حول “جهاد” الإسلاميين التكفيريين في سبيل “أطلسة” أوكرانيا : نظرة عربية

حول “جهاد” الإسلاميين التكفيريين في سبيل “أطلسة” أوكرانيا : نظرة عربية

أنقرة بين «العثمنة» و«التتريك» : «المجلس التركي» كيانٌ موازٍ لـ«التعاون الإسلامي» (تقرير من جدَّة)
إيران : القوات المسلحة تنذر الإنفصاليين الإكراد في شمال العراق بوجوب “التوقف عن إيواء ودعم الإرهاب”
برلسكوني يفضح أسرار "الربيع العربي" : فرنسا ساركوزي هي التي أطلقت حملة غزو ليبيا

احتاجت الولايات المتحدة الأميركية إلى صبغ التوسع الأطلسي في أوكرانيا باللون الإسلامي، حيث تعتمد ما يمكن أن نسميه النسخة المعدلة من استراتيجية “الحرب ضد سوريا” . يركز المقال على دور جماعات الإسلام التكفيري الإرهابية في اختطاف “سلة غذاء أوروبا” بالقوة المسلحة، في سياق استراتيجية الـ”أطلسة / Atlantisation” الشاملة التي باشر الأميركيون بتطبيقها غداة انهيار عالم “الحرب الباردة”. وكيف يتنامى هذا الدور من خلال شبكات “الإخوان” المدعومة من الولايات المتحدة وبريطانيا وتركيا وقطر.

إن القوات المحلية المدمجة هي التي تحارب “العدو الرئيسي” في الميدان الأوكراني “بالوكالة” عن جيش الولايات المتحدة. وتتكون التشكيلات الرئيسية لهذه القوات من جيش زيلينسكي وميليشيات المرتزقة الأجانب والقوات الخاصة الغربية. بالإضافة إلى جماعات الإسلاميين التكفيريين التي نشرت إرهابها المادي والفكري في دول عربية وإسلامية، خصوصاً في سوريا والعراق.

كانت هذه الجماعات في صميم التخطيط الأميركي ـ البريطاني والتركي لتمكين نظام كييف من السيطرة بالقوة العسكرية على منطقة دونباس، حيث يتكلم السكان باللغة الروسية مثل سائر شرق أوكرانيا. ولذلك، سهل نظام زيلينسكي وأميركا وبريطانيا وتركيا، تدخل تنظيم “الإخوان” الإرهابي في مجتمع المسلمين الأوكرانيين بتمويل من بعض الدول “الخليجية”، حتى يجذب أفراده بـ”الأنشطة الدعوية” نحو الفكر التكفيري.

“التدخل الدعوي” و”الميول الأطلسية”

يعد التنظيم الشبكي لـ”الإخوان” الأداة الرئيسية في العمل الأيديولوجي ـ السياسي لانتشار الإسلام التكفيري. وتحفل يوميات الإجتماع السياسي العربي والإسلامي بالشواهد الثابتة على انتفاع نظام الهيمنة الرأسمالي من عمل هذا التنظيم في إضعاف وحدة هذا الإجتماع وتقويض أمن واستقرار الدول المستقلة وفي كسر النزعات التحررية لدى الحكومات الوطنية فيها.

وفي كرونولوجيا مشروع “أطلسة” أوكرانيا ما يكفي من حقائق، تبصرنا بطبيعة “الدور العالمي” للتنظيم “الإخواني” و”فروخه” التكفيرية ومعناه الإستراتيجي. فمن بعد العراق وسوريا وأفغانستان، ظهر الإسلاميون التكفيريون في ميدان “الجهاد الأوكراني”، ليثبتوا خروجهم على النسق التحرري الذي طبع سلوك العرب والمسلمين ووعيهم في العالم الحديث والمعاصر، وأنهم يسيرون بعكس تاريخ الأسلاف الذين ساهموا بدمائهم في تحرير أوروبا لا سيما إيطاليا وفرنسا من عبودية الفاشية والنازية في الحرب العالمية الثانية. إذ “يجاهد” التكفيريون اليوم، في أوكرانيا من أجل استزراعها في “حديقة” العبودية الأطلسية.

لا يهتم الإسلام التكفيري بمصير الشعب الأوكراني، ولا بالخراب الذي يسببه “الجهاد” في سبيل توسع حلف شمال الأطلسي، من تفكك وطني بين الأوكرانيين. لأن البرنامج السياسي ـ الأيديولوجي التنفيذي الخاص بهم، لا يقبل التعديل إلا بمشيئة الغرب الفاسد الذي سمح لهم بالصعود على مصطبة التاريخ الإمبريالي.

تتكشف ملامح هذا البرنامج في صفحة “مجلس مسلمي أوكرانيا”. هنا، نفهم أن غاية “الإخوان” من “التدخل الدعوي” الذي يقومون به، هي إعادة أسلمة / Islamisation الأفراد المسلمين الأوكرانيين وتطويعهم على الهوى السياسي “الإخواني”.

ونخبرنا الصفحة عن هذا التدخل المتعدد الأشكال الذي تتولاه جمعيات ذات مسميات إسلامية، وهي تنتمي إلى “اتحاد المنظمات الإجتماعية/ الرائد” الأوكراني. في عام 2021، مثلاً، تم افتتاح “المسجد الجامع لمدينة زابوروجيه”، بعد اكتمال بنائه بـ”مبادرة من طالب لبناني”، كما “افتتحت مدرسة نظامية يومية خاصة بالمسلمين، ما يحفظ للأبناء دينهم وهويتهم”. إضافة إلى أخبار “المسابقات القرآنية” و”توزيع الأغذية والأضاحي على مئات النازحين من تتار قازان”.

حظي التدخل الدعوي بين المسلمين الأوكرانيين بمؤازرة تركيا بما تملك من أدوات متنوعة من بينها المنظمات الخيرية مثل منظمة “آيدير”. لكن التمويل الأهم يأتي من قطر. فهذه الإمارة الأحفورية الإقتصاد، “تنفق بسخاء” على “الجمعيات الخيرية” التي أسسها “الإخوانيون” في جميع أنحاء العالم، خصوصاً أثناء ولايتي الرئيس الأميركي باراك أوباما (2008 ـ 2017). وكما يفعلون في السوق المالية والتجارية، يحصد القطريون من خلال الشبكات التنظيمية ـ الإجتماعية والسياسية لـ”الإخوان” نفوذاً إقليمياً ودولياً هاماً، لكنهم يعيدون تدويره / Recyclage إلى سلة الولايات المتحدة، التي تعلمت من بريطانيا منفعة “الإخوان” لشؤون السياسة الخارجية الإمبريالية في المجتمعات المسلمة.

وبفضل الأداء الخدمي الذي تقوم به الدوحة، نلاحظ أن التقارير المفصلة عن تمويل “منظمة قطر الخيرية” الحكومية لعشرات المشاريع في أوروبا التي تعود إلى تنظيم “الإخوان” الإرهابي، لم تؤد إلى سحب مظلة الحماية السياسية التي نشرتها واشنطن فوق رأس النظام القطري. وهذا الإنسجام المتكامل مع السياسة الخارجية الأميركية، هو جزء من طبيعة التدخل الدعوي لـ”الإخوان” وعموم التكفيريين، لفرض الأسلمة في أوكرانيا أو في دول أخرى، ما يقسم المجتمع عمودياً ويوهنه سياسياً، فتضعف إرادته الوطنية. وهذا من جوهر الأسلمة الذي يتم بتحزب المسلم “الإخواني” ضد المسلم غير “الإخواني” في الطائفة، وتحزب المسلم ضد غير المسلم في المجتمع. فالأسلمة هي نوع من التكفير الأولي.

شارك “الإخوان” العرب في تمويل “التدخل الدعوي” في أوكرانيا. إذ نشر “مجلس مسلمي أوكرانيا” تقريراً مفاده أن “اتحاد الرائد استضاف وفد جمعية الإصلاح الخيرية في البحرين في أوكرانيا في شهر تموز/ يوليو 2008م في إطار مشروع قوافل الخير المبارك الذي أطلقته جمعية الإصلاح في البحرين. وقد تم بحمد الله تنظيم 10 قوافل دعوية رمضانية في قرى ومساجد المسلمين في [شبه جزيرة] القرم”. لكن الوثائق “الإخوانية” تكشف ان هذه “القوافل” نظمت لتقوية الميول السياسية نحو “أطلسة” البلاد.

“التدخل السياسي” لدعم الإسلام التكفيري

فأوكرانيا باعتراف موقع “إخواني” بارز ليست دولة إسلامية. إذ يبلغ عدد سكانها 46 مليوناً، عدد المسلمين بينهم أقل مليونين، أي نحو 4,3 بالمئة. وهم متحدرون من أصول قومية مختلفة، أبرزها تتار القرم. ويتميز “مسلمو وسط وغرب أواكرنيا بأنهم يميلون لصالح الموالين للغرب (الأطلسي، في نظام بوروشينكو)، بينما نجد أن “مسلمي شرق أوكرانيا، وأعدادهم تقدر بنحو 300 ألف نسمة، يميلون لصالح الأحزاب والقوى الموالية لموسكو.

ومع هذا الضعف الديموغرافي للمسلمين في أوكرانيا يبرز سؤال كبير، وهو : كيف للمرء أن يصدق بأن كوادر “جمعية الإصلاح في البحرين” تنكبوا مشقة الترحل إلى أوكرانيا في عام 2008، من دون أن يحملوا “أجندة” سياسية خاصة، وأنهم تحملوا إنفاق مواردهم هناك، لمجرد الدعوة إلى الإسلام الحنيف وسط “القرى والمساجد في [شبه جزيرة] القرم” في عام 2008، حينما كانت لا تزال تحت السيطرة الأوكرانية.

نأخذ الجواب من المصادر المتوفرة عن الحزب “الإخواني” في البحرين المرخص تحت مسمى “جمعية المنبر الوطني الإسلامي”، الذي يستعمل “جمعية الإصلاح في البحرين” كواجهة دينية للتغلغل في جمهور المسلمين. فـ”القوافل الدعوية” في أوكرانيا، التي حركتها “جمعية الإصلاح” عام 2008، كانت بتنظيم غير مباشر من الحزب “الإخواني” البحريني.

إننا لا نملك معلومات عن موقف هذا الحزب، حينذاك، إزاء مشروع “أطلسة” أوكرانيا، ولا نعرف عن اشتراكه مع شبكات “الإخوان” الدولية في تسريب الإرهابيين التكفيريين إلى القوقاز والبلقان أوكرانيا وإلى روسيا والصين أيضا. ولكن وجدنا أن معرفة هذا الموقف ممكنة، من خلال الإطلاع على موقف “الإخوانيين” البحرينيين من الحرب الإمبريالية الإرهابية التي ينظمها ويقودها حلف شمال الأطلسي وأذنابه على الجمهورية العربية السورية منذ عام 2011 إلى اليوم.

في أصعب أيام تلك الحرب العدوانية الظالمة التي مَثَّل فيها “الإخوان” وخَلَفَهُمْ الإرهابي التكفيري رأس الحربة المحلية، بادر حزب “الإخوان” البحريني، الذي اطلعنا على مشاركة “جمعية الإصلاح” التابعة له في “الجهاد الأوكراني”، إلى إصدار بيانات رسمية تؤيد إرهاب جماعات الإسلام التكفيري في سوريا، وتستجير بالولايات المتحدة الأميركية كي تتدخل عسكرياً ضد حكومة الجمهورية العربية السورية. وكمثل نذكر أن هذا التأييد والإستجارة وردا في نص البيان السياسي الصادر عن “جمعية المنبر الوطني الإسلامي” (أي الحزب “الإخواني” في البحرين) يوم 21 آب/ أغسطس 2013، وفيه نقرأ حرفياً ما يلي:

[… “لقد أصبحت دماء المسلمين هي الأرخص في هذا الزمان وتمادى الطغاة في استخفافهم بكرامة الانسان وحقه في الحياة قبل اي حق طبيعي آخر. ان طاغية الشام بشار ومن أيده في ايران وروسيا وحزب الله اللبناني قد عاثوا في الارض فسادا وسفكوا دماء الاطفال والنساء والرجال والشيوخ. وقد جاءت مجزرة اليوم في الغوطة وباستخدام الأسلحة الكيميائية وتحت أنظار لجنة الامم المتحدة التي أرسلت للتحقيق، بل وبعد عام واحد بالضبط من خطاب الرئيس الأمريكي بخصوص “الخط الأحمر” الذي وضعه حول استخدام أسلحة الدمار الشامل لطاغية الشام ومن يدعمه.

أننا في جمعية المنبر ندعو المسؤولين والحكام العرب والمسلمين الى دعم الثورة السورية ودعم الثوار السوريين لحسم المعركة مع نظام الأسد الذي قتل شعبه ونكل بهم وطغى وتجبر. كما لابد من الضغط على الحكومات الداعمة له والتي تمده بالمال والسلاح والرجال كإيران وروسيا ولبنان، ولعل اقل القليل هو طرد أو استبعاد سفراء هذه الدول الراعية لمذابح إخواننا السوريين”…].  

نفهم من هذا النص أن تلك “القوافل” كما سائر أساليب “العمل الدعوي” التي قادتها “الجمعيات الإخوانية” في أوكرانيا وغيرها، هي ممر تمهيدي لسحب الأفراد المسلمين إلى متن السياسة “الإخوانية” المستجيرة بحلف شمال الأطلسي، ومن ثم احتواؤهم في كيانات تنظيمية “إخوانية”.

“فخر السردية الإخوانية”

إن تعريف حرب توسع حلف شمال الأطلسي في أوكرانيا بأنها النسخة المعدلة من “الحرب ضد سوريا”، مشتقٌّ من طبيعة الهدف الإمبريالي الغربي، الذي هو هدف واحد، في كلا الحربين. فإذا “كانت الحرب ضد سوريا، في نهاية المطاف، محاولة من قبل الغرب للحفاظ على السيطرة على العالم” وقد فشلت بعد اثنتي عشر عاماً وانتصرت حكومة سوريا السيدة المستقلة، فإن حرب “أطلسة” أوكرانيا الآن، تأتي كـ”محاولة [أخرى] من قبل الغرب للحفاظ على السيطرة على العالم”.

يمنحنا هذا التعريف مقياساً فكرياً ـ سياسياً فاحصاً، يضيء رؤيتنا إلى سياسة “الإخوان” ومسؤوليتهم وجماعات التكفير والإرهاب، عن الجرائم التي ارتكبوها في الحرب ضد سوريا وفي حرب “أطلسة” أوكرانيا. حتى لا يبقى مجالاً للشك بولائهم لنظام الهيمنة الغربي بقيادة الولايات المتحدة وقيامهم على خدمته، مقابل تسليمهم سلطة الحكم. وقد استفاد “الإخوان” وبقية الجماعات التكفيرية، بالفعل، من الفوضى السياسية التي عرفت باسم “الربيع العربي”، فسيطروا على الحكم في بعض الدول العربية بدعم من الغرب وأكملوا “الحوار” معه“.

كان مشروع “الأطلسة الشاملة” حاضراً في اليوم التالي لانهيار الإتحاد السوفياتي عام 1991، وبعد إعلان الرئيس الأميركي جورج بوش الإبن السابق، عن قيام النظام الدولي الأحادي القطب. وقد عرض الرئيس الأميركي السابق ريتشارد نيكسون خطوطه العامة في كتابه الشهير Seize the Moment: America’s Challenge in a One-Superpower World (1992).

دعا نيكسون بطل “فضيحة ووترغيت” إلى توسيع حدود حلف شمال الأطلسي / ناتو شرقاً، لكي يضم كل الأقاليم والدول التي كانت في فضاء الإتحاد السوفياتي السابق، خصوصاً الدول الأوروبية. كما شَرَطَ نجاح المشروع بفرض رقابة أطلسية على تسلح روسيا من على باب المصنع، لأنه لا يثق بـ”التحول الديموقراطي” الذي كان يجري فيها.

آنذاك، راجت تقارير صحفية عن خطط أميركية وغربية لـ”أطلسة” روسيا نفسها، جزئياً، كوسيلة لتقسيمها. وأوكلت واشنطن ولندن إلى الإسلاميين التكفيريين دور أساسي في تنفيذ الجانب العسكري ـ الحربي من هذه الخطط. وهو ما ظهر في حرب الشيشان الأولى (1994 ـ 1996) والثانية (1999 ـ 2000). وقد حظي هؤلاء بمساعدة ميدانية من أجهزة الإستخبارات في تركيا وجورجيا وأذربيجان، وبعض الدول العربية. ويفاخر كُتَّاب “السردية الإخوانية” بأن حربي الشيشان هي مبرر العمليات الإرهابية التي نفذها الإسلاميون التكفيريون “في العمق الروسي“.

لقد أصبح كتاب نيكسون دليل السياسة الخارجية لكل الإدارات الأميركية التي تعاقبت على كرسي الحكم في “البيت الأبيض” منذ نشره. فقد استكمل “مشروع الأطلسة” في وسط وشرق أوروبا، تدريجياً، خلال ثلاثة عقود تقريباً. إبان ولايتي كلينتون وولايتي بوش الإبن وولايتي أوباما، ثم أثناء ولاية ترامب الذي ضم “جمهورية الجبل الأسود” عام 2017 متجاوزاً الغضب الروسي. كان هذا المشروع أداة أساسية لاحتواء الإتحاد الأوروبي وتهديد روسيا من جوارها المباشر.

سهل الإسلاميون التكفيريون السبيل أمام المشروع الأميركي لـ”أطلسة أوروبا الجديدة”. لم تظهر بنادقهم ولم يفلت إرهابهم طيلة تلك السنوات إلا في الدول والأقاليم التي امتنعت على “الأطلسة” مثل دولة يوغوسلافيا السابقة أو التي عرقلتها مثل “أوكرانيا السابقة”.

يتبع يتبع …….

مركز الحقول للدراسات والنشر
الخميس، 4 أيار/ مايو، 2023

 

Please follow and like us:

COMMENTS