خيراً فعل وزير الخارجية المصري سامح شكري عندما لم يطلب موعداً من “حزب الله” رغم ان سلفه نبيل فهمي كان التقى “حزب الله” ووزيره حسين الحاج حسن عندما زار لبنان في آذار العام 2014.
حزب الله محرج من جهته، فهو لا يريد توتير علاقته بمصر ولا يريد ان يخسر دولة عربية كبيرة وفاعلة رغم ازماتها المتلاحقة، كما لا يمكنه ان يبلع لقاء شكري الآتي من زيارة كيان العدو. في المقابل لا يريد شكري ان يحرج نفسه وبلاده بلقاء “حزب الله” الذي ما زالت مصر تضعه على خانة “الارهاب” وتتهمه بخلية سامي منصور “شهاب” وبدعم حركة “حماس” وتقويض “السلم والاستقرار” في مصر.
وللمفارقة ايضاً ان المرشحين الرئاسيين السابقين الى الرئاسة حمدين صباحي وعبد المنعم ابو الفتوح يخضعان للتحقيق في امن الدولة المصري اليوم بتهمة التخابر مع “حزب ارهابي” وذلك بعد مشاركة صباحي وابو الفتوح منذ اسابيع في مؤتمر دعم المقاومة في لبنان وفلسطين الذي انعقد في بيروت اخيراً.
وللمفارقة ايضاً ان القنصل المصري الحالي في لبنان شريف البحراوي يزور حارة حريك اسبوعياً ويلتقي مسؤول العلاقات العربية في الحزب الشيخ حسن عزالدين. ومعروف ان البحراوي هو رجل استخبارات من الطراز الرفيع وكانت له صولات وجولات في الاستخبارات المصرية. وفي جلساته المستمرة مع “حزب الله” والتي يضعها الطرفان في إطار التواصل وتبادل الافكار والدردشة، يهاجم البحراوي “حماس” ويحمّلها مسؤولية دعم الفصائل التكفيرية في سيناء. فالجانب المصري وفي عهد الرئيس السيسي حالياً لم يعد يطيق سماع اسم “حماس” ولو لمرة واحدة بعد الاطاحة بالرئيس الاخواني محمد مرسي. ويحّمل النظام المصري “حماس” مسؤولية كل العنف الذي يجري في مصر وخصوصاً في سيناء، والسعي لزعزعة الاستقرار وتقويض النظام الحالي.
بدوره “حزب الله” لا يجد من حرج في إبداء رأيه بخصوص “حماس” وهو يعتبرها قوة مقاومة حليفة وصديقة وهدفها يتماشى مع هدف حزب الله الساعي الى قتال العدو وتحرير فلسطين، ورغم التباين بينهما ايضاً على جملة من المعطيات وابرزها الملفات السورية والعراقية واليمنية والبحرينية.
عدم اللقاء بين شكري او اي ممثل لـ”حزب الله” جنّب الطرفين الاحراج الكبير والذي انتهى بمجرد مغادرة الضيف المصري، الذي لم يحمل معه في واقع الامر سوى تمنيات بحوار لبناني. ووعود باستشراف واستمزاج آراء الدول الاقليمية الفاعلة ويقصد هو تحديداً السعودية وايران بجانب ما.
ويشعر من يلتقي الجانب المصري بضيق يعانيه الاخير من ازماته الاقتصادية الخانقة والمتلاحقة، الى فقدانه التأثير والحضور الاقليمي والعربي والدولي وغياب الكاريزما العربية للدور المصري الذي يحل ويربط في لبنان وسورية والعراق، ويمون على الثورة الفلسطينية ايام الرئيس الراحل جمال عبد الناصر. ورغم وجود من يقول ان مصر خرجت نهائياً عن مسار فلسطين والحل والربط العربيين عندما وقّعت معاهدة السلام مع الكيان الصهيوني وعندما زار رئيسها انوار السادات فلسطين المحتلة وزار كنيست العدو.
اليوم تكابد مصر المشقات ويشعر قادتها بحاجة الى العلاقة الاقتصادية والسياسية مع السعودية ودول الخليج، لكنهم لا يريدون الخروج من علاقة مستقرة مع دول محور الممانعة سورية وايران، وهنا يقع التخبط بين اجندة مصر واجندة السعودية.
غياب الرؤية المصرية عن اي مبادرة لبنانية في زيارة شكري الاخيرة، يقابله في الوقت نفسه حراك دولي واقليمي كبير بدأ يشعر ساسة لبنان والمنطقة بخطواته السياسية والعسكرية. فالدخان والنار والركام والتطاحن غير المسبوق في حلب، هو في واقع الامر بداية ترسيم حدود السيطرة المستقبلية للرابح الاكبر من معركة حلب، ويشعر “حزب الله” لبنانياً انه اكثر المعنيين بالانتصار على التكفيريين اولاً وعلى كل الداعمين لهم على الاراضي السورية. ويؤكد ان التصعيد الميداني سيكون سيّد الموقف حتى بدايات تشرين الاول في انتظار ان تكون الجهود الروسية والايرانية. وانضمام تركيا اخيراً لها قد اثمرت مبادرة عملية في الملف السوري. ووقتها يمكن الحديث عن انطلاق حلول ما في المنطقة. وهذه الحصة اللبنانية من الحلول المح اليها امين عام “حزب الله” السيد حسن نصرالله في خطابه الاخير عندما رسم بوضوح مشهدية الحل او السلة المتكاملة من بقاء الرئيس نبيه بري في رئاسة المجلس وتسليف سعد الحريري ورقة يفاوض عليها ويمهد لبيئته وهي تولي رئاسة الحكومة مقابل تولي الرئاسة الاولى المرشح الاول والوحيد وهو العماد ميشال عون. اما قانون الانتخاب والتعيينات والنفط والبيان الوزاري والحصص والاثلاث المعطلة، كلها تفاصيل تناقش بعد انجاز السلة.
علي ضاحي
جريدة صدى البلد، السبت 20 آب 2016