطؤ مع المصارف.
مالياً أيضاً، اكد رئيس لجنة المال والموازنة النائب ابراهيم كنعان ان مشروع موازنة العام ٢٠٢٠ خرج بصيغته النهائية من لجنة المال والموازنة بتخفيض ٨٠٠ مليار ليرة بموافقة وزارة المال، مؤكدا ان اقرار الموازنة في الهيئة العامة للمجلس النيابي في الجلسة التي من المرتقب ان يدعو اليها رئيس المجلس نبيه بري اخر الشهر الحالي ضروري لتضمنها إجراءات استثنائية تعتمد للمرة الأولى وتريح الناس مالياً وإقتصاديا كضمان الودائع ووقف التعقبات للقروض المدعومة المتعثرة.
وشدد كنعان في حديث للlbci على ان «اقرار الموازنة يضبط الانفاق ويمنع العودة الى فوضى القاعدة الاثني عشرية»، مشيرا الى انه وبنتيجة تراجع الايرادات منذ ١٧ تشرين الاول ٢٠١٩ ارتفع العجز الى حدود ٤٣٠٠ مليار ليرة، ولكن هذا الرقم عرضة للتبدل صعودا او تراجعا وفقا للتطورات السياسية وانعكاساتها، والمطلوب ان يدفع لبنان استحقاقاته واهمها في اذار المقبل، علما ان التمويل في ظل الاوضاع الراهنة صعب وقال «لذلك نحتاج الى تثبيت اوضاعنا سياسيا وشعبيا بما يسمح بوقف الانهيار والانطلاق بالحلول المطلوبة».
الحراك يجدد نشاطه
إلى ذلك، سجلت في أوساط الحراك الشعبي نشاطات جديدة لتجديد شبابه، بعد مرور قرابة 90 يوماً على الانتفاضة الشعبية، وبدا ذلك من خلال التظاهرة الحاشدة التي انطلقت من الدورة باتجاه برج حمود مروراً بالجميزة وجمعية المصارف وصولاً إلى ساحة النجمة، حيث اعتصم المتظاهرون لبعض الوقت امام أحد مداخل مجلس النواب، للتأكيد على ضرورة الإسراع في تأليف حكومة تكنوقراط مع الرفض لتأليف الرئيس دياب بتشكيل هذه الحكومة.
وتزامنت هذه التظاهرة مع عودة التظاهرات إلى شوارع مدينة طرابلس، ومن ثم اجتمعت ليلاً في ساحة عبد الحميد كرامي، في استعادة لمشهد الحشد في الأيام الأولى للانتفاضة.
ومساء أمس، عمد المحتجون إلى قطع جسر «الرينغ» مقابل برج الغزال بالاتجاهين، مع إبقاء مسرب باتجاه الأشرفية سالكاً، بعدما كان المتظاهرون تجمعوا امام مدخل مجلس النواب في شارع بلدية بيروت لساعات قبل ان ينقسموا إلى مجموعات انطلقت إلى عدد من المناطق ومنها الرينغ.
وانتشر على مواقع التواصل الاجتماعي شريط فيديو يظهر إصرار سائق سيّارة على المرور خلال اعتصام المتظاهرين على جسر الرينغ، واصيب أحد الشبان برضوض نتيجة إصرار السائق على المرور رغم منعه من قبل المحتجين.
ولم يخل تحرك الشبان من إشكالات حصلت بينهم وبين النائبين سامي فتفت وطارق المرعبي في أحد مطاعم الجميزة، ومع النائب السابق اميل رحمة في الأشرفية، لكنهم لم يطلبوا منه مغادرة المقهى.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وتقول مصادر متابعة إن قرار "أمل" و"التيار الوطني الحر" انما يهدف الى الضغط على الرئيس المكلف لحمله على الاعتذار، وهو ما يصر دياب على عدم الرضوخ له، رافضاً الفكرة. وقد بدأ أكثر من فريق سياسي البحث عن فتاوى قانونية تجيز سحب التكليف منه، في ظل تخوف من ردة فعل سنية قد تتحول الى التضامن معه من باب عدم التعرض للموقع السني الأول، وهو ما لمح اليه دياب في بيانه قبل يومين عندما أكد رفضه تحويل رئاسة الوزراء "مكسر عصا". الى ذلك، يبرز التباعد كبيراً بين الحركة والتيار في النظرة الى ما بعد دياب، إذ يطمح الرئيس نبيه بري الى إعادة الرئيس سعد الحريري الى السرايا، فيما يرفض الوزير جبران باسيل الأمر، ما يعزز امكانات استمرارالفراغ مدة اطول، مع التداعيات الخطرة المتسارعة ولا سيما على الوضعين المالي والاقتصادي.
ويراقب المتابعون بحذر الاجراءات المالية والمصرفية، خصوصاً بعد الكتاب الذي طلب فيه حاكم مصرف لبنان رياض سلامه من وزارة المال صلاحيات استثنائية للمركزي لاتخاذ اجراءات موحدة بين المصارف وتنظيم عملها للحدّ من القلق السائد لدى المودعين. وقد برز أمس موقف لافت لنائب حركة "أمل" هاني قبيسي اتهم فيه مصرف لبنان وحاكمه والمصارف بالمشاركة في ما اعتبره "جريمة فرض عقوبات على لبنان"، إذ قال: "يريدون بقاء هذا الوطن في دوامة وهذه الدوامة فيها تهديدات كثيرة وأبرزها الواقع الاقتصادي المتردي الذي يشارك من يتآمر على هذا الوطن في تدميره. من الداخل هناك المصارف والمصرف المركزي وحاكمه، جميعهم يشاركون في جريمة فرض عقوبات جديدة على لبنان، ونحن نعي ان الغرب فرض عقوبات على لبنان بسبب انتمائه للمقاومة، ولكن ان تعمد بعض المؤسسات الداخلية لايصال العقوبات الى كل بيت بمحاصرة الاموال والودائع فهذا غير مقبول، ونعتبره مشاركة في المؤامرة التي تنفذ عبر مصرف لبنان والمصارف طمعاً بالربح وكي يقع لبنان في أتون الفوضى وهذا ما لن نسكت عليه".
من جهة أخرى، إستعادت ساحات الانتفاضة الشعبية بريقها في نهاية الأسبوع، بعد انحسار موقت فرضته عوامل مختلفة، واتباع طرق جديدة في مسيرة المنتفضين.
وتعرض شبان لوزير الاشغال يوسف فنيانوس في مجمع تجاري في ضبيه، وأخرجوه عنوة من المكان. كذلك اشتبكوا مع عمال مطعم في الاشرفية كان النائب طارق المرعبي يتناول فيه الغداء.
وكان مئات اللبنانيين تظاهروا السبت تحت شعار "لن ندفع الثمن"، في مسيرة راجلة من مستديرة الدورة مروراً بطريق برج حمود الداخلية وصولاً الى مار مخايل حيث وقفة أمام مؤسسة كهرباء لبنان، فالجميزة ووقفة أخرى أمام مقر جمعية المصارف، ثم الى محيط ساحة النجمة، حيث انضم المشاركون فيها الى المنتفضين احتجاجاً على تجاهل السلطة مطالب الحراك، ورفضاً لاستهتارها بكرامة الناس وتكليف حسان دياب واستمرار "منطق المحاصصة".
وفي طرابلس وعكار وصيدا والبقاع عاود المنتفضون حركتهم، وتوعدوا بالمزيد في الأيام المقبلة رفضاً للتدخل السياسي الفاضح والتقاسم المخزي في عملية تأليف الحكومة، واستمرار العمل السياسي على ما كان قبل الانتفاضة.
ينطلق الاسبوع على جمود واضح في مسار التأليف، من دون ان يطرأ اي جديد على مواقف الاطراف المتباينة حتى الآن حول شكل الحكومة، بين فريق يريدها تكنوقراط كلياً، وفريق يصرّ على تشكيل حكومة تكنوسياسية.
وقالت مصادر معنية بملف التأليف لـ"الجمهورية"، انّ "الامور ما زالت جامدة عند مربّع السلبية الذي وصلت اليه الاسبوع الماضي، ولم تسجل نهاية الاسبوع اي اتصالات بين القوى المعنية"، مرجّحة ان تُستأنف هذه الحركة خلال الايام القليلة المقبلة، "ولكن حتى الآن يمكن القول انّ ملف التأليف ما زال يراوح في نقطة الصفر".
ووصفت المصادر نفسها حال ملف التأليف الحكومي راهناً، بأنّه "اشبه بلعبة تقاذف الكرة، بين الرئيس المكلّف حسان دياب، الذي يصرّ على حكومة تكنوقراط، وفق القواعد والمعايير التي اعلن عنها في بيانه الاخير، أي لا وجود لسياسيين او حزبيين فيها، كما لا وجود لوزراء من حكومة تصريف الاعمال، وبين فريق التكليف ويتصدّره رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي حدّد خياره النهائي بعدم المشاركة بحكومة تكنوقراط، او حكومة تفتقد المعايير التي كانت متّبعة، وتتضمن إخلالاً بالتوازنات أو اكثريات لأطراف معينة داخل الحكومة، بما يجعل هذه الحكومة رهينة لها، وتعمل وفق مشيئتها.
وفيما تصرّ اوساط الرئيس المكلّف على مضيّه في المسار الذي رسمه لنفسه لدى تكليفه تشكيل حكومة تعكس صورته "التكنوقراطية"، وانّ المجال الزمني مفتوح امامه لبلوغ هذه الغاية، لأنّ التكليف ليس محدداً ودستورياً، بمهلة زمنية، اكّدت مصادر فريق التكليف لـ"الجمهورية" إستحالة تشكيل حكومة "تكنوقراط"، لأنّ الظروف الداخلية والاقليمية تحتّم الوصول الى حكومة بحجمها، محصّنة باختصاصيين وسياسيين، وأنّ الكرة اليوم في ملعب الرئيس المكلّف. واستغربت المصادر "إصرار بعض الاطراف السياسية على السعي للحصول الى اكثر من الثلث المعطّل داخل الحكومة"، متسائلة: "ما هي الحكمة من المطالبة بهذا الامر ضمن حكومة يشكلّها فريق واحد".
كذلك استغربت استبعاد "الحراك الشعبي" عن الحكومة ومحاولة بعض الاطراف مصادرة تمثيله، مشيرة في هذا المجال الى موقف رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية، الذي اصرّ في حال استبعاد الحراك نهائياً، على الحصول على حقيبتين وزاريتين وإلّا فإنّه سيكون خارج الحكومة.
دياب ينتظر اجوبة
وسط هذه المواقف عكست أجواء قصر بعبدا هدوءاً على جبهة التأليف الحكومي نهاية الأسبوع، ولم تسجل الساعات الفائتة اي جديد في انتظار ان تستعيد الإتصالات زخمها اليوم بعدما غاب الوسطاء عن المشهد.
وتحدثت مصادر الرئيس المكلّف عن جمود في الإتصالات منذ البيان الذي أصدره منتصف ليل الجمعة ـ السبت الماضي، ولم تشهد دارته في تلة الخياط اي لقاءات ملفتة، وذلك في انتظار أجوبة ينتظرها من رئيس الجمهورية حول مسودة التشكيلة الوزارية، التي كان سلّمه ايّاها في لقائهما الثلثاء الماضي، والتي ادخلا تعديلات عليها. لكن رئيس الجمهورية، وضمن صلاحياته الدستورية، استمهل دياب لدرسها ومن ثم ابلاغه موقفه النهائي، وهو ما لم يتبلّغه الأخير بعد.
وكشفت مصادر مطلعة لـ"الجمهورية"، انّ الإتصالات انقطعت نهائياً منذ يوم الثلثاء الماضي بين عون ودياب والوزير جبران باسيل، وكذلك مع عين التينة، خصوصاً انّ سلسلة المواقف الأخيرة التي اطلقها بري الاربعاء الماضي فرملت الجهود المبذولة على كل المستويات وتعطلّت لغة الكلام المؤدي الى استكمال المساعي لإقفال التركيبة بتسمية آخر الوزراء الإختصاصيين المرشحين لتأليف الحكومة، بعدما انحصرت المساعي بتسمية إثنين او ثلاثة وزراء وابرزها وزارة الطاقة.
وفي هذا الإطار، قالت أوساط قريبة من مطبخ التأليف، انّ الموقف المنتظر الذي يعلنه تكتل "لبنان القوي" بعد اجتماعه الأسبوعي غداً، سيبنى عليه كثيراً حيال مستقبل العلاقة بين دياب والتكتل.
وعلمت "الجمهورية" انّ الموقف الذي سيتخذه التكتل غداً سيكون من شقين: الاول، الاعلان عن انّه لن يتعاطى في الشأن الحكومي ولن يشارك في اي حكومة. والثاني توجيه انتقادات شديدة الى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في ضوء مواقفه الاخيرة، والطلب منه أن يكشف علناً عن حسابات الذين هرّبوا اموالهم الى الخارج.
بيت الوسط
على صعيد آخر، قلّلت مصادر "بيت الوسط" عبر "الجمهورية" من اهمية البناء على عودة رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري الى بيروت في الساعات المقبلة. وقالت، انّ عودته لا تعني إحياء لحكومة تصريف الأعمال، وانّ الورشة المطلوبة هي لتشكيل الحكومة الجديدة لكي تتحمّل مسؤولياتها في مواجهة التطورات على كل المستويات، واي حديث عن إحياء الحكومة المستقيلة لا يمكن الرهان عليه في مثل الظروف التي تعيشها البلاد.
"حزب الله"
الى ذلك، فوجئت الأوساط السياسية أمس بخلو خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، في ذكرى اسبوع اللواء قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، من اي إشارة الى الملف الحكومي.
وقالت مصادر وزارية تواكب التأليف الحكومي لـ"الجمهورية"، انّ "مواقف "حزب الله" الأخيرة لا تشير الى أنّه على استعداد لأي مبادرة يمكن ان يقوم بها في ظل انشغاله بالملف الإقليمي في هذه المرحلة بالذات. فما فرضته عملية اغتيال سليماني غيّرت من اولوياته في هذه المرحلة، على رغم اصراره على الإسراع في تشكيل الحكومة وحاجته الى الإستقرار.
"القوات"
وفي السياق، قالت مصادر "القوات اللبنانية" لـ"الجمهورية"، انّ "التطورات والاحداث في الاسابيع المنصرمة أظهرت واكّدت اربعة امور اساسية وهي:
أوّلاً، انّ الثورة مستمرة، والرهان على تعب الناس ليس في محلّه، لأنّ الناس القلقين على مصيرهم والناس الجائعين، لن تخرج من الشارع ولن تمنح ثقتها إلّا للحكومة التي ترى بأنّها قادرة على اخراج لبنان من ازمته المالية والاقتصادية.
ثانياً، انّ الواقع المالي والاقتصادي يواصل الانزلاق من سيئ الى أسوأ. وانّ هذا الوضع لا يمكن فرملته وإعادة لبنان الى الاستقرار إلاّ من خلال حكومة قادرة على ان توحي بالثقة للمستثمرين في الداخل والخارج.
ثالثاً، انّ الدول الغربية والعربية غير مستعدة لمساعدة لبنان قبل أن يساعد نفسه. والدليل انّ أيّاً منها لم تقف الى جانب لبنان، على رغم من انّ لبنان معروف انّه محتضن لدى المجتمعين العربي والدولي، لأنّ المشكلة ليست في الخارج بل في الداخل، والخارج اصبح على إقتناع راسخ وتام بأنّه لن يساعد طبقة حاكمة تستفيد من هذه المساعدة لجيوبها وليس لمصلحة البلد.
رابعاً، إنّ الاكثرية الحاكمة التي تؤلّف الحكومة غير قادرة على الاتفاق في ما بينها، ما يعني أنّه يجب العودة الى الاسس والجذور والخط الوطني المطلوب، والى ما يريده الناس ومتطلبات الأزمة وسبل معالجتها، وبالتالي من غير المفيد وضع الرؤوس في الرمال والتعالي والاستكبار على الواقع القائم، ولا يفيد في شيء الإصرار على تأليف حكومة من لون واحد وموزعة الحصص فيها بين فريق واحد. فهي لن تعطي النتيجة المطلوبة لا لجهة الناس المصرّين والمتمسّكين بحكومة اختصاصيين مستقلّين بعيدة عن الحكومة السياسية، ولن تضع حداً للتدهور المالي والاقتصادي، ولن تستطيع ان تنتزع ثقة الخارج. وما نشهده اليوم من خلافات سيتواصل بوجوه مختلفة، وبالتالي ستسقط الحكومة عاجلاً ام آجلاً وفق ما يُسرّب حول هندستها الحالية".
وأكّدت المصادر، انّ "القوات اللبنانية" تتمّسك بحكومة الاختصاصيين المستقلين بعيداً عن الحكومة السياسية"، محذرةً "من عدم الإسراع في تشكيل هذه الحكومة لأنّ البلد لم يعد يتحمّل، وقد بدأنا نرى مشاهد فوضى في اكثر من مكان ما يُنذر بكوارث لا يفيد تجاهلها بشيء ومعالجتها لا تكون بالقطعة".
صلاحيات سلامة
على المستوى المالي والاقتصادي، لفت أمس الطلب الذي تقدّم به حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الى الحكومة عبر وزارة المال، للحصول على صلاحيات استثنائية لتوحيد الإجراءات والقيود التي تتخذها المصارف حيال المودعين.
واشار سلامة في كتابه، الى أنّ "تطبيق هذه القيود أدّى في مناسبات متعددة إلى إجحاف بحقوق بعض العملاء ولا سيما لجهة المقاربة غير المتساوية مع عملاء آخرين".
وقد أثار طلب سلامة مخاوف من أن تكون الصلاحيات الاستثنائية المطلوبة مقدّمة للقيام بخطوات اضافية على مستوى اجراءات مطلوبة، بالإضافة الى حماية المصارف من احتمال قيام دعاوى قضائية في وجهها بما أنّ القيود التي تضعها ليست مقوننة حتى الآن.
وفي السياق، أوضح سلامة لوكالة "رويترز"، أنّه طلب الصلاحيات الاستثنائية من الحكومة "لتنظيم القيود التي طبقّتها المصارف العاملة في البلد على المودعين وتوحيدها لضمان تطبيقها بشكل عادل ومتساوٍ على البنوك والعملاء". وأكّد أنّه لا يسعى من خلال الكتاب الذي أرسله الى وزير المال لاستخدام الصلاحيات الاستثنائية في إحداث إجراءات جديدة.
من جهة ثانية، أكّد رئيس لجنة المال والموازنة النائب ابراهيم كنعان، في حديث تلفزيوني، أنّ "مشروع موازنة 2020 خرج بصيغته النهائية من لجنة المال والموازنة بخفض 800 مليار ليرة بموافقة وزارة المال"، مؤكّداً أنّ "إقرار الموازنة في الهيئة العامة للمجلس النيابي في الجلسة المرتقب ان يدعو إليها رئيس المجلس نبيه بري، ضروري لتضمنّها إجراءات استثنائية تُعتمد للمرة الأولى وتريح الناس مالياً واقتصادياً، كضمان الودائع ووقف التعقبات للقروض المدعومة المتعثرة".
وشدّد على أنّ "إقرار الموازنة يضبط الإنفاق ويمنع العودة الى فوضى القاعدة الاثني عشرية"، مشيراً الى أنّه "وبنتيجة تراجع الإيرادات منذ 17 تشرين الأول 2019، ارتفع العجز الى حدود 4300 مليار ليرة، ولكن هذا الرقم عرضة للتبدل صعوداً أو تراجعاً وفقاً للتطورات السياسية وانعكاساتها، والمطلوب أن يدفع لبنان استحقاقاته وأهمها في آذار المقبل، علماً أنّ التمويل في ظل الأوضاع الراهنة صعب".