افتتاحيات الصحف اللبنانية، يوم الجمعة 21 نيسان، 2023

افتتاحيات الصحف اللبنانية، يوم الجمعة 20 أيلول، 2024
افتتاحيات الصحف اللبنانية، يوم الجمعة 15 أيلول، 2023
افتتاحيات الصحف اللبنانية، يوم السبت 29 تشرين الأول، 2016

اللواء
ترشيح فرنجية يدخل المرحلة الرمادية بانتظار التسويات الكبرى
باريس تنكفئ إلى الغرف المغلقة وتُنسِّق مع بري.. والهيئات ترفض بدل النقل وتعرفة الكهرباء
يختم عيد الفطر السعيد، في اول أيامه على قلوب المسلمين وسائر المؤمنين باليمن والخير والبركات، بعد قطوع شهر الخير، الذي مر بلمحة بصر، على الرغم من الظروف المالية والنقدية والاقتصادية والاجتماعية التي بلغت ادنى الدركات، التي لم يعرفها لبنان في تاريخه الحديث.
ومع انقضاء الشهر الفضيل، واقتراب شهر نيسان من الافول، بقيت الاسئلة تحوم حول حظوظ هذا المرشح او ذاك، ومستقبل صيغ التسويات في المنطقة، والتي من المتوقع على نحو كبير ان تكون التسوية الرئاسية في لبنان جزءاً منها.
وفي هذا الاطار، تكثر التكهنات حول مدى حظوظ رئيس تيار المردة النائب السابق سليمان فرنجية لجهة التقدم الثابت نحو قصر بعبدا رئيساً للجمهورية، طال خلو الرئاسة الأولى أم قصر، وسط صمت مريب، يعتمدة مرشح 8 آذار، وهو يحضر أوراقه للمضي قدماً في مشوع الرئاسي او الانسحاب، بطريقة تحترم مكانته السياسية وتاريخه السياسي ايضاً، اذا ما اقتضت معطيات التفاهمات الكبرى، هذا التوجه أو ذاك..
ولحظت مصادر سياسية ان المرشح الرئاسي فرنجية، المدعوم من ثنائي امل- حزب الله أرجأ او ألغى اطلالته الاحد المقبل مع برنامج «وهلق شو» على قناة الجديد، ليحل مكانه رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع ضيفاً رافضاً للمرشح فرنجية او سواء المدعوم من قوى 8 آذار.
وقالت اوساط مراقبة لـ«اللواء» أن الموقف الفرنسي الذي صدر عن وزارة الخارجية يستأهل التوقف عنده وعند توقيته لاسيما تأكيده أن باريس «ليس لديها أيّ مرشّح في لبنان» لرئاسة الجمهورية، وذلك بعيد حديث وسائل إعلام لبنانية عن دعم فرنسي محتمل للوزير السابق سليمان فرنجية لهذا المنصب الشاغر منذ ستة أشهر.
ولفتت هذه الأوساط إلى أن هذا الموقف المعلن يحمل في طياته إشارات متعددة أبرزها عدم الخروج عن ثوابت ما صدر في اجتماعات خارجية سابقة لجهة أن «على اللبنانيين اختيار قادتهم». ودعت «إلى انتظار ردود الفعل على هذا الموقف والذي ترافق مع دعوة الجهات اللبنانية تحمّل مسؤولياتها وكسر الجمود السياسي لانتخاب رئيس جديد بسرعة».
ورأت أن البيان جاء بعيد زيارة رئيس تيار المردة النائب السابق سليمان فرنجية إلى بكركي ومواقفه ولاحظت أن لا مبادرات جديدة في الملف الرئاسي والحراك حوله لم يتقدم بأي شكل ولولا زيارة فرنجية لكان الملف في جمود كلي.
وعليه، فحسب دبلوماسيين في بيروت ان ترشح فرنجية دخل فعلياً في «المرحلة الرمادية» بانتظار بلورة حصة لبنان من التسويات الكبرى، ويلاحظ هؤلاء ان فرنسا انكفأت الى الغرف المغلقة، بعد الاعلان عن ان لا مرشح لها للرئاسة، ونفضت يدها عما يحكى عن تسوية نلحظ انتخابات الرئاسية وتسوية رئيس الحكومة الاصلاحية، امتداداً الى الوزراء والبرنامج، في ضوء اتصالات فرنسية مستمرة على مراجع رفيعة سياسية وروحية لبنانية، من بينها اتصالات مع الرئيس نبيه بري.
وكان المصدر ان باريس تشجع الرئيس بري على الدوة مجدداً للحوار اللبناني.
وكشف قيادي في «الثنائي الشيعي» لـ «اللواء» ان الرئيس بري يعتزم الدعوة مجددا لحوار لباني- لبناني، مع تحرك فرنسي باتجاه القيادات المسيحية، عبر دعوة كل من «القوات اللبنانية» والتيار الوطني الحر الى زيارة فرنسا والاجتماع مع المسؤول عن الملف الرئاسي اللبناني باتريك دوريل، وسط معلومات عن ضمانات فرنسية للمسيحيين اذا اقتضى الامر.
ويقول دبلوماسي اوروبي بأن على المسيحيين الذهاب الى التسوية الرئاسية برضاهم او غصبا عنهم، كاشفا عن معطيات حول ارسال السعودية اشارات ايجابية حول التسوية الفرنسية، حيث ابدت استعدادا للبحث بالاسماء الرئاسية المطروحة، واعلنت للمرة الاولى بشكل واضح عدم مناعتها خيار فرنجية.
مما يؤشر ان درب فرنجية الى القصر الجمهوري باتت ميسَّرة أكثر.
وفي هذا الوقت، تتحدث مصادر عن بروز كتلة نيابية قوامها النواب الياس بوصعب، آلان عون وابراهيم كنعان وسيمون ابي رميا تعمل بالتنسيق مع بعضها للتوجه الى انتخاب فرنجية، اذا اقتضت المصلحة المسيحية او الوطني ذلك، من جانب توفير الميثاقية المسيحية لانتخابه.
وكانت المتحدثة باسم الخارجية الفرنسية آن-كلير لوجاندر خلال مؤتمر صحافي: «على اللبنانيين اختيار قادتهم»، في إشارة إلى الرسالة التي بعثتها باريس في الأشهر الأخيرة.
وأكّدت المتحدّثة أنّ «على الجهات اللبنانية تحمّل مسؤولياتها وكسر الجمود السياسي لانتخاب رئيس جديد بسرعة»، قائلة انّ الشغور «يلقي بظلاله أولاً على الشعب اللبناني».
وأشارت الوزارة إلى أنّ فرنسا تجري «اتصالات كثيرة مع الجهات السياسية لبنانية».
وعلق الوسيط الأميركي في مفاوضات ترسيم الحدود البحرية آموس هوكستين، امام وفد من النواب اللبنانيين الذين التقاهم في الولايات المتحدة، على ملف الانتخابات الرئاسية، قائلا: لا اعتقد ان السعودية ستغير موقفها الرافض من المرشح الرئاسي سليمان فرنجية رغم محاولات الفريق الفرنسي.
وفي السياق، اكد مصدر ديبلوماسيّ روسي أنّ روسيا تعتبر الرئاسة شأنا داخليّا والقرار لبنانيّا، رغم تأييدها وصول فرنجية الذي تراه الرجل الأفضل للمرحلة الحالية والأنسب. فالأسباب الكامنة وراء رغبة روسيا بوصول فرنجية، إضافة الى معرفتها به، هي أنها تجد ضرورة بأن يكون الرئيس رجلا سياسيّا، قادرا على مدّ جسور التواصل مع كل الأطراف من جهة وكلّ الدول من جهة أخرى. هذا إضافة الى رغبتها في وصول مرشح قريب من الجميع، فلا يكون معاديا لمحور حزب الله وسوريا وايران ولا معاديا للسعودية ودول الخليج، وفرنجية يحمل المواصفات هذه. ويرى المصدر أنّ الوجهة التي تعمل عليها روسيا هي نفسها التي تعمل عليها فرنسا، ولكن من دون أن يكون هناك تنسيق بينهما.
جلسة بعد العيد
حكومياً، علمت «اللواء» من مصادر وزارية انه تم الاتفاق «مبدئياً» على عقد جلسة لمجلس الوزراء بعد عيد الفطر، للبحث في البنود المؤجلة من الجلسات الماضية. لكنها اوضحت انه لم يتم تحديد موعد الجلسة بعد، لحين اجراء الاتصالات بكل الوزراء والاتفاق نهائياً على جدول الاعمال.
اما المواضيع المؤجلة من الجلسة الماضية فهي: مشروع مرسوم لتعديل المادة 18 من المرسوم المتعلق بتحديد احكام تطبيق الضريبة على القيمة المضافة لجهة استحقاق الضريبة واساس فرض الضريبة.. واصدار المراسيم المتعلقة بتشغيل ومطامر صحية مؤقتة واشغال كنس الشوارع. وطلب وزارة الدفاع دفع المستحقات للمستشفيات والمختبرات الطبية والعلاجية. وطلب وزارة الداخلية تغطية نفقات إجراء الانتخابات البلدية والاختيارية في العام 2023. ونقل اعتمادات واعطاء سلف خزينة الى عدد من الوزراء وفق القاعدة الاثنتي عشرية. ومشروع مرسوم بتعديل المادتين 5 و47 من قانون النقد والتسليف وإنشاء المصرف المركزي (اصدار فئات من العملة اعلى من الموجودة).
الهيئات ترفض الزيادات
على الصعيد المعيشي، اوضحت الهيئات الإقتصادية امس بعد اجتماع طارئ برئاسة رئيسها الوزير السابق محمد شقير وبحضور الأعضاء في مقر غرفة بيروت وجبل لبنان، وناقشت خلاله بشكل مطلق كل ما يتم تداوله حول زيادة بدل النقل اليومي الى 450 ألف ليرة للعاملين في القطاع الخاص، مؤكدة أن زيادة بدل النقل اليومي الذي تم إقرارها في إجتماع لجنة المؤشر الاخير وإعتماد 250 ألف ليرة يومياً هو بدل عادل ويلبي مطلبات الإنتقال الى العمل.
ثانياً: بالنسبة لزيادة الدولار الجمركي، طالبت الهيئات الإقتصادية وبإلحاح بعدم زيادة الدولار الجمركي الى ما يوازي دولار منصة صيرفة، والتوقف عند سقف الـ60 ألف ليرة، لإعطاء الوقت الكافي لدراسة أثر زيادة الدولار الجمركي من 45 ألف ليرة الى 60 ألف ليرة ومن ثم النظر في إمكانية زيادته مرة جديدة بعد أقل من 15 يوماً.
وفي هذا الإطار، أكدت الهيئات الإقتصادية تفهمها لحاجات الدولة التمويلية، لكنها في الوقت نفسه حذرت من أن إستسهال تأمين الإيرادات عبر زيادة الدولار الجمركي سيكون له تداعيات إجتماعية وحياتية خطرة، وإخلالات إقتصادية لا تحمد عقباها، مشيرة الى ابواب أخرى يمكن اللجوء اليها ومنها مكافحة الإقتصاد غير الشرعي الذي بات يشكل أكثر من 50 في المئة من حجم الإقتصاد الوطني.
ثالثاً: بالنسبة لإشتراكات عدادات الكهرباء لدى مؤسسة كهرباء لبنان، أكدت الهيئات الإقتصادية في بيانها إن هذه الإشتراكات ظالمة وغير عادلة وتلحق الأذى الكبير بالمواطنين وبالمؤسسات الخاصة على إختلافها صناعية كانت أم سياحية وتجارية وخدماتية.
في الاطار ذاته، رأى رئيس نقابة مستوردي المواد الغذائية في لبنان هاني بحصلي في حديث اذاعي أن أزمة ارتفاع أسعار السلع الغذائية تتواصل مع ارتفاع سعر الدولار الجمركي. وقال: كل ارتفاع 15 الفاً في الدولارالجمركي سيؤدي الى ارتفاع 5% في اسعار السلع.
واضاف: أنه من حق الدولة اللبنانية ان تستعيد مداخيلها لكن ليس على حساب المواطنين. سبق ودعونا الوزراء الى اعفاء الاصناف الغذائية التي تدفع جمارك عالية وليس لها بدائل في  الصناعات المحلية الا ان الامر لم يحدث.
وقفة حرية
وسط ذلك، نفذ إئتلاف استقلال القضاء في لبنان وتحالف حرية الرأي والتعبير وقفة حرية عند مدخل قصر العدل بالتزامن مع جلسة التحقيق مع المحامي نزار صاغية بمشاركة النائبين ابراهيم منيمنة وفراس حمدان.
اوضح المحامي صاغية بعد جلسة الاستماع اليه، ان التحقيق كان يتمحور حول موضوع قيامه بحملة تشكيك على النقابة لكنه شرح بشكل واضح انه لا تشكيك بل الهدف تصويب عمل النقابة لأنه يعتبر ان مجلس النقابة ارتكب كبيرة وهو ما يعرض اجيال من المحامين في المستقبل للخطر، فطرحت ذلك.
وقال: ولكن رأيهم مختلف وابلغتهم انني سامارس حريتي وهذا حق طبيعي لي ولزملائي ولا يستطيع احد تقييدنا.
ووصف الأجواء بالإيجابية ومن المتوقع ان يصدر القرار وفق هذه الاجواء الايجابية التي حصلت.

 

الأخبار
حرب الجبهات المتعدّدة: إسرائيل ترقُب الأيّام السوداء
جريدة الاخباريوماً بعد يوم، تتعزّز لدى جيش العدو فرضيّةٌ متقادمة عنوانها خوض إسرائيل مواجهة متعدّدة الجبهات، لم تأتِ عمليات المقاومة الأخيرة الممتدّة من الشمال إلى الجنوب، وصولاً إلى الداخل الفلسطيني، والتي كان بإمكان أيّ منها أن تتدحرج إلى جولة قتال واسعة، إلّا لتقوّيها أيضاً. وفرضت هذه العمليات واقعاً أمنياً ضاغطاً على المؤسّستَين السياسية والأمنية في دولة الاحتلال، وعمّقت حالة الارتباك والتجاذب داخل قيادته، وخصوصاً أن أيّ خطأ في التقدير قد يقود إلى حرب شاملة لا تستثني أيّاً من جبهات الداخل أو الخارج. على أن هذه الحرب لم تبدأ تَهجس في داخل إسرائيل مع اشتعال «حفلة الصواريخ» تلك فحسب، بل إن هذه الأخيرة مثّلت ترجمة متواضعة لسيناريو حاضر لدى قيادة الاحتلال منذ سنوات. ولعلّ مناورة «مركبات النار» التي كانت مفترضةً في عام 2021 بهدف محاكاة خوض إسرائيل معركة متعدّدة الجبهات، وتمّ تأجيلها في حينه إلى العام التالي بسبب معركة «سيف القدس»، أنبأت بأن ذلك السيناريو كان مطروحاً على الطاولة منذ ما قبل معركة رمضان 2021، وأن جيش العدو لا يتعامل معه بوصفه أحد السيناريوات المحتملة، بل باعتباره سيناريو مرجعيّاً ومرجَّحاً تحقّقه، يتمّ في ضوئه تطوير جهوزية الجيش القتالية.
وفق التقديرات الإسرائيلية، قطعت إيران أشواطاً مهمّة في خطّة فرض طوق متنوّع من الصواريخ والمسيّرات والوسائل القتالية المتطوّرة حول إسرائيل، بما يحوّل الأخيرة من شمالها إلى جنوبها إلى ساحة قتال حقيقية. ونتيجة ذلك، يعيش كيان العدو هاجساً بأن يجد نفسه في قلب مواجهة قاسية تشمل في آنٍ كلّاً من لبنان وسوريا والعراق واليمن، وصولاً إلى قطاع غزة والضفة الغربية، وخصوصاً أن من المتوقّع، والحال هذه، أن تتعرّض الجبهة الداخلية لدمار بأحجام لم تشهدها طوال تاريخها. وأدّت تلك التقديرات إلى رفع منسوب المخاوف في مؤسّسة القرار الإسرائيلية، من أن تتدحرج أيّ حادثة موضعية إلى مواجهة كبرى، لتبدو جميع أطراف الصراع في المنطقة، في نهاية المطاف، كما لو أنها تسير على حافّة التصادم الكبير، الذي تحرص على تجنّبه، في هذه المرحلة على الأقلّ.
وممّا يجعل الصورة أكثر قتامةً بالنسبة إلى إسرائيل، هو أن هذا السيناريو (أي الحرب المتعدّدة الجبهات)، بما يحمله من مخاطر عسكرية واستراتيجية، ترتفع احتمالات تحقّقه في الوقت الذي تجد فيه الدولة العبرية نفسها «غارقة في أخطر أزمة داخلية في تاريخها، فيما رئيس حكومتها، بنيامين نتنياهو، الذي وعد بوضع إيران على رأس سلّم أولوياته، مشغول بمحاولة إنقاذ نفسه من حُكم المحكمة، والشعب منقسم»، كما يقول النائب السابق لرئيس «مجلس الأمن القومي»، تشاك فرايليخ (يديعوت أحرونوت، 19/4/2023). ويضيف فرايليخ أن «السعودية والإمارات استأنفتا علاقاتهما مع إيران، ومصر على الطريق، والمحور الإقليمي الذي كانت إسرائيل تطمح إلى بنائه يتفكّك، وعلاقات إيران بالصين وروسيا تتعمّق، والأزمة في علاقتنا بالولايات المتحدة عميقة»، ليخلص إلى أن «كلّ الاستراتيجيا التي بناها نتنياهو انهارت». لكن ما لم يقله المسؤول الإسرائيلي السابق هو أن الخطر المحدق بإسرائيل، لا ينبع فقط من فشل الخيارات والرهانات السابقة، بل أيضاً من الواقع الذي لا يفتأ يتشكّل في ضوء ذلك الانهيار.
صحيح أن أزيز الصواريخ وهدير الطائرات خَفتا على أكثر من جبهة، إلّا أن رسائل عملية مجدو وما أعقبها من صليات صاروخية من لبنان وسوريا وغزة على إسرائيل، لا تزال تتردّد لدى جهات التقدير والقرار، في وقت تستمرّ فيه حالة الاشتباك المتصاعدة في الضفة الغربية في الضغط على قيادة الاحتلال، الذي فشل حتى الآن في وضع حدّ لهذا المسلسل، على رغم كثرة أساليب الترهيب والعقاب الجماعي التي لجأ إليها. وفي العمق، تَنظر مؤسّسات العدو إلى التطوّرات الأمنية التي شهدتها الأسابيع الأخيرة، على أنها عنوان لمرحلة جديدة، شديدة التداخل والتعقيد، ومغايرة تماماً لما ألِفته في المناورات التي حاكت سيناريوات كهذه. ولعلّ المحدّد الرئيس لهذه المرحلة، هو أنه في حال اتّخاذ إسرائيل قراراً بردّ يتناسب مع حجم المخاطر الماثلة أمامها، فستجد نفسها في قلب معركة متعدّدة الجبهات، تتخوّف منها وتحرص على تجنّبها؛ وفي حال امتناعها عن ذلك تكون قد سلّمت بتآكل قوة ردعها.
وفي إقرار هو الأكثر صراحة بذلك الواقع، أكد وزير الأمن الإسرائيلي، يوآف غالانت، في إحاطة أمنية، أمس، مع المراسلين العسكريين، أن إسرائيل باتت «في نهاية عصر المواجهات المحدودة»، وأنها بهذا تدخل «حقبة أمنية جديدة فيها تهديد حقيقي (لها) في جميع الساحات في الوقت نفسه». وإذ يؤشّر تصريح غالانت إلى تبلور صورة وضع استراتيجي، مغايرة لما كان راسخاً في وعي الجهات المختصّة، فهي تنبئ بأن جهات القرار باتت أكثر حذراً لدى دراسة خياراتها، تجنّباً للسيناريو الذي بات يُنظر إليه كما لو أنه «يوم القيامة». ولعلّ غالانت أجملَ التحوّل المفاهيمي لدى قيادة المؤسسة العسكرية، ومن ورائها المؤسسة السياسية، بالقول «لقد عملنا لسنوات على افتراض أنه يمكن عقد صراعات محدودة، لكن هذه ظاهرة آخذة في الاختفاء. اليوم، هناك ظاهرة ملحوظة عنوانها توحيد الساحات». ظاهرةٌ تفرض على القيادة الإسرائيلية التي باتت تتبنّى التقدير المُشار إليه رسمياً، تعديل خططها العسكرية ورفع مستوى الجهوزية لديها، وتلافي التقدير الخاطئ، وخاصة أن الطرف المقابل يستند إلى قدرات راسخة ومتطوّرة ومتصاعدة، وهو ما عبّر عنه غالانت بالقول إن إيران هي «القوة الدافعة»، عبر توفير «الموارد والأيديولوجيا والمعرفة والتدريب لوكلائها»، مضيفاً أن «الاعتماد المتزايد لجميع الأنظمة على إيران يجعلها تمدّ الحدود أمامنا وتتجرّأ أكثر» على إسرائيل.
هكذا، وجدت إسرائيل أن جملة مفاهيم وتقديرات لطالما شكّلت ركيزة أساسية في المعادلات المطموع في إرسائها في أكثر من ساحة، باتت غير ذات صِلة، وأن ما كان يُفترض أنه مستقرّ بدأ يهتزّ ويكاد يتداعى، عابراً مرحلة انتقالية في اتّجاه بلورة خيارات عملياتية أكثر دراماتيكية. وحول هذه النقطة بالذات، جاء كلام الأمين العام لـ«حزب الله»، السيد حسن نصر الله، واضحاً في خطابه الأخير بمناسبة «يوم القدس العالمي»، حيث حذّر العدو من «انتهاج سياسة الاستفراد بساحة من الساحات… انطلاقاً من تقدير بأن شعوب المنطقة ودولها لا تريد الذهاب إلى حرب»، متوجّهاً إليه بالقول إن «هذه لعبة خطرة، ولن تستطيع دائماً الإمساك بأطرافها وخيوطها»، منبّهاً إلى أن بعض خطوات الاحتلال وحساباته قد تجرّ المنطقة إلى «حرب كبرى»، ستكون بالضرورة «متعدّدة الجبهات». وعلى خلفية تعاظم تلك المخاطر، عقد المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغَّر جلسة نقاش حول التهديد الآتي من لبنان وسوريا، تعمّد رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، أن يكون متزامناً مع ذكرى «الهولوكوست»، و«بحضور كلّ القيادة الأمنية في إسرائيل، بهدف توجيه رسالة قوّة»، بحسب قناة «كان» العبرية. وذكرت تقارير أخرى أن الجلسة ناقشت سيناريو التصعيد على الجبهة الشمالية، نتيجة تصعيد محتمَل في غزة، بحسب تقديرات المؤسّسة الأمنية والعسكرية.
بالنتيجة، تكشف مواقف قيادة العدو، ومعها أداؤها السياسي والميداني، أنها تتعامل بكامل الجدّية مع حقيقة دخول المنطقة طوراً جديداً، باتت معه فرضية المعركة المتعدّدة الجبهات أكثر حضوراً على طاولة التقدير والقرار، دافعةً إسرائيل إلى بحث خياراتها الممكنة إزاءها، وخصوصاً أن محطّات متعدّدة سابقةً أظهرت إدراك تل أبيب العميق لقصور جاهزيتها عن خوض معركة بهذا الحجم بكامل الفعالية والجدوى المطلوبتَين. ومن هنا، يُفهم انضباط الاحتلال في الجولة الأحدث، وانصباب تركيزه على تحييد «حزب الله»، منعاً للدخول في دوّامة ردّ وردّ مضادّ، ترتفع معها احتمالات التدحرج نحو مواجهة شاملة. وإذا دلّ ذلك على شيء، فإنّما على الدور الرادع الملموس الذي بات يلعبه تكامل الجبهات، وتوفيره مظلّة إقليمية لحركة المقاومة في فلسطين، نجحت حتى الآن في إمداد الأخيرة بعناصر القدرة، بما تسمح به الظروف اللوجستية والميدانية. أيضاً، يكشف ما تَقدّم عن المستوى الذي بلغه محور المقاومة في عملية تعزيز قدراته وتحصين ساحاته، منبئاً بقفزة جديدة في معادلات القوة التي تتفاعل مع سياقات دولية وداخلية في كيان العدو، تؤشّر بمجملها إلى المسار الانحداري المتسارع الذي يواجهه الكيان.
مع ذلك، فإن تحقّق سيناريو الجبهات المتعدّدة مرهون بمجموعة عوامل، من ضمنها في هذه المرحلة، إمكانية خطأ العدو في تقدير نتيجة خطواته العدوانية، والتي ستجعله كَمَن يدوس لغماً إقليمياً سينفجر بجبهته الداخلية وبمصالح راعيه الأميركي في المنطقة.

Please follow and like us:

COMMENTS