الاغنية الشعبية اللبنانية

الأغنية التراثية السورية وتعريفها
المغرب : الفرق الموسيقية الجوَّالة تعكس نبض المجتمع
“العيون” : قصيدة جديدة لـ ماجدة الظاهري من تونس

لعلّ ما يعرفه الجيل الجديد عن الاغنية التراثية في لبنان محدود بالارث الكبير الذي تركه لنا الاخوين الرحباني والسيدة فيروز. ولكن، الاغنية الشعبية اللبنانية تتنوّع شعرا ولحنا بين العتابا والميجنا وغيرها…

العتابا
وهي مشتقة من كلمة العتب، نسمعها في أغاني الحب المعبرة عن الفارق المؤلم بين المشاعر التي يكنّها المحبّ لحبيبه، والواقع الذي يجري عكس ما تشتهي السفن. فنراه تارة يعاتب الحبيب الذي نسي حبّه القديم، وطورا يعاتب القدر الذي يفرّق بين العشّاق. ونظرا لارتباطها بالحب (سواء حب الوطن او الحبيب، او الرسل)، والعذاب، والفرح، واليأس، والسهر، والشوق، والصدّ، واللهفة، دخلت العتابا أعراسنا، وسهراتنا لترافق شرب الكأس، وقطاف الزيتون…

لم يعرف مصدر هذا النوع من الغناء، هل هو عربيّ ام سريانيّ لان الزجل اللبناني، والعتابا جزء منه تأثّر في نشأته بالالحان والصلوات السريانية. بالرغم من الاعتقاد بأنه نوع من الشعر العامّي اخترعه أهل البادية، الا أنه قريب جدا من “الميمر” الذي اخترعه السريان، وذلك من حيث عدد الابيات والاشطر، وعدد الوحدات الصوتية، والجناس في الاشطر الثلاثة الاولى، الخ. والفرق بينهما ان الميمر ينتهي براء ساكنة، في حين بيت العتابا ينتهي بباء ساكنة او بألف.

أما الرأي الارجح الذي يتمسّك به معظم الموسيقيين والمؤلفين كمنصور الرحباني، وجورج جرداق، ومارون كرم، فهو ان العتابا عراقيّة المنشأ. فالعراق عرف شعرا قريبا جدا من العتابا يعرف بال”أبوذيّة” ويختلف عن العتابا بأن الشطر الرابع منه بنتهي ب”يّة” وليس بباء ساكنة او ألف. وهكذا تكون العتابا قد انتقلت الى العرب البدو من العراقيين، حتى وصلت الى لبنان.

تبدأ العتابا عادة بكلمة “أوف” تعبيرا عن الضجر او الوجع كمن يقول “أفّ” او “آخ” وبعدها البيوت الشعريّة مثل:

جبل لبنان عم بدقّ عودو على الاوطان يا غيّاب عودوا

وأرز الرب ما بيخضرّ عودو حتى تلتقي بظلّوا الحباب

عادة ما تلي هذه الابيات الميجنا. اما اللبنانيون فيفضّلون ان تسبق الميجنا العتابا.

وتروي الحكاية الشعبية عن العتابا ان فلاحا مقيم في جبل الاكراد كان متزوجا من امرأة جميلة تدعى عتابا أحبّها اقطاعي المنطقة فأخذهها من زوجهاالذي هجر المكان بعد ان فشل في استردادها، وراح ينتقل من مكان الى آخر حتى وصل الى عكار، شمالي لبنان. ولشّدة ألمه أخذ يغنّي لها: عتابا بين برمي وبين لفتي عتابا ليش لغيري ولفتي

انا ما روح للقاضي ولا افتي عتابا بالثلاث مطلقّا

الميجنا
تماما كالعتابا، يعتقد ان الميجنا متحدّرة من الأبوذيّة، وهي مرتبطة بالعتابا بما فيها من ملامة وتظلّم: ” يا ميجنا يا ميجنا يا ميجنا امّك لعينة وجابتك ألعن منا”

وفي لبنان نقول “عتابا وميجنا” وذلك لأنهما توأم، فلا تذكر واحدة الا وتذكر الاخرى. فمثلا، تذكر العتابا في مطلع الميجنا او ما يسمّى بالكسرة: ” حلوة العتابا بوجود حبابنا” او ” غنّوا عتابا تا نسلّي بعضنا”.

اما بالنسبة لمعنى كلمة ميجنا، فكثرت الآراء. يقول الكاتب اللبناني مارون عبّود ان أصل الكلمة” يا ما جانا” أي ما أكثر ما أصابنا في حين يرجع أنيس فريحة الميجنا الى أصل سرياني منحدر من “نجن” اي اللحن والغناء، ويذهب البض الى انها مشتقة من لفظة ” الميجنة” بالفصحة وهي المدقّة التي يستخدمها مبيّض الثياب.

والقصة الشعبية تقول ان لأمير عربي ابنتان: عتابا و ميجنا. أحبّت عتابا شابا مات قبل ان تتزوّجه فأمضت حياتها تبكيه عاتبة على الدهر الذي تسبّب لها بالاسى. في محاولة للترفيه عن اختها، نظمت لها ميجنا بيوتا شعرية تنتهي بال”نا” التي توحي بالفرح بدلا من الباء الحزينة، الجامدة.

والميجنا التي تأتي قبل أو بعد العتابا تسمّى “الكسرة”. من هنا يقال: ” غنّوا العتابا واكسرولا الميجنا”، و كسّر بالعامية تعني عزّى وهوّن.

الرّوزنا
ع الروزنا ع الروزنا كلّ الحلا فيها

شو عملت الروزنا حتّى نجافيها

هذه هي الاغنية الشعبية اللبنانية المعروفة بالروزنا.

هنالك عدّة روايات حول أصل هذه الاغنية. يروى عن حسناء اسمها روزنة أحبت شابا لكن أهلها زوّجوها بغيره، فغنّى لها حبيبها هذه الاغنية.

ويحكى ايضا ان فتاة عراقية في مدينة الموصل كانت تتبادل أحاديث الحب مع أحد أقاربها عبر كوّة في جدار بيتها. أهل الموصل يسمّون هذه الكوّة روزنة، وتعرف في بغداد بالرازومة. فلمّا علمت أم الفتاة بأمرها، أقفلت الكوّة وقالت: ع الروزنا ع الروزنا كل البلى بيها

فردت الفتاة على أمها: شو عملت الروزنا حتى تسدّيها

الحكاية الثالثة تقول ان الروزانا هي باخرة ايطالية غرقت في طريقها الى بيروت فألحقت خسارة كبيرةب أحدهم فقال:

ع الروزنا ع الروزنا كلّ البلى فيها شو عملت لنا السنة الله يجازيها

اخيرا، الحكاية التي يرويها لنا منصور الرحباني وانطوان غندور هي عن فتاة لبنانية من قرية قرب صنين تدعى روزنا أحبّها شاب تطوّع في جيش ابراهيم باشا المصري. وعندما عاد الى البلدة وجدها متزوجة، فغنى لها مطلع أغنية الروزنا.

أبو الزلف
الذّلف هو الانف الجميل، وان أمّ الذلف هي الحسناء الجميلة، وأبو الذلف هو الشاب الوسيم.

من حيث البنية، يبدأ أبو الزلف بعبارة ” هيهات يا بو الزلف عيني يا موليّا “، وأحيانا يستبدل كلمة ” بو الزلف” ب ” ام الزلف”.

البيوت الاربع التي تلي المطلع هي ذات قواف صدورها واحدة، وقواف أعجازها واحدة ومختلفة عن قافية الصدور. تنتهي قافية الصدر الاخير بنفس قافية المطلع اي “يّا”.

ويعتقد ان كلمة موليّا تحريف للفظة ” مولاي”، لذلك يرجّح البعض ان ابو الزلف ظهرت على قبور البرامكة وعلى ألسنة جارياتهم اللواتي كنّ يندبنهم بعد ان نكبهم الخليفة العباسي هارون الرشيد. ويقال ان أوفى هذه الجواري واسمها ” دنانير” رفضت الغناء لهارون الرشيد بعد مقتل سيّدها يحيا بن خالد البرمكيّ.

هذا ما يفسّر ايضا اللحن البطيئ والمائل الى الحزن الذي يتميّز به ابو الزلف.

والمطلع ” هيهات يا بو الزلف عيني يا موليّا” تعني ابتعد صاحب الجمال والوسامة وأنت عيني يا مولاي.

هذا جزء مما قيل في ابو الزلف:

هيهات يا بو الزلف عيني يا موليّا

لا تنكري الاصل أصلك لبنانيّة

مغرم بحبّ السّمر يا قرّة عيوني

ما بفوتهن عالعمر مهما جافوني

ومهما قسوا بالأمر والبيض حبّوني

ما بميل نحو الشّقر لو قطعوا ديّا

ان زجلنا متأثر بالتراث العراقي، ومعا يشكلان ارثا عربيا عريقا يجمع بين مكارم الشهامة والكرم والقوة، وجموح الحب، والغيرة، والمشاعر الشرقية الجيّاشة. وبالرغم من ذلك، نرانا نستورد الاغنية الغربية على حساب الاغنية الفلكلورية المنسية.

ان التبادل والتأثر الموسيقي بين الشرق والغرب يأتي كنتيجة حتميّة لانفتاح العصر وتطوّره، واغناء عظيم للفن. اما المشكلة فهي تهميش الفلكلور باسم هذا التطوّر، واتجاه المنتجين لسياسة تسويق ومضاربة تقتضي انتاج الموسيقى “المعصرنة” للمستمع “المعصرن”.

الا أن اللحن الغربي وكلامه يبقى قاصرا عن التعبير عن مشاعرنا. فخلف كلّ لحن شرقيّ او عربيّ روح شرقية او غربية يصعب على الغربيين التقاطها ومن ثمّ اخراجها، فلهم فنهّم الخاص بروحيّتهم، “والنا العتابا والميجنا”…

Please follow and like us:

COMMENTS