الأخبار
لا استقالة للحكومة ولا تعديل وزارياً
بعد مرور سبعة أيام متواصلة على التحركات الشعبية التي تعمّ لبنان، لا تزال الحكومة تتعامل مع الموقف كما لو أن دورها انتهى بعد إقرار "إصلاحاتها" الاثنين. لكن المتظاهرين لم يخرجوا من الشارع، وهذا يعني أن "ورقة الإصلاحات" لم تؤدِّ بعد غرضها المطلوب.
أول من أمس بدا أن معظم من في السلطة، إضافة إلى رئاسة الجمهورية، يؤيدون إجراء تعديل وزاري، يؤدي إلى تغيير عدد من الوجوه، تردّد منها: محمد شقير، يوسف فنيانوس، جمال الجراح، علي حسن خليل، وائل بوفاعور، إضافة إلى اثنين من وزراء العهد، على رأسهما جبران باسيل. كان يفترض أن يحدد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون اسميهما، لكن أمس تغيرت المعادلة، فتراجع احتمال التعديل، ليترافق مع تقدّم خيار "فتح الطرقات". أما سبب هذا التحول، فيصفه مصدر معني بعدم استعداد أي من الكتل لتقديم التنازلات. حتى حزب الله، الذي ظل حتى الأمس يؤكد احترامه لخيار الناس، داعياً مناصريه إلى عدم التعرض لهم، دخل على خط "فتح الطرقات"، وهو ما تم التعبير عنه بشكل واضح ومباشر في النبطية حيث عمدت البلدية، المحسوبة على الحزب، إلى فتح الطرقات بالقوة. وقد برّر النائب حسن فضل الله ما حصل بالإشارة إلى أن الاشكال في النبطية هو إشكال محلي له علاقة بالسوق التجاري والأهالي، مشيراً إلى رفض حزب الله الاعتداء على أي متظاهر، لكن في الوقت نفسه يجب أن يعبر المواطنون إلى منازلهم من دون عوائق. كما اعتبر أنه لا يجوز أن يساهم المتظاهرون في تجويع الناس بحجة محاربة الجوع. وقال فضل الله إن الموجودين في الشارع ينتمون إلى حراكَين: حراك وطني عفوي نزل إلى الشارع للتعبير عن مطالبه، وحراك سياسي تقوده القوى التي تريد رأس العهد، والجزء الثاني تقوده القوات.
سياسياً، اجتمع رئيس الحكومة سعد الحريري بحاكم مصرف لبنان رياض سلامة العائد من رحلته الأميركية وبهيئة المصارف. وتقرر مجدداً إقفال المصارف اليوم، خشية من تهافت الناس على طلب الودائع والتحويل من الليرة إلى الدولار، قبل التوصل إلى قرارات تهدّئ من "السوق". كذلك عقدت "لجنة الإصلاحات" الوزارية اجتماعاً عادياً، كان على جدول أعماله مشروعا قانون استرداد الأموال المنهوبة ومكافحة التهرب الضريبي. النقاش كان تقنياً بحتاً، ولم يتم التطرق فيه إلى ما يشهده البلد، وإلى كيفية الخروج من الأزمة الراهنة.
وفيما كانت اللجنة تعقد اجتماعها الأول في غياب وزراء القوات، حافظ الحزب التقدمي الاشتراكي على وجوده، على قاعدة "رجل بالبور ورجل في الفلاحة"، فبقي في الحكومة لأنه "لن نترك الرئيس الحريري"، كما سبق أن أعلن الوزير أكرم شهيب في مجلس الوزراء، كما لم يغادر السقف العالي لخطابه السياسي، الموجّه إلى العهد تحديداً. وهو إذ تيقن من تجربة 2005 أن سقوط رئيس الجمهورية هو شعار غير ممكن التحقيق، فقد ميّز النائب وليد جنبلاط بين العهد وبين "رموز الاستبداد" فيه، وبالتحديد "وزير خرّب العهد وهو صهر العهد وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل". وإذ أكد جنبلاط، في حديث لـ"يورونيوز"، على رفضه للورقة الإصلاحية داخل مجلس الوزراء وخارجه، فقد دعا إلى تعديل حكومي مع انتخابات نيابية مبكرة. وفي سياق مسعى قام به اللقاء الديمقراطي للوصول إلى حلول للأزمة الراهنة، زارت وفود من الحزب الاشتراكي واللقاء الديمقراطي الرئيس نبيه بري والرئيس سعد الحريري. كما عقدت لقاءً مع قائد الجيش، ومع المعاون السياسي للأمين العام لحزب الله، حسين الخليل. وبعيداً عن لقاء العماد جوزف عون، الذي ثمّن فيه الحزب "جهود الجيش في احتضان اللبنانيين في المظاهرات الشعبية وتأمين الحماية لهم في مختلف المناطق"، تركّزت اللقاءات الأخرى على محاولة إقناع مختلف الأطراف بضرورة السير في التعديل الحكومي، مع دعوتها إلى إقناع رئيس الجمهورية بذلك. لكن أجوبة القوى السياسية الأخرى المشاركة في الحكومة، خلصت إلى أمرين: "لا استقالة للحكومة ولا تعديل وزارياً".
وفيما كان منتظراً أن يعقد الرئيس ميشال عون مؤتمراً صحافياً أمس، أعلنت دوائر القصر الجمهوري أنه سيخرج، عند الساعة 12 من ظهر اليوم، على اللبنانيين في رسالة يتناول فيها التطورات الحالية، ويجيب فيها على كل الأسئلة التي أثيرت في الأيام الماضية. وتأتي كلمة عون، بحسب مصادر بعبدا، لتطرح "مقترحاً حوارياً"، استجابة للبيان الصدر أمس عن مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك برئاسة البطريرك بشارة الراعي، ومشاركة بطاركة وممثلين عن الكنيسة الارثوذكسية. واعتبر البيان أن ما يشهده لبنان منذ 17 تشرين الأول هو "انتفاضة شعبية تاريخية واستثنائية تستدعي اتخاذ مواقف تاريخية وتدابير استثنائية". وأشار إلى أن "المسكّنات لا تمر بعد الآن، فما كان هذا الشعب لينتفض لو لم يبلغ وجعه حده الأقصى". ودعا البيان "الحكم والحكومة إلى التجاوب مع المطالب الوطنية ومنها: حكم ديمقراطي، حكومة ذات مصداقية، قضاء مستقل وعادل، أداء شفّاف، حياد عن الصراعات، تطبيق اللامركزية الإدارية، بسط سلطة الشرعية دون سواها، مكافحة الفساد، وقف الهدر، استرداد الأموال المنهوبة بقوانين نافذة، تأمين التعليم وفرص العمل، توفير الضمانات الاجتماعية لمختلف فئات الناس". ودعا البيان الذي تلاه الراعي رئيس الجمهورية إلى "البدء فوراً بالمشاورات مع القادة السياسيين ورؤساء الطوائف لاتخاذ القرارات اللازمة بشأن مطالب الشعب". واعتبر أن "استمرار شلل الحياة العامة في البلاد من شأنه أن يؤدي إلى انهيار البلاد اقتصادياً ومالياً، ما يرتد سلباً على الشعب اللبناني، وبخاصة على أبنائنا وبناتنا الثائرين". أضاف: "لقد حان الوقت لكي تلبي الدولة المطالب المحقّة لتعود الحياة الطبيعية إلى البلاد".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اللواء
أسبوع على آلام الإنتفاضة: مخارج عاجلة أو إنزلاق إلى المواجهات الأهلية!
المتظاهرون يحتمون بالجيش.. والمصارف ماضية بالإقفال والإنقسام يَضرب القضاء
… وفي اليوم السابع على "انتفاضة الشعب" بوجه "الفساد وانعدام الثقة بالطبقة السياسية الحاكمة"، أخذت الاحتجاجات والمواجهات على الأرض أبعاداً مثيرة للريبة، في وقت ذهبت فيه الحكومة إلى البدء بوضع اقتراحات الإجراءات الإصلاحية على الطاولة، فطلب الرئيس سعد الحريري من المعنيين، الطلب من نقابتي المحامين في بيروت والشمال تنظيم ورشة عمل خلال عشرة أيام، واستخلاص آراء المحامين بمن فيهم محامو المجتمع المدني بمشاركة وزارة العدل لاعداد مشروع قانون استعادة الأموال المنهوبة، واحال الرئيس نبيه برّي مشروع قانون الموازنة إلى لجنة المال للبدء بمناقشتها، وسط معلومات ترددت عن كلمة للرئيس ميشال عون يوجهها ظهر اليوم إلى اللبنانيين حول التطورات الجارية منذ بدء أسبوع آلام الانتفاضة الشعبية بوجه مظالم السلطة الحاكمة وارتفاع المديونية وتعاظم البطالة في صفوف الشباب وخريجي الجامعات.
ومع ان الوضع أصبح يضغط بكل الاتجاهات، ومع ان الآلاف من اللبنانيين افترشوا الشوارع مرددين شعارات "سلمية.. سلمية" لمواجهة محاولات فتح الطرقات المغلقة، في غير منطقة، سواء في جل الديب، أو النبطية، أو الطرق الساحلية في مؤشر على بدء مناوشات أو مواجهات مدنية، قد تتفاقم وتتحول إلى دموية، إذا لم تطرح مخارج عاجلة، تعيد الانتظام إلى الحوار الداخلي، والعمل على تحقيق خرق رسمي، يسمح باحتواء "غضب الشارع المتصاعد، بتعبير وكالة الصحافة الفرنسية".
على ان الأخطر، انقسام الموقف القضائي، إزاء ادعاء النائب العام الاستئنافي في جبل لبنان القاضية غادة عون على الرئيس نجيب ميقاتي وابنه وشقيقه وعلى بنك عودة بتهمة الإثراء غير المشروع، من دون ان يكون مدعي عام التمييز القاضي غسّان عويدات، على علم أذ لا بدّ من ان يحصل الادعاء على موافقته، قبل الإحالة إلى قاضي التحقيق في بيروت جورج رزق.. بالإضافة إلى الادعاء على بنك عودة الذي نفى الاتهام وسط اتجاه القاضي عويدات لحفظ الادعاء..
توريط الجيش
.. وفي اليوم السابع لانطلاقة الانتفاضة الشعبية، سجلت مجموعة ملاحظات أبرزها قرار السلطة بفتح الطرقات الرئيسية بين العاصمة والمناطق، بحجة تسهيل انتقال المواطنين، وعهد إلى الجيش بتنفيذ القرار، لكن المتظاهرين اجهضوا القرار، بدون إراقة نقطة دم واحدة، عبر احتضان رائع للجيش لانتفاضة الشعب، على رغم القوة المؤللة الكبيرة التي نزلت إلى نهر الكلب وجل الديب والذوق، والتي كان الهدف منها إظهار حشد القوة لاستحالة استعمالها.
اما الملاحظة الثانية، فكانت استمرار الحركات الاحتجاجية امام المبنى الرئيسي لمصرف لبنان في الحمرا والتي توسعت إلى المناطق، وتحميله مسؤولية الانهيار المالي والنقدي، بينما أعلنت جمعية المصارف الاستمرار بالاقفال إلى حين استتباب الأوضاع لتمكين الموظفين من الحضور إلى أعمالهم.
ولم يحل سوء الأحوال الجوية والأمطار الغزيرة التي هطلت في فترة الغروب، دون استمرار المواطنين في التجمع في أماكن احتشادهم سواء في بيروت أو طرابلس، أو صيدا وصور والنبطية وجل الديب والذوق وصولاً إلى جبيل وعكار وزحلة والبقاع الغربي وبعلبك – الهرمل، حيث سجل توافد المزيد من المتظاهرين تحت المطر وتحت الخيم التي نصبوها في الساحات حيث يتجمعون.
وافيد بالنسبة لقرار توريط الجيش بفتح الطرقات المقطوعة، ان الرئيس ميشال عون التقى مساء أمس قائد الجيش العماد جوزاف عون، لكن المعلومات الرسمية ادرجته في إطار اللقاءات والاتصالات التي أجراها رئيس الجمهورية أمس، حول ما يتعلق بموضوع الحراك المدني، وقالت ان البحث تناول مسألة قرار فتح الطرقات من دون تعنيف أو قمع للمتظاهرين، وان مسألة فتح الطرقات يعود توقيتها لقيادة الجيش.
وكانت ثورة من الاحتجاجات العارمة عمت الشارعين الكسرواني والمتني ومحطات تجمع المتظاهرين في كل من جل الديب والذوق وغزير وجبيل والبترون، عندما حاولت قوات كبيرة من الجيش مدعمة بالآليات فتح الطرقات بغرض إفساح المجال لعودة الحياة إلى طبيعتها، وهو ما رفضه المتظاهرون، فكانت ردّات فعل شعبية عفوية وغاضبة ومستنكرة لقرار زج الجيش في صدام مع شعبه بدل حماية المتظاهرين. وانتشرت بشكل عفوي صور عناصر الجيش تعانق المتظاهرين وصورة أحد العسكريين يبكي وهو يقتحم بآلية عسكرية موقع الاعتصام في الذوق لتفريق المتظاهرين، وحصل تدافع كبير بين الجيش والمتظاهرين في جلّ الديب ضمن محاولة لفتح الطريق بالقوّة وإزاحة المتظاهرين من الطريق بعدما أعطوا الحكومة مهلة 48 ساعة قبل التصعيد.
ونزل كلّ من النوّاب سامي الجميّل، والياس حنكش الى الشارع. كما توجه النائب نعمة افرام على وجه السرعة الى بكركي ومن بعدها توجه الى الزوق للانضمام الى التظاهرة والوقوف الى جانب المتظاهرين بوجه عمليات القمع التي يتعرضون له.
وقرعت أجراس الكنائس في مناطق كسروان احتجاجاً على ما يحصل في زوق مصبح بالتزامن مع دعوة للنزول الى موقع التظاهر، لكنه في فترة بعد الظهر تم فتح طريق نهر الكلب التي تربط الشمال ببيروت. ووقف الجيش على خط تماس بين المسلك الشرقي والمسلك الغربي للاوتوستراد بعد العجز عن محاولة ردع المتظاهرين في جل الديب.
وقبل ان يستتب الوضع، عبر فتح مسرب واحد، سارعت قيادة الجيش إلى طمأنة المتظاهرين، في تغريدة على "تويتر" مؤكدة التزام الجيش حماية حرية التعبير والتظاهر السلمي بعيداً عن اقفال الطرق والتضييق على المواطنين واستغلالهم للقيام باعمال شغب".
لجنة الإصلاحات
سياسياً، وفيما تواصلت الاتصالات بين المسؤولين لمعالجة الأوضاع على الصعيدين السياسي والحكومي والأمني، والبحث في الخيارات المطروحة بين تطعيم حكومي، أو ما يسمى بالتعديل الوزاري، أو الاستقالة المستبعدة حتى الآن، ترأس الرئيس سعد الحريري اجتماعاً في "بيت الوسط" للجنة الوزارية المكلفة درس الإصلاحات المالية والاقتصادية، من أجل مواصلة درس وإنجاز الإصلاحات المطلوبة، والتي سبق ان نوقشت في اجتماعات سابقة للجنة.
وعلمت "اللواء" من مصادر وزارية ان البحث تناول تطبيق مشروع قانون استعادة الاموال المنهوبة الذي تقدم به تكتل "لبنان القوي"، ومشروع قانون مكافحة التهرب الضريبي. وقالت مصادر اللجنة: انه تقرر فتح المجال امام المجتمع المدني لإعطاء رأيه في مشروع استعادة الاموال المنهوبة وسيتم التواصل مع ممثلين عنه للاستماع الى مقترحاته.
وبالنسبة لمشروع مكافحة التهرب الضريبي، اوضحت المصادر ان النقاش تركز على الاجراءات الواجبة لحصول وزارة المالية على المستندات والمعلومات الكافية لملاحقة المتهربين من الضرائب.
وقالت: ان النقاش تناول الجوانب التقنية وأن هناك تقدما في بحث مشروعي القانونين.
الأربعاء النيابي
وعلمت "اللواء" ان النقاشات في لقاء الاربعاء النيابي عند رئيس المجلس النيابي نبيه بري، طال امورا كثيرة عرضها هو او ردا على تساؤلات النواب. ومما قاله حسب مصادرنيابية: ان الحراك الشعبي محق في مطالبه، وهو حرّك الحكومة لتستعجل في إقرار الموازنة العامة 2020 وإقرار الاصلاحات المطلوبة بعد المماطلة التي حصلت في غير محلها. والمهم الان سرعة تنفيذ المقررات الاصلاحية، وتحضير مشاريع القوانين اللازمة واحالتها الى المجلس النيابي لدرسها وإقرارها.
واشار الرئيس بري، الى ان معلوماته تفيد ان لا استقالة للحكومة، لأنه لو حصلت الاستقالة هل يمكن ان يحتمل البلد الفراغ او الفوضى؟ وكشف انه اتصل بالرئيس الحريري ليل امس (الاول) وسأله عن صحة ما يتم ترويجه عن احتمال استقالة الحكومة، فرد الحريري بالنفي.
جولة الاشتراكي
في هذا الوقت، جال وفد من الحزب التقدمي الاشتراكي على كل من الرئيسين برّي والحريري، بغرض عرض آخر المستجدات السياسية في البلد، في ضوء استمرار التظاهرات في الشارع
وحسب المعلومات المتوافرة، فقد طرح وفد الحزب مطلبه بتغيير الحكومة واعداد قانون انتخابي جديد واجراء انتخابات نيابية جديدة. فيما أفادت قناة الـ"او تي في" أن لقاء الوفد كان بمثابة جلسة مشاورات بكل الخيارات المطروحة راهنا لمعالجة الوضع. و"تمنى الحريري على وفد الاشتراكي ان يتريث في حال كان لديه توجه نحو الاستقالة من الحكومة". وتوجه وفد "الاشتراكي" للحريري بالقول: "الشارع بلٌش يفلت" والامر لا يحل الا بصدمة ايجابية".
وقالت مصادر سياسية متابعة للتطورات، لـ"اللواء" ان لا أفق حتى الساعة لفض التظاهرات، خصوصاً وأن المسؤولين اصبحوا على يقين ان لا ثقة للمواطنين بهم، لذلك فان الحكومة ستعمل كل ما في وسعها من اجل احداث صدمات ايجابية عملية تعيد الثقة بينها وبين المواطن.
وشددت المصادر على ان الرئيس الحريري ليس في وارد وضع القوى الامنية بكافة اجهزتها بمواجهة مع المتظاهرين ولن ينجر الى هذه الخطوة، حيث يعتبر ان مطالب المواطنين محقة.
وحول اجتماع وفد الحزب الاشتراكي مع الرئيس الحريري تشير المعلومات آلى ان البحث تناول كافة المستجدات والتطورات الاخيرة، وموقف الحزب منها خصوصا انه لا يزال لديها طروحات اساسية لم يتم الاخذ بها.واشارت المصادر الى ان التشاور مع رئيس الحكومة سيبقى مفتوحا خصوصا ان ما يجري لا يبشر بانتهاء الاعتصام في وقت قريب.
وعن امكانية تقديم الحزب استقالة وزيريه من الحكومة تقول المصادر كل الامور ستجري في وقتها وهي لم تنف او تؤكد امكانية الاستقالة، معتبرة ان لبنان حاليا في مأزق حقيقي ولا يمكن الاستهانة بمطالب الشارع الذي لا بد من تنفيذ الكثير من مطالبه المحقة.
عون يخرج عن صمته
إلى ذلك، كشفت مصادر على صلة بأجواء قصر بعبدا انه كان يفترض ان تكون للرئيس عون كلمة إلى اللبنانيين أمس، لكن هذه الكلمة تأجلت إلى اليوم وذلك لافساح المجال امام حركة المشاورات التي تتم عبر المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم بين عين التينة و"بيت الوسط" للبحث في إمكانية اجراء تعديل وزاري أو احتمال تغيير الحكومة، مشيرة إلى ان هذا القرار رهن بإرادة الرئيس الحريري الذي عليه اتخاذ خياره بالتعديل الوزاري أو الاستقالة، لافتة إلى ان تمهل الحريري سببه انه يُدرك بأن استقالة حكومته أو تعديلها يعني انه يفترض الاتيان بحكومة جديدة لا تضم وزراء استفزازيين، باتوا معروفين من كل النّاس.
نداءان من بكركي ودار الفتوى
وسط هذه الاجواء، صدرت دعوتان لاحتضان الانتفاضة، الأولى مسيحية حيث دعا البطريرك الماروني الكاردينال بشارة بطرس الراعي رئيس الجمهورية "المؤتمن على الدستور الى البدء فوراً بالمشاورات مع القادة السياسيين ورؤساء الطوائف لاتخاذ القرارات الملائمة بشأن مطالب الشعب فاستمرار شلل الحياة العامة في البلاد سيؤدي الى انهيار مالي واقتصادي ما يرتد سلبا على الشعب".
وتوجه الى الشعب المنتفض في لبنان وبلاد الانتشار طالباً منه "ان يحافظ على سلميته ويمنع اي طرف من استغلال صرخته ويحولها حركة انقلابية ويشوه وجهها الديمقراطي". وناشد المجتمع الدولي "ان يؤدي دوره في دعم اول ديمقراطية نشأت في هذا الشرق ومساعدة لبنان في حل المشاكل".
ودعا الراعي بعد اجتماع طارئ عقده في بكركي مجلس البطاركة والاساقفة الكاثوليك وبمشاركة المطارنة الارثوذكس، إلى احتضان انتفاضة ابنائنا المشروعة وحمايتها وإلى ان يتجاوب الحكم والحكومة مع مطالبها الوطنيَّة ومنها: حكمٌ ديمقراطيّ، حكومة ذات مصداقيَّة، قضاء مستقل وعادل، أداءٌ شفَّاف، حيادٌ عن الصراعات، تطبيق اللامركزيَّة الإداريَّة، بسط سلطة الشرعية دون سواها، مكافحة الفساد، وقف الهدر، استرداد الأموال المنهوبة بقوانين نافذة، تأمين التعليم وفُرص العمل، توفير الضمانات الاجتماعيَّة لمختلف فئات الناس. وقال: هذه أبسط حقوق الناس بعد مئة سنة على نشوء دولتهم".
وقبيل الاجتماع سئل متروبوليت بيروت للروم الارثوذكس المطران الياس عودة عن الذين يطالبون بفتح الطرقات بهدف الذهاب إلى العمل، فقال: "هل كانوا يعملون في السابق؟"، مشيراً إلى ان "الفراغ أفضل مما نعيشه اليوم".
ومن جهته، طالب مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان في بيان، "الدولة بتفهم أسباب الانتفاضة الشعبية والتعامل معها بمسؤولية عالية واحتضان مطالب الشعب والاهتمام بمعاناته واحترام هذه الوقفة الشعبية التضامنية التاريخية والوطنية التي جمعت اللبنانيين ووحدت بينهم"، مُشيداً بـ"الروح الوطنية الجامعة التي خيمت على التجمعات في المدن والقرى وفي الساحات المختلفة"، ومُعرباً عن أمل دار الفتوى في أن "تكون المقررات الأخيرة ?لمجلس الوزراء بداية للإصلاح المنشود"، ومقدّراً "موقف الجيش اللبناني في المحافظة على امن وسلامة المتظاهرين، وفي الدفاع عن الممتلكات الخاصة والعامة".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
البناء
أردوغان يؤكد اتفاق سوتشي على تسلّم الجيش السوري الأمن حتى الحدود… مع الانسحاب الكردي
التعديل الوزاري لن يُبحث قبل بتّ استقالة وزراء القوات… وكله مؤجل لما بعد فتح الطرق
مواجهات مع الجيش بعد تهرّب الداخلية… وعون يتحدّث اليوم… وبري لقيام الدولة المدنية
شكل إعلان الرئيس التركي رجب أردوغان عن مضمون ما تمّ التفاهم عليه في سوتشي مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لجهة اعتبار الجيش السوري مسؤولاً عن الأمن في شمال سورية وصولاً للحدود مع تركيا بالتزامن مع انسحاب الجماعات الكردية المسلحة، منعطفاً في مسار الحرب على سورية، لجهة تأكيد سقوط كل المشاريع التي تمّ تقديمها كبدائل عن مشروع الدولة السورية، فلا مشروع الإدارة الذاتية الكردية قابل للحياة، ولا الاحتلال الأميركي قابل للبقاء، ولا المشروع التركي للمنطقة الآمنة له فرص حقيقية، والدولة السورية التي لم تساوم لا مع القيادات الكردية ولا مع الحكم التركي ولا مع الاحتلال الأميركي على شروط تقدّم مشروعها، فرضت هذا التقدم بقوة الإنجاز المؤسس على مفهوم السيادة والوحدة، والتفوق في الحرب على الإرهاب، وصدقية بناء التحالفات.
في لبنان كان الحدث في المواجهات التي شهدتها بعض المناطق اللبنانية، بين مجموعات من المعتصمين في الطرقات العامة تحت شعار الحراك الشعبي وإصرار المتظاهرين على قطع الطرقات، ما تسبب باختناقات مرورية وصدامات مع المواطنين الراغبين بالعبور، ما استدعى تدخّل الجيش بعدما كان مستغرباً لدى أكثر من فريق سياسي مشارك في الحكومة استنكاف وزيرة الداخلية عن تكليف قوى الأمن بالقيام المهمة كما يجري عادة ويتولى الجيش مساندتها، وقد نجح الجيش في فتح العديد من الطرق، لكن بدا أن هناك قراراً من القوات اللبنانية بمنعه من إكمال المهمة، كما أظهرت عملية زجّ البلوكات الحزبية بالآلاف في منطقتي جل الديب وذوق مصبح، وشكّل الموقف القواتي وما جلبه من حشود سبباً لتمهّل الجيش لدراسة الموقف قبل التحرّك مجدداً، فيما قالت مصادر متابعة إن الجيش لا يستطيع التعايش لأكثر من ساعات مع هذا التمرّد الأمني، وسيعالجه سريعاً، وربما صباح اليوم، بينما وقعت إشكالات عدّة بين المتظاهرين الذين اعتصموا في سوق النبطية وبلدية المدينة، وآخرين في مزرعة يشوع ومؤيدين للتيار الوطني الحرّ على خلفية نزع صورة لرئيس الجمهورية.
الدفع بالحراك للتحوّل إلى ظاهرة أمنية كان مؤشراً خطيراً على ما قد تشهده الأيام المقبلة ما لم يتم استدراك الأمر بقرار على مستوى إعلان من ساحات الحراك يرفع الغطاء عن كل عمليات قطع الطرق، والتمسّك بحرية التظاهر والتجمع في الساحات حتى تحقيق المطالب، والاعتماد على المشاركة الطوعيّة للمواطنين الذين لم يبخلوا خلال الأيام التي مضت على الساحات بالحضور، واستغرب كثيرون منهم أن ينالهم هذا العقاب الذي ترجمته عملية إقفال الطرق.
بالتوازي، أكدت مصادر سياسية مطلعة أن لا بحث جدياً في تعديل وزراي يجري الحديث عنه، وأن الأمر يمكن أن يجري بحثه جدياً بالتزامن مع حسم أمر استقالة وزراء القوات اللبنانية، وهو أمر مؤجل لما بعد فتح الطرق الذي يبدو أنه المحطة الفاصلة التي تراهن عليها القوات لتصعيد المواجهة. وعندما تعود الطرقات إلى طبيعتها يراهن بعض الحكومة والمعنيين بالملف الحكومي على تراجع القوات عن استقالة وزرائها، بينما حذرت مصادر مالية مما سيحمله اليوم بعد عودة الدورة الطبيعية للمصارف على مستوى الحال المالية والنقدية ما لم يكن المناخ السياسي إيجابياً.
في المواقف السياسية، ينتظر أن يطل رئيس الجمهورية العماد ميشال عون اليوم متحدثاً إلى اللبنانيين في أول إطلالة منذ بدء الحراك الشعبي، بينما علّق رئيس المجلس النيابي على مناخ الحراك اللاطائفي بصفته فرصة عظيمة للسير نحو الدولة المدنية بدءاً بإقرار قانون انتخاب خارج القيد الطائفي وعلى مستوى لبنان دائرة واحدة وفقاً للنسبية كما تمّت المناداة في ساحات الحراك.
لليوم السابع على التوالي استمرّ الحراك الشعبي في الشارع في مختلف المناطق اللبنانية مع تسجيل توترات متنقلة بين المتظاهرين ومؤيدي الأحزاب من جهة وبين المتظاهرين والجيش اللبناني من جهة ثانية، وإذ حافظت الحشود على أعدادها في الساحات لا سيما في ساعات المساء، استمرّت المشاورات بين المقار الرئاسية والقيادات السياسية لإيجاد حل للازمة الراهنة. على أن يوجّه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون كلمة الى اللبنانيين ظهر اليوم يتناول فيها آخر التطورات على الساحة اللبنانية.
إلا أن هناك سباقاً بين العثور على حلول لاحتواء التظاهرات وبين انفلات الشارع في ظل الأحداث المتنقلة التي تحصل، حيث سجل يوم أمس، اشتباك في النبطية بين المتظاهرين وشرطة البلدية فيما وقع إشكال كبير في مزرعة يشوع بين المتظاهرين ومؤيّدين للتيار الوطني الحر، بحسب ما أظهرته الفيديوات وحصل تدافع وتكسير وهرج ومرج في مكان التظاهرة. وحسب المعلومات، فالسبب يعود لقرار اتخذه المتظاهرون، وهو إزالة صورة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون عن أحد المباني.
وأشارت مصادر نيابية في التيار الوطني الحر لـ"البناء" الى أن لا قرار من قيادة التيار بالنزول الى الشارع مقابل الشارع الآخر لأننا نرى أن هناك أهدافاً مشتركة بيننا كما نرى محاولات لزجّنا في مواجهة مع المتظاهرين وهذا ما لن يحصل". وأوضحت أن "ما حصل في مزرعة يشوع هي عناصر غير منضبطة ومؤيدين مندفعين بقرار ذاتي وليس بقرار من التيار"، وعن التجمع الذي دعا اليه مؤيديو التيار في بعبدا اليوم دعماً للعهد لفتت الى أن الدعوة ليست من التيار بل من المؤيدين في المناطق. واستنكرت المصادر التعرّض للجيش في الذوق وغيرها من التظاهرات التي تعمل القوات اللبنانية على تسخيرها لمصلحتها وأوضحت أن المطالب الشعبية شرعية وطبيعية، لكن الاعتداء على الجيش مرفوض وقطع الطرقات مرفوض، محذرة من أننا ننتظر إجراءات الأجهزة الأمنية والعسكرية لفتح الطرقات وإلا لن نقف مكتوفي الأيدي.
على صعيد آخر، وفيما تخوفت مصادر أمنية من حصول اشتباكات بين المتظاهرين ومناصري تيار المستقبل في طرابلس والبقاع وصيدا، نفت منسقية بيروت في المستقبل نفياً قاطعاً أن تكون قد دعت الى قطع طرقات او تحركات مشابهة دعماً للرئيس سعد الحريري، وأكدت في بيان لها تفهمها الكامل للحراك الشعبي في البلاد من منطلق كلام الحريري بعد إقرار الإصلاحات في مجلس الوزراء الاثنين الماضي.
ودعت المنسقية المنتسبين والمناصرين والجمهور الى عدم القيام بأي تحرّك او نشاط باسم المستقبل قبل مراجعة مكتب ومجلس بيروت تجنباً للوقوع بمغالطات او سوء تقدير او استغلال من المتربّصين بمسيرة التيار وأهله.
ولفتت أوساط مطلعة لـ"البناء" الى "وجود خطة لضرب الثنائي الشيعي في الجنوب لتطويق المقاومة على غرار ما حصل في العراق مؤخراً، وذلك عبر إيقاع الفتنة بين المتظاهرين ومؤيدين لأمل وحزب الله"، ولفتت الى "حشر الجيش في مواجهات مع المتظاهرين غير مجدية لا سيما أن مهمة الجيش في أوضاع كهذه تقع في خدمة قوى الأمن الداخلي التي حيدت نفسها كما تبين من بيان وزيرة الداخلية ريا الحسن"، وحذّرت من "محاولة استدراج الجيش الى مواجهات مع المتظاهرين وتحميل عون وحزب الله مسؤولية تغطية ذلك بهدف ضرب ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة، كما حذرت من استخدام الشارع لتحقيق أهداف خارجية". وتحدثت المصادر عن توريط أحد وزراء القوات لوزير الاتصالات بقرار فرض رسم على الواتسآب مشبّهة ذلك بتوريط الوزير السابق مروان حمادة للرئيس فؤاد السنيورة بتركيب كاميرات في المطار، وذكرت المصادر بما نشرته الواشنطن بوست قبيل اندلاع الشارع بأيام تحت عنوان "خسرنا سورية يجب أن نحافظ على لبنان".
وأصدر الجيش بياناً عبر حسابه على تويتر متوجّهاً الى المتظاهرين، قائلاً الجيش يقف إلى جانبكم في مطالبكم الحياتية المحقة، وهو ملتزم حماية حرية التعبير والتظاهر السلمي بعيداً عن إقفال الطرق والتضييق على المواطنين واستغلالكم للقيام بأعمال شغب . وأضاف: جنودنا منتشرون على الأراضي اللبنانية كافة على مدار الساعة لمواكبة تحرّككم السلمي وحمايتكم في هذه المرحلة الدقيقة وهم بين أهلهم. وتابع الجيش: لم نألُ جهداً في الأيام الماضية في التواصل مع كل الأفرقاء المعنيين للحؤول دون حصول احتكاك أو تصادم بين المواطنين.
واعتبرت وزيرة الداخلية والبلديات أن الحل يكون بالسياسة وليس بالأمن، مؤكدة ان قوى الأمن لم تتلق أوامر بفتح الطرق، كما نفت ما اشيع مجدداً عن تقديم استقالتها.
كما أجرى الحريري سلسلة اتصالات بالقيادات الأمنية والعسكرية واطلع منها على الأوضاع الأمنية في مختلف المناطق، مشدداً على ضرورة الحفاظ على الامن والاستقرار والحرص على فتح الطرق وتأمين انتقال المواطنين بين كل المناطق . وترأس الحريري ايضا اجتماعاً للجنة الوزارية المكلفة درس الإصلاحات. وعقد اجتماعاً مع وفد من جمعية المصارف برئاسة رئيس الجمعية سليم صفير، تمّ خلاله تداول الأوضاع المالية والمصرفية والقرارات التي اتخذها مجلس الوزراء أخيراً في الورقة الإصلاحية. واستقبل حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وعرض معه الأوضاع الاقتصادية والمالية العامة.
واعتبر رئيس مجلس النواب نبيه بري خلال لقاء الأربعاء النيابي ان مطالب الحراك الشعبي كانت بكل اعتراف وضمن البنود الـ 22 التي وافق عليها اجتماع بعبدا، وقال كررنا صرختنا منذ عشرات السنين لمعالجتها ونسجل للحراك الشعبي تحقيقها تحت الضغط ولأن النصيحة كانت بجمل أصبحت بثورة . اشار عضو كتلة التنمية والتحرير النائب علي بزي في تصريح بعد لقاء الأربعاء الى ان "بري أكد ان البلد لا يحتمل ان يبقى معلقاً وأبدى خشيته من الفراغ"، لافتا الى ان "بري وقع الموازنة وحولها للجنة المال والموازنة للبدء بمناقشتها وأكد ان الظرف الراهن ملائم لقيام الدولة المدنية وإقرار قانون انتخابات نيابية يعتمد لبنان دائرة واحدة على اساس النسبية . واستقبل بري وفداً من الحزب التقدمي الاشتراكي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النهار
أسبوع أول والمواجهة مفتوحة
تدافعت التطورات متسارعة وكبيرة في دلالاتها في اليوم السابع من "انتفاضة الغضب"، لكن ابرز دلالاتها اطلاقاً تجسدت في التصرف الجراحي الدقيق للجيش في التعامل مع المجموعات الضخمة للمتظاهرين والمعتصمين، خصوصاً على طول خط المتن الساحلي والساحل الكسرواني. ولا شك في ان المشهدية التي طالت أمس عبر نقاط التجمع الكبيرة ولا سيما منها جل الديب وزوق مكايل اثبتت ان القرار الحاسم للجيش بعدم اللجوء الى القوة في فتح الطرق، على الاهمية الاساسية التي باتت ترتبها الحاجة الى فتح الطرق بعد أسبوع كامل من الانتفاضة، يلعب دوراً مركزياً في ديمومة الزخم التصاعدي للاحتجاجات بعيداً من أي خوف من قمع قد يساور أي طرف سياسي رسمي الانزلاق اليه بما يفاقم التداعيات التي يمكن ان تترتب على خطأ فادح كهذا.
وما جرى في النبطية أمس أيضاً بدا بمثابة الوجه الآخر للتداعيات الخطيرة التي يرتبها التفلت الامني في ظل الهجمة التي تعرض لها المتظاهرون من عناصر الشغب، الامر الذي أدى الى سقوط جرحى وأثار خطر نشوب مواجهات مسلحة.
ووسط هذه المعالم الامنية التي واكبت تطورات الاحتجاجات المستمرة يمكن القول إن مرور الاسبوع الاول من الانتفاضة ترك مجموعة خلاصات ووقائع مهمة للغاية يأتي في مقدمها ان المواجهة تبقى مفتوحة بل مرشحة للتصاعد بين مجموعات الانتفاضة الشعبية والسلطة السياسية وسط ازدياد عوامل الغموض حيال أي مخرج محتمل من الازمة التي ستبقى التساؤلات المطروحة حيالها من دون اجوبة ما دامت السلطة لا تتعامل بجدية علنية على الاقل مع المطالب الجوهرية للانتفاضة المتصلة أولاً باستقالة الحكومة وتأليف حكومة تكنوقراط مستقلة. الخلاصة الثانية البارزة تتمثل في المعلومات التي أفادت أن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون كثف في الساعات الاخيرة لقاءاته مع الاجهزة الامنية للاطلاع على التفاصيل الدقيقة لمجريات الاحتجاجات، وفي ظل هذه الاجتماعات بات في حكم المتوقع ان يطل الرئيس عون على الرأي العام اللبناني برسالة الى اللبنانيين يحدد فيها رؤيته للتطورات الجارية ويطرح موقفه منها ومن المخارج التي يراها ملائمة لانهاء الازمة.
وعلمت "النهار" انّ فريق الرئيس ميشال عون أنجز الرسالة التي سيوجّهها رئيس الجمهورية إلى اللبنانيين ظهر اليوم. وعُلم أيضاً أنّ عون اجتمع بعد ظهر أمس بعيداً من الإعلام مع قادة الأجهزة الأمنية، كلّ على حدة، لدراسة سبل فتح الطرق ومنع المتظاهرين من إقفالها مجدداً.
وكان الرئيس عون اتصل بعد ظهر أمس بالبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، وتداول معه مضمون البيان الصادر عن الاجتماع الطارئ لمجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان. ونوّه الرئيس عون بـ"مضمون البيان وبالدعوات التي أطلقها الكاردينال الراعي".
الاحتضان الكنسي
الخلاصة الثالثة تتمثل في الاهمية الكبيرة للبيان الذي وصف بانه "تاريخي" والذي أصدره مجلس البطاركة والاساقفة الكاثوليك في لبنان، بعد اجتماع طارىء في بكركي برئاسة البطريرك الراعي، وبمشاركة بطاركة وممثلين للكنيستين الارثوذكسية والانجيلية، والذي تبنى بل احتضن الانتفاضة الشعبية معلناً "اننا نفهم انتفاضتكم ونسمع صرختكم، نؤيد مطالبكم، ولا نقبل أن تضيع. لذا نؤكد لكم أن انتفاضتكم ستبقى تنبض في القلوب حتى تتحقق إصلاحاً. ما فعلتموه هو أكثر من انتفاضة، إنه نهضة لبنان الوطن". ودعا إلى "احتضان انتفاضة أبنائنا المشروعة وحمايتها، وإلى أن يتجاوب الحكم والحكومة مع مطالبها الوطنية ومنها: حكم ديموقراطي، حكومة ذات صدقية، قضاء مستقل وعادل، أداء شفاف، حياد عن الصراعات، تطبيق اللامركزية الإدارية، بسط سلطة الشرعية دون سواها، مكافحة الفساد، وقف الإهدار، استرداد الأموال المنهوبة بقوانين نافذة، تأمين التعليم وفرص العمل، توفير الضمانات الاجتماعية لمختلف فئات الناس. هذه أبسط حقوق الناس بعد مئة سنة على نشوء دولتهم ". كما دعا رئيس الجمهورية "المؤتمن على الدستور، وناظم عمل المؤسسات، إلى البدء فوراً بالمشاورات مع القادة السياسيين ورؤساء الطوائف لاتخاذ القرارات اللازمة بشأن مطالب الشعب". وطالب "الشعب اللبناني المنتفض في لبنان وفي بلدان الانتشار، بأن يحافظ على نقاء تحركه وسلميته، أن يمنع أي طرف من أن يستغل صرخته ويحوّلها حركة انقلابية، ويشوه وجهها الديموقراطي. وبعد أسبوع من هذه الانتفاضة الشعبية المستمرة التي جسدت حرية التعبير، لا بد أيضاً من احترام حرية التنقل للمواطنين لتأمين حاجاتهم ولا سيما منها الصحية والتربوية والمعيشية والاقتصادية، فيبقى الرأي العام محتضناً هذه الانتفاضة".
وقبيل الاجتماع، كان لمتروبوليت بيروت وتوابعها للروم الارثوذكس المطران الياس عودة موقف بارز توجه فيه الى "الذين يطالبون بفتح الطرق بهدف الذهاب الى العمل"، متسائلاً: "هل كانوا يعملون في السابق؟". وقال "إن لبنان بقي من دون رئيس لسنتين ونصف، بجزر الماوماو ينتخبون رئيسا للقبيلة في شهر". وأضاف: "يتعللون بعلل الخطايا، ويخيفوننا اليوم من الفراغ… كفى استهتاراً بكرامة الناس". وتخوّف "من أن يقوم أحدهم بتقليص عزيمة الشباب اللبناني".
وفي المعلومات التي حصلت عليها "النهار" ان بيان رؤساء الكنائس كان يتجه الى المطالبة باستقالة الحكومة، لكنه كان يريد ربط الاستقالة بالاتفاق على الحكومة الجديدة. ومع استحالة الامر حالياً فضل الرؤساء عدم المغامرة في البقاء في الفراغ.
محاولات الجيش
وسط هذه الاجواء، حاول الجيش فتح الطرق العامة واعادة السير الى طبيعته عليها. ومن جل الديب الى الزوق وصولاً الى غزير فجبيل، تكرر المشهد نفسه وإن بنسب متفاوتة. وحصلت صدامات بين المواطنين وأفراد الجيش وعمليات كر وفر بين المتظاهرين والوحدات العسكرية. غير ان المشهد عاد وهدأ بعدما رفع المعتصمون الصوت عاليا رافضين الاصطدام بالجيش، وقد رددوا الاناشيد التي تحييه وتدعمه. وسجلت لحظات مؤثرة بين الطرفين، حيث ظهرت على الكاميرات دموع بعض العناصر العسكرية تنهمر خلال المواجهات، والتقطت العدسات أيضاً حالات عناق حار بين بعض المتظاهرين والعسكر.
ومواكبة لهذه التطورات، قرر الجيش اصدار موقف، في خطوة نادرا ما يلجأ اليها. فغرد عبر حسابه على "تويتر" مخاطباً المتظاهرين: "الجيش يقف إلى جانبكم في مطالبكم الحياتية المحقة، وهو ملتزم حماية حرية التعبير والتظاهر السلمي بعيداً عن إقفال الطرق والتضييق على المواطنين واستغلالكم للقيام بأعمال شغب". واضاف: جنودنا منتشرون على الأراضي اللبنانية كافة على مدار الساعة لمواكبة تحرّككم السلمي وحمايتكم في هذه المرحلة الدقيقة وهم بين أهلهم… لم نألُ جهداً في الأيام الماضية في التواصل مع كل الأفرقاء المعنيين للحؤول دون حصول احتكاك أو تصادم بين المواطنين".
وليل أمس حصل صدام في مزرعة يشوع أدى الى سقوط جرحى. واتهم المتظاهرون عناصر من "التيار الوطني الحر" بالاعتداء عليهم.
ميقاتي و"الرسالة "
وطرأ تطور قضائي مفاجئ أثار شكوكاً وتساؤلات عن توقيته، اذ إدعت النائبة العامة الاستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون في قرار أصدرته على الرئيس نجيب ميقاتي وابنه ماهر وشقيقه طه وبنك عوده بجرم "الاثراء غير المشروع" في ملف قروض سكنية مدعومة، وأحالتهم على قاضي التحقيق الاول للتحقيق معهم. لكن القرار أثار تبايناً بين القاضية عون والنائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات الذي اعتبر "أن إحالة ملف الإدعاء على الرئيس نجيب ميقاتي وآخرين بجرم مخالفة المادة الأولى من قانون الإثراء غير المشروع على قاضي التحقيق الأول في بيروت، من دون المرور بالنيابة العامة التمييزية، هو خطأ قانوني يجب تداركه"، مشيراً الى أنه لم يتسلم أي ملف في هذا الشأن.
ورد الرئيس ميقاتي على الخطوة بقوله: "نعم إنها رسالة والرسالة وصلت، وفحوى الرسالة: طفح الكيل منك يا نجيب ميقاتي ولم نعد قادرين على التحمل. لم تنتخب فخامة الرئيس قبل ثلاث سنوات وسنبدأ بالتعرض لك. تظهر دائماً المدافع عن الدستور والطائف وعن المقامات وخاصة رئيس الحكومة، خلص يجب وضع حد لهذا الموضوع وهناك سيف سيكون فوق رأسك". وأضاف: "أصلاً أنا شخصياً لا اسم لي في الملف بتاتاً، ورغم كل ذلك أقول إنني احترم القضاء وانا تحت سقف القانون وكلي ثقة برئيس مجلس القضاء الاعلى ومدعي عام التمييز". وناشد وزير العدل "الذي تعاملت معه عندما كنت رئيساً للحكومة وهو قاض واعرف نزاهته واخلاقيته، لأقول له، يا معالي الوزير اذا كنت تحب العهد والرئيس ميشال عون انقذ هذا العهد وأوقف تسييس القضاء".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الجمهورية
ضغط روحي يستعجل الحلّ.. والخارجية الأميركية تدعم حق التظاهر
"انتفاضة تشرين" تتصاعد، وهدير الشعب يعلو في كل الساحات، واما السلطة، فما زالت تمارس الطرش والعمى. وكأنّها مع كل الذي يحصل، قرّرت الّا تسمع صوت الناس، والّا يرفّ لها جفن وترى كيف تهتز الارض من تحتها، وكيف يتقدّم البلد مسرعاً نحو هاوية خطيرة لا قرار لها باعتراف الجميع. في هذه الاجواء يُنتظر ان يطلّ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون اليوم، في كلمة الى اللبنانيين، وعُلم انّ كلام رئيس الجمهورية سيفتح الباب امام المباشرة بالمعالجات السياسية، تحت سقف الاستقرار واحترام ارادة الناس. كما سيطل رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط في كلمة من المختارة، اليوم، ربطتها مصادر سياسية بالحديث المتزايد عن استقالة وزراء الحزب من الحكومة. وكان لافتا امس، الموقف الاميركي، الذي صدر عن مسؤول في وزارة الخارجية الاميركية، الذي ابلغ وكالة "رويترز" قوله ان واشنطن تدعم حق اللبنانيين في التظاهر السلمي، ومطالبتهم باصلاحات اقتصادية. واكد المسؤول الاميركي ان للشعب اللبناني الحق في الاستياء من حكومته لعدم مكافحتها الفساد.
هدير الناس يعلو، ويحشر السلطة اكثر فأكثر ، وسقف المطالب يرتفع الى حدّ اسقاطها، وهو امر يوجب حدوث انقلاب على مستوى هذه السلطة، جوهره اخذ العبرة مما يحصل، والاتعاظ واحناء الرأس جدياً امام جموع المحتجين المنتفضين عليها في كل المناطق اللبنانية، وتقديم شيء ملموس لهم، بدل الاصرار على المكابرة والهروب من المسؤولية وتجاهل اللحظة المصيرية التي يشهدها لبنان حالياً.
لبنان صار مهدّداً، ويوشك على الانهيار، والتحذيرات تتوالى من الداخل على كل المستويات، وكذلك من الخارج، وتحديداً من المؤسسات المالية الدولية ووكالات التصنيف، التي تحذّر من انّ لبنان يوشك ان ينتهي مالياً، إن استمر في المسار الانحداري الذي يسلكه مسرعاً في هذه الايام.
ولأنّ لبنان ومصيره فوق كل اعتبار، بات من الضروري والملح ان يدرك الجميع ومن دون استثناء، انّ لبنان في سباق مع الوقت، ولا يحتمل لا ترف الوقت ولا تضييعاً للوقت، وصار في وضع وكأن العدّ التنازلي قد بدأ للانهيار، وهو امر إن حصل – لا قدّر الله – لا يمكن معه تخيّل الوضع الذي سينتهي اليه هذا البلد.
وتبعاً لذلك، فإنّ المناخ العام في البلاد يلقي الكرة في يد السلطة، لتتقدّم ولو خطوة على طريق منع الانهيار، ولتدرك انّ الشارع بالجماهير المحتشدة فيه، صار عصياً على الاحتواء، ومحصّناً بهويته اللبنانية اللامناطقية واللاطائفية واللاحزبية، التي لا تنفع معها لعبة "الثلاث ورقات" التي يمارسها بعض هذه السلطة، لتمييع تحرّك الناس وتخيّره بقرارات اصلاحية، وتواريخ ووعود مؤجّلة التنفيذ، ومحاولة شيطنة المحتجين، ومحاولة فرط انتفاضتهم عبر تسليط "الشبيحة" على المحتجين لارهابهم واخراجهم من الشارع، أو عبر محاولة زجّ الجيش ووضعه في مواجهة المحتجين، وهو أمر احبطه وعي المؤسسة العسكرية ووعي المحتجين على حد سواء.
ليس خافياً، انّ الانتفاضة حققت نصراً مبيناً، تمكنت من خلاله من احداث اهتزاز في المخ السياسي الذي يقود هذه السلطة، وجعلها امام خيار وحيد وهو الاستجابة لمطالب الناس. الّا انّ ما يُخشى منه ان تسلك الأمور مسارات اخرى، بدأت تطلّ نذرها في الساعات الأخيرة من خلال الصدامات الحزبية مع المحتجين، التي حصلت في اكثر من مكان بالامس، بدءًا من النبطية، حيث فُتحت الطريق بالقوة والتعارك مع المحتجين، وصولاً الى مزرعة يشوع حيث انقضّ حزبيون بالعصي على المعتصمين.
خطوات مريبة وتشهير
على انّ اللافت للانتباه، انّه في موازاة الحركة المطلبية في الشارع، تبرز خطوات تثار حولها علامات استفهام وريبة، إن لناحية توقيتها او لناحية مضمونها، على ما حصل قبل يومين من خلال قرار وزير الاعلام جمال الجراح بإقالة مديرة الوكالة الوطنية لور سليمان، او من خلال ما جرى امس، من خلال الادّعاء على الرئيس نجيب ميقاتي ربطاً بالإثراء غير المشروع، وهو ما استنكره ميقاتي، مناشداً وزير العدل وقف تسييس القضاء، ومؤكّداً "الاستعداد لرفع السرية المصرفية فوراً، ومن له عندي شيء، فليضع عينه بعيني". او من خلال ارفاق ذلك بلوائح اسمية تشهّر بمجموعة كبيرة من الشخصيات اللبنانية السياسية وغير السياسية وتضعها كلها في خانة الاتهام، وعلى منصة الادعاء عليها. وهو امر يثير اكثر من سؤال، عن الغاية من هذه الخطوات في هذا الوقت بالذات، وفي اي غرفة سوداء تصاغ هذه الخطوات، ومحاولات التشهير، وخصوصاً انّ من بين هذه الاسماء من يشهد لهم بالنزاهة ونظافة الكف، وما هو الهدف الكامن خلفها، علماً انّها بالصورة التي رُميت فيها على سطح المشهد الداخلي، جاءت مُستفزة، وقوبلت برفض واستنكار؟
احتضان
وفي وقت، تبدو السلطة في ذورة ترنّحها امام هدير الناس، وكذلك امام الحرب المتصاعدة في داخلها في ما يشبه "تصفية حسابات" بين بعض مكوناتها، تلقّت الانتفاضة دفعاً قوياً، من المراجع الروحية الاسلامية والمسيحية. فيما برز الموقف الذي عبّر عنه رئيس "حزب القوات اللبنانية" سمير جعجع، الذي توجّه بتغريدة الى المحتجين، قال فيها: " قلنا انّ الكلمة كلمتكم، ولا احد يستطيع سرقة ثورتكم، كنا صوتكم الصارخ في الحكومة، وانتم اليوم صوت "القوات" على الارض، انتم "القوات"، و"القوات" انتم".
نداء البطاركة
وجّه مجلس البطاركة والاساقفة الكاثوليك في لبنان، نداء الى السلطة والشعب والمجتمع الدولي، خلال الاجتماع الاستثنائي الذي عقده في بكركي امس، برئاسة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، اكّد فيه أنّ "المسكنات لا تمرّ بعد الآن، فما كان هذا الشعب لينتفض لو لم يبلغ وجعه حدّه الأقصى".
ودعا نداء البطاركة الى "احتضان انتفاضة أبنائنا المشروعة وحمايتها، وإلى أن يتجاوب الحكم والحكومة مع مطالبها الوطنية"، معتبراً أنّ "ما يجري اليوم سبق لنا أن حذّرنا من حصوله، لكن الحكومة، بل الحكومات المتعاقبة منذ 30 عاماً، تجاهلت نداءاتنا وأهملت واجباتها البديهية، ولم تتحرّك إلّا تحت ضغط الشارع".
واذ قدّر ايجاباً موقف الجيش، لفت الى انّ "لائحة الإصلاحات التي أصدرها مجلس الوزراء أخيراً، ولا سيما إقرار الموازنة، شكّلت خطوة أولى إيجابية، لكنها تستلزم تعديل الفريق الوزاري وتجديد الطاقم الإداري، فيؤتى بأصحاب الكفاءات والصدقية والنزاهة والوطنية. وتحتاج لائحة الإصلاحات أيضا إلى آلية تنفيذية سريعة لكي يأخذها الشعب بجدّية، لأنّه فقد ثقته بهذه الحكومة ووعودها".
وقبل اجتماع البطاركة، لفت موقف متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عودة، الذي اشار فيه الى انّ هناك استهتاراً بكرامات الناس، ويبقى الفراغ أحسن مما نعيشه اليوم".
دار الفتوى
بدورها، احتضنت دار الفتوى مطالب الشعب اللبناني، معتبرة أنّ "الانتفاضة ظاهرة وطنية جمعت كل الساحات في ساحة واحدة هي ساحة الوطن، فالمتظاهرون تجاوزوا المربعات الطائفية والمذهبية واتحدوا جميعاً في المربع الوطني الواحد".
وناشدت في بيان لمفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان، الدولة وجميع القوى الفاعلة "التضامن مع هذه المطالب المحقة والسعي الى تحقيقها بأسرع وقت ممكن للخروج من هذه الأزمة الخطيرة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة لاستعادة ثقة الناس بدولتهم وبالمؤسسات الدستورية".
وأعربت عن املها "في ان تكون المقررات الأخيرة لمجلس الوزراء بداية للاصلاح المنشود".
شيخ العقل
واعتبر شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ نعيم حسن، انه "أمام المأزق الكبير يجب الحثِّ على إيجاد المنافِذ الاستثنائية التي من شأنها أن تحفظَ حقَّ الشِّعب بحقوقه الكاملة بالحياة الحرَّة الكريمة العادلة، وبالحرِّيَّة والأمن والاستقرار وتحقيق الضمانات الاجتماعية. وعلى هذا الأساس، لا بدَّ من نقطة التقاء واقعيَّة ليكون كلُّ شيءٍ مطروحاً على طاولة الحوار بجدول أعمال أولويَّته الإنقاذ على أساس روح التشريع ومسؤوليَّة الطبقة السياسيَّة التي بيدها أزِمَّة الأمُور".
طرقات
ولوحظ في الساعات الماضية، انّ السلطة حاولت بالامس، اختراق التجمعات لفتح الطرقات المقفلة، وراهنت على قيام الجيش بهذه المهمة، الّا انّ الامور سارت بعكس ما اشتهته، ذلك انّ الجيش تعاطى بمسؤولية عالية وملحوظة حيال هذا الامر، متجنباً الدخول في اي صدام مع الجماهير المحتجة، في كل المناطق.
بري
وفي موازاة ذلك، كان مصير الحكومة، العنوان الابرز الذي تصدّر المشهد السياسي. ولفت في هذا السياق، موقف رئيس المجلس النيابي نبيه بري الذي سجّل للحكومة امام نواب الاربعاء، إقرارها الورقة الإصلاحية، كما سجل للحراك الشعبي "تحقيقه المطالب التي كنّا سبّاقين في صرختنا لتحقيقها منذ عشرات السنين"، مؤكّدا انّ "البلد لا يمكن أن يبقى معلقاً ونخشى من الفراغ".
مصير الحكومة
وفي السياق الحكومي ايضاً، لوحظ امس، انّ دعوات متتالية صدرت من مستويات سياسية مختلفة، الى تعديل حكومي، يُخرج بعض الوزراء من الحكومة، وخصوصاً اولئك الذين يُعتبرون "مستفِزّين".
واذا كان هذا الطرح التعديلي للحكومة، مرفوضاً من قبل جماهير الانتفاضة الشعبية، خصوصاً انّ مطلب الانتفاضة مرتفع الى حد اسقاط هذه السلطة، فإنه، اي طرح التعديل الحكومي، في رأي مراقبين، اقرب الى لعبة احتيالية على المحتجين بالشارع، وهو امر دفع مسؤولاً كبيراً الى نعيه بقوله لـ"الجمهورية": "ثمة من يتلهى بروايات لا يمكن الركون لها، وبطروحات تنطوي على قفزات في الهواء، على شاكلة طرح تعديل الحكومة، فإذا كان التعديل هو الحل، فلماذا لا يسيرون به، ولا يتجرأون على طرحه علناً؟ وقبل كل ذلك، من قال انّ المحتجين يقبلون بهذا الطرح، لقد سبق الشارع السلطة بمسافات بعيدة، ولم يعد في مقدورها ان تلحق به"؟
عون وبري
سياسياً، أجرى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بعد ظهر امس اتصالاً بالبطريرك الراعي، هو الثاني في خلال الـ 24 ساعة الماضية، منوّها بمضمون بيان مجلس البطاركة وواعداً بالعمل ما أمكن في هديها.
وكشف مصدر متابع، انه جرى خلال الاتصال "التأكيد على انّ الخيارات التي وردت في البيان هي خيارات مطروحة، لكن عليها ان تسلك المسار الديمقراطي وتحت سقف الدستور".
واشار المصدر الى انّ "الاتصال بين عون والراعي، الذي اتى متابعة للاتصال الاول الذي جرى مساء امس بين الجانبين بحضور كنعان الذي زار الصرح البطريركي صباح امس، جرى في خلاله التأكيد على ان همّ الناس هو همّ مشترك بين بعبدا وبكركي وكذلك ضرورة احتضان المطالب الشعبية".
ولفت المصدر الى انّ "الدعوة التي وجهّت الى الحوار مع كافة الاطراف تعني انّ هناك تكاملاً يُفترض ان يظهر بعد كلمة الرئيس، المتوقع ان تشمل كل هذه المفاصل اضافة الى ما سيطرحه من خيارات".
اتصالات
وواصل عون اتصالاته بالقيادات العسكرية والأمنية، واجرى اكثر من اتصال لمتابعة التطورات الأمنية في مختلف المناطق اللبنانية. والتقى المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم، في زيارته التقليدية شبه اليومية الى بعبدا، لإطلاع رئيس الجمهورية على آخر المستجدات وناقش معه سلسلة الأفكار المطروحة للخروج من المأزق القائم قبل ان يزور الرئيس الحريري ويلتقي عددا من الأقطاب المسؤولين الذين يتواصل معهم.
بعبدا تنفي
ونفت مصادر بعبدا عبر "الجمهورية" ان يكون البحث قد تناول تعديلاً حكومياً يطال وزير الخارجية جبران باسيل في اطار عملية تبديل للحقائب واستبدال الوزراء المستفزين للناس او غيرهم من الوزراء المطروحة اسماؤهم.
واعتبرت المصادر، "هذه المعلومات من نسج خيال البعض، الّا انّها لم تنفِ البحث في اكثر من سيناريو لمعالجة الوضع سواء على مستوى ملء المراكز الأربعة التي شُغرت باستقالة نائب رئيس الحكومة ووزراء "القوات اللبنانية" الثلاثة، او اللجوء الى تطعيمها مع اجراء عملية تبادل في الحقائب او تقليص عددها لتخفيف المصاريف عبر استبعاد وزراء الدولة منها واقتصارها على الحقائب الفعلية.
عون والحريري
من جهة ثانية، تبادل عون ورئيس الحكومة سعد الحريري امس، اتصالات هاتفية وتداولا في التطورات وفي سلة الإجراءات والأفكار التي تشكّل ترجمة لمقررات مجلس الوزراء الأخيرة على المستويات المالية والإدارية والإقتصادية والمبادرات التي اطلقتها الحكومة في اكثر من اتجاه.
حلقة المفرغة
يأتي ذلك، في وقت يسود بيت الوسط جو من الترقّب، فالأمور تدور في "حلقة مفرغة" كما قال احد زوار الحريري لـ "الجمهورية"، مشيراً الى انه، اي الحريري، يواصل مساعيه على اكثر من مستوى داخلي مالي وسياسي وحكومي، قبل ان يتفرّغ لساعات في اتصالات ومشاورات شملت رئيس الجمهورية والمراجع العسكرية والأمنية لمواكبة التطورات.
وقالت مصادر واسعة الإطلاع لـ "الجمهورية"، انّ الرئيس الحريري تبلّغ صراحة من وفد "الحزب التقدمي" الذي زاره، انّ وزراء الحزب يستعدون للتقدّم باستقالتهم من الحكومة، لكنهم يرفضون ان تكون الخطوة منفردة ومن طرف واحد، ودعوه الى خطوة مماثلة على قاعدة تشكيل حكومة توحي بالثقة لإخراج اللبنانيين من الشوارع وتتخلص من "المستفزين" للناس، كما قال احد وزراء الحزب، انسجاماً مع موقفهم المعلن والذي نقلوه بالمضمون عينه الى رئيس مجلس النواب نبيه بري.
وحذّرت المصادر من مخاطر المضي في بعض الخطوات الإنتقائية. ونبّهت من استجرار القضاء الى خطوات غير مدروسة ومتسرّعة وانتقائية في إشارة غير مباشرة الى الإدّعاء على الرئيس ميقاتي.
كما لفتت الى اهمية مقاربة الحضور اللبناني في الشوارع على قاعدة التعاطي مع المعتصمين بالكثير من الرقي، والسعي الى ارضاء الشارع وليس قهره او التصدّي له بالقوة التي قد تستدرج اللبنانيين الى خطوات في الساحات والشوارع اكبر مما نشهده حتى اليوم.
الهمّ المالي
فيما الانظار مشدودة الى الانتفاضة في الساحات والشوارع، ترقباً للنتائج التي ستحققها، يبقى الهمّ الاقتصادي والمالي اولوية مؤجّلة، بانتظار ما سيكون عليه الوضع عندما يحين موعد فتح الاسواق المالية والمصارف في اول يوم عمل.
وفي هذا الاطار، تبيّن انّ الشائعات تملأ البلد حول سعر الدولار في سوق الصيرفة. وفيما قيل انّ الدولار وصل الى 1800 ليرة، اكّد نقيب الصيارفة لـ"الجمهورية"، انّ الطلب على الدولار خفيف بسبب اقفال المصارف وعدم توفر سيولة بالليرة لشراء الدولار. وبالتالي فان سعر الدولار في السوق لم يتجاوز الـ1600 ليرة.
ويجمع خبراء المال على انّ سعر الدولار في السوق الموازي، في اول يوم يفتح فيه السوق المالي، سيتحدّد وفق النتائج التي انتهت اليها الانتفاضة. اذ قد يكون الوضع كارثياً، كما يمكن ان يكون افضل مما كان قبل الاقفال.
رواتب الموظفين
في الموازاة، صدر خبر سار امس للموظفين، اذ اعلنت وزارة المال انّها أنجزت رواتب موظفي القطاع العام والمتقاعدين وتمّ تحويلها كاملة إلى مصرف لبنان. لكن مسار الرواتب من الوزارة إلى مصرف لبنان، سيُكمل طريقه إلى المصارف، وسط تأكيدات بإمكانية قبض الرواتب بواسطة الصراف الآلي خصوصاً بعدما تمّ تمويلها من ودائع المصارف في مصرف لبنان.
"موديز" تحذّر
الى ذلك، بدأت تترسّخ اكثر فأكثر المخاطر التي قد يتسبب بها ضغط الحكومة على المصارف لاجبارها على تحمّل عبء خدمة الدين العام.
وفي هذا الاطار، حذّرت "موديز" من أنّ الثقة في قدرة الحكومة اللبنانية على خدمة ديونها قد تتقوّض بدرجة أكبر بسبب خطتها لإجبار البنوك على القبول بسعر فائدة أقل على دينها.
وقالت وكالة التصنيفات، إنّ الخطوة قد تضاعف الضغوط على ربط العملة والقدرة على خدمة الدين في المدى المتوسط.
وقالت موديز: "إنّ زيادة ضرائب القطاع المالي ستكون ذات أثر ائتماني سلبي على البنوك، حيث ستضغط على عوائدها الضعيفة أصلاً وقدرتها على امتصاص الصدمات".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نداء الوطن
إحتضان كنسي للتعديل الوزاري… وصمود الساحات يحبط النزعات القمعيّة
عون لن يضحّي بباسيل… فماذا سيقدّم اليوم للثوّار؟
"الفراغ أفضل مما نعيشه وحالة الشلل ليست وليدة اليوم"… على وقع هذا السقف العالي في التعبير عن الاصطفاف إلى جانب الحق والناس الذي عبّر عنه بجرأته المعهودة متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذوكس المطران الياس عودة لحظة وصوله إلى الصرح البطريركي، انعقد مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان في اجتماع استثنائي في بكركي ليخلص إلى إعلان البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي الاحتضان الكنسي لمطالب انتفاضة 17 تشرين مع التأكيد على ضرورة "تعديل الفريق الوزاري وتجديد الطاقم الإداري" في الدولة، وهو ما بدا بمثابة خريطة طريق تم التوافق على اتباعها بين قصر بعبدا وبكركي لحل أزمة انعدام الثقة بين السلطة والشعب. وإذا كانت الأنظار تتجه ظهر اليوم إلى القصر الجمهوري لرصد مضامين أول كلمة يكسر فيها رئيس الجمهورية ميشال عون حاجز صمته المستمر منذ اندلاع الثورة الشعبية، فإنّ السؤال الذي يطرح نفسه بقوة إعلامياً وشعبياً وسياسياً هو "ماذا سيقدّم رئيس الجمهورية من تنازلات وتضحيات تحاكي مطالب الثوار؟ سيما وأنّ معلومات موثوقة كشفت لـ"نداء الوطن" أنّ عون عدل عن فكرة التضحية بمقعد جبران باسيل الوزاري بعدما كان قد جرى البحث "داخل العائلة العونية الصغيرة" في مسألة تقديم ثمن من هذا القبيل للناس، غير أنّ باسيل سرعان ما عاد فأقنع عون بوجوب الحفاظ عليه في التركيبة الحكومية "لأنّ تدفيعي الثمن سيجعل منك فخامة الرئيس الهدف المقبل".
وقبل اجتماع بكركي وبعده، فُتحت قنوات التواصل بين رئيس الجمهورية والبطريرك الماروني سواءً بشكل هاتفي مباشر أو عبر موفد بعبدا النائب ابراهيم كنعان، وكشف مصدر متابع لـ"نداء الوطن" أنه بعد اتصال أول بين الجانبين عشية انعقاد اجتماع بكركي، عاد عون فأجرى اتصالاً آخر بعد ظهر الأمس بالراعي جرى خلاله "التأكيد على أنّ الخيارات التي وردت في البيان الصادر عن الاجتماع هي خيارات مطروحة لكن عليها أن تسلك المسار الديموقراطي تحت سقف الدستور"، ولفت المصدر إلى أنّ هذا الاتصال أتى متابعةً للاتصال الاول بين الجانبين بحضور كنعان الذي زار الصرح البطريركي صباح أمس، وتم في خلاله التشديد على أنّ "همّ الناس هو همّ مشترك بين بعبدا وبكركي وعلى ضرورة احتضان المطالب الشعبية"، مشيراً إلى أنّ "الدعوة التي وجهت إلى الحوار مع كافة الأطراف تعني أنّ هناك تكاملاً يفترض أن يظهر بعد كلمة رئيس الجمهورية (اليوم) والتي من المتوقع أن تشمل كل هذه المفاصل إضافةً إلى ما سيطرحه من خيارات".
أما على ضفة "التيار الوطني الحر"، فقد بدأت علامات الضياع والتململ تظهر في صفوف "التيار" ومناصريه لا سيما مع بروز أكثر من جناح يتنازع الطروحات والتوجهات إزاء سبل مواجهة الأزمة الراهنة، حسبما نقل قيادي عوني لـ"نداء الوطن"، موضحاً أنّ هناك "جناحاً داخل التيار يدفع باتجاه وضع خطة "هجومية – دفاعية" والبدء بتنفيذها فوراً في السياسة والميدان وسط تساؤلات واتهامات حول دور الجيش اللبناني وتساهله مع المتظاهرين المتجمهرين على الطرقات والساحات، بينما هناك جناح آخر يفضّل الاستمرار في التريث بانتظار أن تعبر العاصفة الشعبية مع تفهّم أداء الجيش في ظل عدم وجود قرار سياسي بتكليفه فتح الطرق وفض الاعتصامات". وعليه، يرجح القيادي العوني أن ينعقد اليوم اجتماع تكتل "لبنان القوي" برئاسة باسيل أو انعقاد الهيئة السياسية لـ"التيار الوطني" لمواكبة التطورات ودراسة التوجهات والخطوات المقبلة.
وفي الغضون، سجلت ساحات الثورة صموداً لافتاً للانتباه أمس في مواجهة العوامل الطبيعية والنزعات القمعية على امتداد خريطة التحركات الاحتجاحية، إذ وبينما لم تنجح محاولات زج الجيش في مواجهات مباشرة مع المتظاهرين لفض اعتصاماتهم، برزت "غزوات" حزبية على الأرض سعت إلى قمع المتظاهرين لا سيما في النبطية من قبل مناصري الثنائي الشيعي الذين عمدوا إلى تكسير منصات الاعتصام قرب البلدية بالعصي، وكذلك الأمر في "مزرعة يشوع" من قبل مناصري "التيار الوطني الحر" بمؤازرة عناصر من جهاز أمن الدولة بلباسهم المدني كما روى المتظاهرون في المنطقة حيث بادر المعتدون إلى الهجوم عليهم وتحطيم خيم اعتصامهم قبل أن يسارع عناصر الجيش إلى التفريق بين الجانبين.
أما في بانوراما المواقف الرئاسية والسياسية التي برزت خلال الساعات الأخيرة، ففي حين تبدو قيادة "حزب الله" وفق المعلومات المتوافرة لـ"نداء الوطن" غير حاسمة في خياراتها حتى الساعة "وغير سلبية تجاه البحث في أي من الخيارات المطروحة"، لا يزال رئيسا مجلسي النواب والوزراء نبيه بري وسعد الحريري "يحسبان ألف حساب" لأي خطوة قد تدخل البلد في نفق المجهول، وبهذا المعنى جاء تعبير بري واضحاً خلال لقاء الأربعاء النيابي عن عدم حماسته لاستقالة الحكومة، بينما يربط رئيس الحكومة أي خطوة لاستقالتها بوجوب إعداد ترتيبات مسبقة تضمن عدم الوقوع في الفراغ، بموازاة مضيه قدماً في اتخاذ التدابير التنفيذية اللازمة لحزمة الإصلاحات الجذرية على طاولة مجلس الوزراء في جلسته المقبلة.
وبالانتظار، نقلت مصادر المصرف المركزي لـ"نداء الوطن" أمس أنّ لبنان تبلغ خلال الساعات الأخيرة أنّ وكالة "ستاندرد أند بورز" وإثر اجتماعها لتقييم الوضع اللبناني في ضوء المستجدات الأخيرة قررت أن تمنح الحكومة اللبنانية مهلة 3 أشهر قبل الإقدام على أي تخفيض جديد لتصنيف لبنان الائتماني.
في وقت، استرعى الانتباه ليلاً تأكيد الخارجية الأميركية على لسان أحد مسؤوليها تعليقاً على مستجدات الأحداث في لبنان أنّ "للشعب اللبناني الحق في الاستياء من حكومته لعدم مكافحتها الفساد"، معربةً عن "دعم واشنطن لحق اللبنانيين في التظاهر السلمي والمطالبة بإصلاحات إقتصادية".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشرق
"الحل الحكومي" ينتظر إستكمال حراك اللواء إبراهيم وعون يتكلم اليوم
وفي اليوم السابع لم يسترح. شعب الثورة لم يمل ولن يكل. الرهان على تعبه لتراجعه في غير محله. وكل وسائل الضغط التي تمارسها السلطة من محاولة الضغط على الاعلام لتقليص مساحات تغطية التظاهرات الى قرار وزير التربية اول امس بفتح المدارس وامس بوضع الجيش في مواجهة المتظاهرين لفتح الطرق عنوة لا تجدي نفعاً. لم يعد أمامه سوى الشارع وسيلة للتغيير، بعدما فقد الامل بسلطة تجلد مواطنيها كل يوم بلقمة عيشهم ومستقبل ابنائهم وتضعهم في مواجهة اخوانهم في المؤسسة العسكرية، فانتفض عليها على أمل اصلاح وُعد به منذ ثلاث سنوات وتغيير مأمول لم يجد منه سوى مناحرات وخلافات سياسية واستفزازات واتهامات بالتآمر.
التقاط انفاس بين اللبنانيين ترقباً للمقبل من تطورات، وما اذا كانت "جاذبية" الشارع ستفعل فعلها فيتحقق الحلم، ام ان وضعه في مواجهة الجيش في محاولة اخيرة لاسكاته ستخفض نبضه، فتستمر السلطة؟
ما يجري في الشارع يثبت بما لا يرقى اليه شك ان انتفاضة 17 تشرين ستبقى تنبض في اتجاه نهضة لبنان الوطن. فبعد الصليب قيامة.
في سابع ايام الانتفاضة الشعبية، تبدلت الصورة في الشارع. ففي حين لم تسجل منذ الخميس الماضي اي مواجهات بين الجيش والثوار، وفي وقت أكدت مصادر المؤسسة العسكرية مرارا على مر الايام الماضية، انها ليست في صدد فتح الطرق بالقوة عنوة، تبدّلت الصورة اليوم وانقلبت رأسا على عقب. فقد نزل الجيش برجاله وعتاده الى الشارع قبل الظهر، وعلى أجندته تنفيذ قرار واضح: فتح الطرق العامة واعادة السير الى طبيعته عليها.
من جل الديب الى الزوق وصولا الى غزير فجبيل، تكرر المشهد نفسه وإن بنسب متفاوتة. صدامات بين المواطنين وعناصر الجيش، منع الاعلام من التصوير، نسوة يبكين، رجال يصرخون، كر وفر بين المتظاهرين ورجال المؤسسة العسكرية، وبعض الاصابات المحدودة. غير ان المشهد عاد وهدأ بعدما رفع المعتصمون الصوت عاليا رافضين الاصطدام بإخوانهم في الجيش، وقد رددوا الاناشيد التي تحييه وتدعمه. وسجلت لحظات مؤثرة بين الطرفين، حيث ظهرت على الكاميرات دموع بعض العناصر العسكرية تنهمر حسرة خلال المواجهات، والتقطت العدسات ايضا حالات عناق حار بين بعض المتظاهرين والعسكر. ومواكبة لهذه التطورات، قرر الجيش ايضا اصدار موقف، في خطوة نادرا ما يلجأ اليها. فغرد عبر حسابه على "تويتر" متوجها الى المتظاهرين، قائلا "الجيش يقف إلى جانبكم في مطالبكم الحياتية المحقة، وهو ملتزم حماية حرية التعبير والتظاهر السلمي بعيداً عن إقفال الطرق والتضييق على المواطنين واستغلالكم للقيام بأعمال شغب". واضاف: جنودنا منتشرون على الأراضي اللبنانية كافة على مدار الساعة لمواكبة تحرّككم السلمي وحمايتكم في هذه المرحلة الدقيقة وهم بين أهلهم. وتابع الجيش: لم نألُ جهداً في الأيام الماضية في التواصل مع كل الأفرقاء المعنيين للحؤول دون حصول احتكاك أو تصادم بين المواطنين.
من جانبها، اعتبرت وزيرة الداخلية والبلديات ريا الحسن ان الحل يكون بالسياسة وليس بالأمن، مؤكدة ان قوى الأمن لم تتلق أوامر بفتح الطرق، كما نفت ما اشيع مجددا عن تقديم استقالتها.
سياسيا، أفيد ان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون سيخاطب اللبنانيين في اليومين المقبلين. أما رئيس مجلس النواب نبيه بري فاعتبر خلال لقاء الاربعاء النيابي ان البلد لا يحتمل ان يبقى معلقا وابدى خشيته من الفراغ"، لافتا الى ان "بري وقع الموازنة وحولها للجنة المال والموازنة للبدء بمناقشتها واكد ان الظرف الراهن ملائم لقيام الدولة المدنية واقرار قانون انتخابات نيابية يعتمد لبنان دائرة واحدة على اساس النسبية. واستقبل بري وفدا من الحزب التقدمي الاشتراكي.
الى ذلك، أحال رئيس مجلس النواب نبيه بري مشروع قانون موازنة العام 2020 والموازنات الملحقة الى لجنة المال والموازنة النيابية. من جانبه، عقد رئيس الحكومة سعد الحريري بعد ظهر اليوم اجتماعا في "بيت الوسط" مع وفد من جمعية المصارف برئاسة رئيس الجمعية سليم صفير، تم خلاله تداول الأوضاع المالية والمصرفية والقرارات التي اتخذها مجلس الوزراء أخيرا في الورقة الإصلاحية. وكان استقبل حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وعرض معه الأوضاع الاقتصادية والمالية العامة. على صعيد آخر، تابع الحريري التطورات الامنية في البلاد، فأجرى سلسلة اتصالات بالقيادات الأمنية والعسكرية واطلع منها على الأوضاع الأمنية في مختلف المناطق، مشددا على "ضرورة الحفاظ على الامن والاستقرار والحرص على فتح الطرق وتأمين انتقال المواطنين بين كل المناطق". وترأس الحريري ايضا اجتماعا للجنة الوزارية المكلفة درس الاصلاحات.
وسط هذه الاجواء، اصدر مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان بيانا ناشد فيه المسؤولين على مختلف مواقعهم، النظر بإيجابية الى مطالب الشعب اللبناني الذي يئن متألما تحت أعباء تدهور الأوضاع الاقتصادية والمالية، وما اسفر عن هذا التدهور من ارتفاع في مستوى البطالة وتراجع في المداخيل والخدمات الاجتماعية والصحية، مما أدى الى الانفجار.
دعا البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي رئيس الجمهورية العماد ميشال عون "المؤتمن على الدستور الى البدء فوراً بالمشاورات مع القادة السياسيين ورؤساء الطوائف لاتخاذ القرارات الملائمة بشأن مطالب الشعب فاستمرار شلل الحياة العامة في البلاد سيؤدي الى انهيار مالي واقتصادي ما يرتد سلبا على الشعب". وتوجه الى الشعب المنتفض في لبنان وبلاد الانتشار طالباً منه "ان يحافظ على سلميته ويمنع اي طرف من استغلال صرخته ويحولها حركة انقلابية ويشوه وجهها الديمقراطي". وناشد المجتمع الدولي "ان يؤدي دوره في دعم اول ديمقراطية نشأت في هذا الشرق ومساعدة لبنان في حل المشاكل". وبعد اجتماع طارئ عقده في بكركي مجلس البطاركة والاساقفة الكاثوليك في لبنان وبمشاركة المطارنة الأرثوذكس، قال الراعي "نحن المجتمعين هنا، ندعو إلى احتضان انتفاضة أبنائنا المشروعة وحمايتها، وإلى أن يتجاوب الحكم والحكومة مع مطالبها الوطنيَّة ومنها: حكمٌ ديموقراطي، حكومة ذات مصداقيَّة، قضاء مستقل وعادل، أداءٌ شفَّاف، حيادٌ عن الصراعات، تطبيق اللامركزيَّة الإداريَّة، بسط سلطة الشرعية دون سواها، مكافحة الفساد، وقف الهدر، استرداد الأموال المنهوبة بقوانين نافذة، تأمين التعليم وفُرص العمل، توفير الضمانات الاجتماعيَّة لمختلف فئات الناس. هذه أبسط حقوق الناس بعد مئة سنة على نشوء دولتهم".
وقبيل الاجتماع، توّجه المطران الياس عودة للذين يطالبون بفتح الطرقات بهدف الذهاب الى العمل، متسائلاً: "هل كانوا يعملون في السابق؟" وقال المطران عودة "إن لبنان بقي من دون رئيس لسنتين ونصف، بجزر الماو ماو ينتخبون رئيسا للقبيلة بشهر". وتابع: "يتعللون بعلل الخطايا، ويخيفوننا اليوم من الفراغ". وختم "كفى استهتاراً بكرامة الناس"، مبدياً تخوفه من أن يقوم أحدهم بتقليص عزيمة الشباب اللبناني.
في غضون ذلك، إدعت النائبة العامة الاستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون في قرار أصدرته على الرئيس نجيب ميقاتي وابنه ماهر وشقيقه طه وبنك عوده في جرم "الاثراء غير المشروع" عن طريق حصولهم على قروض سكنية مدعومة، وأحالتهم امام قاضي التحقيق الاول للتحقيق معهم. واكدت مصادر قريبة من القاضية غادة عون ان "ملف ميقاتي تمت إحالته مباشرة من القاضية غادة عون الى قاضي التحقيق الأول في بيروت جورج رزق وفقاً لقانون الإثراء غير المشروع الذي يسمح بذلك ولا حاجة للمرور عبر المدعي العام التمييزي".
الرئيس أرجأ كلمته بانتظار اكتمال حراك اللواء إبراهيم
منذ صباح أمس الاجتماعات والاتصالات تواصلت من دون توقف بين بعبدا وبيت الوسط وعين التينة وكان اللواء عباس ابراهيم ينقل الرسائل بين الاطراف الثلاثة للخروج بتسوية او بتوافق ما لحل الأزمة.
وأشارت مصادر سياسية مطلعة الى ان من بين الخيارات المطروحة تطعيم الحكومة بأربعة وزراء جدد على خلفية استقالة وزراء "القوات" الأربعة.
الخيار الثاني: تعديل في التركيبة الحكومية، علماً أن هذا الأمر، في هذه الظروف، يتطلب استقالة الحكومة للوصول الى تغييرها وليس مجرَّد تعديلها. وهنا تبرز صلاحية رئيس الحكومة لأنه هو شخصياً يقدم استقالة الحكومة.
وفي المعلومات ان اللواء ابراهيم نقل، وينقل، الرسائل التي لا تقتصر على الرؤساء الثلاثة إنما هي تشمل أطرافاً أخرى حزبية وغير حزبية.
وفي المعلومات أيضاً أنَّ بين الحلول المطروحة تشكيل حكومة جديدة لا تضم وجوهاً توصف بالإستفزازية او تلك التي لا دور لها سوى الاعتراض.
ولفتت الأوساط المطلعة الى أن خطاب السيد حسن نصر الله الذي أكد فيه على التحسّن بالحكومة، تبدّل أمس بعدما تبين للجميع من دون استثناء حجم دماء الحراك الشعبي، وان المطالب الشعبية المطروحة هي مطالب نادى بها الرئيس عون منذ اعتلائه سدة الرئاسة، وقال بها أيضاً الرئيس الحريري منذ مدة. وهي تجلّت، أمس، في بيان المطارنة الذي سبقته اتصالات عدة أبرزها اتصالان بين الرئيس عون والبطريرك الراعي. الأول عشية اللقاء بين البطريرك والنائب ابراهيم كنعان. والثاني بعد صدور البيان واثر زيارة كنعان.
والاتجاه ان الرئيس عون لن يتوجه الى الشعب بكلام عاطفي، إنما بكلام واقعي يحمل حلاً.
يشار الى أنه كان متوقعاً ان يتكلم أمس إلاّ أنّه أرجأ اطلالته افساحاً في المجال أمام حراك اللواء عباس ابراهيم حتى يستكمل مساعيه، وأيضاً للتفاهم مع الرئيس سعد الحريري على تفاصيل ذات صلة بموضوع استقالة الحكومة و"طبيعة" الحكومة البديل.