خاص ـ الحقول / سباق تسلح إقليمي في الشمال السوري، واستمرار تدفق الأسلحة النوعية الروسية نحو سوريا، تحضيراً لمواجهة تتجاوز المجموعات المسلحة لترميم الدفاعات الجوية السورية مع تركيا.
وبمجرد انطلاق «عاصفة السوخوي» قبل أسبوعين، وبالتزامن معها، نشط سوق السلاح في شرق أوروبا، على مقربة من الروس، ومن مستودعاتهم القديمة في دول حلف وارسو، لإمداد جبهة الجماعات «الجهادية» بصواريخ تتصدى للطوافات الروسية المقاتلة، التي تقدم إسناداً جوياً فعالاً على كل الجبهات التي أطلق فيها الجيش السوري وحداته المدرعة، لتحقق اختراقات واسعة في أرياف حماه وحمص واللاذقية وحلب والغوطة الشرقية ودرعا.
وللمرة الأولى منذ أربعة أعوام، ينتقل الجيش السوري إلى حالة هجوم على معظم الجبهات، سواء تحت غطاء جوي روسي كما في معظم الجبهات الشمالية، أو من دونه، كما في الجنوب، إذ تمكنت الفرقتان الخامسة عشرة والخامسة من استعادة جزء واسع من منطقة «اللواء 82 دفاع جوي»، والتقدم نحو الشيخ مسكين، وهي النقطة الأقرب التي كانت فصائل «الجبهة الجنوبية» و «جبهة النصرة» قد بلغتها نحو طريق درعا – دمشق، للالتفاف على الوحدات السورية المرابطة في قلب حوران.
وألقى أكثر من ألفي مسلح، على دفعات في الأيام الأخيرة، أسلحتهم وسلموا أنفسهم في نطاق مصالحات وتسويات، بعد انهيار خمس موجات متلاحقة من عملية «عاصفة الجنوب»، التي مولتها السعودية وأدارتها غرفة عمليات عمان، أمام تحصينات الفرقة السورية الخامسة عشرة في درعا المدينة، من دون أن تتمكن من اختراقها. كما كانت وحدات من الجيش السوري قد ألحقت هزيمة كبيرة بـ «جبهة النصرة»، عندما استعادت بسرعة تل قبع والتل الأحمر، تمهيدا لفك الحصار عن بلدة حضر، وقطعاً للعملية التي كانت تجري للسيطرة علـى طريق القنيطرة – دمشق بالنيران، والتقدم للاتصال بجيوب المجموعات المسلحة في الريف الغربي لدمشق.
وتقول مصادر متقاطعة إن السعوديين والقطريين باشروا عبر وسطاء عرب عقد صفقات لشراء أسلحة من بولندا وأوكرانيا وبلغاريا، لإمداد مجموعاتهم في الشمال السوري بصواريخ محمولة على الكتف مضادة للطائرات، لمجابهة كابوس طوافات «مي 23» و «مي 24» الروسية، التي تقدم إسناداً نارياً كثيفاً لعمليات الجيش السوري، من دون أن تتمكن الأسلحة المتوفرة من ضرب أي منها حتى الآن.
ويعمل السعوديون على توفير صواريخ من طراز «ايغلا» و «ستريلا»، السوفياتية الصنع، والتي تحتفظ الجيوش الأوروبية الشرقية بكميات كبيرة منها. وتقوم دول غربية بتقديم رسائل اعتماد إلى الدول المصدرة لتسهيل وتسريع عمليات التسليم، التي ستمر عبر تركيا، لتوزيعها على الجماعات المسلحة في أرياف حماه وإدلب وحلب واللاذقية. وظهرت خلال معارك الشمال قاذفات قنابل يدوية من نوع «آربي جي 6»، من ضمن أسلحة كانت السعودية قد اشترتها من كرواتيا في العام 2013، ولم تكن تملكها إلا وحدات من بقايا «الجيش الحر» في درعا جاءت عبر الأردن.
ولجأ السعوديون إلى تسريع تسليم المزيد من صواريخ «تاو» الأميركية المضادة للمدرعات. وكان مدير الاستخبارات السعودية السابق بندر بن سلطان قد دفع إلى شراء 13750 صاروخ «تاو» من الجيل الأول الذي يوجه بسلك بعد إطلاقه. ودفعت السعودية 950 مليون دولار، في الصفقة التي عقدتها لشراء هذه الصواريخ من الولايات المتحدة، في كانون الأول العام 2013 من أجل تسليح «الجيش الحر» في البداية، ثم «جبهة ثوار سوريا» و «حركة حزم»، وكلها جماعات قامت «جبهة النصرة» و «جند الأقصى» بتصفيتها العام الماضي، والاستيلاء على مخازن أسلحتها، وطرد قياداتها من الشمال السوري، إلى فنادق في إنطاكيا وإسطنبول.
وتملك السعودية أكبر مخزون من هذه الصواريخ يتجاوز العشرين ألف صاروخ، من الجيل الثالث، بوسعها اللجوء إليها في الحرب التي تقودها على سوريا.
وأعلن الجيش التركي، في بيان، إن القوات الجوية الروسية أبلغت قيادته رسميا بشأن انتهاكات مقاتلاتها للمجال الجوي التركي والخطوات التي ستتخذها لمنع تكرار هذا الأمر، فيما أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف استعداد موسكو للتعاون مع أنقرة في مجال مكافحة الإرهاب.
واعتبر وزير الخارجية التركي فريدون سينيرلي أوغلو، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره السعودي عادل الجبير في أنقرة، أن روسيا ترتكب «خطأ جسيما» بالتدخل عسكريا في النزاع السوري، مضيفاً: «ما تفعله لن يفيد إلا بتأخير عملية الانتقال التي ستتيح إخراج سوريا من مرحلة الفوضى». وكرر ان «السعودية وتركيا متفقتان على دعم المعارضة في سوريا. ومهم جدا التوصل إلى حل سياسي»، مضيفا أن الرئيس السوري بشار الأسد ينبغي «أن لا يلعب أي دور» في المرحلة الانتقالية.
وقال الجبير، من جهته: «لقد ناقشنا تدخل قوات أجنبية، على الأخص التدخل الروسي، الذي يشكل نقطة محورية وقد يدفع بدول أجنبية أخرى إلى التدخل في سوريا».
واستبق الروس منذ الإعداد للانخراط في الحرب السورية، أي رفض أميركي أو تركي للتنسيق. ورفض الأميركيون، كما قال الرئيس فلاديمير بوتين، طلباً بتنسيق وتبادل المعلومات وبنك الأهداف. كما رفض الأميركيون استقبال وفد يقوده رئيس الوزراء الروسي فلاديمير ميدفيديف للتفاوض على حل سياسي في سوريا، أو الذهاب أبعد في التنسيق مع موسكو، من الحد الأدنى الأمني، والاتفاق على الممرات الجوية في الشمال السوري، وتفادي «الازدحام» فيها، أو وقوع أخطاء. كما تم الاتفاق بحسب مصدر ديبلوماسي على تنظيم عمليات إغاثة مشتركة، في حال وقوع حوادث، أو سقوط طائرة للطرفين خلال عمليات القصف وآليات التدخل لإنقاذ الطيارين.
لكن الروس، الذين لم يكونوا ليعولوا على أي تعاون تركي أو أميركي، نشروا أنظمة تشويش وحرب إلكترونية من نوع «كراسوها 4»، بالقرب من الحدود مع تركيا، وحول المسالك التي تعبرها المقاتلات التي تقلع من قاعدة حميميم في اللاذقية. وقام الروس باستخدامها لتضليل طائرات التجسس الإسرائيلية، التي أسقطت واحدة منها في ميناء طرابلس اللبناني مطلع الصيف الماضي. وبوسع النظام الروسي إعماء طائرات «الأواكس»، وترددات الأقمار الاصطناعية التي تراقب الأراضي السورية. وقام الروس بإرسال طائرتي «اليوشن 20» للتنصت الجوي والتجسس. ويتطلب نشر تلك الأنظمة وقتاً طويلاً ما يعني أن قرار الحرب السورية قد اتخذ في روسيا قبل ثلاثة أو أربعة أشهر، أو جرى الإعداد له مبكراً.
وخلال الساعات الأولى لعمليات ريف حماه، استطاع الجيش السوري تعطيل اتصالات أعدائه، بعد أن حصل على أنظمة تشويش من طراز «آر 330 بي». وتوسع السوريون باستخدام الطائرات من دون طيار، بعد أن مدهم الروس بنماذج إضافية من «اولان 10» و «اليرون 3 اس في». وتفسر أجهزة أمنية غربية ظهور مركبات اتصال روسية من طراز «آر 166» قرب حمص، بأنها دليل على وجود عدد كبير من المستشارين الروس، واحتمال أن تكون هناك قوات نخبة روسية، لأن هذا الطراز من المركبات مخصص للعمل على مدى يتجاوز ألف كيلومتر.
وإذا كان الروس قد أخفقوا في الحصول على المزيد من الأوراق الإقليمية، إلا أن الراهن أنهم قد ضموا إلى سلتهم الورقة الإسرائيلية. ويقول مصدر فرنسي التقى مسؤولين إسرائيليين، في باريس، إن إسرائيل حصلت على تعهدات عربية وأميركية، بعدم إرسال أي صواريخ مضادة للطائرات من طراز «ستينغر»، تهدد تحليق طائراتها على الجبهة الجنوبية في سوريا. وكانت السعودية والولايات المتحدة، خلال الحرب الباردة، قد زودت الجماعات «الجهادية» الأفغانية في الثمانينيات بالمئات من هذه الصواريخ، ما كلف الجيش الأحمر السوفياتي 270 طائرة، والانسحاب من أفغانستان.
وخلال زيارة ليومين إلى تل أبيب، توصل نائب رئيس الأركان الروسي نيكولاي بوغدانوفسكي إلى صيغة مع نظيره الإسرائيلي يائير غولان، للحد من التدخل الإسرائيلي في الجبهة الجنوبية، خلال العمليات الروسية – السورية، وتنسيق الممرات الجوية، وتفادي أي اصطدام. وسيتبادل الطرفان المعلومات بشأن أي طلعات في المنطقة، ويقوم الروس بإبلاغ الإسرائيليين بعملياتهم الجوية قبل ساعة من انطلاقها.
وكشفت وزارة الدفاع الروسية أن طيارين من روسيا وإسرائيل بدأوا تدريبات مشتركة لضمان أمن الطيران في الأجواء السورية. وقال المتحدث باسم الوزارة اللواء إيغور كوناشينكوف إن «المرحلة الأولى من التدريبات التي تهدف إلى منع وقوع حوادث طيران غير مرغوب فيها في أجواء سوريا، جرت الأربعاء، أما المرحلة الثانية، فستجري الخميس». وأضاف: «تم إطلاق خط ساخن بين مركز إدارة الطيران في قاعدة حميميم الجوية السورية ومركز القيادة لسلاح الجو الإسرائيلي، للإبلاغ المتبادل حول طلعات الطائرات في أجواء سوريا».
وخلال الأيام الماضية، تراجع مستوى الدعم الإسرائيلي لـ «جبهة النصرة» وعمليات المجموعات المسلحة في قطاع القنيطرة. وافتقد المسلحون خلال معركة تل قبع والتل الأحمر، التمهيد المدفعي الإسرائيلي، الذي سمح لهم، في الأشهر الماضية، بالتقدم نحو خان أرنبة، واحتلال بعض التلال الإستراتيجية.
وتقول معلومات أمنية غربية إن الإسرائيليين عرفوا من الروس أن «حزب الله» قد حصل على نظام صواريخ «سام 22» المتعدد المهام، للدفاع الجوي والقصف المدفعي. وطلب الإسرائيليون من الروس العمل على منع حصول «حزب الله»، على المزيد منها، أو من صواريخ «ياخونت بي 800» المضادة للسفن التي يبلغ مداها 300 كيلومتر، ما يجعل موانئ إسرائيل وقواعدها البحرية في مرمى ترسانة «حزب الله» الصاروخية.
COMMENTS