هل هذا الحرمان من الامتداد، جعله مثلا متحمسا لامتداد الرئيس المخلوع، وتحول من رئيس ديوان الجمهورية إلى أحد منفذى سيناريو التوريث. هل قالت له السيدة «الأولى المخلوعة» مثلا: « جمال زى ابنك».
ربما. وحتى لو لم يحدث ذلك فكان سيظل منفذا للتوريث لشىء واحد فقط أن الرئيس أراد ذلك.
إنه إرادة الرئيس. «ظل الرئيس» ظل قويا يتحول كثيرا إلى «المرآة» التى ينعكس عليها الرئيس. لكن هذا الظل القوى. جعل كل من حوله حتى أقرب الناس إليه «ظلالا باهتة». حتى أقرب الناس إليه فعلا مثلا،. زوجته الثانية «صفاء حجازى» تحولت من نجمة إلى ذكرى.
يقال إن سوزان مبارك لما علمت بزواجه من صفاء، أمرته بتطليقها، ولما استخدم «نقطة ضعفه» قائلا: إنه تزوجها من أجل «الخلفة» قدرت الضعف وسمحت بامتداد الزواج لعام فقط، وبعد أن انقضى بدون «خلفة» أمرته بتطليقها.
هل كانت العلاقة بين الرئيس وأسرته من ناحية ورئيس ديوان الجمهورية تسمح أو ينبغى لها بالتدخل حتى فى الشئون الشخصية؟ الحقيقة أنه ليس الوصف الدقيق أن عائلة الرئيس كانت تتدخل فى حياة زكريا عزمى، فالذى حصل بعد ذلك هو أنه على مدى سنوات طويلة تحول عزمى من رئيس شئون الديوان الرئاسى إلى رئيس شئون العائلة الرئاسية، مع تماهى الشعرة التى تفصل بين كونه رئيسا للديوان، وكونه “رئيسا” لشئون العائلة، ويمكن القول إنه صار واحدا منها.
إنه الرجل الذى كان الرئيس يفتح عليه عينه أول ما يفتحها ويغمضها حين يغمضها، إنه الرجل الذى يدخل حجرة نوم الرئيس.
وبتفاصيل كثيرة امتدت على سنوات كثيرة تحول من رئيس للديوان إلى “فكرة الخادم الرفيع” الذى يرى الملك عاريا لينطبق معنى تلك المقولة الشهيرة “إن الملك ملك أمام كل الناس. إلا خادمه”.
وفى نظام لا حدود فيه فاصلة بين السلطات، وفى نظام وصل إلى حد التماهى بعد أن صار الرئيس هو الدولة. من الطبيعى أن يصبح الأقرب للرئيس هو أيضا «الدولة» والشعرة الفاصلة لم تكن تعنى علاقة رئيس الديوان بغيره بما فى ذلك سلطات الدولة، وإنما كانت الشعرة الفاصلة التى يحرص عليها «زكريا» هى علاقته بالرئيس. أنا الأقرب والأكثر إخلاصا. لسبب واحد. أنك اتخذت قرارا بذلك وجعلتنى المؤتمن.
تركيبة الرئيس المخلوع كانت تركيبة بلا مشاعر، لكن حسب شهادات: «كان بارعا فى إقناع كل من حوله بأنه الأثير عنده». هذه المعادلة لم يكن يحتاجها زكريا. فهو الذى أقنع الرئيس بأنه الأثير عنده؟!
يقال إن زكريا كان «يختار نساء الرئيس» بغض النظر عن صدق هذا أم كذبه. إلا أنها المقولة التى تكشف «القرب. حتى القرب الذميم». وتظل علاقات زكريا النسائية ملفا غامضا وهناك أقاويل كثيرة عن استخدامه للنساء. مثلا يقال إن فضيحة حسام أبوالفتوح سببها أن زكريا أراد “عشيقته”. وهناك الكثير والكثير فى ذلك. لكن هل كان زكريا يحتقر أو يعاقب النساء لأنهن لم يمنحنه «الامتداد».
لم يكن وسيما أو مثقفا و«دون جوان». ليوقع النساء فى شباكه. كان لا يحتاج لذلك المجهود. كان قويا لدرجة العشق بالأمر وامتلاك القلوب بالأمر. وأعتقد أن امرأة واحدة لا تحمل له “شعورا إيجابيا واحدا”.
كان قويا بكل المقاييس. لكن كيف؟ هو استخدم كل قوته الروحية والذهنية والمعنوية والعملية فى أن يصبح “ظل الرئيس” وما إن وصل لمصدر القوة واستوثق منها، لم يبذل أى مجهود بعد ذلك فى تأكيد قوته بل ربما كان يمنع نفسه من استعراضها. إنه الرجل الذى اكتفى بامتلاك مصدر القوة. وظل دائما يحافظ على ألا تتخلى القوة الأكبر عنه. وبعد ذلك لا يهم. فهل للقوة الكبرى كان يخطط لأن يصبح رئيس الديوان للرئيس القادم؟ وهل كان الرئيس القادم هو “الامتداد” الذى حرم منه.؟!
ولو أراد أحد شهادة على النظام السابق من داخله لما وجد أفضل من مقولة عزمى الشهيرة “الفساد بقى للركب” وهو المصطلح الذى نقشه فى إحدى جلسات مجلس الشعب التى كان تناقش المحليات. وبالطبع هلل وقتها لمصطلحه الجميع من ينتمون للحزب الوطنى الذين اعتبروا ذلك دليلا على أن الحزب لا يسكت على فساد بدليل أن رموزه تهاجم هذا الفساد. وهللت المعارضة التى رأت أنه شهد شاهد من أهلها.
ولكن أيا كان الأمر فإن أعضاء الحزب الوطنى وأعضاء الحكومة والمعارضة وغير المعارضة. وربما كل ألوان الطيف فى مصر. كانت تعمل لهذا الرجل ألف حساب، وتتمنى ولو حتى كلمة منه. فيما كان الرجل الأقرب للرئيس السابق أبعد «عن» الجميع لا يجوز أن يقترب منه أحد، إلا بالحساب الذى يقدره هو. وعامة فإن وجوده فى مجلس الشعب كان له طابعه الخاص. فهو ليس النائب الوزير. أو النائب القوى فى الحزب. إنه النائب رئيس ديوان رئاسة الجمهورية. ومن ثم كان ينظر إليه على أنه ممثل الرئيس فى المجلس. وهذا الوضع الخاص كان يعطى لأى تعليق حتى منه أهمية خاصة. وذات مرة نهر أحمدعز بكل ما صار يعنيه وقتها أحمد عز – نهره لأن عز ضحك بصوت عال فقال له: إحنا مش قاعدين فى قهوة.
وكان مجلس الشعب قد أصدر قانوناً عام 2000 فى «ربع ساعة» ببقاء عزمى مدى الحياة رئيسا للديوان وهلّل له الجميع أغلبية ومعارضة.
القانون الذى تم تفصيله يحمل رقم 2 لسنة 2000 يضم مادة واحدة تنص على «أن يكون تعيين رئيس ديوان رئيس الجمهورية، وتحديد معاملته المالية، وإعفاؤه من منصبه، بقرار من رئيس الجمهورية، دون التقيد بالسن المقررة للتقاعد».
لأن الدكتور زكريا عزمى كان الرجل الأقوى والأقرب من الرئيس السابق، كان لابد من مناقشة القانون على وجه السرعة فى جلسة 13 فبراير 2000، دون توزيع التقرير الذى أعدته لجنة القوى العاملة بالمجلس على النواب، وهو ما دفع النائب محمد السعيد الضهيرى للاعتراض.
كان الكثيرون يرون أنه كان الرجل الثانى فى مصر وفى الحقيقة أن تركيبته لم تكن تطمح لذلك، حتى ولو كان قد رشحه البعض نائبا للرئيس السابق. إنما كان هدفه دائما أن يكون الأقرب للرئيس السابق، ويمكن القول إنه نجح فى ذلك حتى صار “ظل مبارك” فعلا. وهو الذى قال للرئيس المخلوع ليلة الخميس السابقة للتنحى “كتفى بكتفك. يا ريس”. كان الظل فعلا واستمد من كونه الظل كل القوة والسطوة التى انتهت مع نهاية مبارك.
ومع ذلك استمر زكريا عزمى فى منصبه، حتى بعد رحيل مبارك وظل ذلك مثارا لأسئلة الكثيرين، وظل سؤال «لماذا لم يرحل عزمى».
استقال عزمى أو أرغم على ذلك فى 31 مارس 2011، وفى الأيام القليلة ما بين ترك الرئيس للمنصب واستقالة عزمى حدث الكثير. فقد استطاع “فرم أوراق عديدة بل بمعنى أدق فرم أوراق الدولة”. وبدأت الاتهامات الموجهة له تأخذ طابعا “عمليا” ومنها مثلا تورطه فى قضية العبارة وتهريب صديقه ممدوح إسماعيل، والأخطر أن أهالى ضحايا العبارة طلبوا منعه من استخدام وسائل الاتصالات لأنهم يعتقدون أنه “أخفى عددا من الناجين من العبارة” وأنه “يمكن أن يقتلهم”.
وفى طريقه من الجهاز إلى سجن طرة. تجمع المصريون وهتفوا “الحرامى. أهوه” فى شماتة تليق بالظل وما خلف الظل.
أذكرك ألف مرة أن هذا الحرامى. هو الذى هاجم الفساد بمقولته التى تعرفها “الفساد بقى للركب”. فهم لم يحتكروا السلطة فقط. ولا الفساد فقط؟! إنما احتكروا الهجوم على الفساد. أما نحن الذين عانينا من سلطتهم وفسادهم. فقد احتقرونا فاحتكرونا. واحتكرونا فاحتقرونا. حتى جاء أعظم ما فى هذا الوطن، شباب 25 يناير. فأعادوا للوطن كبرياءه. وبقى أن نتخلص نحن من بقايا الاحتكار والاحتقار.
COMMENTS