افتتاحيات الصحف اللبنانية، يوم الجمعة 25 تشرين الأول، 2019

افتتاحيات الصحف اللبنانية، يوم الجمعة 18 آب، 2023
افتتاحيات الصحف اللبنانية، يوم ‏الثلاثاء‏، 15‏ آذار‏، 2022
افتتاحيات الصحف اللبنانية، يوم الثلاثاء 7 تموز، 2020


اللواء
تسابق غربي إيراني على إنتفاضة الشارع.. والمخرَج الحكومي في المأزق!
تهاوي دعوات عون قبل أن تُعلَن.. والحريري لن يستقيل قبل البديل

تهاوت على نحو دراماتيكي، مبادرات السلطة، الواحدة تلو الأخرى، وبدا ان انتفاضة 17 ت1 (أكتوبر) دخلت في منعطف خطير: فإما ان تتحوّل لحظة البحث عن تسوية عند منتصف الطريق، والبداية بوضع حكومي جديد، يبقى عقدته الوزير جبران باسيل، بين ان يرحل أو يبقى، أو الذهاب بعيداً في سياسة العناد، وأخذ الشارع إلى شارعين: واحد يهتف "كلن يعني كلن" وآخر يهتف: "مش كلن يعني مش كلن.. السيّد اشرف منهم كلهن" في إشارة إلى الأمين العام لحزب الله..
وعلى وقع أسئلة مطلقة، وتهاوي الاقتراحات، الواحد بعد الآخر، أكدت جمعية المصارف في بيان لها أمس ان المصارف ستظل ماضية في إغلاق أبوابها بسبب "بواعث قلق ترتبط بالسلامة، وذلك لغاية عودة الاستقرار، وسط احتجاجات عارمة للمطالبة باستقالة الحكومة"، وذلك "لحماية العملاء والموظفين والممتلكات".
ودعا البيان إلى إيجاد حل سياسي للأزمة، وقال إن الجمعية "تطمئن المواطنين الى أن المصارف جاهزة لاستئناف أعمالها كالمعتاد فور استقرار الأوضاع". وأضاف البيان أن عمل البنوك سيقتصر على توفير الرواتب من خلال أجهزة الصراف الآلي.
ويقارب الرئيس سعد الحريري الواقع الناجم عن التظاهرات الشعبية باهتمام ومسؤولية لافتة، في البحث عن الحلول المناسبة للخروج من هذه الازمة باقرب وقت ممكن،لأنه لا يمكن ترك الامور على هذا النحو السائد حاليا،انطلاقا من ولوج المخارج السياسية وانتهاج الحوار سبيلا لما يحصل.خلافا من رؤية بعض الاطراف لقمع الاحتجاجات الشعبية بالقوة والعنف.
ولذلك يعتبر ان الدعوات لاستقالة الحكومة، أن كانت من قبل اطراف سياسية وتلبية لمطلب المتظاهرين لحل الأزمة، لايمكن ان يقدم عليه حاليا قبل حصول تفاهم سياسي مسبق مع جميع الأطراف المعنية، لكي يحصل تاليف الحكومة الجديدة بسرعة تجنب البلد اي مضاعفات خطيرة، في حين أن الاستقالة بدون تفاهم سياسي مسبق ستدخل البلد في متاهات وازمة مفتوحة لا يمكن التكهن بنتائجها. كذلك الامر بالنسبة للتعديل الحكومي،الذي يتطلب توافقا وأن يؤدي الى تفعيل مضمون لعمل الحكومة وانتاجيتها وان لا يكون شكليا. وانطلاقا من هذا الواقع تلقف الرئيس الحريري ما ورد في كلمة الرئيس عون بخصوص اعادة النظر بالواقع الحكومي للانطلاق منه بالرغم من ان هذا الموقف يحتمل أكثر من تفسير وهو مايمكن ان يتبلور في الساعات المقبلة للبناء عليه والانتقال بسرعة للخطوة المقبلة لبلورة الحلول المناسبة لأن الوقت لايسمح بالتاخير والغوص في مناكفات، لاتؤدي الا الى اطالة امد الازمة واضرارها على البلد كله.
وكشفت مصادر مواكبة للإتصالات القائمة بين الاطراف للبحث في التغيير الحكومي، أن الرئيس نبيه بري يحبذ عودة وزراء القوات اللبنانية إلى الحكومة الحالية واعادة تفعيل عملها بدل الخوض في عملية التغيير أو التعديل التي يطرحها البعض خشية بروز تعقيدات غير محسوبة.
على ان الأخطر، ما كشفته مصادر دبلوماسية غربية لـ"اللواء" من ان التسابق على تجيير ثورة الشارع، بالاتجاه المناسب، بدا انه دخل مرحلة عملية، وهذا ما يُشكّل خطراً على الانتفاضة الشعبية العارمة، التي تخطت كل التوقعات.
فبعد الاعتراض من قبل حزب الله على شعارات الاحتجاجات، والمخاوف من انحرافها على مسارها، والاصطدام الذي حدث في مدينة النبطية، وانتقل إلى ساحة الرياض الصلح، مع شعارات حزبية، هتفت للمرشد الإيراني الخامنئي وحزب الله، وما تردّد عبر مواقع من ان قائد فيلق القدس في الحرس الثوري اللواء قاسم سليماني، جاء إلى لبنان في إطار البحث عن معالجة الوضع المتفاقم، تحدثت المصادر عن ضغط أميركي معاكس، للاستمرار بالتحرك، ضمن منظومة شعارات تشمل المطالب الحياتية، وصولاً الى طرح قضية سلاح حزب الله والضغط لمنع التعرّض للمتظاهرين وتأمين الحماية اللازمة لهم، وسط استمرار اقفال المصارف والمدارس والمؤسسات، وشل النشاط الاقتصادي.
ولم يخفِ مصدر مطلع بروز طلائع الحملات السياسية بدءاً من اليوم على قيادات سياسية من 14 آذار، ومن الذين كانت لهم أدوار في انتفاضة الاستقلال، وإخراج السوري من لبنان.
رسالة دون التوقعات
وسط ذلك، جاءت رسالة الرئيس عون المسجلة إلى اللبنانيين متأخرة ثمانية أيام منذ بدء انتفاضة الحراك المدني في الساحات العامة، الا انها لم تلق صدى طيباً من أحد، وأتت دون مستوى توقعات الشارع، بأن تحدث نقلة نوعية في اتجاه احداث صدمة إيجابية، تحقق أقله ما يطمح إليه المحتجون من تغير في أداء الحكم بما يفتح الباب امام رحيل السلطة القائمة، أو بالحد الأدنى استقالة الحكومة.
وإذا كانت الإشارة الوحيدة التي ظهرت في مضمون الخطاب الرئاسي، إلى مسألة التغيير الحكومي، متواضعة، أو خجولة، عبر الدعوة إلى إعادة النظر بالواقع الحكومي، فإن هذه الدعوة جاءت أيضاً ملتبسة، وتحمل تفسيرين باتجاه اما التعديل الوزاري، الذي لا يقدم بطبيعة الحال أي حل للأزمة، طالما ان الوجوه التي ستغيب أو التي ستدخل إلى جنة الحكم ستبقى أسيرة للقيادات السياسية التي تتحكم بمسار الأمور في لبنان، أو التغيير الحكومي بالكامل، وهو أمر غير متاح وربما مرفوض من "حزب الله" الذي ينفرد لوحده برفض استقالة الحكومة، أو حتى التعديل الوزاري، استناداً إلى حسابات إقليمية تتصل بالوضع في العراق وإيران.
وقد عبر الشارع عن صدمته السلبية من الخطاب بزيادة الحشود في الساحات العامة، ولا سيما في ساحتي رياض الصلح والشهداء، إلى جانب مستديرة النور في طرابلس، والطريق العام في جل الديب والذوق، في حين بقيت الاعتصامات مستمرة في صيدا وصور والنبطية وزحلة، التي عبرت عن رفضها لما جاء في خطاب الرئيس عون، وأكدت على البقاء في الساحات والتظاهر في الشارع، حتى تحقيق المطالب بتغيير النظام.
لكن اللافت، وسط الاحتضان الشعبي الكبير لانتفاضة الحراك المدني، تكرار الاغارة على المتظاهرين في وسط بيروت، بقصد بعثرة الحشود واخراجهم من الشارع، ونجحت الغارة الثانية "بعد الدراجات النارية" مساء أمس، عندما دخلت مجموعات من خارج الحراك تطلق على نفسها اسم "مجموعة فش خلقك"، يرتدي معظم افرادها القمصان السود، إلى وسط الجموع في ساحة رياض الصلح، وراحت تطلق هتافات: "كلن يعني كلن لكن نصر الله أشرف منن" الأمر الذي أدى إلى توتر ومواجهات وعراك وتدافع بين المتظاهرين أنفسهم، قبل ان تتدخل القوة الأمنية المولجة حماية السراي، وتشكل درعاً بشرياً للفصل بين المجموعتين، وتهدئة الوضع الذي ما لبث ان هدأ نسبياً، لكن معظم المتظاهرين كانوا قد تفرقوا، أو انكفأوا باتجاه ساحة الشهداء، الا ان المشهد المؤسف عاد وتجدد قرب مسجد محمّد الأمين، حيث سجل تدافش وعراك بالايدي والكراسي، غير انه لم يفد عن اصابات.
ولاحقاً، افيد عن مغادرة المجموعة الساحتين مؤكدة انه لا يجوز تعميم الاتهامات وشمولها الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله، كما انسحبت القوى الأمنية إلى خلف الشريط الشائك.
ولم يشأ وزير الدولة لشؤون رئاسة مجلس النواب محمود قماطي ان يعلق على ما حدث بين المجموعتين في رياض الصلح، مؤكداً بأن هذا "الحراك وطني لبناني ولكن عليه ان يبلور مطلبه، فيما الخارج يخشى من وقوع لبنان في الفوضى".
وقال ان هذا الحراك يعبر عن وجع شعب ولا تحركه أي سفارة، مشيراً إلى اننا "نريد ان نصل إلى نتيجة إيجابية معه وليس نتيجة سلبية"، معتبراً ان "استقالة الحكومة ليست حلاً ناجعاً لأنه سيذهب بالبلد إلى مكان أكثر سوءاً وإلى انهيار اقتصادي"، وقال: "نحن نريد ان يعالج الوضع حتى لا نصل إلى الأسوأ، لأن الخوف في حال سقطت الحكومة المطالبة بإسقاط رئيس الجمهورية ومجلس النواب".
خريطة طريق
سياسياً، قالت مصادر رسمية لـ "اللواء" ان الرئيس عون وضع خريطة طريق للخروج من الازمة الراهنة وبما يُرضي الشارع، عبر تحديده ثلاثة اهداف اساسية للمعالجة تقوم على: فتح الحوار مع الحراك في الشارع، واعادة النظر بالوضع الحكومي، والبدء بتنفيذ الخطوات التي قررتها الورقة الاصلاحية، وإقرار القوانين الاصلاحية التي اعلن عنها واحالها الى المجلس النيابي.
واوضحت ان موضوع الحكومة وضع على السكة لكن لا شيء مقررا بعد لجهة استبدال وزراء "القوات اللبنانية" الاربعة او تشكيل حكومة جديدة او تعديل وزاري واسع، وقالت ان هذا الامر يتقرر بالتشاور بين الرئيسين عون والحريري.
وحول رفض اكثرية اطراف الحراك والمعتصمين لما اعلنه الرئيس عون قالت المصادر: لقد فعل ما عليه، وصارح المواطنين بالواقع الراهن وما قام به خلال السنوات الماضية بهدف تقويم الامور وتحقيق الاصلاح، وهو الان وضع ما يُشبه الآلية لبدء هذا المسار.
واشارت الى ان موضوع الحكومة بحاجة الى اتصالات ولم يمضِ على كلام الرئيس سوى ساعات، وقالت: لا خيارات كثيرة متاحة، إما تطعيم الحكومة وإما تشكيل حكومة جديدة.ولم تتضح الامور بعد، لكن الرئيس عون بادر وفتح الباب امام الحل وتعاطف مع الحراك الشعبي في مطالبه.لكنه ايضا شدد على حرية التنقل للمواطنين وتوفير المتطلبات الحياتية للمواطنين. لذلك يجب أن ننتظر ساعات حتى تتبلور الامور بشكل اوضح وتنضج فكرة اعادة النظر بالوضع الحكومي.
واضافت: لم تتم مفاتحة حتى الان بين الرئيسين عون والحريري بتفصيل الوضع الحكومي، وكل ما حصل هو تلقي عون اتصالا من الحريري نوّه فيه بتجاوب رئيس الجمهورية مع مطلب اعادة النظر بالوضع الحكومي، ونقطة على السطر.
الى ذلك عبّر رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط عن رأيه بالوضع الحكومي، فدعا الى تشكيل حكومة جديدة "يكون فيها الحد الادنى من وزراء التكنوقراط". وقال لموقع "ليبانون فايلز": انا مع تعديل جذري بالحقائب والوزراء. لكن ان تبقى حكومة فيها رموز الفساد والاستبداد فكأننا لم نفعل شيئاً. يجب التزام الحد الادنى الايجابي بتلبية مطالب الناس في الشارع.
كما دعا جنبلاط الى إجراء انتخابات نيابية جديدة. ووضع آلية لمحاربة الفساد قضائية ومالية يضعها الخبراء.
وردا على سؤال على اساس أي قانون تجري الانتخابات، القانون الحالي ام بقانون جديد؟ قال جنبلاط: لا.لا. مستحيل القبول بالقانون الحالي. نريد قانوناً جديداً لاطائفياً على اساس لبنان دائرة انتخابية واحدة وبلوائح مقفلة. إذ لا بد من القفز فوق القانون الحالي وقانون الستين، مستحيل غير ذلك.
اما "القوات اللبنانية" فقد أكّد مصدر فيها رداً على خطاب الرئيس عون بأن الحل الوحيد هو إسقاط هذه الحكومة والذهاب نحو حكومة اختصاصيين، مشيراً إلى ان التعديل الوزاري لا يقدم المطلوب ولا يعكس الثقة المطلوبة، وهو محاولة لتمييع مطالب المتظاهرين في الشارع.
وقال ان تطعيم الحكومة لن يخرج النّاس من الشارع، وهو لن يؤثر طالما الأكثرية مضمونة من قبل فريق معين، والمشكلة الأساسية كانت في هذا الفريق الذي يتحكم بالقرارات، وهذه الأكثرية عينها لا تريد إصلاحات.
وقال رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل ان مطلب النّاس واضح، وهو استقالة الحكومة وتغيير الطبقة السياسية، معتبرا ان كل كلام حول الفراغ هو للتهويل.
وشدّد على تشكيل حكومة حيادية ترد القرار للناس، وقال: نحن مع حكومة جديدة تحضر لانتخابات نيابية مبكرة، فالمطلوب أن يسقط المجلس النيابي وتقريب الانتخابات"، وتابع: "لازم كلنا نروح عالبيت، والناس ترجع هي تقرر".
وفي المقابل، اعتبر عضو تكتل "لبنان القوي" النائب آلان عون، ان تغيير الحكومة يجب ان يمر بحد أدنى من مسار ينهي الأزمة ولا يمددها.
الا انه لاحظ بأنه لا يجوز ان يتخيل أحد ان ما يحصل في لبنان سينتهي من دون تغيير، غير انه لم يُحدّد طبيعة هذا التغيير واحتمالاته، باستثناء تأكيده بأن كل الاحتمالات واردة، ومنها تشكيل حكومة جديدة.
ورد عون على سؤال عن تصريحات للنائب شامل روكز والسيدتين كلودين وميراي عون لرحيل الحكومة فوراً، بالقول: "اضفهم إلى لائحة من يريد تغيير الحكومة".
يُشار إلى ان معلومات قد كشفت عن محاولات جرت في الساعات الثاني والأربعين الماضية لتعديل حكومي، لكن هذه المحاولات باءت بالفشل، ولم تورد هذه المعلومات أية تفاصيل، لكن مصادر مطلعة عزت فشل المحاولة إلى رفض بعبدا إزاحة الوزير جبران باسيل من التشكيلة، وطرحت في المقابل أسماء تعود لوزراء ينتمون لتيار "المستقبل" والحزب الاشتراكي.
وكشفت المصادر أيضاً عن فكرة جرى تداولها في اليومين الماضيين لدعوة المجلس الأعلى للدفاع أو مجلس الأمن المركزي للاجتماع، من أجل إيجاد حل لمشكلة استمرار قطع الطرقات بين المناطق، وداخل احياء العاصمة، لكن الفكرة لم تلق التجاوب المطلوب، سواء من قبل الأمنيين أو من قبل جهات رسمية، التي شددت على ان الحل الأمني لما يجري على صعيد الشارع غير وارد، وان الحل يكون فقط بالسياسة.
وأشارت إلى ان المتظاهرين يتعمدون قطع الطرقات لإظهار ان الدولة غير ممسكة بالأوضاع، ولا بقاء البلد في حالة توتر واضطراب وتحت ضغط الشارع، يعكس ما يريده المسؤولون.
كلمة عون
وكان الرئيس عون قد ألمح إلى هذه المشكلة عندما أكّد في كلمته إلى اللبنانيين، بأن "حرية التعبير هي حق محترم ومحفوظ للجميع، ولكن أيضاً حرية التنقل هي حق لكل المواطنين ويجب ان تحترم وتؤمن". ورد على الدعوات لإسقاط النظام، مؤكداً ان النظام لا يتغيّر في الساحات، بل من خلال المؤسسات الدستورية، في إشارة إلى ان استقالة الحكومة يحكمها دستور، وكذلك إعادة تشكيلها، وكذلك الأمر بالنسبة إلى المجلس النيابي، لكن الرئيس عون لم يشر بكلمة إلى موضوع الانتخابات النيابية المبكرة مكتفياً بالاعلان عن استعداده لاجراء حوار مع المتظاهرين يوصل إلى نتيجة عملية لتحديد الخيارات.
وإذ شدّد على ان الإصلاح هو عمل سياسي بامتياز قال انه أصبح من الضرورة إعادة النظر بالواقع الحكومي الحالي كي تتمكن السلطة التنفيذية من متابعة مسؤوليتها، وطبعاً من خلال الأحوال الدستورية المعمول بها.
ولم يدع عون المتظاهرين للخروج من الشارع، لكنه دعاهم إلى رفع أصواتهم ومطالبة نوابهم بالتصويت على الاقتراحات النيابية الأربعة التي سبق ان تقدّم بها شخصياً في العام 2013 لاستعادة الأموال المنهوبة ورفع السرية المصرفية وإنشاء محكمة خاصة بالجرائم المالية ورفع الحصانة، حتى يصبح كل المسؤولين عُرضة للمساءلة والمحاسبة القانونية ولا يعود هناك خيمة فوق رأس أحد، معتبراً انه في حال تمّ ذلك سيكون بمثابة الإنجاز الثاني لهم بعد إقرار الورقة الإصلاحية التي اعتبرها الخطوة الأولى لإنقاذ لبنان وشبح الانهيار المالي والاقتصادي، وهي عبارة تكررت في الخطاب أكثر من مرّة.


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


البناء
عون للمتظاهرين: ملتزم معكم بمكافحة الفساد… و"القومي" يثمّن ويدعو للخروج من الطائفية
التعديل الحكومي بدلاً من فتح الملفات: الحريري يلاقي جنبلاط وجعجع بحكومة دون باسيل؟
تردّد أمني في فتح الطرقات… وقلق مصرفي من فتح الأسواق… وهروب من قانون الانتخاب

لاقى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في مضمون كلمته دعوات المتظاهرين لمكافحة الفساد والنظر في الوضع الحكومي، من دون أن تتضمّن كلمته المتلفزة جدولاً لخطوات محدّدة ينتظرها الشارع لا تنتمي للوعود والنيات الحسنة، فقد ذكّر الرئيس بمواقفه وسعيه وتقدّمه باقتراحات قوانين لرفع الحصانات ورفع السرية المصرفية عن كل المسؤولين الحاليين والسابقين، وسعيه لقوننة آلية ملاحقة واستعادة المال المنهوب، وأبدى انفتاحه على إعادة النظر بالوضع الحكومي، وشرح للمتظاهرين استحالة الحديث عن تغيير النظام بكبسة زر، داعياً للقاء مَن يمثل ساحات الاحتجاج لفتح حوار معهم حول مطالبهم، وفيما لم تتلقَّ الساحات كلمة رئيس الجمهورية بردات فعل تحدث اختراقاً في المسار المقفل سياسياً، بدا أن البحث في التعديل الحكومي يتقدّم على مستوى الكتل الكبرى، حيث حدّد كل من حزب القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي، هدفاً للتعديل هو حكومة من دون وزير الخارجية جبران باسيل. وقالت مصادر مطلعة إنه في الوقت الذي وافقت القوات على البقاء خارج الحكومة وتعيين بدلاء لا يعارضونها بدلاً من وزرائها المستقيلين أو تصغير الحكومة باستقالات موازية من الوزراء المسلمين، لتمنح دعمها للحكومة المعدّلة، إذا تحقق شرط إخراج باسيل منها، أبدى رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي الاستعداد للتضحية بالوزير أكرم شهيب في تعديل حكومي يُخرج باسيل، ويخرج بموجبه وزيران من كل من الوزراء الشيعة والسنة، لمصلحة حكومة عشرينية. وقالت المصادر إن رئيس الحكومة سعد الحريري الذي اتصل برئيس الجمهورية مؤيداً دعوته لإعادة النظر بالوضع الحكومي، لا يمانع مثل هذا التعديل لكنه يخشى المجاهرة به قبل نضجه، تحسباً لخسارة العلاقة مع رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر، ويحاول عبر رئيس مجلس النواب تسويق الطرح، واستكشاف موقف ثنائي حركة أمل وحزب الله ليتخذ القرار بالخطوة التالية، بينما قالت المصادر إن حزب الله رفض الفكرة بالمطلق واعتبر أن وراءها محاولة لمعاقبة باسيل على مواقفه الخارجية وليس على المواقف الداخلية التي لا يتفق الحزب معها كلها بالضرورة، لكنه لا يراها سبباً كافياً للحملة المنظمة لتغيير حكومي تحت شعار المطلوب رأس باسيل إلا إذا كان الأمر تلبية لطلب خارجي يتصل بمواقف باسيل من المقاومة وسورية في المحافل الدولية.
بالتوازي راوحت المعالجات مكانها سياسياً وأمنياً ومالياً. فالحديث عن مكافحة الفساد حلّ مكانه الحديث عن التعديل الحكومي، وترتيب الوضع الأمني وفقاً لمعادلة حرية التجمع في الساحات وبالتوازي ضمان حرية التنقل وتأمين فتح الطرقات، يعيقه التردّد الأمني على مستوى قيادة قوى الأمن الداخلي وقيادة الجيش، خشية وقوع تصادمات في ظل ما بدا أنه قرار قواتي بالذهاب إلى الصدام إذا أصرّ الجيش على فتح طريق جونية، بينما كشفت الأوساط المصرفية عن خشيتها من فتح الأسواق دون توافر صدمة سياسية إيجابية، يجري تسويق الدعوات للتعديل الحكومي في ظلالها، وغاب عن التداول السياسي ما طرحه الحراك من دعوة لقانون انتخابي جديد غير طائفي وفق النظام النسبي وفي لبنان دائرة واحدة، وهو ما تضمّنه بيان الحزب السوري القومي الاجتماعي الذي ثمّن كلمة رئيس الجمهورية ودعا للخروج من النظام الطائفي في ظلّ المناخ الذي وفّرته التعبيرات الشعبية في الساحات ومناداتها بقانون انتخابي جديد خارج القيد الطائفي.
ثمّن الحزب السوري القومي الاجتماعي مضمون كلمة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون إلى اللبنانيين، التي أكدّ فيها على المطالب المحقة، والالتزام بتنفيذ الورقة الإصلاحية ومحاربة الهدر الفساد وتغيير المقاربات الاقتصادية وتطوير النظام السياسي وضرورة مغادرة الذهنية الطائفية والمذهبية التي حكمت لبنان منذ تأسيس النظام الطائفي الذي هو علة العلل. لافتاً الى أنّ هذه المواقف غاية في الأهمية، لأنها لا تعبّر فقط عن تفهّم وجع الناس وتبنّي مطالبها المحقة، بل تشخّص واقع الداء الذي يفتك بلبنان، ألا وهو النظام الطائفي.
ورأى الحزب القومي في بيان أصدرته عمدة الإعلام، أنّ الناس أسمعت صوتها، والمطلوب أن تنتظر وتراقب تنفيذ تعهّدات والتزامات الحكومة والمسؤولين في الدولة. وهذا هو المسار الطبيعي للأمور. والكلّ مطالب بتحصين البلد ضدّ محاولات بعض الأطراف والجهات ركوب موجة التظاهرات لحرفها عن هدفها الحقيقي.
واشار الى أن تأكيد المسؤولين الرسميين على أحقية المطالب وضرورة قيام الدولة المدنية من جهة أخرى، فرصة تاريخية لبناء دولة لا طائفية عادلة وقوية، وإنّ ترجمة هذا الاتجاه تتمّ عن طريق تشريعات عصرية وفي مقدّمها قانون جديد للانتخابات النيابية يحقق صحة التمثيل يقوم على أساس لبنان دائرة واحدة واعتماد النسبية خارج القيد الطائفي.
وأكد الحزب، أنّ التظاهر وحرية الرأي والتعبير حق مصان لكلّ الناس دون استثناء، وممارسة هذا الحق يكفله الدستور، والمطلوب احترام الدستور والقوانين، وممارسة حق التظاهر من دون إخلال بالأمن العام، وبالابتعاد عن أيّ شكل من أشكال الاعتداء على الممتلكات الخاصة والعامة وعلى حرية انتقال المواطنين. وطالب المؤسسات العسكرية والأمنية بأن تتحمّل مسؤولياتها وتبادر إلى فتح الطرقات أمام الناس، لأنّ قطع الطرقات يستبطن أهدافاً مشبوهة، لأنه يسيء إلى المطالب ويشكل خروجاً على النظام العام، ويشحن النفوس بين أبناء القرية الواحدة والمنطقة الواحدة، وعواقب هذا الشحن غير محمودة.
وكان رئيس الجمهورية أكد خلال رسالة وجهها الى اللبنانيين امس، ضرورة اعادة النظر بالواقع الحكومي الحالي، كي تتمكن السلطة التنفيذية من متابعة مسؤولياتها، من خلال الاصول الدستورية المعمول بها.
ودعا اللبنانيين جميعاً كي يكونوا المراقبين لتنفيذ الإصلاحات، ولفت الى ان تغيير النظام لا يتم في الساحات بل من خلال المؤسسات الدستورية، مؤكداً للمعتصمين والمتظاهرين انه على استعداد للقاء بممثلين عنهم للاستماع الى مطالبهم، وفتح حوار بناء يوصل الى نتيجة عملية وتحديد الخيارات التي توصلنا الى أفضل النتائج.
وإذ لم يُعرف شكل وطبيعة وتوقيت هذا التغيير حتى الآن، فإن كلام عون بحسب مصادر "البناء" له تفسيران: اما استقالة الحكومة برمتها وتشكيل حكومة جديدة أو ترميم الحكومة من خلال استبدال بعض الوزراء الحاليين وإلغاء بعض الحقائب. ورجحت مصادر التيار الوطني الحر لـ"البناء" خيار الترميم وليس استقالة الحكومة، مشيرة الى أن الاتصالات مستمرة ولم تستقر على آلية التعديل الحكومي. بينما تحدثت مصادر آخرى عن توجه لدى الرئيسين عون والحريري لتعيين بدلاء عن وزراء القوات اللبنانية المستقيلين واقالة آخرين من أطراف سياسية عدة من بينهم وزير الخارجية جبران باسيل. لكن وزير الدولة لشؤون رئاسة الجمهورية سليم جريصاتي رفض المقايضة بهذا الأمر وقال: "طُرح موضوع استقالة وزير الخارجية ووزير المال علي حسن خليل في بعض الاوساط ولسنا بوارد المقايضة بهذا الموضوع". ولفت في حديثٍ للـ"ال بي سي" إلى أن "معالجة الوضع الحكومي تتم بالآليات الدستورية أي ليس هناك انقلاب على الدستور ولا شيء يمنع من تعديل الحكومة"، وأضاف: "هناك توزير لـ4 وزراء مكان وزراء "القوات اللبنانية" المستقيلين". ولفت إلى أن "الرئيس عون ينتظر أن يسمّي المتظاهرون ممثلين عنهم ويلتقوا الرئيس في ق بعبدا لأنه يريد أن يفهم المطالب". وأعلن جريصاتي أنه "لم نتبلّغ من أي فريق سياسي أنه ضد تعديل حكومي بالمبدأ، والتعديل ليس بيد "حزب الله" و"حركة أمل".
الى ذلك، لم ينعكس كلام عون تراجعاً في حشود المتظاهرين في مختلف المناطق اللبنانية، الذين كرروا مطالبتهم الحكومة بالاستقالة، إلا أن الحراك في الشارع بدأ يأخذ منحى الاشتباك بين مجموعات المتظاهرين. وهذا ما تخوفت منه مصادر أمنية التي قالت لـ"البناء" إن الشارع بات مشرّعاً أمام جهات استخبارية خارجية لخلق فتن وبلبلة بين المواطنين واستدراج الجيش الى صدام مع المتظاهرين، وشهدت ساحة رياض الصلح أمس، اشتباكات بين متظاهرين مطالبين برحيل كل الطبقة السياسية وبين متظاهرين رفضوا شمول أمين عام حزب الله السيّد حسن نصرالله مع الفاسدين.
وتدخّلت قوى مكافحة الشغب لتفريق المتظاهرين، وسُجل سقوط جريح. وتجدد الاشتباك أكثر من مرة في الساحة.
على صعيد آخر بدأت النتائج السلبية للتظاهرات وقطع الطرقات وشلّ البلد بالظهور تدريجياً في نفاد بعض المواد الاساسية من الاسواق وارتفاع أسعارها إن توافرت وانتشار المحتكرين وتجارة الازمة، وحذرت "جمعية المستهلك" في بيان، أمس من "بداية ارتفاع في أسعار السلع، خصوصاً في المناطق البعيدة عن المركز"، وقالت: "في خصوص الخدمات، هناك ارتفاع واضح في أسعار بطاقات الخلوي. وكذلك، لا تلبي الصرافات الآليّة حاجات المواطنين، وهي بدورها تفاقم الأزمة". وطلبت الجمعية من "مؤسسات الدولة أن تقوم بواجباتها، خصوصاً القوى الأمنية، لحماية المواطنين من هذه الممارسات"، وقالت: "هؤلاء التجار، وفي حجّة الحراك الشعبي وقطع المواصلات، يقومون ببيع سلع تالفة للمواطنين".


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الأخبار
 التسييس الفئوي للتظاهرات ينذر بفوضى تهدد الحراك والبلاد

من يملكون ترف النقاش المفتوح، وجلّهم من النخب المنتفخة، وحدهم من لا يهتمون لاندلاع الفوضى في لبنان. ليس لأنهم قصيرو النظر حيال ما سيصيبهم من ضرر، شأنهم شأن بقية الناس. ولكن، فقط، لأنهم ليسوا على الطاولة. هؤلاء يتصرفون، في كل الاحتجاجات والانتفاضات والثورات، على أنهم الناطقون الدائمون باسمها، لكن ما يريدونه هو الوصول الى جنّة السلطة، لا أكثر ولا أقل.
قد يكون هذا حقهم. كما هو حق القوى السياسية استغلال كل تطور سياسي أو شعبي لتحسين موقعها. لكن ما ليس من حق كل هؤلاء، محاولة جرّ الناس الى مواجهات وأهداف ليست هي جوهر ما يطالب به الخارجون الى الشوارع في معظم لبنان. ليس من حق هؤلاء، أفراداً أو مجموعات أو قوى سياسية، أخذ الشارع الى مطارح لا تطابق هواجسه الرئيسية المتمثلة في كنس جيش الفاسدين. وهذا الجيش لا يقتصر على من يصرّ الإعلام في لبنان على حصره في لائحة سياسيين. وكأن البقية ــــ من اقتصاديين وتجار ورجال أعمال ورجال دين وإعلاميين وخبراء وناشطي المنظمات الممولة من الخارج ــــ ليسوا من أعضاء هذا الجيش الذي ينهش في جسد لبنان.
بات واضحاً، اليوم، حجم الخطر الذي يحدق بالحراك. والخطر، هنا، ليس من أهل الحراك وجمهوره الحقيقي. بل من مساعي أركان هذا الجيش لنقل المواجهة الى مكان آخر، وإلى إعادة إحياء الشعارات الزائفة حول تعايش الطوائف والطائفيين، وحول وحدة البلاد من شمالها الى جنوبها، وحول الدور السياسي لهذا الفريق أو ذاك، وحول علاقات لبنان بالخارج، وحول أحوال الموضة والتسوّق والصراعات المالية والتجارية. وكأن الناس المقهورين الذين يعانون البطالة والعوز، وباتوا لا يثقون أن في إمكانهم تعليم أولادهم أو توفير ملاذ صحي لهم أو عمل، ليسوا هم أصحاب القضية.
لذلك، بات واجباً تحذير الجميع من خطر الفوضى التي تهدد كل شيء: الحراك وما بقي من استقرار في لبنان. الفوضى التي تعيد بثّ الروح في التوترات، التي سرعان ما تأخذ أبعاداً مناطقية وطائفية وجِهَوِية، وسرعان ما تستدعي الخارج للتمويل والدعم والتسلح والغطاء السياسي. وتستدعي آليات الاستفزاز الباحثة عن ضربة ورد عليها. وتستدعي العاطلين عن العمل ودفعهم ليكونوا جيوش الجيل الجديد من ورثة الطائفيين على اختلافهم.
أصحاب المصلحة في نشر هذه الفوضى باتوا أكثر من المتوقع. من بينهم قوى السلطة التي تعتقد بأن الفوضى تعيد إنتاج قواعدها للعودة الى لعبة الحوار من فوق من أجل المكاسب من فوق أيضاً. ومن بينهم، كذلك، أصحاب النفوذ في المؤسسات المالية والاقتصادية الذين يريدون إعادة تعويم تجربة مافيات الحرب لكسب المزيد من الأموال غير المشروعة. ومن بينهم، أيضاً، القوى السياسية المتقلبة ــــ تارة في السلطة وطوراً في المعارضة ــــ والساعية الى تحسين شروطها. كما أن من بينهم المجموعات التي تعيش على تمويل الخارج وتريد تسديد الفواتير له، والإعلام الخاضع لسلطة المال والميليشيات الطائفية. هذا الإعلام الذي يتوهم أن بإمكانه الحلول مكان أهل الحكم، والذي يقوم بأقذر الأدوار في تقديم الشعارات السياسية على الشعارات المطلبية، لأنه ــــ أيضاً ــــ يسدّد فواتيره الى القوى السياسية والمالية التي لا تزال تموّله من أموال الناس والدولة. وهذه هي الحال مع غالبية القنوات التلفزيونية التي سبق لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، الذي استغل نفوذه داخل المؤسسات التابعة لمصرف لبنان وداخل القطاع المصرفي ومع كبار التجار، لمعالجة مشكلات أصحابها، وسهّل لها الحصول على قروض مالية كبيرة، لم يصرف منها قرش واحد في المؤسسات الإعلامية أو لتحسين ظروف العاملين فيها، بل استخدمت لخدمة أصحاب هذه الوسائل ومشاريعهم التجارية الجانبية.
الفوضى المحدقة بالحراك خطيرة لأنها ستضع الناس أمام الاختيار بين الاستمرار في المطالبة بالتغيير الشامل، والفوضى الأمنية والانهيار المالي. يراد، اليوم، أن يقال للناس إن عليكم أن تختاروا: إما القبول بحكم الفاسدين في الدولة والاقتصاد والإعلام والمُستَولِين على القطاعات التربوية والصحية والاجتماعية، وإما الذهاب الى فوضى وحروب تنال من راحتكم وأمن عائلاتكم.
وإذا كان الحراك لم يتشكّل على هيئة تحرّك منظّم تقف خلفه قوى أو تحالفات واضحة، فإن الوقت لا يزال متاحاً لخلق إطار تنسيقي يحميه من عملية التسييس القائمة لأهداف لا تخصّه. وهو إطار ضروري، لكون جيش الانتهازيين يتحرك بقوة داخل الساحات، ولأن الإعلام يريد أن يقرر ما هي المطالب الحقيقية للناس، علماً بأن هذا كله لا يعفي السلطة، وقواها كافة، من التصرف بواقعية بدل الإنكار والمكابرة. أما التذرع بأننا لا نعرف مطالب الناس فهو عذر أقبح من ذنب. الشارع يريد، أولاً، شراكة تمنحه حق الرقابة الفعلية على ما تقوم به مؤسسات السلطة ويريد التثبت من وصول شخصيات الى مواقع القرار والإشراف على إنفاق المال العام وإدارة مؤسسات الدولة. وهو أمر متاح، ما لم تواصل السلطة عمليات فحص دماء الطائفية والولاءات الشخصية لكل مرشح لتولّي وظيفة عامة. ولأن الناس يريدون الخلاص من زمن ربط مصير البلاد ومقدراتها بأشخاص دون غيرهم. هل بات لبنان عاجزاً عن إيجاد حاكم جديد لمصرف لبنان يتولى الإشراف على آليات منطقية وعملية ولاسياسية للسياسات النقدية في البلاد؟ هل يخلو لبنان من شخصيات تجيد إدارة وزارات الخدمات كافة من دون الخضوع لوصاية هذه الجهة السياسية أو تلك؟ وهل بات خالياً من كوادر قادرة على حفظ الحق العام في البحر والبر والهواء؟ هل بات لبنان عاجزاً عن إدارة مرفق عام، حتى يكون البديل بيع الدولة إلى أثرياء جمعوا أموالهم من السرقات والفساد.
على أن الدور الأبرز في منع انزلاق الجميع نحو الفوضى المدمرة، هو لقوى أمنية وعسكرية، يجب أن تفكر قياداتها، لمرة واحدة، بأن طموحاتها السياسية لم تعد تنفع. هذه القيادات الطائفية لم تعد قادرة على حماية مواقعكم. ووعود الدول الخارجية لكم بمناصب وامتيازات لم تعد قابلة للتحقق. انظروا من حولكم كيف يهرب الغرب، تاركاً من وثق به وتعامل معه. وإذا لم تبادر القوى العسكرية والأمنية الى ابتداع وسائل تمنع صدام الناس بعضها ببعض، وتمنع استغلال هذا أو ذاك لإدارة الحراك، وهو أمر في إمكانها فعله، فسنكون أمام انقسامات تطيح وحدة هذه القوى وفعاليتها. عندها، سيقول الناس بأن من غير المجدي إنفاق قرش واحد على جيش وقوى أمن وأجهزة لا تبادر الى حماية السلم الأهلي…
لبنان اليوم على مفترق طرق. والفوضى التي تهدّد الحراك الشعبي ستجلب العار لكل من يعلم ويصمت، ولكل من يصرّ على أنه الأكثر معرفة، وكل من يمارس فوقيّة أخلاقيّة على الآخرين.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

النهار
للمرة الأولى خيارات التغيير الحكومي على الطاولة

اذا كان "اقتحام " أنصار "حزب الله" الساحة الرئيسية لانتفاضة الغضب، ساحة رياض الصلح، طبع ميدانياً اليوم الثامن من الاحتجاجات والاعتصامات والتظاهرات التي تعم لبنان من دون تراجع أو تهاون، فان هذا التطور لم يحجب التطور السياسي الابرز منذ بدء الانتفاضة والذي تمثل في وضع الواقع الحكومي على طاولة اعادة النظر تعديلاً للحكومة أو تبديلاً شاملاً لها. هذا الواقع اكتسب دلالات مهمة من شأنها ان تضع للمرة الاولى المواجهة الجارية بين السلطة السياسية والانتفاضة الاحتجاجية الشعبية أمام اختبار حساس ومحك حاسم يتوقف عليهما تقرير مصير الحكومة كما الانتفاضة في الايام المقبلة.
فحتى البارحة، لم تكن الانتفاضة الماضية بوتيرة الزخم التصاعدي نفسه على رغم هطول الامطار الغزيرة واغراق الطرق وساحات الاعتصامات بالسيول قد اطلقت أي اشارة أو مؤشرالى تلقف الرسائل والمبادرات التي تأتيها من جانب العهد والحكومة والمسؤولين. وهو الامر الذي تكرر أمس في ردة الفعل السلبية للمنتفضين والمتظاهرين والمعتصمين على الكلمة التي وجهها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون اسوة بردة فعلهم الاولى على الخطة الاقتصادية والمالية الاصلاحية التي اعلنها رئيس الوزراء سعد الحريري والتي تبناها مجلس الوزراء في جلسته الاخيرة.
وبدا واضحاً أن لغة التخاطب والمقاربات الحوارية بين السلطة والمنتفضين لا تزال منعدمة حتى الآن بما يعني ان المنتفضين لن يتراجعوا قبل تلقيهم مبادرة سياسية كبيرة وملموسة بحجم تغيير الحكومة وليس أقل من ذلك. لكن هذا المسار، وان لم يتبلور بعد ما اذا كان اركان السلطة والقوى السياسية شرعوا فعلا في تداوله كخيار حتمي أو ان لديهم خياراً بديلاً يمكن ان يقنع المنتفضين، بدا كأنه بات مطروحاً ضمناً في خلفية المشاورات السرية الجارية بعيداً من الاضواء منذ أيام وخصوصاً بعدما شكلت كلمة الرئيس عون اضاءة للاشارة الخضراء أمام انطلاق البحث جدياً في الواقع الحكومي وترحيب الرئيس الحريري بالموقف الرئاسي.
وفي المعلومات المتوافرة لدى "النهار" في هذا السياق ان المشاورات لم ترس بعد على خيارات ثابتة، لكنها تدور حول جملة خيارات منها اجراء تعديل وزاري يشمل تعيين أربعة وزراء مكان وزراء "القوات اللبنانية"، بالاضافة الى استبدال ثلاثة أو أربعة وزراء آخرين من أبرزهم الوزراء جبران باسيل وعلي حسن خليل ومحمد شقير. كما ان ثمة خياراً طرح باستقالة الوزراء من تلقائهم مع وزيري الحزب التقدمي الاشتراكي وائل بو فاعور واكرم شهيب في ظل اتجاه رئيس الحزب وليد جنبلاط الى هذه الخطوة، ويجري تعيين وزراء جدد مكانهم. واذا كان هذان الخياران لايزالان يثيران تساؤلات وشكوكاً حيال ردود الفعل المحتملة عليهما، فان الخيار الثالث المطروح يبقى أبرز الخيارات لانه يتناول التبديل الحكومي الشامل على قاعدة المجيء بحكومة تكنوقراط مصغرة لا يكون اعضاؤها من القوى السياسية وبرئاسة الرئيس الحريري نفسه. ومجمل هذه الخيارات لن تتبلور صورة المواقف منها قبل أيام، في وقت يبدو المشهد العام للازمة أشبه بسباق مع الوقت في ظل تصاعد التداعيات السلبية الناشئة عن ثمانية أيام حتى يوم أمس من اقفال الطرق وشلل الحركة واقفال المؤسسات والقطاعات والمصارف ناهيك بتصاعد حوادث الاحتكاكات والصدامات في بعض ساحات الاعتصام على غرار ما حصل أمس في وسط بيروت.
عون والردود
وكان الرئيس عون توجه في كلمته الاولى الى اللبنانيين منذ بدء الانتفاضة، معتبراً ان "المشهد الذي نراه يؤكد ان الشعب اللبناني شعب حي، قادر على ان ينتفض ويغير ويوصل صوته، ويؤكد أيضاً أن الحريات في لبنان لا تزال بألف خير. لكن ويا للأسف هذا المشهد ما كان يجب ان يكون، وصرختكم كان ينبغي ان تكون صرخة فرح بتحقيق طموحاتكم واحلامكم، لا صرخة وجع".
وقال: "تعرفون جيداً اننا في بلد شراكة وديموقراطية، ورئيس الجمهورية، خصوصا بعد الطائف، في حاجة الى تعاون كل الأطراف في الحكومة ومجلس النواب ليحقق خطط العمل والاصلاح والانقاذ ويفي بالوعود التي قطعها في خطاب القسم. أنا رئيس ومسؤول، ولم أترك وسيلة الا واستعملتها لتحقيق الاصلاح والنهوض بلبنان. لكن الحقيقة، ان العراقيل كثيرة والمصالح الشخصية متحكمة بالعقليات، وهناك اطراف اعتبروا ان الشعب لا كلمة عنده يقولها".
وأكد "انني من يطالب باستعادة الاموال المنهوبة، وأنا من قدم قانوناً لاستعادتها، وحتى اليوم ظهرت مليارات من الموازنات السابقة يدقق فيها في ديوان المحاسبة. كل من سرق المال العام يجب ان يحاسب، ولكن المهم ألا تحميه طائفته وتدافع عنه.
وأضاف: "لأن الإصلاح هو عمل سياسي بامتياز، أصبح من الضروري إعادة النظر في الواقع الحكومي الحالي حتى تتمكن السلطة التنفيذية من متابعة مسؤولياتها، وطبعاً من خلال الأصول الدستورية المعمول بها".
ثم قال "سمعت كثيراً دعوات لإسقاط النظام، الا أن النظام لا يتغيّر في الساحات، وصحيح ان نظامنا أصبح في حاجة الى تطوير الا أن هذا الامر لا يحصل إلا من خلال المؤسسات الدستورية". وخاطب عون الى المتظاهرين. قائلاً: "أنا حاضر لالتقي ممثلين لكم يحملون هواجسكم ويحددون مطالبكم وأنتم تسمعون منا عن مخاوفنا من الانهيار الاقتصادي وما يجب فعله لتحقيق أهدافكم من غير ان نسبب الانهيار ونفتح حواراً بنّاء يوصل الى نتيجة، فالحوار هو دائماً الطريق الأسلم للإنقاذ".
وفور انتهاء الرئيس عون من القاء كلمته، غرّد الرئيس الحريري على "تويتر": "اتصلت بفخامة رئيس الجمهورية ورحّبت بدعوته الى ضرورة اعادة النظر بالواقع الحكومي الحالي من خلال الآليات الدستورية المعمول بها".
كذلك رحّب البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي بكلمة الرئيس عون "التي خاطب فيها اللبنانيين بوضوح وصراحة واضعًا اصبعه على جرح معاناتهم". وشدد على "ان المطلوب اليوم هو حكومة مصغرة حيادية كفوءة تنقذ لبنان وتولّد الثقة لدى المواطنين"، لافتًا الى ان "الحركة الشعبية ومطالبها المحقّة بدأت تعطي ثمارها".
كما غرّد رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط: "بعد سماع كلمة الرئيس عون وبما اننا، في هذا المركب نفسه الذي يغرق وكوننا نشاطره الخوف من الانهيار الاقتصادي نجد ان أفضل حل يكمن في الإسراع في التعديل الحكومي والدعوة لاحقاً الى انتخابات نيابية وفق قانون عصري لا طائفي".
القمصان السود!
وسط هذه المواقف، برزت ردود الفعل الرافضة لكلمة الرئيس عون والتي ترجمها المنتفضون بالمضي في تصعيد اعتصاماتهم في كل ساحات الاعتصام كما في عدم التراجع عن قطع الطرق. لكن تطوراً سلبياً سجّ مساء في ساحة رياض الصلح حين دخلت مجموعة من مناصري "حزب الله" على خط الاعتصام من باب رفض التعرض بالشعارات للامين العام للحزب السيد حسن نصرالله. واذ أطلقت مجموعات من المحتجين على هذه المجموعة تسمية "القمصان السود"، حصلت مواجهة حادة بالعراك والتضارب بين المجموعة الحزبية والمجموعات الاخرى أدت الى تدخل قوى الامن الداخلي والفصل بينها وسط اجواء من التوتر الشديد.


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الجمهورية 
مشروع حل: فتح الطرق.. إعتصام في الساحــات.. حوار في بعبدا

دلّت وقائع اليوم الثامن للانتفاضة الشعبية الى أنها ماضية الى مزيد من التصعيد، مع إعلان رفضها ما طرحه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في رسالته الى المتظاهرين الذين تعرّض بعضهم الى اعتداءات من جهات حزبية، في الوقت الذي صَعّد المنتفضون من إقفال مداخل بيروت من مختلف الجهات، الى أن سَرت ليلاً معلومات أفادت عن سَعي حثيث على مستويات رفيعة لإعادة تطبيع الاوضاع في البلاد تدريجاً، بدءاً من اليوم وحتى الاثنين المقبل، بالتزامن مع انطلاق حوار بين السلطة وممثلي الانتفاضة.
تحدث مرجع مسؤول لـ"الجمهورية" مساء أمس عن "بدء العد العكسي لإنهاء حال الفوضى التي نتجت من بعض التظاهرات في بعض الأماكن والمناطق، بحيث سيتم فتح كل الطرق والبلد، ليكون الاثنين المقبل يوم عمل طبيعياً في كل المؤسسات الرسمية والخاصة وفي المصارف والبلد عموماً، فيما ينتظِم الحراك، تظاهرات واعتصامات، في الساحات". وقال المرجع انّ رئيس الجمهورية "سيبدأ الحوار المباشر مع ممثلي الحراك الشعبي في ما يرفعونه من مطالب، وسيتم تصنيف كل من لا يشارك في هذا الحوار على انه "حالة مُندَسّة" للتخريب، ويتم التعامل معها على هذا الأساس".
وعلمت "الجمهورية" أنّ اجتماعات عدّة تنعقد بين مختلف الأحزاب، لمناقشة ما يحصل واستنباط الحلول للأزمة السائدة. وأشارت المعلومات الأولية الى أنّ "العد العكسي للحلّ ولفَتح البلد بدأ، وسيكون المشهد مختلفاً يوم الاثنين".
وكان عون قد توجّه أمس برسالة الى اللبنانيين عموماً والمتظاهرين، مؤكداً "انّ الورقة الاصلاحية التي أقرّت ستكون الخطوة الاولى لإنقاذ لبنان وإبعاد شبح الانهيار المالي والاقتصادي عنه"، واعتبر انها كانت "أوّل إنجاز لكم لأنكم ساعدتم في إزالة العراقيل من أمامها، وقد أقرّت بسرعة قياسية". ولفت الى انّ "في مجلس النواب عدداً من اقتراحات القوانين، منها اقتراح قانون لإنشاء محكمة خاصة بالجرائم المتعلقة بالمال العام، واقتراح ثان باسترداد الدولة للأموال المنهوبة، واقتراح ثالث برفع السرية المصرفية عن الرؤساء والوزراء والنواب وموظفي الفئة الاولى الحاليين والسابقين، واقتراح رابع برفع الحصانات عن الوزراء والنواب الحاليين والسابقين وكل من يتعاطى المال العام". وشدد على إقرار هذه القوانين "في أقرب وقت". داعياً المتظاهرين الى مطالبة النواب بالتصويت عليها "حتى يصبح كل المسؤولين عرضة للمساءلة والمحاسبة القانونية، ولا يعود هناك خيمة فوق رأس أحد". كذلك دعاهم الى أن يكونوا المُراقبين لتنفيذ الاصلاحات من خلال الساحات "في حال حصل أي تأخير أو مماطلة"، مشدداً على "حرية التنقّل التي هي حق لكل المواطنين، ويجب ان تُحترم وتؤمّن". ودعا المعتصمين الى "حوار بنّاء يوصِل الى نتيجة عملية، وتحديد الخيارات التي توصلنا الى أفضل النتائج"، مؤكداً أنه ينتظرهم للبدء بهذا الحوار.
وقد تَتبّع فريق عون ردود الفعل على هذه الرسالة، وقالت مصادره لـ"الجمهورية" انه تلقّى ما هو إيجابي وما هو سلبي، مؤكدة انه "كان صريحاً جداً، وخاطبَ المتظاهرين بكل جرأة ووضوح". وأضافت انّ عون أطلقَ في رسالته 3 مسارات متوازية، وهو في الوقت الذي تحدث الى المتظاهرين والمعتصمين عن قراره وأبلغهم علناً انه في انتظارهم للحوار معهم عبر ممثلين لهم، فتحَ باب إعادة النظر في التركيبة الحكومية قبل أن يشرح لهم رؤيته للاصلاحات التي يمكن مقاربتها في المَديَين القريب والبعيد، لافتاً الى فشل سلسلة محاولاته السابقة. وأكدت "أنّ الرئيس قام بواجبه، وأبدى استعداده لمواصلة آلية المحاسبة والحوار في آن، مُلبّياً مطالب اللبنانيين، ورَسم لهم خريطة طريق واضحة وصريحة".
الحريري
واتصل رئيس الحكومة سعد الحريري بعون، وأكّد له "ترحيبه بدعوته الى ضرورة إعادة النظر في الواقع الحكومي الحالي من خلال الآليّات الدستورية المعمول بها".
وعكست أجواء الحريري أمس سَعيه للبدء بتطبيق الورقة الاصلاحية، وقالت مصادر "بيت الوسط" لـ"الجمهورية" انه واصل لقاءاته السياسية والديبلوماسية، شارحاً بنود هذه الورقة ومراحلها التطبيقية، مؤكداً انّ بعض ما تقرّر هو من مهمة المجلس النيابي الذي سينطلق في ورشة تشريعية مع بدء دورته العادية الثانية، وانّ ما يتعلّق بالحكومة قد باشَر به، فأصدر تعليماته الى الوزارات والمؤسسات العامة لتطبيق الخطوات الإدارية المطلوبة تزامناً مع تسويق ما تقرر في الوسط الديبلوماسي.
وفي هذه الإطار كان لقاء الحريري عصر أمس مع سفراء الدول الأوروبية، الذين قصدوه للاستماع الى شروحاته حول التطورات الجارية، استناداً الى جملة أسئلة طرحوها وتتصل بطريقة المعالجة في توقيتها وشكلها والمضمون.
وبعدما قدّم الحريري شروحاته، أكد السفراء إصرارهم على عدم التدخل في الشؤون الداخلية اللبنانية، لكنهم أبدوا قلقهم من التطورات على أكثر من مستوى، مؤكّدين الحرص على الخروج سريعاً من الأزمة بأقل خسائر ممكنة، مُشددين على أهمية احترام حراك اللبنانيين، ومؤكدين "الاستعداد لتقديم العون المطلوب للحفاظ على استقرار لبنان وأمنه ووحدة أبنائه".
ولفت الحريري، رداً على أسئلة السفراء، الى "انّ الحكومة لا تنوي معالجة ما يجري على الأرض بالقوة، لأنه أمر غير وارد على الإطلاق، وانّ الحل كان ولا يزال سياسياً"، مكرراً التشديد على حماية الحراك الشعبي، وأنه لم يطلب من المتظاهرين الخروج من الشوارع والساحات.
على صعيد آخر، واصلَ الرئيس الحريري اتصالاته مع المراجع المعنية سياسياً واقتصادياً ومالياً، وناقش التطورات الأمنية مع القيادات العسكرية والأمنية، وتَتبّع الأوضاع مع رئيس الجمهورية في اتصال طويل بعد توجيه رسالته الى اللبنانيين، بما فيها الأفكار التي أشارا اليها، ولاسيما منها إعادة النظر في التركيبة الوزارية.
الانتفاضة والأمطار
وعلى رغم من غزارة الأمطار على الخطّ الساحلي، فإنّ المتظاهرين رفضوا إخلاء الساحة، وعادت أعدادهم الى الارتفاع بعد انحسار المطر.
ففي النبطية سجّلت أمس 3 أحداث لافتة، أوّلها كثافة المشاركين، وثانيها الإشكال أمام سراي النبطية بين سيارة استفَزّ سائقُها المتظاهرين بطريقة مروره وشَهر مسدسه، فحصل تَدافع وسط الشارع، وتمكّنت عناصر الجيش اللبناني وقوى الامن الداخلي من فَضّه ومعالجته. وثالثها، إعلان 4 أعضاء في مجلس بلدية النبطية استقالتهم، احتجاجاً على تعرّض شرطة البلدية وآخرين للمتظاهرين.
وفي هذه الاثناء حافظت طرابلس على الصورة الحضارية التي عكستها منذ اليوم الأول للتظاهرات، إذ سجّل أمس تجمّع حاشد من المهندسين والمهندسات أمام مقر نقابتهم في طرابلس للتأكيد على دور المدينة في الحراك المدني. وانطلقوا، وفي مقدمتهم النقيب بسام زيادة، في مسيرة إلى قصر العدل لينضمّوا إلى المعتصمين من محامين وأطباء وأطباء أسنان، وليتابعوا مسيرتهم الى ساحة النور حيث تجمّع المعتصمعون منذ ساعات الصباح الأولى.
أمّا ساحة رياض الصلح في قلب بيروت فقد شهدت عمليات كرّ وفرّ، حيث سادَت حالة من التوتر بين مجموعتين، الأولى تُطالب بإسقاط الحكومة وترفع شعار "كلّن يعني كلّن"، والثانية حزبية وقد وصلت في فانات الى مكان التظاهر، وتقول إنّ لديها المطالب ذاتها، لكنها ترفض المَسّ بالأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله تحت شعار "كلّن يعني كلّن… نصرالله أشرف مِنّن". وتطوّر الأمر إلى تَلاسن بين المجموعتين، ثمّ إلى اشتباك بالأيدي أدّى الى وقوع جريح، وتدخّلت قوة مكافحة الشغب لفضّ الاشكال.
وليلاً بدأت المجموعة الحزبية تهتف مبايعةً مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي.
روكز
وفي المواقف، قال عضو تكتل "لبنان القوي" النائب شامل روكز لـ"الجمهورية" انّه يؤيد "تغيير الحكومة بكاملها وبأسرع وقت ممكن، وتأليف حكومة مصغّرة من أصحاب كفاية واختصاص وأخلاق، ليُخرجوا البلد من الأزمة الحالية ومعالجة الوضع الإجتماعي، وإطلاق نهضة اقتصادية ومحاربة الفساد". واعتبر أنّ "هذه العناوين الكبيرة تحتاج الى أسماء ومواصفات معيّنة، كما أنّ على هذه الحكومة أن تتمتّع بصلاحيات استثنائية". وأضاف: "ليختَر رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة سريعاً أسماء مميّزة، فتسير الأمور كما يجب".
وقال روكز: "الآن ليست هنالك دولة بالنسبة إلي، فلا حكومة تجتمع ولا مجلس يجتمع، وليست هناك قرارات وكأنّ الدنيا "فالتة". مؤكّداً أهمية تأليف "حكومة تُحقّق نقلة سريعة وبيضاء، يمكن تشكيلها خلال أيام قليلة"، معتبراً أنّه عندما يتمّ الإتفاق على المبدأ "تتحَلحَل المشكلات". وقال: "لا أعلم ما هي مشروعية مجلس النواب عندما يكون المواطنون في الشارع، هنالك أخطاء ارتكبت، وعلى من فشل هنا أن يدفع ثمن فشله".


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


نداء الوطن 
نصرالله ينسّق مع باسيل… و"الشارع المضاد" يتحرّك "فيتو" حزب الله يمنع التغيي
ر
"شو قال الرئيس؟"… هو السؤال الأكثر تداولاً بين الناس بالأمس ليس ممن هم لم يسمعوا خطابه بل ممن سمعوه ولم يفهموا ماذا حمل من جديد في كلامه بعد طول صمت. الجميع أجمع (إلا العونيون طبعاً) على أنّ خطاب رئيس الجمهورية ميشال عون لم يكن على قدر طموحات الثائرين بل جاء بمثابة خطاب أقل من عادي في مرحلة أكثر من تاريخية تحاكي مصير البلد ومستقبل مواطنيه المنتفضين على الطبقة الحاكمة وفسادها.
وعلى قاعدة "ولى زمن المكابرة" جاءت ردود الفعل الشعبية على خطاب بعبدا باعتباره لم يلامس جوهر المشكلة إنما حاول الالتفاف عليها والتصويب على عدم وجود مطالب محددة لدى المتظاهرين ولا ممثلين معيّنين لهم لتحاورهم السلطة. أما عبارة "بات من الضرورة إعادة النظر بالواقع الحكومي الحالي"، التي اعتبرت العبارة المفيدة الوحيدة في الخطاب، فجاءت بحد ذاتها فضفاضة وحمّالة أوجه، وإن اتجه أغلب الظن نحو ترجيحها كفة جنوح عون نحو فكرة التعديل الوزاري التي لاقاه عليها كل من رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري والبطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي ورئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط، لكنها لا تزال تصطدم حتى الساعة بما يشبه "الفيتو" الذي يرفعه "حزب الله" في وجه أي تغيير حكومي تحت ضغط الشارع توجّساً من ترجمته انكساراً للعهد الذي يرعاه الحزب والذي إذا ما بدأ على الحلبة الحكومية قد ينسحب إلى ميادين مطلبية أخرى تشمل سيادة الدولة وحصرية السلاح بيدها.
إذاً، وبينما أفادت المعلومات المتوافرة لـ"نداء الوطن" أنّ تصورات وأفكار عدة جرى تداولها خلال الأيام الأخيرة حول مسألة التعديل الحكومي الذي يحاكي استعادة ثقة الناس، فإنها سرعان ما اصطدمت بفرملة "حزب الله" وعدم حماسة رئيس مجلس النواب نبيه بري وسط مساعٍ يقودها أيضاً رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل داخل أروقة قصر بعبدا لضرب جوهر أي تعديل حكومي جذري يتهدد مقعده الوزاري.
وفي هذا المجال، نقلت أوساط مواكبة لهذا التوجه الرافض للتغيير الحكومي لـ"نداء الوطن" أنّ "حزب الله يعتبر الوضع الراهن حساساً وآفاقه "غامضة جداً" لذلك هو لا يزال يحاذر الخوض في أي تغيير في الحكومة الحالية على أساس أنها تشكل البيئة السياسية الحاضنة للحزب وبالتالي لن يخاطر بخسارتها. في حين كشفت معلومات موثوقة لـ"نداء الوطن" أنّ الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله عمد إلى تنسيق الموقف إزاء المستجدات مع باسيل وأجرى معه اتصالاً هاتفياً مساء أمس الأول لهذه الغاية.
وفي الغضون، بدأ "الشارع المضاد" للثورة يأخذ أبعاداً جديدة في تزخيم تحركاته على الأرض تحت شعارات متعددة، بعضها يعمد إلى التجييش ضد المتظاهرين بوصفهم "مخرّبين" كما وصفهم المجلس السياسي في "التيار الوطني الحر" الذي انعقد برئاسة باسيل أمس، وبعضها الآخر يلبس لبوس الحراك المطلبي ويندسّ في ساحات التظاهر لا سيما في وسط بيروت لتخريب سلميتها من خلال افتعال مشاكل ميدانية وصلت إلى حد الاعتداء على المحتجين الذين يرفعون شعار "كلن يعني كلن" رفضاً لتناول نصرالله في سياق هذا الشعار. وكذلك الأمر في عدد من ساحات الجنوب التي شهدت ما يشبه "الغزوات" على المحتجين السلميين لترهيبهم ودفعهم إلى فض اعتصامهم.
أما على المستوى الديبلوماسي المواكب للمشهد، فبرز البيان البريطاني أمس الذي وصف ما يشهده لبنان بأنه "لحظة مهمة" مشدداً على وجوب أن تستمع السلطات اللبنانية إلى الشعب اللبناني "وشعوره المشروع بالإحباط". وتوازياً، كشفت مصادر ديبلوماسية رفيعة لـ"نداء الوطن" أنّ "الدول الكبرى تتابع عن كثب وبحذر ما يحصل في لبنان" لافتةً إلى أنّ سفراء هذه الدول المعتمدين في بيروت "على تواصل دائم في ما بينهم لتقييم الوضع واتخاذ الموقف المناسب في ضوء التطورات".
وإذ أثنت على "الشجاعة التي يبديها اللبنانيون المنتفضون بشكل سلمي والتي يرسمون من خلالها تاريخاً جديداً لوطنهم بروحية وطنية غير طائفية"، أكدت المصادر الديبلوماسية أنّ "عدداً من الدول الغربية التي كانت طلبت من رئيس الحكومة التريث قبل اتخاذ أي قرار بالاستقالة خشية وقوع لبنان في الفراغ الدستوري باتت مقتنعة تحت وطأة استمرار ثورة اللبنانيين على امتداد أسبوع كامل من دون أي تراجع أنّ الشعب اللبناني الثائر أصبح يبحث عن التغيير ولن يتراجع قبل الحصول عليه"، منوهةً في هذا السياق بضرورة الإبقاء على دور الأجهزة الأمنية والعسكرية الرسمية في حماية حق التظاهر السلمي، لتختم بالتشديد في هذا المجال على أنّ "الدول الصديقة لن تترك لبنان وهي حريصة على مناشدة السلطة اللبنانية الاستماع إلى مطالب اللبنانيين المحقة بعيداً من أي قمع لحرية الرأي والتعبير، حتى ولو أدى ذلك إلى تأليف حكومة جديدة والتي على الأرجح ستكون برئاسة الحريري لمتابعة تطبيق مقررات سيدر وتتلقى الدعم الدولي المناسب لإنقاذ الوضع الاقتصادي اللبناني".


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الشرق
خطاب بارد لا يلبّي طموحات الشارع

أكد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، في رسالة وجهها الى اللبنانيين امس، أن "المشهد الذي نراه، يؤكد ان الشعب اللبناني هو شعب حي، قادر على الانتفاض، والتغيير، وايصال صوته.. ولكن الطائفية حطمتنا، ونخرنا الفساد حتى العظم، وقد تركنا من اوصل البلد الى الهاوية من دون محاسبة".
وأكد "ان الورقة الاصلاحية التي اقرت ستكون الخطوة الاولى لإنقاذ لبنان وابعاد شبح الانهيار المالي والاقتصادي عنه، وهي الانجاز الأول للبنانيين، لكن يجب ان تواكب بمجموعة تشريعات لان مكافحة الفساد الحقيقية تكون عبر قوانين وبالتطبيق الصارم للقانون، وليس بالشعارات والمزايدات والحملات الانتخابية".
وأكد رئيس الجمهورية أنه "بات من الضرورة اعادة النظر بالواقع الحكومي الحالي، كي تتمكن السلطة التنفيذية من متابعة مسؤولياتها، وطبعا من خلال الاصول الدستورية المعمول بها". ودعا اللبنانيين جميعا "كي يكونوا المراقبين لتنفيذ الاصلاحات"، وقال: "الساحات مفتوحة دائما أمامكم، في حال حصل أي تأخير او مماطلة. وأنا من موقعي، سأكون الضمانة وسأبذل جهدي لتحقيق الاصلاح".
ولفت الرئيس عون الى ان "تغيير النظام لا يتم في الساحات بل من خلال المؤسسات الدستورية"، مؤكدا "للمعتصمين والمتظاهرين انه على استعداد للقاء بممثلين عنهم للاستماع الى مطالبهم، وفتح حوار بناء يوصل الى نتيجة عملية وتحديد الخيارات التي توصلنا الى افضل النتائج".
وفي ما يلي نص رسالة رئيس الجمهورية:
"أعزائي،
كلمتي لكم اليوم، مثلما كانت دائما، من القلب الى القلب، اينما كنتم في ساحات الاعتصام او في منازلكم.
المشهد الذي نراه، يؤكد ان الشعب اللبناني هو شعب حي، قادر على الانتفاض، والتغيير، وايصال صوته. ويؤكد ايضا ان الحريات في لبنان ما زالت بألف خير. ولكن مع الاسف، هذا المشهد ما كان يجب ان يحصل، وصرختكم كان يجب ان تكون صرخة فرح بتحقيق طموحاتكم واحلامكم، وليس صرخة وجع.
نحن شعب خلاق، قوي، وناجح، ولكن الطائفية حطمتنا، ونخرنا الفساد حتى العظم، وقد تركنا من اوصل البلد الى الهاوية بدون محاسبة. وقد اقسمت اليمين في اليوم الاول لتحملي مسؤولياتي كرئيس للجمهورية للمحافظة على لبنان، والتزمت محاربة الفساد بشراسة. وتمكنت من نقل لبنان الى ضفة الامان والاستقرار، وظل هناك الهم الاقتصادي والمالي.
كان طموحي كبيرا، وما زال، ان نتمكن من التخلص من الذهنية الطائفية التي حكمت البلد منذ وجوده، وهي اساس كل مشاكله، للوصول الى دولة مدنية يتساوى فيها المواطنون امام القانون، ويصل كل صاحب كفاءة الى المنصب الذي يستحقه، وتتحقق اللامركزية الادارية التي تؤمن لكم الخدمات بشكل اسرع، وتسهل المراقبة المحلية. ولكنكم تعرفون، وتعرفون جيدا، اننا في بلد شراكة وديمقراطية. ورئيس الجمهورية، وخصوصا بعد الطائف، بحاجة لتعاون كل اطراف الحكومة ومجلس النواب، ليحقق خطط العمل والاصلاح والانقاذ، ويفي بالوعود التي قطعها امام اللبنانيين في خطاب القسم.
لا اقول ذلك لألقي المسؤولية على غيري. انا في النهاية رئيس ومسؤول، ولم اوفر وسيلة لتحقيق الاصلاح والنهوض بلبنان. لكن الحقيقة ان العراقيل كثيرة، والمصالح الشخصية متحكمة بالعقليات، وهناك اطراف كثيرة اعتبرت ان الشعب لم يعد لديه كلمة يقولها، وانها قادرة على فعل ما تريد، ويظل الشعب صامتا. ورغم كل الصعوبات، تمكنا من تحقيق تقدم في مجالات كثيرة، وان لم يكن بالحجم الكافي.
كل يوم كنت اتكلم عن محاربة الفساد، وبالتأكيد كان هناك من يزعجه هذا الكلام. مع الاسف، اشخاص من المسؤولين. وقد تحولت الحرب ضد المبادرات وخطط العمل التي تشكل ضررا على المصالح الشخصية لكثيرين.
تريدون استعادة الاموال المنهوبة؟ من المؤكد انه من الضروري استعادتها. وانا من يطالب باستعادتها وقد تقدمت بقانون من اجل ذلك. وقد ظهرت حتى يومنا هذا، المليارات من الموازنات السابقة التي يتم التدقيق فيها في ديوان المحاسبة. كل من سرق المال العام يجب ان يحاسب، لكن من المهم ان لا تدافع طائفته عنه بشكل أعمى. ان السارق لا طائفة له وهو لا يمثل اي دين، دعونا نكشف كل حسابات المسؤولين وندع القضاء يحاسب. السياسي يشرع ويراقب اما المحاسبة فتكون من خلال القضاء، الذي تم تعيين رؤساء له هم من خيرة القضاة وجديرون بالثقة. والبيان الذي صدر منذ يومين عن المجلس الاعلى للقضاء يؤكد هذا الامر. واكثر من ذلك، اني ملتزم باقرار قوانين مكافحة الفساد، لكن هذا الامر هو من صلاحية مجلس النواب وانا اطلب مساعدتكم لاقرارها. وكما قلت للقضاة بعد تعيينهم، سأكرر القول اليوم باني سقف الحماية للقضاء، وأحيلوا إليَّ من يتدخل معكم.
اعزائي، من الممكن انه لم تعد لديكم ثقة بالطبقة الحاكمة او بالاحزاب، او بمعظم مسؤولي الدولة، وهذا ما دفعني الى التوجه للحكومة لدى انطلاقها، وخلال الافطار الذي اقامه قصر بعبدا السنة الجارية، بوصية واحدة: اعيدوا للبناني ثقته بدولته، لانه كان واضحا من موقفكم من اي ضريبة محتملة، ان الضريبة اصبحت بالنسبة اليكم كالخوة التي تذهب ولا تعود وتضيع بين الهدر والفساد.
واليوم، من موقع مسؤوليتي كرئيس للجمهورية، اؤكد لكم ان الورقة الاصلاحية التي اقرت ستكون الخطوة الاولى لانقاذ لبنان وابعاد شبح الانهيار المالي والاقتصادي عنه، وقد كانت اول انجاز لكم لأنكم ساعدتم بازالة العراقيل من امامها وقد اقرت بسرعة قياسية. لكن يجب ان تواكب بمجموعة تشريعات لان مكافحة الفساد الحقيقية تكون عبر قوانين وبالتطبيق الصارم للقانون، وليس بالشعارات والمزايدات والحملات الانتخابية.
عليكم ان تعلموا ان في مجلس النواب عددا من اقتراحات القوانين ومنها، اقتراح قانون لإنشاء محكمة خاصة بالجرائم المتعلقة بالمال العام، وقد قدمته أنا شخصيا عام 2013. واقتراح ثان باسترداد الدولة للأموال المنهوبة، واقتراح ثالث برفع السرية المصرفية عن الرؤساء والوزراء والنواب وموظفي الفئة الاولى الحاليين والسابقين، واقتراح رابع برفع الحصانات عن الوزراء والنواب الحاليين والسابقين وكل من يتعاطى المال العام. يجب أن تقر هذه القوانين في أقرب وقت. فارفعوا اصواتكم، وطالبوا نوابكم بالتصويت عليها، حتى يصبح كل المسؤولين عرضة للمساءلة والمحاسبة القانونية، ولا يعود هناك خيمة فوق رأس أحد، وفي حال نجحتم يكون بذلك تحقق انجازكم الثاني.
ولأن الاصلاح هو عمل سياسي بامتياز، فأصبح من الضرورة اعادة النظر بالواقع الحكومي الحالي كي تتمكن السلطة التنفيذية من متابعة مسؤولياتها، وطبعا من خلال الاصول الدستورية المعمول بها.
اعزائي، إن صرختكم لن تذهب سدى، ككل الصرخات التي ملأت الساحات من قبل، واعادت الحرية والسيادة والاستقلال للبنان. إن حرية التعبير هي حق محترم ومحفوظ للجميع، ولكن أيضا حرية التنقل هي حق لكل المواطنين ويجب ان تحترم وتؤمن.
أدعوكم جميعا كي تكونوا المراقبين لتنفيذ الاصلاحات، والساحات مفتوحة دائما أمامكم، في حال حصل أي تأخير او مماطلة. وأنا من موقعي، سأكون الضمانة وسأصارحكم بكل ما يحصل. وسأبذل جهدي لتحقيق الاصلاح.
لقد سمعت الكثير من الدعوات لإسقاط النظام. ولكن النظام، ايها الشباب، لا يتغير في الساحات.
صحيح أن نظامنا بات بحاجة الى تطوير، لأنه مشلول منذ سنوات وهو عاجز عن تطوير نفسه، ولكن هذا الامر لا يحصل إلا من خلال المؤسسات الدستورية. كما أنه حان الوقت لتغيير النموذج الاقتصادي ليصبح منتجا ويخلق فرص عمل.
اؤكد للمعتصمين والمتظاهرين، أني على استعداد لألتقي ممثلين عنكم يحملون هواجسكم، والاستماع تحديدا الى مطالبكم، وتسمعون بدوركم من قبلنا مخاوفنا من الانهيار الاقتصادي وما علينا أن نقوم به سويا كي نحقق اهدافكم من دون التسبب بالانهيار والفوضى، ونفتح حوارا بناء يوصل الى نتيجة عملية وتحديد الخيارات التي توصلنا الى افضل النتائج، فالحوار هو دائما الطريق الاسلم للإنقاذ. وانا بانتظاركم".