لماذا امتنعت السلطات البريطانية عن فك لغز الموت الغامض للملياردير الجيورجي بدري باتركاتسشفيلي في لندن؟

برلسكوني يفضح أسرار "الربيع العربي" : فرنسا ساركوزي هي التي أطلقت حملة غزو ليبيا
علبة باندورا التي يفتحها صراع دول البلقان
الوساطة الفرنسية والتصعيد الإسرائيلي

هل بات القضاء البريطاني يعتمد المعايير المزدوجة؟ لقد طرح هذا السؤال بعد فضيحة “صفقة اليمامة”، التي تورط فيها الامير السعودي بندر بن سلطان، وكادت أن تجري محاكمته في بريطانيا، لولا التواطوء السياسي الذي فرض وقف التحقيق وطي كلف هذه الفضيحة المدوية.واليوم، يتكرر السؤال نفسه، بعد موت المياردير الجيورجي باتركاتسشفيلي في لندن، الذي كان على خلاف سياسي حاد، مع الرئيس الجيورجي الحالي ميخائيل ساكاشفيلي. موت رجل الاعمال الملياردير الجيورجي بدري باتركاتسشفيلي، الذي سقط من شرفة قصره في لندن، يوم 13شباط\فبراير، أثار مخاوف من احتمال ان يكون قد قتل بأيدي عناصر من الجريمة المنظمة/المافيا بتحريض من خصومه السياسيين.

عندما ركزت الشرطة على هذا الإحتمال، لم يكن هناك من ادلة حول هذه اللعبة القذرة. لكن باتركاتسشفيلي كان قد صرح مؤخرا، بأنه صار هدفا لمؤامرة اغتيال. وهناك عدد كبير من التفاصيل المتعلقة بمهنته الطويلة والمثيرة للجدل، في عالم الاعمال، قادت الشرطة البريطانية الى قرار التحقيق الشاق.

ووفقا لرأي طبيب ب. باتركاتسشفيلي وتأكيدات أقاربه، فإن الفحوصات الطبية قد اثبتت ان الضحية لم يكن يعاني من أي مرض في القلب، كما أن جسده كان خاليا من أي امراض خطرة اخرى.
لقد جنى هذا الملياردير الجيورجي ثروته الطائلة خلال عقد التسعينيات من القرن الماضي، عندما بدأت روسيا تعيش مرحلة الفقر وعهد الخصخصة. في ذلك الحين، دخل باتركاتسشفيلي بشكل متفجر، واحيانا عنيف ، في مواجهة مع السياسيين من بلده الام. وعلى طول الطريق الذي سار فيها، صنع لنفسه الاصدقاء والاعداء. وبشكل متساو على الارجح.

في إحدى المراحل انتفخ طموحه السياسي، وترشح لرئاسة جيورجيا، لكنه فشل في دخول القصر. وخلال الأشهر الأخيرة، اعلن هذا “المرشح الرئاسي”، اكثر من مرة، بأن لديه معلومات تتعلق بالتحضير للاعتداء على حياته من قبل السلطات الجيورجية.

ووفقا لهذه المعلومات التي نشرتها صحيفة “صنداي تايمز” البريطانية، فقد وصل الى لندن في شهر كانون الثاني الفائت، عدد من أفراد الاستخبارات الجيورجية الخاصة، لتنفيذ هذه الخطة. لذا قام ب. باتركاتسشفيلي بتشديد الإجراءات الامنية حول منزله وفي تنقلاته وأعماله.

قبل موته قضى باتركاتسشفيلي الساعات في الاجتماع الى مستشاريه، وشركائه في الاعمال، ومن بينهم الملتيمليونير الروسي بوريس بيريزوفسكي، النائب العام البريطاني السابق اللورد غولدسميث واللورد بيل وغيرهم. أهم نقطة على جدول أعمال هذه الاجتماعات، تركز على البحث في وجود احتمال قوي، بأن تقوم السلطات في تبليسي، العاصمة الجيورجية، بتقديم طلب رسمي إلى لندن، لتوقيف باتركاتسشفيلي، وسوقه إلى جيورجيا، حيث تتهمه السلطات هناك، وخاصة الرئيس الحالي، بالتآمر لإعداد انقلاب عنيف، غير متوقع.

في كانون الأول الماضي، وتحديدا قبل عيد الميلاد بمدة قصيرة، صرح باتركاتسشفيلي بأن اعداءه في تبليسي، يخططون لقتله في لندن.

اسند رجل الأعمال الجيورجي ادعاءه، بإبراز شريط مسجل لمحادثة بين موظف في وزارة الداخلية الجيورجية، واحد قطاع الطرق الشيشان. كان المتحدثان يناقشان تفاصيل المؤامرة ضده. قال الشيشاني “اننا قادرون على التعامل معه. هذا ليس بمشكلة”. أما الرجل الذي وصف بانه موظف حكومي فقال “حتى اذا كان لديه مئة شخص يحرسونه، فهذا ليس بمشكلة. هدفنا ان نقضي على هؤلاء الحراس”.

بعد مرور يوم على هذا الادعاء، الذي ظهر، أولا، في صحيفة بريطانية، اتضح أن الحكومة الجيورجية كانت قد قامت سرا بتسجيل شريط فيديو يتعلق بخصمها السياسي العنيد. هذه المرة ، يظهر باتركاتسشفيلي في الشريط، وهو يقدم رشوة كبيرة لموظف حكومي مقابل قيادة انقلاب على الحكومة الجيورجية الحالية.

اليوم، يبدو هذا الموظف وكأنه ارسل خصيصا، للايقاع بمواطنه الملياردير المقيم في لندن.

في الشريط، يتحدث الموظف بصوت مسموع، وهو يسأل باتركاتسشفيلي عما اذا ما كان عليهم قتل وزير او اقناع الشرطة باطلاق النار على تجمع سلمي من المتظاهرين : “هل هذا يستحق مائة مليون (دولار) منك؟”. واجاب باتركاتسشفيلي : “ان حرية الشعب الجيورجي تستحق بالتأكيد مائة مليون” دولار.

جيران باتركاتسشفيلي في ليذرهيد، الحي اللندني الغني، قالوا ان رجل الاعمال زاد، مؤخرا، من ارتفاع السور الذي يحيط بمنزله الفخم، وثبت كاميرات امنية، كما اقام بوابات جديدة. الجيران شهدوا أيضا، ان جارهم الجيورجي لم يذهب قط الى اي مكان بدون فريقه الامني، وكان غالبا ما يموه تحركه بسيارة ثانية تضم الحراس الشخصيين.

على الرغم من استمراره في التنقل بين منازله في لندن، ساراي و منتجع إسرائيلي في خليج ايلات على البحر الاحمر، فقد اعلن في كانون الثاني الماضي، بأنه سيمتنع عن السفر إلى وطنه الأم جورجيا لمدة من الزمن.

في 25 ايلول من العام 2007، خلال مقابلة لمحطة “آيميدي” الجيورجية، صرح وزير الدفاع الجيورجي السابق أ. اوكرواشفيلي، بأن الرئيس الجيورجي م.ساكاشفيلي متورط في الفساد، وهو على علاقة بمنظمة للإجرام السياسي متخصصة بتصفية المعارضين السياسيين والايديولوجيين لنظام حكمه. كما كشف اوكرواشفيلي، بأن الرئيس الجيورجي قد طلب من هذه المنظمة الإجرامية استطلاع إمكانية أو فرصة فرصة ابعاد ب. باتركاتسشفيلي عن المشهد السياسي الجيورجي.

في حين انه لا يوجد اي دليل على ان باتركاتسشفيلي قد قتل، فان جواب الشرطة البريطانية يشير الى انه من الممكن ان يكون قتل باتركاتسشفيلي قد حصل فعلا. واذا كان هذا الإحتمال مطروحا، فليس ثمة نقص في الامكنة التي يمكن ان تبحث فيها الشرطة عن مشتبه بهم أو عن أدلة.

لقد عبر بعض الخبراء عن شكوكهم بأن تقدم السلطات البريطانية على كشف السبب الحقيقي لموت ب. باتركاتسشفيلي. لقد قارن هؤلاء الخبراء التحقيق البريطاني، مع تحقيق المخابرات الاميركية الخاصة حول الموت الغامض لرئيس الحكومة الجيورجي السابق م. زفانيا في تبليسي. حيث توصل هذا التحقيق إلى القول بأن زفانيا توفي نتيجة حادث، على الرغم من وجود عدد من الادلة الهامة التي تشير إلى موته قتلا بأسليب عنيفة.

إن المصالح القوية التي تفرض على لندن وواشنطن الحفاظ على النظام السياسي الراهن في تبليسي، لا تدع مجالا للشك، بأن الشرطة البريطانية لن تعلن الى الرأي العام البريطاني والجيورجي والدولي، الاسباب الحقيقية التي تسببت بموت ب. باتركاتسشفيلي.

* مقتطفات من جريدة ” الغارديان” ومصادر اخرى.

COMMENTS