“ما بعد كورونا” : “صفقة القرن” عند “نهاية العصر الأميركي”؟

القضاء الأوروبي يلاحق حاكم مصرف لبنان بتهمة سرقة الأموال العامة! 
صحيفة روسية : النار في بيروت تربك واشنطن و”القوات اللبنانية تتعاطف مع إسرائيل”!
السودان : احتجاجات ضد غلاء المعيشة ورئيس جامعة يضرب طالبتين أمام الكاميرا!

فتحت “صفقة القرن” فصلاً جديداً من فصول الحل الإمبريالي/الصهيوني لـ”المسألة اليهودية”. كان فيروس كورونا لا يزال كامناً في مهده، عندما تلا الرئيس الأميركي دونالد ترامب بنود “صفقة القرن”، في مؤتمر صحفي في واشنطن (كانون الثاني2020)، حضره رئيس وزراء العدو الصهيوني بنيامين نتنياهو. حيث زعم أن “الصفقة” هي “خطوة كبيرة باتجاه السلم”. لكن هذا الزعم كان في صميم المخادعة السياسية الأميركية ـ “الإسرائيلية” للعرب، وللفلسطينيين بالذات.

فالـ”خطوة” كانت “كبيرة باتجاه” استكمال الإبادة السياسية للفلسطينيين، وتأمين المشروع الصهيوني في فلسطين المحتلة. وقد استبق ترامب الـ”صفقة”، بأن وقع إعلان مدينة القدس عاصمة للكيان الصهيوني (كانون الأول 2017). بخلاف أسلافه الذين ترددوا في الأمر، مع أن الكونغرس الأميركي أصدر “تشريع سفارة القدس 1995”. بعد ذلك، اعترف الرئيس ترامب (آذار 2019)، بحضور نتنياهو أيضاً، بقرار “إسرائيل” ضم هضبة الجولان السورية المحتلة إلى الكيان.

هذه المخادعة الأميركية عن “السلم”، كللها ترامب بكلامه عن أن الشعب الفلسطيني يستحق فرصة لتحسين مستقبله. بيد أنه “حقاً” مشروطاً، قال ترامب : بـ “رؤيتي، [التي] تقدم فرصة رابحة للجانبين، حلاً واقعياً بدولتين، يعالج المخاطر التي تشكلها الدولة الفلسطينية على أمن إسرائيل“.  

تناقض فرصة “تحسين المستقبل” الفلسطيني التي تلوح للرئيس الأميركي، تناقضاً تاماً، حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير. هذا التعريف الترامبي لـ”الدولة الفلسطينية” ككيان سياسي ضامنٍ لـ”أمن إسرائيل” وخادمٍ له، ليس غريباً ولا جديداً. فالإرهاب الصهيوني بقي لعشرات السنين، رافعة للدور الأميركي الإقليمي ـ الدولي. كما أن الأمن الإستراتيجي للكيان الصهيوني العنصري، لطالما ظلَّ عاملاً محورياً في تشكيل السياسة الخارجية الأميركية في الوطن العربي، خصوصاً في مشاريع التسوية السياسية للصراع العربي ـ الصهيوني وللقضية الفلسطينية، التي كان يطلقها أسلاف ترامب من “البيت الأبيض”.

ما هي أهم بنود “صفقة القرن”. للتذكير، فإن هذه البنود، هي :

1. “ستُضَم كل المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية لإسرائيل.

2. سيكون وادي الأردن [الذي تقول إسرائيل إنه مهم لأمنها] تحت السيادة الإسرائيلية.

3. القدس غير مقسمة، وهي عاصمة لإسرائيل.

4. مسموحٌ الوصول إلى الأماكن المقدسة في القدس لجميع الديانات، أما المسجد الأقصى فإنه سيبقى تحت وصاية [المملكة] الأردنية.

5. ستكون عاصمة الفلسطينيين المستقبلية في منطقة تقع إلى الشرق والشمال من الجدار [“الإسرائيلي”] المحيط بأجزاء من القدس، ويمكن تسميتها بالقدس أو أي اسم آخر تحدده الدولة الفلسطينية المستقبلية.

6. نزع سلاح حركة المقاومة وأن تكون غزة وسائر الدولة الفلسطينية المستقبلية منزوعة السلاح.

7. إنشاء رابط مواصلات سريع بين الضفة الغربية وغزة يمر فوق أو تحت الأراضي الخاضعة للسيادة الإسرائيلية.

8. اعتراف الطرفين [الفلسطيني و”الإسرائيلي”] بالدولة الفلسطينية بأنها دولة للشعب الفلسطيني والدولة الإسرائيلية بأنها دولة للشعب اليهودي.

9. لا تبني إسرائيل أي مستوطنات جديدة في المناطق التي تخضع لسيادتها في هذه الخطة لمدة 4 سنوات”.

تعتبر البيئة المحلية” الأميركية المحدد الأول لديناميات السياسة الخارجية للولايات المتحدة، سواء في عهد الرئيس ترامب أو سواه من العهود الرئاسية السابقة. هذا العمق الداخلي لـ”إسرائيل” في المجتمع السياسي الأميركي، يشرح، ببساطة، لماذا “صفقة القرن” التي صنعتها تلك “البيئة”، تكاد أن تكون، بل هي في الواقع السياسي ـ التاريخي، نسخٌ حرفيٌ لمخطط “حل الدولتين” الصهيوني، الذي رسم خطوطه الأساسية ديفيد كيمحي ودان بابلي، الضابطين في جهاز الإستخبارات “الإسرائيلية”، بعد أيام على وقف نيران العدوان “الإسرائيلي” في حزيران عام 1967.

إن وثيقة ذاك المخطط التي سلمت إلى رئيس وزراء العدو الصهيوني ليفي إشكول، قبل نحو نصف قرن، تكاد تتطابق مع بنود “صفقة القرن” التي أعلنها ترامب بحضور رئيس وزراء العدو الصهيوني بنيامين نتنياهو في واشنطن. إذ أن كيمحي ـ بابلي اقترحا، آنذاك : “ضم القدس” مع “وضع خاص للأماكن المقدسة” و”السيطرة على غور الأردن” وإخضاع “الدولة الفلسطينية” المقترحة لـ”إسرائيل” في المجال “الأمني ـ العسكري” و”الإقتصادي”.

لقد أتى مشروع “صفقة القرن” الأميركي كاستثمار عملي في نتائج الحرب الهجينة الإستنزافية، لكسب المستقبل، وترميم الهيمنة الأميركية في العالم. إن هذا المشروع هو فصل آخر من فصول الحل الإمبريالي / الصهيوني للقضية الفلسطينية وللصراع العربي ـ الصهيوني. ولذا، نلاحظ أن “صفقة القرن” هي نسخة منقحة عن مشاريع “الأقلمة الشرق اوسطية” السابقة، التي صممت لإبقاء دول المشرق العربي “خواصر رخوة” للقارة الآسيوية إلى الأبد.

إن تقديم إدارة ترامب لهذا المشروع، بعد مضي نحو عقد على الإستباحة الشاملة للدول العربية بفوضى “الربيع العربي”، غايته أن تصبح الحرب الهجينة الإستنزافية المستمرة، حتى الآن، نمطاً من أنماط من حروب الإبادة السوسيوسياسية الأميركية الأطلسية للعرب، وخصوصاً لشعب فلسطين. لذلك، لم يجد ترامب فلسطينياً واحداً مستعداً للبحث في “الصفقة”. رغم “الإستعداد الإسرائيلي للتفاوض المباشر على أساس رؤية ترامب“، ومحض دول عربية زهيدة تأييدها لـ”صفقة القرن”. فلا هذا “الإستعداد” ولا ذاك “التأييد” قَدِرَا على دفع عربة الحل الإمبريالي/الصهيوني لـ”المسألة اليهودية”، التي يجرها ترامب.

قبل وباء كورنا بوقت غير قصير، توقفت عربة ترامب “الشرق أوسطية”. فالمعارضة العربية والإقليمية والدولية، وكذلك المعارضة الفلسطينية، رغم كل “عوراتها”، حالت دون توفير المظلة السياسية اللازمة، لهذا “الحل” العنصري الإرهابي الذي تمتد أسسه، إلى أزمنة اندماج الرأسمالية الربوية اليهودية، والرأسمالية التجارية ـ الصناعية الأوروأميركية في القرن التاسع عشر. إلا أن قولنا أن “صفقة القرن” توقفت، فهذا يعني أنها ما انتهت ولا تلاشت.

يشير هذا التوقف إلى مدى التباطؤ الذي يقترب من الجمود في دينامية القوة الأميركية في الصراعات الإقليمية والدولية. ما يجعل السؤال عن مستقبل “صفقة القرن” في مرحلة “ما بعد كورونا”، سؤالاً في مستقبل الدور الإقليمي ـ الدولي للولايات المتحدة الأميركية؟.

في مرحلة كورونا الراهنة، رأينا كيف يُحْدِثُ هذا الفيروس الخطير تسلسلاً متواصلاً من الإنهيارات الإجتماعية والإقتصادية والمالية في الولايات المتحدة. تكشف التقارير الإخبارية عن موت زؤام، يزحف على مجتمعات الفقراء الأميركيين، حيث تسببت الطبقية ـ “العنصرية، بسوء الرعاية الصحية” و”نشرت الأمراض المزمنة بينهم”، فيما حرمت “الأحياء الفقيرة من الأطباء والمستشفيات” في معظم الولايات وكبرى المدن.

لقد شلَّ الوباء صناعة النفط. وهذا الإنهيار التاريخي، لأحد القطاعات الإقتصادية المهمة، ترافق مع تسارع ركود صناعة الفحم المتدهورة أصلاً. كما أغلقت شركة “بوينغ” مصانعها، وكثير من الشركات صرفت موظفيها، حتى زاد عدد طالبي مساعدات البطالة التي تقدمها الحكومة عن 20 مليون أو 22 أميركي.

بقيت أسواق الأسهم الأميركية تتجه نزولاً، لأن “الاجراءات التحفيزية من جانب بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي فشلت في تهدئة الأسواق المالية والمخاوف الاقتصادية”. فامتد هذا الفشل نحو أسواق أوروبا ودول “التعاون الخليجي” وصولاً إلى أستراليا.

تصادف مرحلة ما بعد كورونا، في الأجندة الأميركية، موعد الإنتخابات الرئاسية، التي ستجري في ظروف اضطراب اجتماعي ـ اقتصادي غير مسبوق. يذكر هذا الإنهيار بحال المجتمع الأميركي إبان أزمة الركود الكبير عام 1929، التي أرست ظروف حرب عالمية. 

ويميل بعض المحللين، إلى رهن بقاء “صفقة القرن” على الطاولة، ببقاء ترامب في منصبه، ليتابع تسويقها في الولاية الثانية. هذا تقدير صحيح، شكلاً. أما في الواقع، فثمة حاجة إلى التمعن في نتائج الأداء المرتبك لحكومة الرئيس دونالد ترامب من التفشي الوبائي لفيروس كورونا. لأنها نتائج ذات أبعاد عميقة وواسعة، في السياستين الداخلية والخارجية للولايات المتحدة الأميركية.

وسواء أعيد انتخاب ترامب في الخريف القادم أم خسر منصبه، فإن السؤال المطروح عن مآل “صفقة القرن” في مرحلة “ما بعد كورونا”، لا يمكن الإجابة عليه، إلا في إطار السؤال الكبير عن “نهاية العصر الأميركي”، وتراجع “قيادة أميركا لـ[ما يسمى] العالم الحر”. أما “إسرائيل” فسوف تمضي في تنفيذ “الصفقة” على هواها، مثلما تبرهن تجربة “اتفاق أوسلو”، ولن تجد لطغيانها مصداً إلا بالمقاومة .. بكل أدوات المقاومة.  

هيئة تحرير موقع الحقول
‏الخميس‏، 23‏ نيسان‏، 2020، الموافق ‏01‏ رمضان‏، 1441