أجواء الإشتباك السياسي المتدحرج ظللت مانشيتات صحف اليوم. قالت "اللواء " أن هناك "خلافات حول أولويات مجلس الوزراء" وإن "تهديدات باسيل: عرقلة من نافذة النزوح السوري". بينما ركزت "الأخبار" على "المستقبل يردّ بعنف على باسيل: حكومة الوحدة… إلى الاقتتال!". أما "البناء" فنقلت شروط " باسيل: إما مكافحة جدّية للفساد وعودة غير مشروطة للنازحين أو لا حكومة". يشعر المواطنون بأن الإشتباك المتدحرج جزء من تكتيكات التمهيد لزيارة وزير الخارجية الأميركي إلى بيروت. يلاحظون أن النبرة الصدامية لدى بعض الأطراف تشوبها أوهام "ترامبية".
البناء
الإرهاب العنصري يحصد عشرات الضحايا وسط ذهول العالم… ويؤشر لخطر انفجار الغرب
داعشي أبيض معجب بترامب يقتحم مسجدين في نيوزيلندا ويقتل المصلين
باسيل: إما مكافحة جدّية للفساد وعودة غير مشروطة للنازحين أو لا حكومة
أصابت الجريمة الإرهابية التي شهدتها نيوزيلندا وحصدت عشرات الضحايا من مصلّي المساجد، العالم بالذهول والصدمة، وفتحت العين على خطر نائم في بلدان الغرب يهدّد بانفجار تصعب السيطرة عليه، والحؤول دون أخذ العالم إلى حروب أهلية باردة على أساس اللون والعرق والدين. فالإرهابي الأبيض الداعشي بتفكيره من موقع العنصرية البيضاء المعادية للمسلمين والمهاجرين، أعلن إعجابه بالرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي يخوض حرباً مشابهة على حدود المكسيك وضد فنزويلا تحت عنوان معاداة أصحاب البشرة الحمراء، كما يخوض حرباً على المهاجرين، والثقافة الترامبية العنصرية تمتلك نماذج شبيهة كثيرة بين الجماعات النازية الجديدة المنتشرة في أوروبا والتي تهدّد باللجوء لأعمال عنف تستهدف المهاجرين من أصحاب البشرة السمراء والسوداء وتعيش تحت وطأة العداء للإسلام والمسلمين وتعامل كمفردة من مفردات التعدد السياسي التي تحميها حرية الرأي، بينما تحظى العنصرية الأشد وقاحة وإجراماً في العالم التي تمثلها إسرائيل بالحماية والحصانة بوجه أي ملاحقة على جرائمها الإرهابية والعنصرية، وهي تعلن نموذجها تحت مسمّى دولة يهودية للعنصرية التي تهدد بالمزيد من العنف يجتاح العالم بتفتيته إلى يهوديات تحمل كل منها عنواناً دينياً وعرقياً مختلفاً.
في فلسطين كان المشهد الدموي في غزة مستمراً تحت شعار الرد على الصواريخ التي استهدفت تل أبيب، لكن الواضح كان الارتباك في كيان الاحتلال ومستويات القيادة السياسية والعسكرية القلقة من خطر الانزلاق إلى مواجهة مفتوحة، فاختارت الضربات الجوية المتفرقة والمحسوبة بما لا يؤدي إلى تصعيد ينسف مساعي التهدئة التي تقودها مصر، ما جعل قواعد اشتباك جديدة تحكم المراحل المقبلة، عنوانها، ما قبل صواريخ تل أبيب غير ما بعدها.
في لبنان تتصاعد الخلافات الحكومية على الملفات الكبرى، التي تشكل محاور العمل الحكومي، والتي لخصها رئيس التيار الوطني الحر وزير الخارجية جبران باسيل بثلاثة، هي: النازحين والفساد والاقتصاد، متحدثا عن رؤية التيار والتزاماته في مواجهتها، رافعاً شعار إما جدية في ملفي عودة غير مشروطة للنازحين ومكافحة بلا حمايات للفساد أو لا حكومة، وبدا واضحاً في تفاصيل ما عرضه باسيل في خطابه في ذكرى الرابع عشر من آذار 1989 التي يعتبرها التيار الوطني الحر ذكرى انطلاقته، أن الكلام موجّه لرئيس الحكومة سعد الحريري وفريقه، فكلام باسيل يقوم على اعتبار واضح لمؤتمر بروكسل كمنصة لمنع عودة النازحين، فيما يراه الحريري وفريقه دعماً دولياً للبنان في مواجهة أعباء النزوح دون تعطيل العودة. وبينما وصف باسيل الحديث عن اتهامات للتيار بالدعوة للتطبيع مع سورية بالسخيفة طالما لدينا علاقات طبيعية مع سورية، ردّت مقدمة نشرة تلفزيون المستقبل بالحديث عن سعي لتقديم أوراق اعتماد للدولة السورية وردت بنبرة باسيل ذاتها، لا علاقات مع الدولة السورية. وهذا موقف نهائي لا رجعة عنه ولا يقبل التسويات، ومثلها في ملاحقة الفساد كان التباري بين الفريقين والتحدي يتصاعد حول مصطلحي الإبراء المستحيل، والافتراء المستحيل، بين كلام باسيل الإبراء المستحيل صار قانوناً وردّ المستقبل الافتراء المستحيل لتغطية الفساد الحقيقي ومرتكبيه . وقالت مصادر على صلة بالوضع الحكومي، إن الجلسة الحكومية الخميس المقبل ستكون محطة فاصلة في مستقبل العمل الحكومي، بعدما تمّ تأجيل الملفات المهمة طوال الشهر الأول من عمر الحكومة واستبعادها عن جداول الأعمال، فيما ذهبت بعض المصادر إلى اعتبار الخلاف على التعيينات التي سيبتّ بها مجلس الوزراء سبباً للتصعيد، واعتبار التفاهم على ملف الكهرباء سبباً للتسويات.
قبل أن تقلع جدياً بدأت الهزات تضرب حكومة الى العمل، فثلاث جلسات تنذر بأن الأمور داخل مجلس الوزراء لن تكون على ما يرام أقله حتى الساعة في ما خصّ ملفات النازحين والتعيينات والفساد. ففي ملف النازحين يبدو واضحاً أن هذه المسألة توحي أن الأجواء لا تبشر بأي اتفاق او تفاهم داخلي يستعجل الحل المتمثل بعودة النازحين الى ديارهم، فيما اتخذ رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل ليل أمس مواقف تصعيدية تجاه تقاعس البعض عن حل هذا الملف.
وشدّدت مصادر بيت الوسط لـ البناء على ان الرئيس الحريري استند في كلمته في مؤتمر بروكسيل إلى البيان الوزاري، لافتة الى ان كلام موقف الحريري نابع من البيان الوزاري الذي اكد ان الحكومة ستواصل العمل مع المجتمع الدولي للوفاء بالتزاماته التي أعلن عنها في مواجهة أعباء النزوح السوري. ولفتت المصادر عينها الى ان بعض الفرقاء في اشارة الى باسيل يحاولون ادخال الملف في التجاذبات السياسية وإبعاده عن مكانه الحقيقي. وقد يكون الهدف من ذلك تقديم أوراق اعتماد ظنا منهم أنها قد تخدمهم في المستقبل في حين ان الرئيس الحريري يواصل تأكيد أهمية عودة النازحين الآمنة إلى بلدهم وفق المواثيق الدولية ورفض أي شكل من أشكال اندماجهم أو إدماجهم او توطينهم في المجتمعات المضيفة. وشددت المصادر على ان الحريري كان أول المؤيدين للمبادرة الروسية لحل الازمة لا سيما انها المبادرة الوحيدة الجادة. وشددت المصادر على ان اتصالات الحريري تهدف الى حصول لبنان على دعم لمواجهة تداعيات أزمة النزوح. ورداً على سؤال عن استبعاد مقصود لوزير النازحين صالح الغريب عن المؤتمر لفتت المصادر الى ان رئيس الحكومة هو مَن يمثل لبنان وألقى كلمة لبنان، مشددة على ان البعض يريد ان يلعب على وتر الخلافات لأسباب وأسباب. ودعت المصادر الى النظر الى الجزء «المليان من الكاس»، لافتاً الى ان مؤتمر بروكسل 3 كان ناجحاً جداً لا سيما ان حصة لبنان من المساعدات بلغت بين مليار ونصف وملياري دولار. في المقابل كرّر رئيس الجمهورية العماد ميشال عون رفض انتظار الحل السياسي للنزاع في سورية. فأكد ان لبنان يعمل مع المراجع الدولية لتحقيق عودة آمنة للنازحين السوريين الى المناطق السورية التي تشهد استقراراً وأمناً ، لافتاً الى ان لبنان يصطدم بمواقف من بعض الدول، تقدم الحل السياسي للأزمة السورية على عودة النازحين، وهذا ما لا نقبل به لأننا استضافتنا النازحين لأسباب انسانية نتيجة القتال الذي كان دائرا في سورية والنقص في المواد الغذائية، الا ان القتال توقف اليوم على نحو شبه كامل، فيما تداعيات النزوح السوري مستمرة منذ ثماني سنوات على مختلف القطاعات الامنية والاجتماعية والصحية وخصوصاً الاقتصادية . وخلال استقباله رئيس حزب التحالف من اجل السلام الاوروبي روبرتو فيوري على رأس وفد برلماني، اشار عون الى ان التقارير التي ترد والمعطيات المتوافرة لدى مسؤولي المنظمات الدولية، تشير الى ان النازحين السوريين الذين عادوا الى بلادهم تتوافر لهم الظروف المناسبة للعودة أمنياً واجتماعياً وصحياً . وشدد رئيس الجمهورية على أهمية دفع المنظمات الدولية المساعدات للنازحين العائدين ، لافتاً الى ان مؤتمر القمة العربية التنموية الاقتصادية والاجتماعية الذي عقد في بيروت في شهر كانون الثاني الماضي، اتخذ قراراً بضرورة دفع المساعدات للنازحين في أماكن عودتهم».
واشارت مصادر نيابية في تكتل لبنان القوي لـ البناء الى ان مؤتمر بروكسل هدف الى إبقاء النازحين في لبنان والدول المضيفة الأخرى، مشدّدة على ضرورة ان يعي الجميع خطورة التوطين المقنع الذي يتحضر للبنان، مؤكدة أن تذرع الدول الغربية بأن الظروف في سورية لا تزال غير سانحة لعودة النازحين غير منطقية لا سيما ان هناك نازحين عادوا من لبنان الى سورية وهناك أكثر من 80 يريدون العودة.
واستغربت المصادر ما يُحكى عن نية الوطني الحر التطبيع مع سورية، مشيرة الى ان هذا الكلام يدعو للضحك. فالعلاقة بين التيار الوطني الحر وسورية منذ خروجها من لبنان جيدة، ومذكرة بالتنسيق اللبناني السوري على المستوى الدبلوماسي عبر اعتماد السفراء. ولفتت المصادر الى ان تكتل لبنان القوي سيجهد لإقرار ورقة سياسية داخل مجلس الوزراء من اجل عودة النازحين.
واعتبرت كتلة ضمانة الجبل أن ما حصل أخيراً في مسألة عدم اصطحاب وزير الدولة لشؤون النازحين صالح الغريب إلى مؤتمر بروكسل أمر لا يمت للتضامن الحكومي بصلة، ولكن الأمور متجهة نحو المعالجة بهدوء تام، والوزير الغريب هو بصدد الانتهاء من إعداد ورقة شاملة لعودة النازحين، وجميعنا مع العودة الآمنة والكريمة لهم، ونحن في الكتلة نبدي دعمنا الكامل للوزير الغريب في خطّته هذه».
وإذا كانت خطوط الرابية بيت الوسط ليست على أفضل حال، فإن تطورات ملف التعيينات قد تعقد الامور أكثر في مجلس الوزراء، وتشدد مصادر مطلعة لـ»البناء» على ان هذا الملف قد يفجر الخلافات داخل مجلس الوزراء لا سيما ان التيار الوطني الحر يتجه الى وضع يده على كل الحصة الإدارية المسيحية في الوزارات، الأمر الذي سيخلق خلافاً مع التكتل الوطني وحزب القوات. وفيما لفتت المصادر الى أن التيار الوطني الحر متفاهم في هذا الأمر مع حزب الله وتيار المستقبل، رجحت المصادر أن تعتري هذا التفاهم عثرات عديدة لا سما في ما خصّ وزارة الأشغال لا سبيل المثال اذ ان تيار المردة قد لا يوافق على تعيينات التسويات في وزارته التي يتولاها الوزير يوسف فنيانوس، كذلك الحال بالنسبة الى تيار المستقبل لا سيما بعد وضع الرئيس ميشال عون والوزير باسيل فيتو على اسم المرشح السني العميد محمود الأسمر للأمانة العامة للمجلس الأعلى للدفاع.
من ناحية أخرى، تنفي مصادر مقربة من حزب الله لـ البناء ما يتردد عن تفاهم بين حزب الله والوزير باسيل حيال التعيينات المسيحية في الوزارات التي يتولاها حزب الله مشددة على ان ما يُشاع لم يجري التطرق إليه أبداً.
وشددت مصادر حزب كتلة الجمهورية القوية لـ البناء على أن حزب القوات لن يقبل بالحصول على الفتات من التعيينات، مشددة على ان الحصة المسيحية لن تحتكر من فريق او مكوّن واحد لافتة في هذا السياق الى ان من يريد محاربة الفساد في الإدارات والوزارات عليه الانصياع الى نتائج آلية المرشحين بعيداً من المحاصصة والتسويات.
الى ذلك دعا رئيس المجلس النيابي نبيه بري اللجان النيابية الى جلسة مشتركة العاشرة قبل ظهر الأربعاء المقبل، لدرس جملة مشاريع واقتراحات قوانين، معظمها ذو طابع بيئي، ومنها ايضاً ما يتعلق بإنشاء المنطقة الاقتصادية الخاصة في قضاء صور – محافظة لبنان الجنوبي، واقتراح القانون الرامي الى إنشاء المنطقة الاقتصادية الخاصة في قضاء البترون.
وفي ما خصّ التوظيف غير القانوني فقد أجرى رئيس التفتيش المركزي القاضي جورج عطية مسحاً إدارياً لوضع الموظفين والمستخدمين والمتعاقدين في الإدارات الرسمية. وخلصت الدراسة إلى رقم أولي يفيد بأن في الإدارات الرسمية ما يقارب 100 ألف موظف يتقاضون رواتب شهرية، في وقت تعاني غالبية الملاكات الرسمية فراغات هائلة. وفيما ترجح المعلومات المتداولة أخيراً أن تكون النسبة الأكبر من الموظفين الرسميين من الملحقين بوزارة التربية.
أما على جبهة مكافحة الفساد، فقد أوقفت النيابة العامة العسكرية، أحد مرافقي النائب العام التمييزي القاضي سمير حمود، وهو عنصر في جهاز أمن الدولة مولج بتأمين الحراسة، بعد توفر شبهات عن تقاضيه رشى مالية، لقاء خدمات يقدّمها لبعض الأشخاص.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأخبار
ملف الفساد القضائي: توقيف مرافق المدّعي العام التمييزي ومنح الإذن بملاحقة محامية
«المستقبل» يردّ بعنف على باسيل: حكومة الوحدة… إلى الاقتتال!
الأميركيون يدعمون وديعتهم في مصرف لبنان: تعيينات نواب الحاكم حامية
شنّ تيار المستقبل أمس هجوماً قاسياً على الوزير جبران باسيل، ردّاً على كلامه حول مؤتمر «بروكسل 3». يدلّ ذلك على حالة التشنج التي تُظلّل عمل الحكومة غير المُفعّلة بعد. ملفات الاشتباك في البلد كثيرة، كلّ واحد منها قادر على تفجير مجلس الوزراء من الداخل.
يتفاعل الاشتباك السياسي بين التيار الوطني الحرّ وتيار المستقبل، على خلفية كلام الوزير جبران باسيل عن مؤتمر «بروكسل 3»، وإشارته إلى أنّ عدم مشاركته فيه سببها أنّ «هذه المؤتمرات تموّل بقاء النازحين في مكانهم. ونحن نريد أن تموّل عودتهم إلى بلدهم بكل بساطة». الردّ لم يصدر عن رئيس الحكومة سعد الحريري، الذي «يحتفل» وفريق عمله بنتائج «بروكسل»، كما لو أنّه إنجاز شخصي، بل أتى بـ«الوكالة» عنه من جانب «قناة المستقبل»، التي وصفت وزير الخارجية والمغتربين بـ«مقدمي أوراق الاعتماد للممانعة بإعادة النازحين». خُصّصت مُقدمة التلفزيون الحزبي، لتفنيد خطاب باسيل في ذكرى «14 آذار» أول من أمس، نقطة نقطة. فاعتبرت أنّ التصريح يضرب «عرض الحائط بمبدأ التضامن الوزاري، لتغطية السموات بالقبوات… خطاب اعتبر أنّ مؤتمر بروكسل هدفه تمويل بقائهم، وتجاهل أنّ معالجة هذا الملف تمرّ بالتفاهم مع المجتمع الدولي عبر العودة الآمنة التي أقرّتها قمة بيروت، وتضمّنها البيان الوزاري للحكومة، وعبر تأمين المساعدات ليواجه لبنان الأعباء الاقتصادية والاجتماعية لهذا اللجوء». الموقف السياسي، الذي عكسته مقدمة «قناة المستقبل»، يوحي بأنّ باسيل هو خصمٌ سياسي للحريري، وليس حليفه داخل حكومة «الوحدة الوطنية»، وشريكه في التسوية التي لا تزال مفاعيلها تُظلّل البلد. أعادت التذكير باتهام ميشال سماحة بإدخال مُتفجرات إلى لبنان، و«يريدون تطبيع العلاقة مع نظام بشار الأسد، الذي يضع رئيس حكومتهم على لوائح الإرهاب». إلا أنّ أكثر ما أزعج «المستقبل» في خطاب باسيل، لم يكن كلامه عن «مؤتمر بروكسل»، الذي تبنّى فيه الحريري العودة الآمنة للنازحين السوريين. «الحساسية» المفرطة تظهّرت من كلام وزير الخارجية عن محاسبة الفساد، إذ إنّ تيار رئيس الحكومة يربط تلقائياً بين هذا الملف وبين محاسبة رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة، والخوف من محاكمة «الحريرية السياسية». فجاء في مقدمة «قناة المستقبل»، التي تُكتب مقدمة نشرة أخبارها كموقف سياسي صادر عن «بيت الوسط»، أنّ «الكلام عن محاسبة الفساد، وادعاء البطولات داخل مجلسِ الوزراء في وقفِ صفقات ومناقصات، هي مزحة سمجة. الأحرى، الالتزام بالقوانين عبر الأفعال بدلاً من الشعارات الفارغة، وهذا ملف فتح ولن نغلقه، مهما اشتدت محاولات الضغط، وآخرها ما يَحصل في القضاء عبر حصر صلاحية ملفات مكافحة الفساد بالنواب العامين». ووصف «المستقبل» كتاب الإبراء المستحيل «بالافتراء المستحيل. واضعوه قدّموه أوراق اعتماد لدى حزب الله، ضمن أجندات خاصة لا علاقة لها بالاستقامة السياسية». اللافت أنّ تيار المستقبل، الذي لم يصدر عنه حتى الساعة، أي نية لتنفيذ الأجندة الأميركية في التصعيد ضدّ حزب الله، لا يُهادن التيار الوطني الحرّ، بل يُسارع إلى تسعير الخلاف السياسي معه وتظهيره. الهجوم على كلام باسيل لم يقتصر على «المستقبل». فقد ردّ النائب بيار بو عاصي، عبر قناة «الجديد»، مُعتبراً أنّ القول «إمّا أن يعيد لي المجتمع الدولي النازحين أو أن أتوقف عن قبول الهبات، منطق لم أفهمه»، مُتأسّفاً للتعامل مع الأزمة «بخفة وغوغائية وشعبوية». وأضاف بأنّه «يخشى من أن يكون بعض السياسيين يتحدّث أمام جمهوره بخطاب شعبوي، فيما يقول العكس في الدوائر المغلقة».
واضحٌ أن هذه الحساسيات تؤخر الانطلاقة الحقيقية لعمل الحكومة. كلّ القوى السياسية تتحدّث عن «ضرورة العمل» لمواجهة التحديات، ولكن عملياً تُسيطر الخلافات على ما عداها. وعناوين الاشتباك في البلد كثيرة؛ أبرزها ثلاثة: ملف النزوح، محاربة الفساد والخطة الاقتصادية. وكل واحد من هذه الملفات قادر على تفجير الحكومة من داخلها.
ففي ما خصّ النزوح السوري، فريقا رئيس الجمهورية و8 آذار يُصرّان على إعادة النازحين إلى بلادهم، مقابل عدم شذّ الحريري ومكونات «14 آذار» السابقة عن تطبيق الأجندة الدولية، الراغبة في بقائهم حيث هم. لم يعد «المجتمع الدولي» يخجل من التعبير عن ذلك، بذريعة أنّ السوريين غير متحمّسين للعودة إلى بلادهم لانعدام الأمان. رئيس الجمهورية ميشال عون أوصل أمس رسالةً إلى جزءٍ من هذا «المجتمع الدولي»، فأكد أمام وفد برلماني من دول أوروبية عدّة، أنّ لبنان «يعمل مع المراجع الدولية لتحقيق عودة آمنة للنازحين السوريين، لكنّه يصطدم بمواقف من بعض الدول التي تُقدّم الحل السياسي للأزمة السورية على عودة النازحين». وأشار عون إلى أنّ التقارير التي ترد «والمعطيات المتوافرة لدى مسؤولي المنظمات الدولية، تُشير إلى أنّ النازحين السوريين الذين عادوا إلى بلادهم تتوافر لهم الظروف المناسبة للعودة». وشدّد الرئيس على «أهمية دفع المنظمات الدولية المساعدات للنازحين العائدين. فمؤتمر القمة العربية الاقتصادية اتخذ قراراً بضرورة دفع المساعدات للنازحين في أماكن عودتهم». وقد لاقى النواب الأوروبيون عون في منتصف الطريق، فنقلوا «دعم أحزابهم للبنان والمواقف التي تصدر عن رئيس الجمهورية، وضرورة بذل المجتمع الدولي، ولا سيما الدول الأوروبية، جهوداً إضافية لتحقيق هذه العودة الآمنة». أما رئيس الوفد، رئيس حزب «التحالف من أجل السلام الأوروبي» روبرتو فيوري، فشدّد على أنّ «الوقت حان لإيجاد حلّ لها من قبل الجميع». وفي الإطار نفسه، عبّر رئيس مجلس النواب نبيه برّي أمس أمام زواره عن تأييده لكلّ ما قاله رئيس الجمهورية في ملف النازحين. أما الحزب التقدمي الاشتراكي، فيُنظّم يوم الاثنين مؤتمر «لبنان والنازحون من سوريا، الحقوق والهواجس ودبلوماسية العودة»، يُشارك في جلسته الافتتاحية وزيرا الشؤون الاجتماعية والتربية وممثلة المفوضية العليا لشؤون اللاجئين ميراي جيرار والنائب السابق وليد جنبلاط، فيما يغيب عنه وزراء الخارجية والصحة والدولة لشؤون النازحين، بما يؤشّر إلى هوية المؤتمر وتوجهه.
العنوان الثاني للاشتباك هو مكافحة الفساد. رغم كلّ الحملات التي تُنظّم في هذا الخصوص، من إصلاح القضاء ومكافحة الفساد في قوى الأمن الداخلي، وملف تزوير الشهادات الجامعية، والتي تُعطي انطباعاً إيجابياً، ولكن لا تزال ردّة فعل الرأي العام تجاهها غير جدية، طالما أنّ الغطاء لم يُرفع عن مسؤولين كبار. لا يزال هؤلاء يحظون بالحماية والحصانة اللتين تحولان دون الوصول إلى أهداف فعلية في مكافحة الفساد. أبرز مثال على ذلك، هو الخط الأحمر الطائفي والسياسي الذي وفّره تيار المستقبل لفؤاد السنيورة.
أما العنوان الأخير، فهو الخطة الاقتصادية للبلد. الاشتباك هنا يظهر، انطلاقاً من البرنامج الذي أطلقه باسيل. فقد حدّد وزير الخارجية ثلاث نقاط لخفض عجز الموازنة:
– خفض حجم القطاع العام: تظهر جبهتان، الأولى تضم التيار العوني وتيار المستقبل والقوات اللبنانية، والثانية فيها حزب الله وحركة أمل الرافضين للمسّ بوظائف القطاع العام، فيما موقف الحزب الاشتراكي غير ثابت.
– خفض الفوائد على خدمة الدين العام: يرفض تيار المستقبل المسّ بالفوائد، وقد أعلن الحريري (بصفته صاحب مصرف) في ختام جلسات الثقة، أنّ المصارف جاهزة للمساعدة على خفض العجز، شرط أن تكون الإصلاحات قد أُنجزت. و«الإصلاحات» من وجهة نظر الحريري، تعني: خفض كلفة القطاع العام وزيادة الأعباء الضريبية على ذوي الدخل المحدود والمتوسط، عوض إصلاح النظام الضريبي وخفض كلفة الدين العام. جبهة المواجهة ضدّ الحريري والقوات اللبنانية تضمّ «التيار» وحزب الله وحركة أمل.
– خفض عجز الكهرباء، وزيادة الإنتاج على مرحلتين: انتقالية وبعيدة المدى. الجميع متفقون على هذه النقطة، ولكن الاختلاف هو حول مصادر الطاقة في المرحلة الانتقالية لمدة سنتين. فهل تكون عبر مولدات على البرّ، أو البواخر، أو استجرار الطاقة من سوريا ومصر والأردن؟
تترافق ملفات الاشتباك هذه مع الضغوط الأميركية الممارسة على رئاسة الحكومة وبقية قوى «14 آذار»، من أجل إعادة تجميع نفسها ومواجهة حزب الله، تزامناً مع تشديد العقوبات عليه وعلى إيران. الحِمل على الحكومة ثقيلٌ جدّاً. وأمام هذا الواقع، ستبقى «حكومة اشتباكات»، مُقيّدة بعدم القدرة على بدء العمل الجدّي، ومُهدّدة بالانفجار في أي لحظة، ولو أنّ أحداً لا يُعبّر عن مصلحة في ذلك.
ملف الفساد القضائي: توقيف مرافق المدّعي العام التمييزي ومنح الإذن بملاحقة محامية
لا تزال التحقيقات جارية في فضيحة الفساد القضائي. الحدث الأبرز كان منح نقابة المحامين الإذن لملاحقة محامية أمام القضاء العسكري بجرم دفع رشوة، إلا أنّها امتنعت عن إعطاء الإذن للنيابة العامة الاستئنافية في جبل لبنان لملاحقة المحامية نفسها بجرم التزوير الذي كان ذريعةً لإخلاء سبيل المتّهم بتهريب وتجارة المخدرات مهدي م.
وعلمت «الأخبار» أنّ النائبة العامة الاستئنافية القاضية غادة عون بصدد استئناف قرار نقابة المحامين، على أن يبتّه رئيس محكمة الاستئناف في بيروت القاضي أيمن عويدات.
كما علمت «الأخبار» أن قاضي التحقيق الأول في جبل لبنان نقولا منصور استجوب الطبيب الشرعي الموقوف ن. م. في قضية التقارير الطبية المزوّرة، لأنه كتب تقريراً يُفيد بأنّ المتّهم بالاتجار بالمخدرات مصاب بتشمّع في الكبد. وفي هذا السياق، ردّ الطبيب الشرعي بالقول إنّه كُلِّف بالمهمة من قبل محمد ع. (الصادر بحقه مذكّرة توقيف والمتواري عن الأنظار) معاون المحامية المدعى عليها، مشيراً إلى أنّ الأخير زوّده بعدد من التقارير باللغتين العربية والإنكليزية صادرة في حزيران ٢٠١٨، بينها تقرير يُفيد بأنّ الموقوف لديه مشكلة في الكبد. وقال الطبيب الشرعي أنّه اتّصل بالطبيب الذي أصدر التقارير، ليؤكد الأخير صحّتها.
ويتردد بين المحامين أنّ النقابة مترددة، فرفع الحصانة عن المحامية المشتبه فيها قد يؤدي إلى فتح الباب على مصراعيه بشكل لن يكون من السهل إغلاقه، فضلاً عن أنّه سيُحوّل المحامين إلى متّهمين، فيما لم يظهر من التحقيقات أنّ ثمة توجّهاً لإطاحة قضاة.
وبالعودة إلى جديد التحقيقات التي يُجريها فرع المعلومات، فقد أعطت النيابة العامة العسكرية إشارتها بتوقيف أحد مرافقي النائب العام التمييزي القاضي سمير حمود، وهو عنصر في جهاز أمن الدولة مكلّف بتأمين الحراسة، بعد معلومات أدت إلى الاشتباه في قبضه رشى مالية لقاء خدمات يقدمها لعدد من الأشخاص. وجاء توقيف هذا العنصر بعدما زوّد فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي القاضي حمود بالمعطيات المتوافرة لديها حول مرافقه، فجرى استجوابه. وبعد الانتهاء، أوعز القاضي حمود إلى المحققين مخابرة النيابة العامة العسكرية، التي أعطت الإشارة بتوقيفه.
الأميركيون يدعمون وديعتهم في مصرف لبنان: تعيينات نواب الحاكم حامية
تضمّن الخطاب الأخير للأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، إشارة واضحة إلى عزم الحزب على التعامل مع الحرب المالية كما لو أنها حروب عسكرية أو أمنية. المحطة الأولى في هذا المجال قد تكون في تعيين أربعة نواب لحاكم مصرف لبنان، بعدما تبيّن أن الرئيس سعد الحريري استجاب لضغوط أميركية تروّج لإبقاء النائب الرابع محمد بعاصيري، وأن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة استخدم الضغوط في فرض التجديد لنوابه «الهامشيين». إلا أنه في المقابل، يقود رئيس الجمهورية ميشال عون معركة التغيير الشامل ولا يبدي الرئيس نبيه برّي أي ممانعة في هذا الإطار (مقال محمد وهبة).
في 31 آذار تنتهي ولاية نواب حاكم مصرف لبنان الأربعة، وسط انقسام سياسي على طريقة التعامل مع هذا الملف. الرئيس ميشال عون وإلى جانبه حزب الله، يسعيان إلى إجراء تغييرات مرتبطة بأهداف السياسات النقدية والمالية المتبعة ومسارها في مصرف لبنان منذ سنوات طويلة، فضلاً عن أن هذا المستوى من التعيينات مرتبط عضوياً بأهداف أعلنها الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في خطابه الأخير، مشيراً إلى أن «العقوبات المالية هي حرب، ويجب أن نتعامل معها كأننا في حرب. مثلما هناك حرب أمنية وعسكرية وثقافية… هناك حرب اقتصادية ومالية». أما بالنسبة الى الأطراف الأخرى، فهم ينظرون إلى تعيينات نواب الحاكم على أنها جزء من حصصهم الطائفية في مؤسّسات الدولة وإداراتها.
الأميركيون هم من أكثر الأطراف التي استشعرت قرب انتهاء ولاية نواب حاكم مصرف لبنان الأربعة. في زيارته الأخيرة للبنان، قاد مساعد وزير الخزانة لشؤون مكافحة تمويل الإرهاب مارشال بيلينغسلي حملة دعاية وترويج لنائب الحاكم الثالث محمد بعاصيري، باعتباره الوديعة الأميركية في المجلس المركزي لمصرف لبنان. بيلينغسليا قدّم شهادة مديح ببعاصيري أمام الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري، في محاولة لتزكيته لولاية جديدة بعدما أمضى أكثر من 20 سنة في مصرف لبنان، ينتقل من لجنة الرقابة على المصارف إلى النائب الثالث لحاكم مصرف لبنان.
بحسب المصادر، فإن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة استخدم الدعم الأميركي لبعاصيري، من أجل طلب التمديد للنواب الثلاثة الآخرين، أي النائب الأول رائد شرف الدين، النائب الثاني سعد العنداري، النائب الرابع هاروت صاموئيليان. سلامة يروّج بأن التجديد لنوابه الأربعة يؤمّن استقراراً مطلوباً في القطاع المالي وفي علاقات مصرف لبنان مع الخارج، ولا سيما العلاقات مع وزارة الخزانة الأميركية، في ظل سعي أميركي لزيادة الضغط على لبنان في إطار مكافحة الإرهاب وتجفيف منابع تمويل حزب الله.
يدرك سلامة أن القوى السياسية المنقسمة قد تذهب في اتجاه تسوية «التجديد» طالما أنها تؤمّن المحاصصة، إلا أن مقاربته المستندة إلى الرغبات الأميركية، ليست ثابتة. بمعنى آخر، إن الإدارة الأميركية تعمل وفق مصالحها العليا لا وفق أهواء أشخاص، فضلاً عن أن العلاقة بين مصرف لبنان ووزارة الخزانة هي الأساس وليست مرتبطة بين أي موظف في لبنان وموظفين في الولايات المتحدة.
ومقاربة سلامة تصطدم بتوجهات رئيس الجمهورية ميشال عون الذي يرغب في ممارسة «التغيير»، في ما يعتبره بداية العهد بعد تأليف الحكومة. عون لا يحصر الملف بتعيينات نواب الحاكم فحسب، إذ تشير مصادر مطلعة إلى أن مقاربته تمتد إلى سلّة تعيينات مترابطة؛ من بينها تعيين نواب الحاكم الأربعة وتعيين أعضاء هيئة الأسواق المالية وتعيين مفوض الحكومة في مصرف لبنان.
أما الرئيس نبيه برّي، فهو يُظهر مرونة في هذا الملف ليست متصلة بحسابات خارجية أو حسابات مرتبطة بالسياسات النقدية والمالية. فمنذ أسابيع، زاره رائد شرف الدين محاولاً معرفة رأيه بشأن التجديد لنواب الحاكم، فأجابه برّي بأنه لا يمانع التغيير إذا كان شاملاً النواب الأربعة، إلا أنه لن يسير بالتغيير طالما هناك تجديد لأي من نواب الحاكم، سواء كان التجديد لبعاصيري أو لسواه. وبحسب مصادر مطلعة، فإن حسابات برّي في هذا المجال تستحوذ عليها علاقته بعائلة الإمام المغيّب موسى الصدر (رائد الشرف الدين هو ابن رباب الصدر).
النائب وليد جنبلاط مثل الرئيس نبيه بري، لا ينظر إلى استحقاق نواب الحاكم على أنه فرصة لتغيير أي سياسات نقدية أو مالية، بل الأمر محصور بحسابات الطائفة. بالنسبة الى جنبلاط، إن تغيير سعد العنداري أولوية، لكنها لا تضاهي أولوية التماهي مع برّي للتغيير أو للتجديد. ويتردّد أن جنبلاط قدّم وعداً لفادي فليحان الذي يعمل في الإدارة العليا في «بنك ميد» بتعيينه بدلاً من العنداري، لكن هذه الشخصيات لا تنفي أن جنبلاط قادر على النكث بوعوده.
بالنسبة الى نائب الحاكم الرابع (أرمني)، فإن التغيير أمر محسوم لدى حزب الطاشناق. القيّمون على الحزب يرون أن هذا التغيير كان يجب أن يكون في مطلع هذه الولاية، إذ جاء تعيينه في انتظار تسمية بديل منه، لكن تسارع الأحداث والظروف تركا صاموئيليان يشغل هذا الموقع طوال هذه الولاية، وبالتالي لا بد من التغيير. آلية التغيير لدى الطاشناق مختلفة شكلياً عن الآليات المعتمدة لدى باقي الأحزاب، لكنها في المضمون تنطوي على الحسابات نفسها، أي تعيين الشخص الذي يختاره الحزب للقيام بهذه المهمة من دون تحديد أهداف لهذه المهمة تبتعد عن مصالح الطائفة والحزب.
إذاً، ما هي مبرّرات التغيير أو التجديد؟ في الواقع، هناك أكثر من إشكالية متصلة بعمل نواب حاكم مصرف لبنان. قانوناً، يستحوذ حاكم مصرف لبنان رياض سلامة على كل الصلاحيات وتوزيع الأنشطة على نواب الحاكم الذين يبقى دورهم غير محدّد في ظل المادة 18 من قانون النقد والتسليف التي تنصّ على أن «يعيّن نائبو الحاكم لخمس سنوات بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير المال واستشارة الحاكم. وهم يمارسون الوظائف التي يعيّنها لهم الحاكم»، كما أن المادة 26 تعطي الحاكم «أوسع الصلاحيات لإدارة المصرف العامة وتسيير أعماله».
طبعاً هذه الصلاحيلات الواسعة لا تلغي صلاحيات المجلس المركزي الذي يتألف من نواب الحاكم، بالإضافة إلى مديري المالية العامة والاقتصاد. بإمكان نواب الحاكم أن يؤدّوا دوراً واسعاً في المجلس المركزي، إلا أنه في ظل النواب الحاليين، الأمر ليس متاحاً، إذ تمكّن سلامة من مصادرة هذه الصلاحيات بالممارسة، علماً بأنها صلاحيات مهمة وواسعة منصوص عليها في المادة 33 من قانون النقد والتسليف: تحديد سياسة المصرف النقدية والتسليفية، تحديد معدل الحسم ومعدل فوائد تسليفات المصرف، يتذاكر في جميع التدابير المتعلقة بالمصارف، يتذاكر في إنشاء غرف المقاصة، يتذاكر في طلبات القروض المقدمة من القطاع العام، يضع النظام الخاص المتعلق بالحاكم وبنائبيه، يقرّ موازنة نفقات المصرف ويدخل عليها التعديلات اللازمة ويوافق على قطع حسابات السنة المالية…
في السابق، جرت محاولات للانتفاض على محاولات سلامة مصادرة صلاحيات المجلس المركزي بعد مصادرة صلاحيات نوابه. ناصر السعيدي شكّل حالة في وجه سلامة، كما كان أحمد الجشّي صلباً في مواجهة شبه دائمة مع سلامة ومعترضاً على سياساته النقدية. كان هناك نواب آخرون يساندون السعيدي والجشّي، إلا أن الأمر انتهى بأن سلامة اشتكاهم عند السياسيين وتمكّن من إزاحتهم بالسياسة، إلى أن ركّب «الطقم» الحالي الذي يردّد كل جملة يقولها سلامة.
«النفضة» التي يحاول ميشال عون أن ينفذها في مصرف لبنان وهيئة الأسواق المالية، قد يكون لها قيمة أكبر إذا ترافقت مع تعيين مفوض حكومة قادر على تطبيق نصّ المادة 42 من قانون النقد والتسليف التي تحدّد صلاحياته بـ«السهر على تطبيق قانون النقد والتسليف، مراقبة محاسبة المصرف». على قلّة هذه الصلاحيات، إلا أنها تخوّل مفوض الحكومة التدخل في كل شاردة وواردة وإبطال قرارات المجلس المركزي وحاكم مصرف لبنان. في الواقع، لا ينسى أحد أن سلامة نفّذ الهندسات المالية من دون العودة إلى المجلس المركزي، بل أطلعه عليها لاحقاً. هذه الهندسات حققت للمصارف أرباحاً بقيمة 5.6 مليارات دولار في بضعة أيام من خلال تحويل المال العام إلى مال خاص.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اللواء
تهديدات باسيل: عرقلة من نافذة النزوح السوري
خلافات حول أولويات مجلس الوزراء .. وتنازُع صلاحيات بين طفيلي وضاهر في الجمارك
ثلاثة عناوين في واجهة الأسبوع، الذي من المفترض ان يشهد زيارة وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو إلى بيروت، من ضمن جولة شرق أوسطية:
1 – تداعيات مؤتمر بروكسيل حول النازحين السوريين، وبروز معالم خلاف جدّي حول العلاقة مع سوريا، التي يُؤكّد الرئيس الحريري انها ترتبط بموقف الجامعة العربية التي يلتزم لبنان بميثاقها.. في حين تسارع قوى 8 آذار، ومعها التيار الوطني الحر، للمطالبة «بحرق المراحل» على خلفية عودة النازحين السوريين.
2 – الموضوع الثاني، يتعلق بزيارة الرئيس ميشال عون إلى موسكو، في 25 آذار الجاري، والذي يصادف عطلة رسمية في لبنان، لمناسبة عيد البشارة، حيث سافرت إلى هناك «المفرزة السباقة» لإجراء الترتيبات المناسبة للزيارة التي تأمل مصادر بعبدا ان تكون محطة من محطات ملف النازحين السوريين.
3 – جلسة مجلس الوزراء، الحافلة بخلاف على أولويات جدول الأعمال، فضلاً عن خلافات حول التعيينات، وآليات اعتماد «الخطة المحدثة» للكهرباء، التي تطرح بناء المعامل إلى جانب استقدام باخرة ثالثة للخدمة إلى جانب الباخرتين العاملتين على توليد الطاقة الكهربائية.
وعلى الجملة، فالتهديدات التي أطلقها رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل، والذي اعتبر ان مؤتمر بروكسل حول النازحين السوريين هدفه تمويل بقائهم حيث هم، وضعت في إطار ضرب التضامن الوزاري، وتجاهل البيان الوزاري الذي على أساسه نالت الحكومة الثقة.
اما الكلام عن محاسبة الفساد (والكلام لمحطة المستقبل في مقدمتها مساء أمس) فهو «مزحة سمجة» فالالتزام بالقوانين يكون بالافعال وليس «بالشعارات الفارغة»، و«الابراء المستحيل»، الذي هو «الافتراء المستحيل»، وضع (والكلام للمصدر المشار إليه) كضرب من تقديم «اوراق اعتماد لدى حزب الله ضمن اجندات خاصة لا علاقة لها بالاستقامة السياسية».
وعشية الأسبوع السياسي المقبل، خرج الخلاف بين رئيس المجلس الأعلى للجمارك العميد أسعد الطفيلي والمدير العام بدري ضاهر إلى العلن، فقد أعلن الطفيلي في مقابلة مع محطة M.T.V ان على الجمارك السلام، فبدري ضاهر ليس رأس الإدارة، بل ميراي عون (وهي مستشارة رئيس الجمهورية).
وأعلن انه يقبل عرض «سكانر» إذا جاء عن طريق المناقصات.
وسط ذلك، اعلنت وزارة الخارجية الأميركية إن وزير الخارجية مايك بومبيو سيسافر إلى إسرائيل ولبنان والكويت الأسبوع المقبل حيث ستشمل جولته إجراء محادثات مع زعماء قبارصة ويونانيين في القدس بشأن أمن الطاقة في البحر المتوسط.
وقال روبرت بالادينو المتحدث باسم الخارجية في بيان إن بومبيو سيبحث في الكويت تعزيز التعاون في مجالات الدفاع والأمن الإلكتروني والتجارة.
وأضاف أن بومبيو سيجتمع في إسرائيل مع زعماء قبارصة ويونانيين لمناقشة تصدير الغاز الطبيعي إلى أوروبا.
وقالت مصادر رسمية ان لبنان يعرف ما سيطرحه على الوزير الاميركي وهي ثلاثة عناوين اساسية: معالجة موضوع النازحين السوريين، وموضوع الحدود البحرية والبرية بين لبنان وفلسطين المحتلة وكيفية ضمان حقوق لبنان السيادية على ارضه وبحره، اضافة الى موضوع العلاقات الثنائية وما قد يتفرع عنها من امور سياسية قد يطرحها الجانب الاميركي. ولكن في كل الحال يبقى ترقب ما سيحمله الوزير بومبيو من مواقف يتم الرد عليها في حينها.
وحول زيارة موسكو، استغربت المصادر ما اشيع امس عن تغييب السفير اللبناني في موسكو شوقي بو نصار عن الوفد الرسمي المرافق للرئيس عون، وقالت: اولاً، ان الوفد الرسمي لم يتشكل بعد، ثانياً، كيف يعقل ان يغيب سفير لبناني عن زيارة رسمية لرئيس الدولة وهو الذي يتولى ترتيبات وتحضيرات الزيارة؟ مشيرة ان الرئاسة تعرف الاصول جيدا ولا يغيب عنها مثل هذا الامر، ومشيرة ايضا الى ان المفرزة السباقة للوفد الرسمي اصبحت في موسكو، وهي تعمل مع السفير بونصار على وضع كامل ترتيبات الزيارة اللوجستية والسياسية والاجرائية.
واوضحت مصادر وزارية لـ«اللواء» ان ما اعلنه الرئيس عون امام الوفد الاوروبي بالنسبة الى ملف النازحين السوريين هو مقدمة لمحادثاته في العاصمة الروسية في الخامس والعشرين من الشهر الجاري، وعلم في هذا الاطار ان المفرزة السباقة توجهت الى روسيا من اجل اتمام الاعداد للزيارة التي يتوقع لها ان تكون محطة اساسية في هذا الملف الذي سيظل الرئيس عون يردد بضرورة حله انطلاقا من الثوابت في الموقف الرسمي الذي اعلنه وتم التأكيد عليه في القمة التنموية في بيروت.
ويتوقع ان يكون برنامج الزيارة حافلا بالمحادثات على ان تتضح الصورة في ما خص البرنامج قريبا.
مكافحة الفساد
على صعيد آخر، أفادت مصادر رسمية لـ «اللواء» ان الرئيس عون مصمم على مكافحة الفساد حتى النهاية، وان ما من تراجع في هذا المجال مهما كانت النتائج، مشيرة إلى ان ما من مواجهة امام الاثباتات والبراهين في هذا الملف، خصوصاً عندما يثبت المرتكب وتظهر الجرائم من خلال القضاء.
وعلى خط مكافحة الفساد، ختم قاضي التحقيق العسكري الأول فادي صوان تحقيقاته مع 27 موقوفا في ملفين، أحدهما مدعى فيه على 22 شخصا والثاني 5 أشخاص بجرم دفع وقبض رشى، وأحال الملفين الى النيابة العامة العسكرية لإبداء المطالعة في الأساس. وفي ملف ثالث بالجرائم عينها، ويتضمن عشرة موقوفين، استجوب القاضي صوان تسعة منهم وأصدر مذكرات وجاهية بتوقيفهم في انتظار استجواب العاشر الموجود في المستشفى. كما أوقفت النيابة العامة العسكرية، أحد مرافقي النائب العام التمييزي القاضي سمير حمود، وهو عنصر في جهاز أمن الدولة مولج بتأمين الحراسة، بعد توفر شبهات عن تقاضيه رشى مالية، لقاء خدمات يقدمها لبعض الأشخاص.
وأعلنت قيادة الجيش، مديرية التوجيه، إلحاقاً ببياناتها السابقة حول ملف الشهادات الجامعية المزوّرة ان مديرية المخابرات احالت على القضاء المختص عشرة موقوفين لاقدام بعضهم على تنظيم شهادات جامعية واستصدارها من إحدى الجامعات ومنحها للبعض الآخر بطريقة غير قانونية. وأكدت ان التحقيقات ما تزال مستمرة باشراف القضاء المختص.
قيومجيان: عودة النازحين تطرح لأول مرّة
وعلى صعيد مؤتمر بروكسل لاحظ الوزير القواتي قيومجيان الذي كان في عداد الوفد الرسمي
انها المرة الأولى التي يطرح فيها موضوع عودة النازحين السوريين إلى ديارهم، وان الوفد اللبناني إلى المؤتمر لمس قبولاً لهذا الطرح مع عرض إمكانية المساعدة، كما انها المرة الأولى التي يطرح فيها لبنان مع الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وكل الدول المانحة إمكانية مساعدة النازحين عندما يعودون إلى سوريا، مشيراً إلى ان الوفد طرح موضوع العودة وعمل عليه، بينما غيرنا يقوم بالتطبيل والتزمير ويستعمل هذا الملف للدعاية السياسية الصغيرة.
وكشف قيومجيان بأن «المجتمع الدولي يفكر جدياً بآلية إعادة النازحين إلى بلادهم، وان المفوض السامي لشؤون اللاجئين زار دمشق وقد منع من زيارة بعض المناطق الا بإذن من المخابرات السورية، لذا كفى تطبيلاً واستغلالاً لهذا الموضوع».
تزامناً، اعتبرت كتلة «ضمانة الجبل» التي اجتمعت أمس، برئاسة النائب طلال أرسلان، «ان ما حصل أخيراً في مسألة عدم اصطحاب وزير الدولة لشؤون النازحين صالح الغريب إلى مؤتمر بروكسل أمر لا يمت للتضامن الوزاري بصلة، لكنها اشارت إلى ان الأمور متجهة نحو المعالجة بهدوء تام، وان الوزير الغريب هو بصدد الانتهاء من اعداد ورقة شاملة لعودة النازحين، وجميعنا مع العودة الآمنة والكريمة لهم».