خاص ـ ترجمة وتحرير الحقول / عندما يُسأل بعض مديري الشركات الصغيرة والمتوسطة في ألمانيا عن التجارة مع إيران، بعيدا عن وسائل الإعلام، فإنهم يجيبون صراحة على نحو غير مألوف. وكما يقول مدير إداري ومساهم في إحدى الشركات الهندسية، فإن ”معدل الاستخدام في مصنعي انخفض إلى أقل من 60 في المائة. لذا فإن قبول أي طلب شراء أتلقاه هو مسألة بقاء بالنسبة لي”.
وهذا النهج شائع بين الشركات الصغيرة والمتوسطة المملوكة للقطاع الخاص أو التي تديرها العائلات، والتي تتسم بالسرية عادة وتشكل العمود الفقري لاقتصاد الدولة. ولكنه يتناقض بشكل حاد مع التصريحات العلنية التي تم الإدلاء بها أخيرا من قبل العديد من رؤساء أكبر المجموعات الصناعية المدرجة في ألمانيا.
وفي الشهر الجاري (أيار 2010)، أعلن ديتير زيتش، الرئيس التنفيذي لشركة دايملر لتصنيع السيارات والشاحنات، أن الشركة ستقطع كل علاقاتها تقريبا مع إيران. فقد قال: ”لقد أجبرتنا سياسات القيادة الإيرانية الحالية على وضع علاقاتنا التجارية مع تلك الدولة على أساس جديد”.
وشركة دايملر ليست سوى آخر شركة من بين عدد من أكبر الشركات الصناعية في ألمانيا، بما فيها شركة سيمنس وشركة مييونيخ ري وشركة ثايسنكروب، التي أدارت ظهرها لإيران هذا العام. وجاء انسحابها المفاجئ- بعد عقود من التجارة مع الجمهورية الإسلامية – بسبب احتمال فرض عقوبات أكثر صرامة على القطاع المصرفي وقطاع الطاقة في إيران، والضغط المتزايد من الحكومة الألمانية، ورد الفعل الشعبي السلبي في الولايات المتحدة، حيث لدى الكثير من هذه الشركات عمليات كبيرة هناك.
ومن غير الواضح بعد فيما إذا كان احتمال فرض عقوبات أكثر صرامة سيتحقق أم لا، إلا أن الشركات الكبيرة مثل ”سيمننس” تتوقع نشوء بيئة أكثر صعوبة. ويقول مدير إحدى المجموعات الصناعية: ”كان علينا أن نتوقع فرض عقوبات أقسى على أية حال، لذا لم يكن من المنطقي توقيع عقود لا يمكن الوفاء بها في النهاية”.
وكشف أحد كبار المسؤولين التنفيذيين في شركة أخرى توقفت عن التجارة مع إيران عن حافز أقوى، فهو يقول: ”يجب على الشركات أن تقارن بين الأعمال التي تقوم بها مع إيران وتلك التي تقوم بها مع الولايات المتحدة”. ففي العام الماضي مثلا، حين خسرت شركة سيمننس عطاء بقيمة 300 مليون دولار (225 مليون يورو، 194 مليون جنيه إسترليني) لتوفير قطارات مدن في مدينة لوس أنجلوس بولاية كاليفورنيا الأمريكية، قال عمدة المدينة إن أحد الأسباب هو تعاملاتها التجارية مع إيران.
وفي الوقت نفسه، تتبع الحكومة الألمانية في السنوات الأخيرة ”استراتيجية الإحباط”، وهي محاولة غير رسمية لمنع الشركات من التجارة مع إيران. وعلى الرغم من أن تصدير العديد من السلع إلى إيران أمر قانوني، إلا أن الحكومة حاولت منع الشركات من التجارة معها من خلال الضغط الشعبي والمحادثات الخاصة مع المديرين التنفيذيين وعن طريق زيادة العبء البيروقراطي للقيام بالأعمال التجارية مع الجمهورية الإيرانية.
وعلى الرغم من هذه الضغوط، تستفيد بعض الشركات الصغيرة ومتوسطة الحجم من هذا عن طريق توسيع علاقاتها طويلة الأمد مع الشركات الإيرانية تدريجيا وسد الفجوة التي خلفتها الشركات الكبيرة. ويقول مدير شركة تزويد للمجموعة الهندسية الذي رفض ذكر اسمه لكي لا يعرض علاقته مع شركة سيمننس للخطر: ”مباشرة بعد أن أعلنت شركة سيمنس عن انسحابها، لجأ شركاؤها التجاريون الإيرانيون إلينا”.
ونتيجة لذلك، أصبح مايكل توكوس أكثر رجل مطلوب في الأشهر الأخيرة. فهو المدير الإداري لرابطة التجارة الألمانية ـ الإيرانية في مدينة هامبورغ. وهو منشغل بتعليم مديري الشركات الألمانية الصغيرة والمتوسطة كيفية التصدير للجمهورية الإسلامية. وهم يطلبون المشاركة في الحلقات الدراسية التي تتناول مواضيع تتراوح من التقاليد الثقافية في الدولة إلى الإطار القانوني لتوجيه المنتجات إلى إيران عبر دول ثالثة. وهو يقول: ”في أوقات الأزمات، تبحث الشركات دائما عن أسواق جديدة”.
وبانتظار تطبيق عقوبات أكثر صرامة، فمن غير المرجح أن تحد الشركات الصغيرة ومتوسطة الحجم أعمالها مع إيران. ويقول توكوس في هذا الصدد: ”هناك شركات تتعامل مع إيران تجاريا منذ 40 عاما- أحيانا على مدى جيلين. ويتجاوز هذا غالبا مجرد علاقات العمل، بل يمكن تسميتها علاقات صداقة”.
ويتفق معه في هذا الرأي أحد كبار المديرين التنفيذيين في شركة كبيرة لا تزال تتعامل مع إيران، فهو يقول: ”لدينا علاقات طويلة وراسخة، وعلاقات ثقة عميقة في بعض الحالات، مع الشركاء التجاريين الإيرانيين. ولا يمكن التخلي عن هذا بسهولة”.
وتؤكد الإحصاءات الاقتصادية كلامه. فألمانيا هي أكبر شريك تجاري أوروبي لإيران، حيث بيعت سلع بقيمة 3.3 مليار يورو في أول 11 شهر من عام 2009، ما يجعلها ثالث أكبر مصدر إلى السوق الإيرانية بعد الصين والإمارات العربية المتحدة.
وفي قطاع الهندسة الذي يعتمد بصورة كبيرة على الصادرات، تحل إيران في المرتبة السادسة والعشرين بين أكبر الشركاء التجاريين لألمانيا. وقد يبدو هذا منخفضا ولكنه يستخف بأهميتها في بعض المجالات مثل الآلات الثقيلة، حيث يباع 5 في المائة من إجمالي الإنتاج الألماني إلى السوق الإيرانية.
وقد أصبحت ألمانيا أيضا بمثابة غرفة لقطع الغيار لإيران عن طريق توريد الآلات والأدوات لشركات النفط والغاز الإيرانية والصلب والمنتجات الكيماوية, إضافة إلى المكونات الإلكترونية والسيارات.وتخفي الإحصاءات أيضا الكميات الكبيرة من التجارة التي لا يتم تسجيلها رسميا. ويوضح ماثياس كنتزل، العالم السياسي ومؤلف كتاب عن العلاقات الألمانية ـ الإيرانية بالقول: ”هذا فقط ما تم الإبلاغ عنه طواعية. فمجال توجيه السلع إلى إيران عبر دول مجاورة مثل دبي أو عبر شركات صورية في إيطاليا ودول أخرى مجال مزدهر”.
وفي الواقع، فإن سياسة الإحباط لم تترك، وفقا لتوكوس ، تاثيرا كبيرا على الشركات الصغيرة والمتوسطة، وتشير تقديراته إلى أن آلاف الشركات الألمانية لا تزال تتعامل تجاريا مع إيران. وأحد أسباب ذلك هو أن المنظمات التي تهدف إلى تسهيل التصدير مع إيران تحاول إيجاد طرق للالتفاف على ذلك. فعلى سبيل المثال، فإن البنوك المملوكة إيرانيا مثل ”يوروبيش- إيرانيش هندلزبانك” Europisch-Iranische Handelsbank في هامبورغ، حرة في دعم الصادرات إلى إيران عن طريق القروض. كما إن إحدى أهم الشركات القابضة للشبكة التجارية الخارجية لإيران، وهي شركة اسكوتيك، موجودة في ألمانيا.
ويقول المالك الجزئي لإحدى الشركات الصغيرة والمتوسطة: ”من المستحيل تقريبا تمويل المشاريع الكبيرة مثل مصفاة لتكرير النفط لأنه لا يوجد أي بنك يريد المجازفة. ولكن يتم منح شهادات ائتمان بقيمة من ثلاثة إلى خمسة ملايين يورو من قبل الكثير من الشركات الصغيرة. وهناك أيضا بنك يوروبيش- إيرانيش هندلزبانك الذي يمول جزءاً كبيرا من الأعمال”.
وهناك سبب آخر لتدخل الشركات الصغيرة والمتوسطة، وهو أنها كانت الأكثر تضررا على وجه التحديد من الأزمة الاقتصادية العالمية- أكثر بكثير من التكتلات الكبيرة مثل ”سيمنس”، ما من شأنه الإخلال بالتوازن في طلبات الشراء في بعض المجالات. فطلبات الشراء في قطاع الهندسة، العمود الفقري الاقتصادي في ألمانيا الذي يعتمد بصورة كبيرة على الصادرات، والذي يوظف أكثر من 900,000 شخص، انخفضت بنسبة تقارب الربع لتصل إلى 178 مليار يورو في العام الماضي.
وعلاوة على ذلك، فإن الحجم النسبي للتجارة مع إيران كثيرا ما يكون أعلى في الشركات الصغيرة التي تصدر إلى عدد محدود من الدول مقارنة بمنافسيها الأكبر. فعلى سبيل المثال، شكلت مبيعات شركة سيمنس البالغة 500 مليون يورو في إيران للعام المالي 2009 نسبة 0.7 في المائة فقط من مجموع مبيعاتها. ويقول أحد المديرين التنفيذيين لجمعية صناعية ألمانية كبيرة، والذي ينظم حلقات دراسية مماثلة لتلك التي يقدمها توكوس، ولكنه يريد الحفاظ على سريتها: ”هناك عدد قليل من الشركات التي اتجهت إلى إيران بسبب الأزمة الاقتصادية”.
وتشعر الكثير من الشركات الصغيرة ومتوسطة الحجم أيضاً بالقلق بشأن خسارة حصتها السوقية. فعلى سبيل المثال، تقول الشركات الهندسية الألمانية إنها لا تريد أن تترك المجال للمنافسين من الصين وكوريا الجنوبية إلا إذا اضطرت إلى فعل ذلك في حال تطبيق العقوبات.
إلا أن كنتزل يقلب هذه الحجة رأسا على عقب، حيث يقول إن شركات التصدير الألمانية لديها نفوذ كبير في إيران وقد تصبح حافزا للتغيير إذا انسحبت. ويضيف: ”ينظر الإيرانيون بإيجابية إلى الهندسة الألمانية، وقد درس الكثير من رجال الأعمال لديهم في ألمانيا. ولا يمكن بسهولة استبدال الصادرات الألمانية بمنتجات صينية”.
COMMENTS