يعتبر كريغ مخيبر أرفع مسؤول في الأمم المتحدة يستقيل بسبب “الإبادة الجماعية” التي ترتكبها “إسرائيل” في غزة. وحملت رسالة الإستقالة التي رفعها إلى مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان فولكر تورك، رؤية سياسية ـ فكرية ، تبين أن هيمنة الولايات المتحدة الأميركية على النظام الدولي ـ الأمم المتحدة، هي التي تحمي جرائم “إسرائيل” ضد الفلسطينيين، كما تؤمن برنامجها النووي، وتوفر مصدر إسناد ودعم لـ”التصلب الإسرائيلي”.
وقال مخيبر في الرسالة التي “أحدثت اصداء بحسب قناة CNN انتشرت على نطاق واسع” : إننا “نشهد، مرة أخرى، إبادة جماعية تتكشف أمام أعيننا، ويبدو أن المنظمة التي نخدمها عاجزة عن وقفها، ما يحدث في غزة حالة إبادة جماعية، وهيئات رئيسية بالأمم المتحدة استسلمت للولايات المتحدة واللوبي الإسرائيلي” فيها.
” تجردوا في لحظة من الدعاية الإسرائيلية”!
وأضاف : إن “المشروع الاستعماري الأوروبي دخل المرحلة النهائية لتدمير بقايا الحياة الفلسطينية الأصلية”. وقال: “بالأمس، على بعد بنايات قليلة من هنا، تم ملء محطة غراند سنترال في نيويورك بالكامل من قبل الآلاف من اليهود المدافعين عن حقوق الإنسان الذين وقفوا تضامنا مع الشعب الفلسطيني، وطالبوا بوضع حد للطغيان الإسرائيلي”، لافتاً إلى أن “العديد منهم معرضون لخطر الاعتقال في هذه العملية”.
وقال إن المتظاهرين “من خلال القيام بذلك، قد تجردوا في لحظة من الدعاية الإسرائيلية، ومن الاستعارة القديمة المعادية [لليهود] للسامية، التي تقول إن إسرائيل تمثل الشعب اليهودي بطريقة أو بأخرى. وعلى هذا النحو، فإن إسرائيل هي المسؤولة الوحيدة عن جرائمها. في هذه النقطة، من الجدير التكرار، على الرغم من ادعاءات اللوبي الإسرائيلي عكس ذلك، فإن انتقاد انتهاك إسرائيل لحقوق الإنسان ليس معاداة [لليهود] للسامية”.
وقال مخيبر إنه “عندما يسعون إلى إسكاتنا بتشويه السمعة والافتراءات، علينا أن نرفع صوتنا، لا أن نخفضه. أنا على ثقة من أنك ستوافقني الرأي، أيها المفوض السامي، على أن هذا هو ما يعنيه قول الحقيقة للسلطة”.
وقال: “أجد الأمل أيضا في تلك الأقسام من الأمم المتحدة التي رفضت التنازل عن مبادئ حقوق الإنسان، على الرغم من الضغوط الهائلة التي تعرضت لها للقيام بذلك.. لقد واصل مقررونا الخاصون المستقلون، ولجان التحقيق، وخبراء هيئات المعاهدات، إلى جانب معظم موظفينا، الدفاع عن حقوق الإنسان للشعب الفلسطيني”.
أين “صوت الأمم المتحدة”؟
وتابع مخيبر شغل منصب مدير مكتب نيويورك لمفوضية الأمم المتحدة العليا لحقوق الإنسان، قبل استقالته : أنه “حتى في الوقت الذي قامت فيه أقسام أخرى من الأمم المتحدة حتى على أعلى المستويات، بإحناء رؤوسهم بشكل مخزٍ للسلطة. وباعتبارها الجهة الراعية لقواعد ومعايير حقوق الإنسان، يقع على عاتق المفوضية واجب خاص يتمثل في الدفاع عن تلك المعايير”.
وأعرب عن اعتقاده بأن “مهمتنا هي أن نجعل صوتنا مسموعاً، من الأمين العام إلى أحدث موظف في الأمم المتحدة، وأفقيا عبر منظومة الأمم المتحدة الأوسع، مع الإصرار على أن حقوق الإنسان للشعب الفلسطيني ليست موضع نقاش أو تفاوض أو تسويات في أي مكان تحت العلم الأزرق”.
وتساءل المسؤول الدولي السابق: “كيف يمكن أن يبدو الموقف القائم على معايير الأمم المتحدة؟ لماذا سنعمل إذا لم نكن صادقين مع تحذيراتنا الخطابية حول حقوق الإنسان والمساواة للجميع، ومساءلة الجناة، وإنصاف الضحايا، وحماية الضعفاء، وتمكين أصحاب الحقوق، وكل ذلك في ظل سيادة القانون؟”.
وأجاب : “إذا كان لدينا الوضوح لنرى ما وراء الستار الدعائي الذي يشوه رؤية العدالة التي أقسمنا عليها، والشجاعة للتخلي عن الخوف والإذعان للدول القوية، والإرادة للتعامل بشكل حقيقي مع هذه القضية. راية حقوق الإنسان والسلام. من المؤكد أن هذا مشروع طويل الأمد وشاق. ولكن علينا أن نبدأ الآن أو نستسلم لرعب لا يوصف”.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مـقـابـــلـة
كريغ مخيبر يتحدث إلى مذيعة CNN، بيكي أندرسون، عن استقالته وغيرها من القضايا :
“أفضل ما سمعناه هو المطالبة بالمساءلة عن جرائم إسرائيل والجرائم ضد الإنسانية والتطهير العرقي والإبادة الجماعية التي ارتكبتها قبل 7 أوكتوبر. ومنذ 7 أوكتوبر”
المذيعة :
أمضى ضيفي سنوات في العمل من أجل حقوق الإنسان، بما في ذلك في غزة. لكنه استقال من منصبه في الأمم المتحدة في الأسبوع الماضي، احتجاجاً على ـ ما أسماه ـ الإبادة الجماعية المكشوفة للشعب الفلسطيني
كريغ مخيبر كان مدير مكتب نيويورك لمفوضية الأمم المتحدة العليا لحقوق الإنسان.
سنناقش استقالة كريغ. لكن قبل أن نفعل ذلك سيد كريغ. أسالك :
ـ في تلك الرحلة إلى معبر رفح، قال رئيسك السابق، المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، فولكر تورك، إن كلا الجانبين ارتكبا جرائم حرب، كما ردد الدعوة إلى وقف فوري لإطلاق النار بين “إسرائيل” وحماس. هل نرى تورك يكرر الأمر ذاته، أم أنها خطوة أولى من جانبه نحو تغيير في موقف مفوضية حقوق الإنسان؟ ما رأيك؟.
كريغ مخيبر:
“أعتقد أنها خطوة مهمة. أعتقد أنه من الصواب دعوة تورك إلى التطبيق المتساوي للقانون الدولي على جميع الأطراف المشتبه في ارتكابها جرائم حرب. إن ما شهدناه حتى اللحظة هو صوت يطالب بالمحاسبة على جرائم الحرب التي من المحتمل أن تكون حماس قد ارتكبتها في هجومها يوم 7 أوكتوبر. هذا صحيح. أي عضو في حماس أو أي شخص يتولى القيادة فيها، متورط في جرائم حرب ينبغي أن يخضع لسيادة القانون.
لكن أفضل ما سمعناه هو همس ومطالبة بالمساءلة عن جرائم إسرائيل والجرائم ضد الإنسانية والتطهير العرقي والإبادة الجماعية قبل 7 أوكتوبر. والكثير من الهمس للمساءلة عن الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل منذ 7 أوكتوبر. إذ أن القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني والقانون الجنائي جميعها واضحة. فالقانون ينطبق على جميع الجهات الفاعلة، ومن واجب جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، والأمم المتحدة نفسها،
العمل من أجل مساءلة مرتكب الجريمة أياً كان مرتكبها وأياً كانت الضحية. لقد كان ذلك جزءاً من شكواي إلى الأمم المتحدة، حينما رأيت جواً من الذعر والتردد مع الدول القوية”.
المذيعة :
اريد أن أتحدث عن ذلك بعد قليل، لأن أصداء استقالتك انتشرت على نطاق واسع. لكن أسالك :
ـ جاء في رسالة استقالتك أن هذه [ الحرب “الإسرائيلية” على غزة] هي حالة نموذجية للإبادة الجماعية. فالمشروع الإستعماري الإستيطاني العرقي الأوروبي في فلسطين يختم مرحلته النهائية، نحو التدمير السريع لآخر بقايا الحياة الفلسطينية الأصلية في فلسطين. وقد حظيت هذه الرسالة بمجموعة واسعة من الردود. حيث اشاد بعضها بقرارك، فيما وصفه البعض الآخر، بأنه معاداة علنية [لليهود] للسامية. ما ردك؟
كريغ مخيبر :
“نحن على دراية جيدة بهذا التكتيك المتمثل في اتهام الأشخاص بمعاداة [اليهود] السامية، إذا ما تجرأوا على الإشارة إلى الإنتهاكات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين. إنه تكتيك تم استخدامه منذ فترة طويلة، ويسبب جزئياً الذعر الذي نراه في المنظمات الدولية. حيث لا أحد يريد أن يطلق عليه اسم معاد [لليهود] للسامية. لقد طَرحت القضية وما زلت أطرحها، وهي أن انتقاد انتهاكات حقوق الإنسان في إسرائيل [ومن جانبها] ليس معاداة [لليهود] للسامية. والأمر كذلك، في حال انتقاد السعودية مثلاً، فإنه ليس كراهية للإسلام، ولا انتقاد انتهاكات البورميين معاداة للبوذية، كما أن انتقاد الهند ليس معاد للهندوسية. إذا كان كل هذا صحيحاً، بشأن الإطار الدولي لحقوق الإنسان، فإن تهمة معاداة [اليهود] السامية تتعلق فقط بحظر انتقاد إسرائيل وهذا اقتراح عنصري. لأنه يعني أن الفلسطينيين وحدهم لا يحق لهم الدفاع عن حقوقهم. هنا، أشير إلى آلاف المدافعين اليهود عن حقوق الإنسان في العالم. إن نشطاء السلام والشخصيات البارزة الذين يقفون ويتظاهرون ويسيرون في الشوارع، ويستولون على المحطة المركزية الكبرى وتمثال الحرية [في نيويورك] ويجعلون أصواتهم مسموعة في جميع القارات ليقولوا :
ـ هذا [العدوان الإسرائيلي على غزة] ليس باسمنا. نحن لا ندعم هذا. وإسرائيل لا تمثلنا [نحن اليهود]. وفي الواقع، إنها عبارة معاداة [اليهود] السامية هي عبارة قديمة، تشير إلى أن انتقاد إسرائيل هو انتقاد لليهود إلى حد ما. فيما إسرائيل هي دولة مثل غيرها، وهي مسؤولة عن جرائمها وهذه المسؤولية لا تمتد إلى أشقائنا وشقيقاتنا اليهود في أي مكان”
المصدر : قناة سي أن أن الأميركية، يوم الجمعة 10 تشرين الثاني/ نوفمبر، 2023.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مقترحات وحلول
وارفق مخيبر اللبناني الأصل، رسالته، بعدد من المقترحات السياسية، وأهمها :
- العمل المشروع: يتعين علينا في الأمم المتحدة أن نتخلى عن اتفاق أوسلو الفاشل والمخادع إلى حد كبير، وحل الدولتين الوهمي، واللجنة الرباعية العاجزة والمتواطئة، وإخضاع إسرائيل للقانون الدولي بما تمليه النفعية السياسية المفترضة. مواقفنا يجب أن تكون على أساس حقوق الإنسان الدولية والقانون الدولي.
- وضوح الرؤية: يجب علينا أن نتوقف عن التظاهر بأن هذا مجرد صراع على الأرض أو الدين بين طرفين متحاربين، والاعتراف بحقيقة الوضع الذي يحدث فيه بشكل غير متناسب أن الدولة القوية تستعمر وتضطهد وتجرد السكان الأصليين على هذا الأساس من عرقهم.
- دولة واحدة على أساس حقوق الإنسان: يجب أن ندعم إقامة دولة واحدة ديمقراطية، دولة علمانية في كل فلسطين التاريخية، مع حقوق متساوية للمسيحيين والمسلمين واليهود، وتفكيك المشروع الاستعماري الاستيطاني العنصري العميق وإنهاء الفصل العنصري في جميع أنحاء الأرض.
- مكافحة الفصل العنصري: يجب علينا إعادة توجيه جميع جهود الأمم المتحدة ومواردها نحو النضال ضد الفصل العنصري، تماما كما فعلنا في جنوب أفريقيا في السبعينيات والثمانينيات وأوائل التسعينيات.
- العودة والتعويض: يجب التأكيد والإصرار على حق العودة والتعويض الكامل لجميع الفلسطينيين وعائلاتهم الذين يعيشون حاليا في الأراضي المحتلة، في لبنان والأردن وسوريا وفي الشتات في جميع أنحاء العالم.
- الحقيقة والعدالة: يجب أن ندعو إلى عملية عدالة انتقالية، مع الاستفادة الكاملة من عقود من التحقيقات والاستفسارات والتقارير المتراكمة للأمم المتحدة، لتوثيق الحقيقة، وضمان مساءلة جميع الجناة، وإنصاف جميع الضحايا، وسبل الانتصاف للظلم الموثق.
- الحماية: يجب علينا أن نضغط من أجل نشر قوة حماية تابعة للأمم المتحدة ذات موارد جيدة ومفوضة بقوة، مع تفويض مستدام لحماية المدنيين من النهر إلى البحر.
- نزع السلاح: يجب علينا أن ندعو إلى إزالة وتدمير المخزون الإسرائيلي الضخم من الأسلحة النووية والكيماوية والبيولوجية، خشية أن يؤدي الصراع إلى التدمير الكامل للمنطقة، وربما أبعد من ذلك.
- الوساطة: يجب علينا أن ندرك أن الولايات المتحدة والقوى الغربية الأخرى ليست في الواقع بمثابة وسطاء ذوي مصداقية، بل هي أطراف حقيقية في الصراع متواطئة مع إسرائيل على انتهاك الحقوق الفلسطينية، ويجب علينا إشراكهم على هذا الأساس.
- التضامن: يجب أن نفتح أبوابنا (وأبواب الأمين العام) على مصارعها أمام جحافل المدافعين عن حقوق الإنسان الفلسطينيين والإسرائيليين واليهود والمسلمين والمسيحيين الذين يتضامنون مع شعب فلسطين وحقوقه الإنسانية، ووقف التدفق غير المقيد لجماعات الضغط الإسرائيلية إلى مكاتب قادة الأمم المتحدة، حيث يدعون إلى استمرار الحرب والاضطهاد والفصل العنصري والإفلات من العقاب، وتشويه سمعة المدافعين عن حقوق الإنسان لدينا بسبب دفاعهم المبدئي عن الحقوق الفلسطينية.
لـ”وقف إطلاق النار” و”للتخلي عن نموذج الماضي الفاشل”
وتوقع مخيبر في رسالة الإستقالة أن “يستغرق تحقيق ذلك سنوات، وستحاربنا القوى الغربية في كل خطوة على الطريق، لذا يجب أن نكون صامدين. وعلى المدى القريب، يجب علينا أن نعمل من أجل وقف فوري لإطلاق النار وإنهاء الحصار الذي طال أمده على غزة، والوقوف ضد التطهير العرقي في غزة والقدس والضفة الغربية (وأماكن أخرى)، وتوثيق هجوم الإبادة الجماعية في غزة، ومساعدة وتقديم مساعدات إنسانية ضخمة وإعادة الإعمار للفلسطينيين، ورعاية زملائنا المصابين بصدمات نفسية وأسرهم، والنضال بلا هوادة من أجل اتباع نهج مبدئي في المكاتب السياسية للأمم المتحدة”.
وختم مخيبر رسالته قائلاً إن “فشل الأمم المتحدة في فلسطين حتى الآن ليس سبباً للانسحاب بل ينبغي أن يمنحنا الشجاعة للتخلي عن نموذج الماضي الفاشل، وتبني مسار أكثر حفاظا على المبادئ. دعونا كمفوضية حقوق الإنسان، ننضم بجرأة وفخر إلى الحركة المناهضة للفصل العنصري التي تنمو في جميع أنحاء العالم، ونضيف شعارنا إلى راية المساواة وحقوق الإنسان للشعب الفلسطيني. العالم يراقب وسنكون جميعا مسؤولين عن موقفنا في هذه اللحظة الحاسمة من التاريخ فلنقف إلى جانب العدالة”.
وأضاف “أشكرك، حضرة السيد المفوض السامي فولكر تورك، على سماع هذا النداء الأخير من مكتبي سأترك المكتب في أيام قليلة للمرة الأخيرة، بعد أكثر من ثلاثة عقود من الخدمة ولكن من فضلك لا تتردد في التواصل لمعرفة ما إذا كان بإمكاني تقديم المساعدة في المستقبل”.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مركز الحقول للدراسات والنشر
الأربعاء، 08 جمادى الثانية، 1445 الموافق 20 كانون الأول، 2023
COMMENTS