نجوى زيدان في "الدراما والسياسة": تحليل ونقد المسلسلات السورية خلال 2010 ـ 2014

نجوى زيدان في "الدراما والسياسة": تحليل ونقد المسلسلات السورية خلال 2010 ـ 2014

نجوى زيدان في “الدراما والسياسة”: تحليل ونقد المسلسلات السورية خلال 2010 ـ 2014
عن "رحلة الاديبة نجوى زيدان الى منزل املي نصر الله"
“عبور” زينة قاسم …

الدراما هي ما يحدث الآن. هي الحياة التي تدور من حولنا. انها الواقع الذي يرتبط بعلاقة وثيقة مع النص الدرامي، وهي عمل يصب في صناعة الرأي، وهي قصص تتحول في عقل المشاهد الى وعي جمعي للواقع السياسي والاجتماعي والتاريخي.

ساهمت الاعمال الدرامية في بناء ذاكرة شعبية وفي مراكمة تراث تاريخي وطني. اذ يراها المحللون عبارة عن مركز ابحاث تُطرح فيه اشكاليات وتناقضات وتساؤلات الواقع السياسي وقضاياه الاجتماعية الشائكة. لعل هذا ما يفسر تصريح الفيلسوف الاميركي الروسي اندريه فيلتشيك بأنه سينتقل الى سرد القصص عوضا عن الكتابة الاكاديمية التي لا يهتم بها الا الجامعات الكبرى[1].

في أهمية وجديد البحث[2]

استطاعت الدراما السورية ان تسرد الحكايات من خلال مسلسلات النوستالجيا التي عادت فيها الى الماضي والتاريخ واستطاعت ان تواكب قضايا عصرية عالمية راهنة مثل التكفير والارهاب، عدا عن انها انتجت اعمالا ولا تزال تشبه المجتمع السوري وتعكس تفاعلاته. كما استطاعت الدراما السورية ان تشكل ظاهرة تجاوزت البلدان العربية واستوقفت الكثير من المعاهد الثقافية والجامعات الغربية، كالمعهد الدانمركي بدمشق الذي اجرى مسابقة لتحديد شخص يستطيع دراسة هذه الظاهرة، تقدم إليها أكثر من 50 متسابقاً ووقع الخيار على الإيطالية دوناتيللا ديلاراتا[3]. واعتبر الباحث هانس نيلسن، مدير المعهد أنّ موضوع الدراما ظاهرةً مؤثرة في المجتمع العربي المؤلف من 300 مليون نسمة، ومن هنا تأتي أهمية دراسته أسوةً بما يحصل في أوروبا وأمريكا[4].

"يرتسم الطريق اثناء السير فيه"، استعرت هذا الكلام من قصيدة للشاعر الاندلسي انطونيو ماشادور، اذ وجدت فيه التعبير المكثّف عن حالتي ومسيرتي في بحثي حول " المحددات السياسية في الدراما السورية"، هذه الدراما التي اتابعها منذ ما يزيد على ثلاثة عقود، والتي كتبت حولها، وزاد اهتمامي بها مع دراستي الاكاديمية حول الانتاج التلفزيوني وانغماسه بالسياسة الى جانب عوامل اخرى، اقتصادية وفنية وثقافية، حتى أصبحت مشاهدة – ناقدة واليوم اصبحت بفضلكم باحثة.

هناك من سبقني الى البحث حول الدراما السورية، لكنني توخيت في بحثي ان اكتشف الجديد عنها، فانتقيت الفترة الزمنية ما بين الاعوام 2010- 2014 الغنية بالمتغيرات السياسية، بفعل الحرب التي عاشها المجتمع السوري وما زال: سعيت هنا ان أُظهر الدراما  التلفزيونية كمُنتج ثقافي مستقبلي، في ظل الاعتماد على التلفزيون كوسيط اعلامي وترفيهي من جمهور، يتزايد بفعل ازدياد التعداد السكاني في المجتمع العربي واقبال الجمهور على استهلاك هذا المنتج بالذات، مع تكاثر الفضائيات المتخصصة بالدراما.

وما من عمل علمي الا وتكتنفه الصعاب، لقد اختبرت في بحثي منهجية التفكير والتحليل العلمي في دراسة تنتمي الى العلوم الانسانية وهنا مكمن الصعوبة اذ ان هذه المنهجية تقودنا في العلوم الطبيعية الى المعرفة البحته من خلال قياس كمي ونوعي للعناصر، بينما في الاعلام وهو احد فروع العلوم الانسانية، فإن استخدام هذه المنهجية يقودنا الى الفهم فحسب، فالنظرية هنا لن تكتمل، قد تنجلي عبر باراديغم يربط بين عدد من النظريات في علوم الفلسفة والمنطق وعلم الاجتماع وعلم النفس والثقثافة والفن.  وهو ما يقربنا من الـ Multidiscipline والحال هذه، لم يكن من بد الا ان اتورط بشيء من الذاتية.

لعل هذه الصعوبة تجلت في الاشكالية حول علاقة الدراما بالخطاب السياسي – التي تنجلي حينا من خلال ادوات البحث، وتخبو احيانا عند تناول الدراما لا كعمل تلفزيوني بحت بل كحدث سياسي وتاريخي، ولعل ذلك يُبقي الباب مفتوحاً امام اجتهادات اخرى واعمال علمية قادمة تفسر لنا وتقدم المزيد من الفهم للظاهرة.

في بحثي دعوة للتفكر في هذا النوع من المنتج الثقافي المعاصر بما لديه من امكانيات ذهنية وتكنولوجية ومالية وبوصفه عنصر يساهم في اعادة تشكيل الحياة الاجتماعية ورسم العلاقات فيما بين فئات المجتمع.

في بحثي آفاق

اجد ان هذا البحث يشجع على دراسة الدراما السورية بارتباطها مع الدراما المصرية واللبنانية، دراسة مقارنة على اساس وحدة الموضوعات. كما يحث على قراءة المسلسل الدرامي كفاعل جيوثقافي، عابر للحدود، الخارج من عباءة المحلي كونه يتوجه الى الجمهور العربي الواسع.

يحمل البحث اشارات الى سوق الدراما المحلية الوطنية بأبعادها السياسية والتجارية، التي تطغى على الابعاد السوسيوثقافية لسوق الدراما العربية الواسعة، ما يجعلها بمثابة عراقيل امام تطور هذا المنتج التلفزيوني.

كما يُظهر هذا البحث الطابع المستقبلي للدراما التلفزيونية التي تثير تنافسا ضاريا بين المنتجين ومحطات التلفزة لأسباب سياسية وايديولوجية تتعلق بالنفوذ والهيمنة السياسية وبالتأثير على الرأي العام العربي وعلى صناعة هذا الراي وعلى تشكيل الوعي الجمعي العربي.

ان الدراما بما تمثل من صناعة، تدر ارباحا على مؤسسات الاعلام الجماهيري، فهي قد اوجدت عدداً من المهن المرتبطة بها وهي مهن فاعلة وطموحة وجدية للحاضر وللمستقبل وستوفر فرص عمل للعديد من الدارسين. كما ان توظيف الرساميل في انتاج الدراما، لا بد ان يعود بالفائدة على مداخيل الانتاج العام.

من الآفاق التي يلتمسها هذا البحث هي الدعوة الى اعادة تقييم دور المثقف: الكاتب والمخرج والممثل والناقد وحتى المشاهد العربي. لاحظت ان هذا المفهوم غير واضح وهناك قصور في كيفية قياس نجاحه من عدمه والقياس هنا يعني فاعلية المثقف في تطوير الحياة الاجتماعية وتخليصها من الموروثات السلبية. لا سيما في هذه المرحلة الحرجة في ظل حالة التكفير وحال التقهقر التي تتخبط فيها مجتمعاتنا العربية. وفي معرض التماس دور المثقف وتأثير الدراما، يحضرني هنا المشاهد التي استعان بها تنظيم الدولة الإسلامية/ داعش من دراما سورية على انها مشاهد حية ونشرتها على اليوتيوب وايضا دعوة ناشطين اسلاميين على مواقع التواصل الاجتماعي الى مقاطعة الدراما لأنها تلهي عن ذكر الله، واستخدام الجيش "الاسرائيلي" لمشاهد من مسلسل "باب الحارة" للترويج لصورته.

وبخلاف النقاشات التي تثار حول الموضوعات الوطنية والقومية في الدراما من انها ممجوجة وتتلاقى مع رغبات وخطاب السلطة. اجد ان نجاح الدراما ارتبط بهذه الموضوعات وهي لاتزال تحظى باهتمام كبير في اوساط الجمهور العربي. لذا يستثير البحث همة صانعي الدراما حول هذه الموضوعات، لتعزيز الكتلة الاجتماعية المناهضة للاحتلال الصهيوني والكافلة للحقوق العربية في فلسطين والاراضي المحتلة والحافظة للتاريخ ويحضرني هنا المثل الشعبي المصري ذو الدلالة العميقة: "مين فات تاريخه تاه" اي ضاع. في البحث تأكيد على اهمية دراما الواقع ودراما السيرة والتاريخ التي تحترم عقل المشاهد العربي. دراما التغيير التي كما تُعري فساد الانظمة، فهي تنمي حس المواطنة وحس النقد البناء.

الدراما و"الفكر الصحراوي"

والبعد الذي حرص البحث على اظهاره هو تسرب "الفكر الخليجي" الى الدراما السورية لا سيما في اجزاء مسلسل " باب الحارة" وغيرها من اعمال "البيئة الشامية" التي لا تشبه الشام. وهذا المفهوم لم يتسرب الى الدراما فقط بل الى الى المجتمع نفسه. وهو ارتبط بالثورة النفطية في اواخر سبعينيات القرن الماضي، حيث انتقلت صناعة الاعلام العربي مع فورة الفضائيات، لاحقا، اي في التسعينيات، الى عواصم الخليج، او كما يقول ناشر جريدة السفير طلال سلمان (الى اهل الذهب في الجزيرة) وبالأمس القريب كانت القاهرة وبيروت ودمشق هي عواصم الاعلام العربي التي تصدر فيها الصحف والمجلات بالمئات. اليوم يتسرب نموذج اعلامي خليجي بسطوة البترودولار من خلال السيطرة على الفضائيات وعلى اضخم الانتاجات الدرامية ومن خلال شراء بعض المثقفين والاعلاميين وصناع الدراما بدفع اجور خيالية لهم.

ان بنية البتروميديا تعني السيطرة على الانتاج التلفزيوني بجوهر ديني تكفيري ووهابي. وقد استخدم هذا المفهوم من قبل صناع الدراما انفسهم الذين قابلتهم اما السيناريست نجيب نصير فقد أصر على استخدام مفهوم "الفكر الصحراوي".

في نيسان الماضي، توفي خلدون المالح المنتج والمخرج السوري والذي يعود له الفضل في تصدير اللهجة الشامية الى الشاشات العربية بأعماله الجريئة منها "حمام الهنا"، "صح النوم"، "وادي المسك" وغيرها من الاعمال الرائدة. خلدون المالح آثر الاحتجاب منذ تسعينيات القرن الماضي على ان يقدم اعمالاً تخضع لمسطرة السوق "الخليجية" الجديدة.

لقد اثبتت تطورات الاحداث السورية ان الدراما كانت جبهة حرب، حيث قوطعت خليجيا وبُعثر صناعها فانقسموا، وتم العبث بمضامينها فأصبحنا نرى مسلسلات مثل " صرخة روح" عن الخيانات، وحُجبت هذا العام عن فضائيات الخليج بمعظمها، فلجأ المنتج السوري الى شاشات العراق والجزائر ولبنان ومصر. اكثر من نصف انتاج هذا العام لم يحظ بالبث. فالدراما التلفزيونية تدخل الى وجدان الناس بوصفها تجربة غير لفظية تؤدي الى حالة ذهنية تشبه التأمل، اجل انها الحرب على وجدان الناس. انها الحرب على عقل وعاطفة الجمهور.

بالنسبة لي، لقد تجاوزت الخمسين لكني منذ صغري كنت دائما اطلب المزيد من العلم والمعرفة وازهو مع كل نجاح احققه، واتجاوز في احلامي كامرأة تمني الجمال والمال، لقد تمنيت هذا اليوم  ورغم ذلك اقول "كلما صعدنا قمة بانت لنا قمم".

في ختام مرافعتي هذه اشكر استاذي المشرف على انارة طريقي الى هذا البحث واشكر الاساتذة في لجنة المناقشة على ملاحظاتهم القيمة التي التزمتها ممتنة لهم سبر اخطائي،  فمن يعمل يُخطىء.

 

نجوى زيدان، كاتبة وصحفية عربية من لبنان ـ طالبة في المعهد العالي للدكتوراه ـ الجامعة اللبنانية  

قدم الجزء الرئيسي من هذا النص في بيروت، يوم 14/6/2016، الساعة العاشرة صباحاً، مركز عمادة الجامعة اللبنانية ـ بدارو.

 

 


[1] مقابلة مع اندريه فيلتشيك على قناة الميادين في برنامج " من الداخل"، الثلاثاء 1 كانون الاول / ديسمبر 2015 الساعة 2 ب.ظ.

 

[2] يقتطف هذا النص بعض فقرات التمهيد والمقدمة لكتابي "الدراما والسياسة"، الصادر عن دار الفارابي ـ بيروت، الطبعة الأولى، تشرين الثاني/نوفمبر، 2018. يقع الكتاب في 255 صفحة من القطع المتوسط، وهو يتضمن نص البحث العلمي الذي قدمته لنيل شهادة الماجستير من الجامعة اللبنانية – كلية الاعلام،  تحت عنوان " المحددات السياسية في الدراما السورية". اود في هذه الصفحات ان اتشارك مع القراء المهتمين بموضوع التأثير السياسي على الانتاج التلفزيوني، مداخلتي التي القيتها اثناء مناقشة البحث في 14 حزيران  سنة 2016.

 

[3] https:/cyber.harvard.edu/people/ddellaratta

 

[4]  www.discover- Syria.com