معهد الفنون في الجامعة اللبنانية : المتخرجون قدموا أعمالاً عن مشاكل الإنسان الحديث وهواجسه

معهد الفنون في الجامعة اللبنانية : المتخرجون قدموا أعمالاً عن مشاكل الإنسان الحديث وهواجسه

How the Islamic State Seized a Chemical Weapons Stockpile
بعد القصف الجوي على سوريا : ربما اقترب الأردن من لحظة (إعادة) النظر في الخيارات الكبرى؟
شاهد من مدينة الرقة : إنزالات جوية أميركية لاختطاف مئات الشباب وسوقهم إلى جهة مجهولة؟

حين زرنا معهد الفنون الجميلة في الجامعة اللبنانية، منذ ما يزيد عن سنوات عشر مضت، بهدف الاطّلاع على أعمال التخرج العائدة لطلاب قسم التصوير، شاهدنا لوحات كبيرة، كما هي حال لوحة الدبلوم عادة، التي تمثّل نهاية مرحلة الاطلاع والتعلّم، لم تخرج جميعها تقريباً عن إطار الفن التصويري الصافي المتعارف عليه، والذي درج الطلاب في خاتمة دراستهم على التمسك الشكلي به، ما أعتُبر حينها أمراً بديهياً نظراً إلى طبيعة الاختصاص ومتطلباته.
ما من شك في أن فروقات معينة بين طالب وآخر كنا لحظناها في ذلك الوقت، ما يُعتبر بدوره أمراً بديهياً وطبيعياً. هذه الفروقات لا تتعلّق فقط بالمستوى الاحترافي والتقني، بل بالمداخل المتفاوتة في شكل العلاقة بموضوع التشكيل، مع الأخذ في الاعتبار أن لوحة الدبلوم، وبالرغم من كونها عصارة جهد كان الطالب بذله من أجل تبيان ما يتقنه، ليست نهاية مطاف بل بداية درب، وقد لا تكون الظروف ملائمة دائماً لتبيان المعرفة المكتسبة على النحو الأمثل، لكون هذا العمل يتم ضمن أجواء من الضغوط النفسية، والرهبة من عدم التوصل إلى النتيجة المرجوّة. أعمال التخرّج التي شاهدناها هذا العام، منذ أيام قليلة، قد تتشابه قليلاً مع ما رأيناه سابقاً، لكنها تختلف عنها أيضاً، وبقدر أكبر. فالتطوّر الذي أصاب الفن التشكيلي عموماً في الفترة الماضية كان لا بد من أن يترك أثراً على طلاب اليوم، علماً أن هذا التطوًر نسبي من حيث الأساس، ولا يشبه التطور الحاصل في مجالات علمية أو تقنية أخرى. السؤال الأساس في هذه المرحلة، وربما في كل مكان، يتمحور حول مفهوم اللوحة التقليدي، وإمكاناتها في عصر تنوّعت فيه طرق التعبير وبلغت حدوداً لم تكن واردة من قبل. وكما يبدو، فإن طلاًب الإجازة في فن التصوير في معهد الفنون أرادوا التعامل مع هذه المسألة في شكل جدي، وحاول كل منهم سلوك الدرب المختلف الذي رآه مناسباً، وذلك تحت إشراف الأساتذة الذين عملوا على «تهذيب» المقاربات ضمن القواعد المناسبة، من دون التمسّك بقوالب جامدة، كما من دون الوقوع في فخ النسخ الشكلي لإرهاصات وتجارب قامت في أمكنة أخرى، وفي بلدان الغرب خصوصاً.
في استعراض لبعض الأعمال التي شاهدناها، لحظنا اعتماد موضوع الموسيقى، على سبيل المثال، لدى الطالبة بتول خير الدين، من خلال تمثيلها لأوركسترا موسيقية تضم عازفين عدة، حاولت أن تبين عبرها علاقة كل منهم بآلته، كما استعادت الطالبة زينب دندش موضوعاً تراثياً يتمحور حول علاقة من نوع آخر: علاقة الفلاحين بالأرض وبالمواسم، ولا بد أن للأمر صلة بالبيئة الأصلية، البقاعية، لدندش، وفي كلا العملين المذكورين ثمة توليف لوني يتناسب مع الموضوع ويتجنّب التعاكس اللوني الفج. هذا التعاكس يحضر في عمل الطالبة ماريا سويدان التي أرادت المزج ما بين التصوير المسطّح والأحجام البارزة على اللوحة وحتى الخارجة منها. لكن الجديد في ما شاهدناه حاضراً، وكان غائباً في السابق، أن مشروع الدبلوم انقسم لدى الطلاب إلى قسم تصويري خاص بكل طالب، إضافة إلى عمل تجهيزي شارك فيه طلاب عدة، ما يدل على أن التجهيز، كشكل من أشكال التعبير الحديثة، لم يعد غريباً عن أساليب التدريس في معاهدنا. هكذا، رأينا أعمالاً تجهيزية شارك فيها كل من لبنى العريضي ونادر أبو حسون وفرح رمال وزينب فتوني وصابرين نعيم، إضافة إلى تجهيز للطالب عمر بهلوان، وقد تنوعت موضوعات هذه الأعمال بين التطرق إلى مسائل الطبيعة والبيئة والاستهلاك والحرية والقيد، والتناغم أو التعاكس في الحياة والمجتمع. أما العمل الذي أنجزته الطالبة آمنة نور ياسين (نوريا)، الذي يتراوح مفعوله بين اللوحة والتجهيز، فقد قالت عنه إنه «عن الحيوان في داخلي، كي أفسح الصدر للكائنات الجميلة التي لا تجد مكاناً على سطح الكوكب المقيت».
خلاصة، لا بد من التنويه بالجهد الذي بذله الطلاب في شكل عام، والذي اعتمد منطلقات ذات صلة مباشرة بمشاكل الإنسان الحديث وهواجسه، مع الإشارة، كما ذكرنا، إلى أن هذه الأعمال هي بداية درب قد تتبدل معالمها وحيثياتها مع الوقت، وهو جهد يقترن حكماً بالانتباه الذي تولّى أمره أساتذتهم، الذين لم يَسْعَ أحدُهم، كما نعتقد، إلى فرض اتجاهات معينة على طلابهم، وهي معضلة كان عاناها طلاب في الماضي، ولكن يبدو أن الزمن تغيّر حاضراً…نحو الأفضل.
محمد شرف
السفير، 18 حزيران 2016

Please follow and like us: