في 28 كانون الأول الماضي، أوقف الأمن العام اللبناني مروان أ. لدى وصوله إلى مطار بيروت برفقة زوجته وابنه، على خلفية بلاغ تقصٍّ حول تواصله مع عملاء فارّين للعدو الإسرائيلي، وفقاً لإشارة مفوض الحكومة المعاون لدى المحكمة العسكرية القاضي منى حنقير. وقد أُحيل الموقوف إلى مكتب شؤون المعلومات في الأمن العام – دائرة التحقيق الأمني. وقد بيّنت التحقيقات مع مروان أ. أنه استغل وجوده في بريطانيا كـ«غطاء أمني للربط بين لبنانيين وبين المبعدين في الأراضي الفلسطينية أو خارج لبنان ممن يحملون الجنسية الإسرائيلية»، وأنه تحوّل «محركاً سياسياً» لهؤلاء، مقرّاً بأنه على علاقة مع عملاء كبار للعدو الإسرائيلي، وبأنه وشى لهؤلاء بأن جهازاً أمنياً لبنانياً كان يحضّر لعملية أمنية للإيقاع بأحدهم. التحقيقات كشفت أيضاً إرسال الموقوف صوراً لمواقع في جنوب لبنان إلى «المسؤول عن تجنيد العملاء» في كيان العدو (تقرير وفيق قانصوه).
في صفوف «القوات»
عام 1987، غادر مروان أ. عين إبل في الشريط الحدودي المحتل للالتحاق بالجامعة اللبنانية لدراسة التاريخ، وأقام في منزل خالته في الضبية. لكنه سرعان ما عاد إلى قريته والتحق بـ«جيش لبنان الجنوبي» بقيادة العميل أنطوان لحد، وخضع لدورة عسكرية قصيرة استمرت أسبوعين في معسكر المجيدية، قبل أن يخدم على المدفعية في موقع يارين لحوالى شهر، ومن ثم تسعة أشهر في موقعي بيت ياحون وبرعشيت. وبعد دورة «تقصي أثر واستطلاع»، نُقلت خدمته إلى «مركز الجاموس» في عين إبل. خلال هذه الفترة، دخل إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة «للسياحة وحضور زفاف»، واستحصل من السفارة الأميركية في تل أبيب على تأشيرة دخول إلى الولايات المتحدة. غير أنه لم يتمكن من السفر بسبب ضيق الحال وعدم قدرته على تأمين 1000 دولار.
نهاية 1988 انتقل إلى منطقة النبعة شرق بيروت، وانتسب إلى ميليشيات القوات اللبنانية، وخدم في «ثكنة العنفوان» التابعة لـ «الشرطة العسكرية» للقوات. في 31 كانون الثاني 1990، مع اندلاع القتال في المناطق «الشرقية» بين الجيش اللبناني بقيادة العماد ميشال عون والقوات اللبنانية، غادر مروان مع ثلاثة من زملائه في «الشرطة العسكرية» إلى قبرص عبر مرفأ جونية. من هناك، وبمساعدة صاحب مكتب للسفريات في جل الديب، حجزوا تذاكر سفر إلى بنما مروراً بلندن، حيث تسللوا خلسة وتقدّموا بطلبات لجوء. في بريطانيا، عمل في «المصلحة» التي ورثها عن والده في تركيب الزجاج، ومُنح عام 1992«إقامة مؤقتة» كانت تُمنح للبنانيين بسبب ظروف الحرب في بلدهم. بعدها افتتح شركة مقاولات، وتزوج من لبنانية تحمل الجنسية البريطانية ورزق منها فتاة (مواليد 1997) وولد (مواليد 1999). عاد إلى لبنان للمرة الأولى مع عائلته عام 2007، لنحو أسبوع قبل أن يعود إلى بريطانيا. أدى خلاف مع زوجته إلى انفصالهما عام 2008، ثم طلاقهما عام 2016. في تلك الفترة، بين 2014 و2015، تعرف إلى زوجته الحالية عبر أحد مواقع التعارف، والتقيا في تركيا وبولندا أثناء سفرها لحضور مؤتمرات في مجال اختصاصها في تعليم ذوي الاحتياجات الخاصة، واتفقا على الزواج. في 6 نيسان 2018، زار لبنان للتعرف إلى أهلها المقيمين في الضاحية الجنوبية، وفي حزيران 2018، تزوجا مدنياً في لارنكا وأمضيا أسبوعاً في أيانابا وعادا إلى بريطانيا حيث أنجبا طفلاً.
مع «أبو أرز»
ادّعى مروان أ. أنه زار قبرص عام 2012 للقاء فتاة كان ينوي الارتباط بها، وهناك قابل «صدفة» رئيس تنظيم «حراس الأرز» الذي كان يقيم في الفندق نفسه، وناقشا مواضيع سياسية، وطلب من صقر «التفاعل على الصفحات التابعة لبلدة عين إبل وللمبعدين من لبنان وتفعيل التواصل مع أبناء البلدة الموجودين في لبنان وخارجه». ولدى سؤاله عن إبلاغه أبو عراج بأنه سبق أن دخل إلى فلسطين المحتلة لتدريب عناصر في «جيش لبنان الجنوبي»، قال: «كنت أكذب، وقلت ذلك لأتباهى أمامها». كما نفى أن يكون قد أبلغ أبو عراج بأنه دخل الأراضي الفلسطينية عام 2012، أو أن يكون قد استخدم جواز سفره البريطاني للدخول إلى فلسطين المحتلة لأن ذلك «سيسبب لي مشكلات في لبنان».
وأبلغ مروان المحققين أنه بعدما بدأ الاهتمام بقضية المبعدين، تواصل معه العميل طنوس الجلاد المقيم في الأراضي الفلسطينية المحتلة حوالى عام 2011 بهدف التعرّف إليه، «خصوصاً عندما علم أنني من عناصر القوات اللبنانية وضد حزب الله وسبق أن خدمت في جيش لحد». لكنه لم يوضح كيف توطّدت العلاقة خلال فترة قصيرة حتى يطلب من الجلاد التواصل مع الناشط في ملف المبعدين بيار نور دياب (يحمل الجنسية الإسرائيلية) «لحل مشكلة بين شباب من عين إبل مقيمين في نهاريا بهدف توحيدهم في الخارج ولم شملهم. والشباب هم من آل طنوس وآل الحلو».
عام 2015، أبلغه الجلاد أن «صديقاً له سيحضر إلى بريطانيا، وطلب مني لقاءه ومساعدته على شراء منزل فوافقت كوني أعمل في مجال العقارات». بعد نحو أسبوع، تلقّى اتصالاً من شخص قال إنه من طرف الجلاد، واتفقا على اللقاء في مطعم «مرّوش غاردنز» وسط لندن. عرّف الشخص عن نفسه بأنه من أصل سوري ومناصر لـ«الثورة السورية» وأن اسمه… مندي الصفدي.
ورغم أنهما كانا قد التقيا للتوّ، قال الموقوف إن الصفدي فتح حاسوبه وعرض عليه صوراً له مع نتنياهو وضباط إسرائيليين، وعرض عليه العمل معه لجمع معلومات عن حزب الله في لبنان من خلال معارفه، وسأله ما إذا كان أحد من معارفه من القوات اللبنانية في بريطانيا أو في دول أوروبية أخرى أو أميركا أو كندا يرغب بالعمل لمصلحة العدو. غير أن الموقوف ادّعى أنه أجاب الصفدي بأنه جاء للقائه «من أجل شراء منزل ولا شأن لي بأي أمر آخر»، مدّعياً بأنه رفض التعامل لأنه «وطني ولا يريد أن يتم توقيفه أو توقيف أي شخص من قبل السلطات اللبنانية في حال اكتشف أمرهم». كما زعم أنه اتصل بالجلاد وعاتبه، فسأله الأخير إذا لم يكن يريد التعاون عما إذا كان يعرف أشخاصاً يمكنهم المساعدة في جمع معلومات في لبنان لمصلحة الموساد. وهنا، «نصحه» مروان بأن «حزب الله يصعب اختراقه خصوصاً من المسيحيين، لذلك عليك بالاستثمار في الشيعة لأنهم من البيئة نفسها». بعد هذه «النصيحة»، طلب من الجلاد «عدم التواصل معي وقمت بحظره».ولدى سؤاله عما يدفع الجلاد إلى محاولة تجنيده، برّر ذلك بأنه «ربما أراد الاستفادة من علاقاتي عبر وسائل التواصل الاجتماعي، خصوصاً أنه يعرف أنني كنت في القوات اللبنانية وخدمت في جيش لحد وأكره حزب الله». وأشار إلى أن الجلاد طلب منه إفادته عن أشخاص في القوات اللبنانية يمكنهم العمل لمصلحته، «فأجبته بأن للقوات طرقها للتنسيق مع الإسرائيليين».
وعن سبب إرساله عام 2012 إلى الجلاد صوراً من «غوغل إيرث» لموقعين، أحدهما في بلدة الدوير والآخر في بلدة شلعبون غرب بنت جبيل، زعم الموقوف أنه من هواة الآثار، وأن الجلاد الذي كان يعمل في مجال الآثارات أبلغه بأنه قبل مغادرته لبنان كان يعمل في البحث عن الآثار في الدوير وشلعبون، «فأرسلت له صور غوغل إيرث لسؤاله عن المكان».
بمراجعة النيابة العامة العسكرية بشخص القاضي فادي عقيقي وإطلاعه على تفاصيل التحقيق مع الموقوف، في الثالث من كانون الثاني الماضي، أشار بالكشف على موقع الصور التي أرسلها مروان أ. إلى طنوس الجلاد حول موقعي الدوير وشلعبون للتأكد مما إذا كان لهما طابع أمني. وبعد العمل بالإشارة، وبمراجعة النيابة العامة العسكرية وإطلاعه على التفاصيل، أشار عقيقي في 23 كانون الثاني الماضي بتوقيف مروان أ. وإحالته إلى النيابة العامة العسكرية.
إتيان صقر (أبو أرز)
جولي أبو عراج
والدها العميل جوزيف أبو عراج، كان مسؤول تنظيم «حراس الأرز» في عين إبل وأحد المؤسسين لميليشيات «جيش لبنان الحر» التي أسسها العميل سعد حداد عقب اجتياح 1978، وقتل لاحقاً في عملية للمقاومة.
شقيقها العميل سامر أبو عراج المحكوم بالإعدام لتورطه في جريمة اغتيال القائد المقاوم غالب عوالي، في حي معوّض في الضاحية الجنوبية عام 2004، مع عديله العميل ناصر محمود نادر، المنفّذ الأساسي لعملية الاغتيال.
طنوس الجلاد
طنوس إبراهيم الجلاد المعروف بـ «مسؤول ملفّ تجنيد العملاء في وزارة الدفاع الإسرائيليّة»، أدانته المحكمة العسكرية عام 2016 بالتعامل مع العدو الإسرائيلي وحكمت عليه بالسجن المؤبّد لتجنيده خلية تجسس (مؤلفة من سوري وزوجته اللبنانية وموظف لبناني في اليونيفيل) في مدينة صيدا لمراقبة شخصيات دينية ومدنية ورسمية، من بينها النائب أسامة سعد والمدير العام السابق للأمن العام اللواء عباس إبراهيم والشيخان ماهر حمود وصهيب حبلي، إضافة إلى مركز للجيش اللبناني ولحزب الله، وإعطاء أوامر للتحضير لاغتيال حمود.
مندي الصفدي
ضابط ارتباط “إسرائيلي” مع المعارضة السورية عمل في شعبة تكنولوجيا المعلومات والخدمات في مكتب رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو، إضافة إلى عمله في الكنيست الإسرائيلي (راجع «الأخبار» الخميس 9 تموز 2015). كُلِّف من جهات أمنية إسرائيلية بمتابعة ملف مجموعات المعارضة المسلّحة في سوريا، ما أدى إلى ارتباطه بعلاقات واسعة بالاستخبارات التركية وبمختلف أطياف المعارضة السورية. كما سُجّل تواصل له مع قيادات في «جبهة النصرة» و«داعش»، وبإحدى الشخصيات السياسية اللبنانية وبمغتربين لبنانيين. وهو متهم بتجنيد عملاء في لبنان لمصلحة العدو.
COMMENTS