رأى رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط انه “كان في وسع الرئيس الأميركي باراك أوباما أن يُغيّر، منذ البداية، ميزان القوى في سوريا، عندما قال إن على الرئيس السوري بشار الأسد أن يتنحّى. في ذلك الوقت كانت الفرصة سانحة أمامه لتقديم المساعدة اللازمة إلى الجيش السوري الحر، لكنه لم يفعل”، موضحا ان “ما أقصده بتعبير المساعدة اللازمة هو أنه فشل في تزويد الجيش السوري الحر، أو رفض تزويده، بالأسلحة التي يحتاج إليها. وأعني بذلك صواريخ “ستينغر” الشهيرة التي أرسلها الأميركيون في مرحلة معيّنة إلى المجاهدين في أفغانستان، ما أتاح لهم إلحاق الهزيمة بالاتحاد السوفياتي. إنه سلاح فتّاك، ولأسباب عدّة مُبهَمة، رفض أوباما إرسالها إلى الجيش السوري الحر”.
وفي حديث نشر في مركز “كارنيغي” للشرق الأوسط، قال “أتحدّث عن مرحلة 2011-2012، في أوج معركة حمص. في ذلك الوقت، لم يكن هناك وجود لتنظيم داعش، ولا لجبهة النصرة، ولا لأيٍ من هذه التنظيمات. كان هناك الجيش السوري الحر وثوّار آخرون. لم يكن هناك متطرّفون آنذاك”، لافتا إلى ان “ما نريده من الادارة الأميركية الجديدة هو المزيد من الاهتمام بالمنطقة، ومزيد من التدخّل. علينا العودة إلى المسألة الأساسية في المنطقة التي لا يمكننا تجنّب الكلام عنها، والتي نُسيت تماماً بسبب الأحداث في العراق وسوريا وليبيا، وهي فلسطين والصراع العربي-الإسرائيلي”، متسائلا ما إذا كانت الإدارة الجديدة ستولي حقّاً اهتماماً إلى هذه المسألة.
ورأى ان “هذه ليست النهاية، بل ثمة نوع من تقاسم السلطة بين الولايات المتحدة وبين القوّتَين الصاعدتين الجديدتين: إيران وروسيا. بالطبع، لطالما كان للروس حضورهم، غير أن سياسة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وتوجّهاته العدوانية من أوكرانيا إلى القرم فسوريا، قد ترسي نظاماً جديداً، وحدوداً جديدة، بالتشارُك مع الأميركيين وبتقاسم النفوذ معهم”، لافتا إلى ان دخول روسيا من جديد في المنطقة تمّ على حساب الشعب السوري، والمدن السورية، ودمار سوريا، لأنهم دعموا بشار الأسد بالكامل وبصورة مباشرة وغير مباشرة منذ البداية بالأسلحة والذخائر، فضلاً عن الدعم السياسي. وعندما كان الأسد على وشك التعثُّر بسبب الخسائر التي تكبّدها جيشه، تدخّلوا إلى جانب الإيرانيين. وكان دعمهم حاسماً”. واعتبر ان “الأسد سيتمكن من البقاء لسوء الحظ، وبشكل وقح، وبطريقة لاأخلاقية. وذلك بفضل الروس، ولامبالاة الأميركيين، وبالتحديد أوباما، وبالطبع بفضل إيران”.
ورأى جنبلاط ان “الأسد يحكم بالدم والنار. ونحن لانزال في بداية تغيير ديمغرافي كبير في سوريا، على حساب السنّة الذين يُطرَدون إلى لبنان والأردن وتركيا وأوروبا. أما الباقون فقد يصبحون محاصَرين داخل سوريا، إنما وفقاً لمخططات بشار الأسد التي يسعى من خلالها إلى الحد من نفوذ السنّة”، مشيؤا إلى ان “ما نراه في سوريا أسوأ مما حلّ بالفلسطينيين في العام 1948. إنه مشابه له. لكن إذا ما أردنا المقارنة بين معاناة الفلسطينيين في العام 1948 وبين معاناة السوريين اليوم، كانت معاناة الفلسطينيين، نسبياً، أقل مما يعانيه السوريون اليوم”.
وشدد على انه “سأتمسّك بمعارضتي السياسية والأخلاقية لممارسات النظام السوري”. وقال: “أشعر بضيق وكرب شديدين لأنه بعد خمسة أعوام، لايزال الأسد في السلطة، ولايزال النظام قائماً، لأنه أفاد من التحالفات الشيطانية والمتبدِّلة، ومؤخراً من مواقف الأمم المتحدة. الفضيحة التي ظهرت مؤخراً حول مساعدات الأمم المتحدة إلى سوريا تتنافى مع ادّعاءات المنظمة بأنها تعمل من أجل حماية حقوق الإنسان. لقد قدّمت الأمم المتحدة ملايين الدولارات لمساعدة سوريا، لكن الأموال أُرسِلت إلى عائلة الأسد، وفي شكل أساسي إلى عقيلة بشار الأسد. الأمم المتحدة أقرّت بهذا الأمر، مشيرةً إلى أنها كانت تحاول إنقاذ الناس، لكنها قدّمت في الواقع حقنة في عضل النظام والأسرة الحاكمة. إنها كارثة أخلاقية، ووصمة عار على جبين الأمم المتحدة”، مشيرا إلى انه لا يرى نهاية للأزمة في سوريا. وقال: “لا يستطيع أحد أن يتكهّن كيف ستبدو سوريا الجديدة. لكنني أستطيع أن أرى المشهد داخل سوريا الجديدة. سيبقى اسمها سوريا، إنما مع تغييرات ديمغرافية كبيرة ونزوح للأشخاص. وهذه العملية لمّا تكتمل فصولها بعد”.
من جهة أخرى، اعتبر جنبلاط انه “لا مستقبل لدي في لبنان، فهدفي الوحيد هو الحفاظ على البقاء. وآمل بأن أكون قد نقلت هذه الرسالة إلى نجلي. عندما تنتمي إلى طائفة صغيرة، يكون هدفك الوحيد هو حمايتها والحفاظ على البقاء. والبقاء هنا يعني إقامة علاقات جيّدة مع مختلف مكوّنات البلاد، وعلى رأسها حزب الله. هذا هو السبيل الأسلم ليتمكّن الدروز من البقاء والحفاظ على ماتبقّى لهم سياسياً وديموغرافياً”، كاشفا ان “الطائفة الدرزية في تضاؤل مستمر، هذا واقعٌ علينا القبول به، في حين أن طوائف أخرى تزداد حجماً باضطّراد. لكن مسيحيي لبنان ليسوا أفضل حالاً منّا”. وأضاف “إن الأحلام القديمة التي راودت والدي كمال جنبلاط بتغيير النظام، وإرساء نظام علماني غير طائفي، أحلام القومية العربية، وأحلام النضال المشترك الذي سعينا نحن والفلسطينيون من خلاله إلى تحرير فلسطين، كلها انهارت.
وفي سياق آخر، لفت جنبلاط إلى ان “تحالف قوى 14 آذار كان حلماً جميلاً، لكن لم يكن يملك أي برنامج سياسي عدا إخراج السوريين من لبنان. لقد شعر الأسد، ربما لأول مرة في تاريخه وقد تكون المرة الأخيرة بالخوف، وأقدم على سحب قواته في نيسان 2005″، لافتا إلى ان “البلاد انقسمت لأننا أصبحنا أسرى الأحلام بأننا قادرون على إضعاف حلفاء الأسد في لبنان، أي حزب الله. لكننا كنّا نأمل أيضاً بأن يُبادر مايُسمّى المجتمع الدولي إلى التحرّك لإضعاف النظام السوري. لكنه لم يحرّك ساكناً آنذاك، ولايحرّك ساكناً الآن. في آذار 2008، وقعت صدامات في بيروت والجبل بين حزب الله وحلفائه من جهة والمجموعات الموالية لفريق 14 آذار من جهة ثانية. قرّرتُ الخروج من فريق 14 آذار صوناً لطائفتي”، مشددا على انه “ثمة أولويات، ولم أستطع الاعتماد على أيٍّ كان أو أي شيء عدا حكمة الناس في طائفتي. لقد أقنعتهم، وقد استغرق الأمر بضع سنوات لأتمكّن من إقناعهم، بأن المواجهة العسكرية ستكون بمثابة انتحار للطائفة الدرزية. والآن أُواصل هذا المسار”.
وردا على سؤال حول الصعوبات التي يواجهها الحريري، أسف جنبلاط لما يمر به الحريري، وقال: “لا أعرف أسباب ذلك، لكن حليفي الأقوى يزداد ضعفاً باضطّراد. وهذا محزنٌ. محزنٌ جدّاً”، مشيرا إلى انه لا يرى رئيسا للبلاد في المستقبل المنظور، مؤكدا ان “مَن يبتّ في الموضوع الرئاسي هما القوّتان الإقليميتان، إيران وسوريا. لاينبغي التقليل من شأن النفوذ الذي يتمتع به الاسد وقدرته على إفساد الأمور. هدفهم هو إخضاع المناطق التي يسيطر عليها الثوار في سوريا. فعندما ينجحون في تحقيق ذلك، وهم يعملون على تحقيقه بصورة تدريجية إنما مقابل ثمن باهظ جدّاً، يمكنهم أن يفرضوا على لبنان وصاية جديدة، ربما مع شروط جديدة. في هذا الصدد، بعض المسيحيين أو بعض الزعماء في الطائفة المارونية غافلون عن أنه قد يتم تعديل الدستور بما يتعارض مع مصالحهم. ربما البعض مستعدّون للقبول بهذا الأمر، على غرار ميشال عون. لكن ذلك يتوقّف على المكاسب العسكرية للجيش السوري وحلفائه”.
وعن امكانية تأمين غالبية الثلثين في مجلس النواب لتعديل الدستور، رأى وليد جنبلاط اننا “في مأزق، إنها حرب استنزاف. وفي حرب الاستنزاف هذه، هم أقوى منّا وأكثر قدرة على الصمود. نحن لسنا موحّدين؛ على المستوى الاقتصادي، تشهد البلاد تراجعاً كبيراً، وتعاني من هشاشة شديدة. من يدري ماقد يحدث بعد سنة؟ في الوقت الراهن، نحن قادرون على الاستمرار، لكن من يدري ماقد يطرأ بعد عام من الآن. والفريق الآخر لايأبه، ويملك سيطرة مطلقة داخل طوائف بكاملها. أقصد، لاتقولوا لي إنهم لايفيدون من الانقسامات في صفوف المسيحيين. بلى يفيدون. حتى في صفوف السنّة، لديهم ميليشياتهم ونفوذهم. وفي صفوف الدروز أيضاً”.
وردا على سؤال حول ان كان سيضطر إلى عقد مصالحة مع بشار الأسد، في حال بقائه، جزم جنبلاط انه لن يفعل ذلك. “فهذا يعني نهايتي السياسية. أفضّل الانتحار بشروطي أنا بدلاً من الذهاب إلى سوريا ومصافحة بشار”.
وكالات، الجمعة 16 أيلول 2016