“تدمير سوريا وتشريد شعبها من المسؤول؟”

“تدمير سوريا وتشريد شعبها من المسؤول؟”

قضايا "الثورة اللبنانية" : نص مشروع الورقة السياسية التي ناقشها "لقاء الكومودور" (5)
U.S. MILITARY VETS IN UKRAINE ARE FIGHTING EACH OTHER IN COURT
هل الفتوى توقيع عن الله عز وجل؟ (2 ـ 2)
“تدمير سورية وتشريد شعبها – من المسؤول؟”(1)، عنوان كتاب الكاتب وسفير مصر السابق في سورية الدكتور مصطفى عبد العزيز مرسي، ومنه وفيه تتفرّع أسئلته، ويتكثّف التحليل، مفككاً للوقائع الواردة على مدار 368 صفحة (مع الوثائق والمراجع والفهرس)، لنستقرئ من خلالها رؤية سياسية شبه متكاملة ضمّنها مرسي طيّات الأسطر بنفسٍ عروبيّ آسف للنزف العربي.
 في المدخل التمهيدي للكتاب بعنوان “حجم النكبة السورية وأبعادها”،تَتَظهّر “اللوعة” القومية بالقول: “إن منطقتنا العربية مركزيّة،لكن أهلها ضعفاء،وهو ما جعل الموقع العربي بثرواته موقعاً مغنطيسياً جاذباً للأطماع الخارجية بمختلف أشكالها، وهذا الموقع يعجز أصحابه عن حمايته، والدفاع عنه. وقد استغلت دول الجوار عزلة سورية العربية ودورها المحوري بالنسبة إلى القضايا العربية، لامتلاك حضور فاعل في منطقتا، ولم تتوان عن إعلان أطماعها، ونعني كلاً من تركيا و”إسرائيل” المُنضمتين إلى الولايات المتحدة الشرهة على امتصاص ثروات المنطقة العربية(ص47).
وعن أبرز أسباب استهداف سوريا ودوافعه يتساءل عن سر الصراع المحتدم والمحموم على سوريا بهذه الحدّة؟، وما الذي استدعى تدخّل عدة جيوش وميليشيات في الأزمة السورية؟ وما سبب التكالب على هذا البلد؟ ويجيب بالقول:أن الأهمية الجيوسياسية لموقع سورية الجغرافي مردها أنها تحتل قلب المشرق العربي، وهي ملتقى ثلاث قارات وثلاث حضارات وثلاث ديانات. أما أبرز الأسباب والدوافع فهي في: موقف سورية من السلام مع “إسرائيل”، واستهداف مقومات القوة السورية، و”عدم تنازل الأسد الأب والأسد الإبن عن أي شبر من هضبة الجولان المحتل”، وفي “موقف سورية المعارض للاحتلال الأمريكي للعراق”، حين أصبح “تهديد سوريا واضحاً حين وقف كولن باول وزير الخارجية الأمريكي العام 2003 أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي مصرّحاً:”أننا نريد إعادة تشكيل المنطقة سياسياً وفق مصالحنا”، وقد “بدا ذلك واضحاً من خلال الرسالة التحذيرية والمباشرة الذي حملها باول الى إلرئيس بشار الأسد في 3 أيار 2003″، و”وُضعت سورية في دائرة الاستهداف الأمريكية – الإسرائيلية”، وكان (في واحدة منها) “استصدار قرار من مجلس الأمن يحمل الرقم 1559 يطالب سوريا بالانسحاب من لبنان إثر اغتيال رئيس وزراء لبنان رفيق الحريري”.
ومن أسباب الاستهداف – يضيف- “استمرار تمسك سورية بالفكر القومي العربي”، ولذا “شهدت المنطقة العربية حملات ترويجية لمصطلحات مثل “الشرق الأوسط الكبير” أو “الجديد”،(وهو ما ورد على لسان وزيرة خارجية الولايات المتحدة كونداليزا رايس أثناء عدوان إسرائيل على لبنان صيف العام 2006)، و”الفوضى البنّاءة”،أو “”الخلاّقة”، إضافة إلى سعي أمريكا إلى “إحداث تصدع في كيان النظام الإقليمي العربي لاستباحة الجغرافية العربية “، كي لا تتكرر ظاهرة جمال عبد الناصر”، ناهيك عن الصراع حول الموقع الجغرافي السوري وحرب الأنابيب، وهكذا “بتنا أمام دخول الطاقة في النزاع الجيو سياسي السوري”.
تضمّن الكتاب ثمانية فصول، وعناوين فرعية في كل فصل، وخاتمة حملت اقتراحاته “حول فرص التسوية السياسية للأزمة السورية”.
في الفصل بعنوان “مسيرة بشار الأسد المتعثرة وطريقة تعامله مع الانتفاضة السورية”، أشار مرسي إلى أن “اختيار مبدأ الوراثة لما بعد الرئيس الراحل حافظ الأسد لم يُقم وزناً لمدى تقبل الشعب السوري هذا الاختيار، ومدى تحمّله استمرار أساليب الكبت السياسي الطويل الذي استمر ويا للأسف في عهد وريثه بشار الأسد”(ص50)، متوقفاً عند مطالبة “بعض المعارضين بإجراء حوار وطني والقيام بالإصلاحات الجوهرية للنظام” استدراكاً منهم “لسلبيات عملية التوريث”، والذي يرى فيه المؤلف أنه “لو أُخذ فيه (أي بالاصلاحات) لكان مخرجاً للنظام والمعارضة وفتح منذ البداية نافذة على منهج جديد في التعامل مع الشعب السوري، ولكن يا للأسف تم تجاهله، وكان ذلك إحدى الفرص الثمينة الضائعة” (ص 51). وعندما بدأت مراسم تولي بشار الرئاسة تأخذ مسارها الرسمي، شرح “في أول خطاب له المبادئ والأسس التي تحكم سياسته”، وكان “جوهر هذا الخطاب أن التغيير بات ضرورياً ولكنه سيتم بالتدريج”، وقد “نشطت في إثر ذلك المناقشات والحوارات الفكرية في مختلف الأوساط السياسية والاقتصادية”، وبدأ “تيار الإصلاح يشق طريقه بخطوات محسوبة وحذرة رغم تحفظات الحرس القديم الذي اعتاد طوال عدة عقود أساليب الرقابة الأمنية، فتراجعت عملية الانفتاح خشية تداعياته السلبية في تلك المرحلة على حالة الاستقرار الداخلي، وكان للاحتلال الأميركي للعراق وإسقاط نظام الرئيس صدام حسين أثرهما في تراجع ما كان يسمى وقتئذ “ربيع دمشق السياسي”(ص53-54)، معرباً (أي المؤلف) عن اعتقاده “أن هذا الموقف كان خطأً سياسياً” (ص54)، الأمر (الذي يشرحه بالتفصيل المؤرخ الدكتور محمد جمال باروت في كتابه “العقد الأخير في تاريخ سورية- جدلية الجمود والإصلاح- عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات”، ويربط فيه بين “قضاء نائب الرئيس السوري يومها عبدالحليم خدام والحرس القديم على “ربيع دمشق”، وبين محاولة انقلاب على النظام وإدخاله بما ينسجم مع الترتيبات الجديدة لإعادة تنظيم الشرق الأوسط”(من ص 46 من كتاب باروت).
وإضافة إلى ما أورد مرسي من أسباب، فإنه يسأل كيف استولت التنظيمات الإرهابية على مسار الثورة؟ ويقول” كان بعض القوى الإقليمية وفي مقدمها تركيا يسعى إلى قلب النظام السياسي في سوريا، فاحتضن الجيش السوري الحر، كما عقد المؤتمر الأول للمعارضة السورية في مدينة أنطاليا وهو ما يعطي إشارة الى التدخل التركي الباكر في مسار الأزمة السورية. وبادرت تلك القوى في مطلع عام 2012 برعاية واشنطن إلى اتخاذ قرار يُعَدّ نقطة تحول خطيرة في مسار الصراع السوري وهو الاستعانة علناً بالمنظمات الجهادية والتكفيرية وعلى رأسها “داعش”، إضافة إلى “جبهة النصرة” التي كان يدعمها أيضاً بعض الأطراف الخليجية” (ص71).(نشير هنا إلى كتاب بعنوان “سورية في مواجهة الحرب الكونية- حقائق ووثائق” لمجموعة من الباحثين العرب بإشراف نائبة الرئيس السوري الدكتورة نجاح العطار،والصادر عن وزارة الثقافة السورية العام 2018، ويتضمن واحدة من المقالات بعنوان “الفصائل الإرهابية خلال الحرب على سورية” بقلم العميد الركن المتقاعد تركي حسن، يعرض فيه لأسماء هذه الفصائل وأدوارها ومؤسسيها ومعتقداتها وتوزعها الجغرافي وقاربت في بداياتها ال 49 فصيلاً – ص371 ل ص 420 من الكتاب).
ويختم مرسي الفصل الأول بتأكيد شروحاته قائلاً: “في تقديرنا أن هذه الحرب كانت تُدار في إطار مسلسل الشرق الأوسط الجديد، والفوضى الخلاّقة، وتطويع سوريا، وإعادة توجيه مسارها السياسي وشعاراتها في ما يتعلق بالصراع العربي – الإسرائيلي” (ص73)، ويؤكد “أن لتركيا الشأن الفاعل والأساسي في عسكرة الانتفاضة السورية”، محمّلاً خطأ” الرئيس الراحل حافظ الأسد الذي بقي في السلطة لثلاثة عقود كان يتمثل بتوريث سلطته لأحد أبنائه، وكان مفترضاً أن تكون إحدى أولويات الرئيس بشار أن يُبادر إلى إدخال تغييرات جوهرية ولكن تراجع عن وعوده في الإصلاح وكان هذا خطأً كبيراً”(ص79).
الفصل الثاني
وحمل عنوان “الدور الأمريكي المؤثّر في مدار الازمة السورية”،عَرَضَ فيه لمواقف إدارة الرئيس السابق باراك أوباما من الأزمة السورية، وأبرزها “تَجَنّب التدخل العسكري المباشر”، و”تبنّي اسلوب “القيادة من الخلف” أو “إقليمية الصراعات”، وما تخلل تلك الفترة من “صفقة الاتفاق النووي مع إيران”. وعن تداعيات مواقف إدارة ترامب على مسار الازمة السورية فقد تجلّت باعترافه بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان المحتلة، وانسحابه من الاتفاق النووي مع إيران، “لأن المستهدف الأول في سوريا في إطار الأزمة الإيرانية- الأمريكية هو الوجود الإيراني القوي هناك”(ص115)،ناهيك عن الصمت الأمريكي عن التدخل العسكري التركي في شمال سورية.
وكما في تبني أوباما لحفاظ أمن “إسرائيل”، (وكل الإدارات الأمريكية المتعاقبة)، كانت كذلك سياسة ترامب (وبكل فجاجة)، والذي تمثّل في “إطالة أمده الصراع والعمل على تأمين إسرائيل عن طريق تركيع سوريا”.أما حكاية الكيميائي السوري فقد اتُهم النظام السوري باستخدام غاز السارين لكن تبين انكشاف أمريكا بالتواطؤ مع عناصر “داعش” في سوريا وهو “ما يفسر مبادرة إسرائيل إلى تهريب جماعة الخوذ البيض بعد انفضاح أمرهم وانكشاف إسرائيل بتهريبهم جواً إلى الأردن” (ص 120) وهناك “عدة مؤشرات تشير إلى التواطؤ مع تنظيم داعش” (ص121). (مقالة الباحث الإسرائيلي في مركز موشيه دايان لدراسات الشرق الأوسط نير بومس بعنوان “خوذ بيضاء..أعلام صفراء..نهاية حملة “جيرة حسنة” وتكشف الدور الإسرائيلي في تأمين نقلهم إلى الأردن/منشور بنصه الكامل على موقع 180 بوست الألكتروني نقلاً عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية). ويخلص مرسي في هذا الفصل إلى أنه “رغم الفرق في الأداء والمضمون والأسلوب بين إدارة أوباما وإدارة ترامب فإنهما يلتقيان عند الهدف النهائي وهو السعي إلى إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد أو إنهاك نظامه داخلياً، فكلا الرئيسين كانا في خدمة الأهداف الإسرائيلية، والزعم بأن تدخل الإدارتين الأمريكيتين كان يرمي إلى دعم مطالب الشعب السوري في الحرية كان زعماً مُضلّلاً(وهذا ما يذكرنا بدعم الرئيس بوش الإبن وفريقه من المحافظين الجدد للديموقراطية في العراق بديلاً لنظام الرئيس صدام حسين، وهو ما نفته وزيرة خارجيته كونداليزا رايس في كتاب مذكراتها”أسمى مراتب الشرف” – الصادر عن دار الكتاب العربي- بقولها أنهم أتوا إلى العراق(احتلوا) ليس لإقامة نظام ديموقراطي وإنما للحفاظ على أمن أمريكا القومي!).
الفصل الثالث
عنوان هذا الفصل ” تركيا والتآمر المكشوف على سورية: الدوافع والتداعيات” ويشير المؤلف إلى دور تركيا في عسكرة الانتفاضة السورية، ويذكر المؤلف هنا عن غرفة العمليات التي أنشأت في هاتاي والتي كانت بمنزلة مركز رئيس لتوفير الدعم اللوجستي للتنظيمات التكفيرية، وشارك في اجتماعاتها ضباط من فرنسا وبريطانيا وأمريكا وقطر وتركيا وآخرون وأحياناً الإمارات-ص301- ( ونشير بدورنا إلى غرفة “الموك” التي أُنشأت للغرض عينه في الأردن)، وإلى مطالبة الرئيس أردوغان خلال لقائه الرئيس الأسد بتعديل حكومي يضمن نفوذ لحركة الإخوان المسلمين، وهو ما رفضه الأسد ” (ص135)، ويرى أنه “بعد سقوط حكم الإخوان في مصر أصبحت تركيا أشد تصلباً إزاء خيار إسقاط النظام في سورية، واستخدمت من أجل ذلك كل الوسائل والأدوات وفتحت أبوابها لكل القوى الجهادية والتكفيرية بكل مسمياتها وأنواعها، وفي مقدمها تنظيم داعش وجبهة النصرة وكلاهما كان ضمن تنظيم القاعدة (ص 138)، واصفاً مواقف أردوغان “بالمراوغة”، (وهو ما بدأ يتكشّف من محاولات التقارب مع الرئيس الأسد، وكأن شيئاً لم يحصل من دوره التدميري لسورية وقبل وقوع الزلزال المدمّر لمناطق في البلدين، وسعيه إلى تعميم النموذج التركي،أي الإخواني في مطلع ما سمي بالربيع العربي).
وحمل الفصل الرابع عنوان “تأثير المواقف الإسرائيلية في مسار الأزمة السورية”، تطرق فيه إلى علاقة إسرائيل ببعض التنظيمات المتطرفة على الساحة السورية ومن نماذجها الخوذ البيض، وسعي إسرائيل الحثيث إلى فك ارتباط سوريا بإيران، فضلاً عن موقف سورية من عملية السلام مع إسرائيل والرافض لها ولشروطها(موقف الرئيس حافظ الأسد في لقائه مع الرئيس كلينتون في جنيف).
 وعالج الفصل الخامس “الدور الروسي ومعضلة التوفيق بين قوى متصارعة في حيّز ميداني ضيق”،عَرَض خلاله لأسباب وقوف روسيا إلى جانب سورية، وثم التدخل العسكري المباشر، مستقرءاً -استباقياً- وضعية روسيا في سورية وموقف الغرب من ذلك، و(هو ما قبل الحرب الروسية- الأوكرانية والتي جسّدت حرب الغرب على روسيا الإتحادية) فيلفت مرسي بالقول “من اللافت للإنتباه أن القيادة الجديدة استشعرت في المراحل اللاحقة وعن حق “بأن الغرب ممثلاً بالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لن يكتفي بتفكيك الاتحاد السوفياتي بل استمر بتنفيذ مخططه باختراق فضاء ما بعده اقتصادياً وسياسياً وهو فضاء يمثل في المنظور الروسي الحديقة الجيو- السياسية في روسيا الاتحادية. وعدَّت القيادة الروسية ذلك مخططاً لحصار روسيا وعزلها واستضعافها ومؤشراً على الاستهانة بها فاستجابت لدعم نظام حليف يؤمن له موطن قدم في المياه الدافئة التي شكلت هاجساً لحكام روسيا على مدى التاريخ. (ص193) إضافة الى نشر المؤلف ما كشفه السفير الفرنسي السابق ميشال ريمبو من “أن الثورة السورية قد تم التخطيط لها بمساعدة “برنامج سوريا الديمقراطية” الذي كانت تموله إحدى الجهات غير الحكومية المرتبطة بالاستخبارات الأميركية (ص183) (نشير هنا إلى ما ورد في الكتاب السنوي السابع عشر ل “تجمُّع الباحثات اللبنانيات” من مقالة للدكتور التونسي محمد الحداد يحكي عن مؤتمر أصدقاء سورية بتاريخ 21/2/2012 في تونس برعاية الرئيس يومها المنصف المرزوقي وهو ما كشفته هيلاري كلينتون في كتابها “الخيارات الصعبة” من أنه مبادرة أمريكية جمعت 60 بلداً وأنها اتخذت صفة غير رسمية في الكواليس قرار تسليح المعارضة، وأن جزءاً منها كان من المعلوم أنه ينتمي إلى القاعدة). ويرى مرسي أنه بالرغم من أن التدخل العسكري الروسي في سورية قد أدى “إلى تغيير المعادلة التي كانت سائدة قبل ذلك” ، و”أربك الجميع” لكنه –يقول – “يجب أن تؤخذ بالحسبان محدودية هذا الدور فهو ليس دوراً وحيداً بل هو دور مؤثر لكنه يتأثر أيضاً بأدوار الآخرين كالأدوار الأمريكية والتركية والإيرانية والإسرائيلية (ص200).
وتناول في الفصل السادس “الدور الإيراني في مسار الأزمة السورية بين ما حققه وما عجز عن تحقيقيه”،ويقول “جاء التدخل العسكري الإيراني في الأزمة السورية الراهنة بِنَاءً على استدعاء سوري رسمي وهو ما كانت تدافع به كل من إيران وروسيا عن الوجود الإيراني في مواجهة المطالب الإسرائيلية والأميركية بخروجها من سوريا”، فضلاً عن ذلك كانت سورية بتقدير القيادة الإيرانية جبهة متقدمة في محور استراتيجيتها في المنطقة فاذا انهارت يأتي دور “الجبهة الإيرانية”، كما أن “سقوط سورية بالنسبة إلى إيران يعني حصار المقاومة في لبنان وقطع الطريق أمام محور المقاومة الذي يمتد من طهران إلى جنوب لبنان أي حدود إسرائيل في فلسطين المحتلة عام 1948” (ص206)، واصفاً تحالف إيران-الأسد “بتحالف المصير المشترك”، بعد أن كان “تحالف الضرورة” مع الأسد الأب، نافياً –أي مرسي- البعد المذهبي لعلاقة الأسد الأب بإيران ويعتبر “أن فيها الكثير من المبالغة”، مستذكراً حوادث تلك الفترة ومنها خروج مصر بتوقيعها اتفاقيات كامب دايفيد، واجتياح “إسرائيل” للبنان، واتفاقية 17 أيار معها” (ص209). وتتميز قراءة مرسي للعلاقة مع إيران بالشفافية وبأنها ذات الطابع الاستراتيجي، فيذكر أن ” إيران نجحت حتى الآن في دعم صمود النظام السوري وكان لها الصدارة في ذلك قبل مرحلة التدخل الروسي (2015) الأمر الذي يجعل التعايش الإيراني الروسي ضرورة لا غنى عنها للنظام السوري.( قراءة تنسحب على العلاقة الإيجابية بين البلدين والتي تبدّت في الحرب الروسية – الأوكرانية).
عن “المواقف العربية من تطورات الأزمة السورية” وهو عنوان الفصل السابع، يبدي أسفه بمرارة المستشعر للأخطار على الأمة فيقول”أن ما تعرضت له سوريا وشعبها المثابر لم تتعرض له أي دولة عربية من قبل ربما باستثناء الحالة العراقية والحالة الفلسطينية، وكان مفترضاً أن تفضي الكارثة السورية إلى موقف عربي موحد ومقاوم للمخطط الذي واجهته، لكن مواقف معظم القوى العربية اتسمت بعدم المبالاة أمام الكارثة التي حلت بالشعب السوري وهي مواقف مؤسفة تؤشر إلى تراجع مفهوم العروبة المستنيرة ونخوتها”. ويقول “أن المفارقة المؤلمة أن تُجمَّد عضوية سورية في جامعة الدول العربية وهي دولة مؤسسة لها، وقد تم اتخاذ قرار تجميد العضوية من دون سند قانوني، وجُرِّدت سوريا على هذا النحو من الغطاء السياسي العربي. والمفارقة الكبرى ان يتآمر بعض الأطراف العربية على سوريا وشعبها”. ويعطي تفسيرات لبعض المواقف الخليجية المتخوفة من الانتفاضة السورية وفي مقدمها خشية استمرار تمدد الثورات الاحتجاجية نحو العتبات الخليجية، وتأثير التيارات السلفية في الخليج وبعضها بلغ من القوى والفعالية والتصرف على نحو شبه مستقل في دعم الجماعات السلفية الجهادية التي تغلغلت في الداخل السوري، وهو ما أدى إلى خلل كبير في القوى داخل مجموعات الثورة السورية برمتها وأسفر عن استقواء العنصر السلفي منها على حسابا العناصر المدنية الأخرى (وهو ما أفضت إليه الأمور في شمال سورية) . ومن تفسيراته أيضاً للمواقف الخليجية أنها تسعى إلى مواجهة النفوذ والتدخل الإيرانيين في مسار الأزمة السورية، عارضاً للموقف السعودي لتطورات الازمة السورية، “التي تحولت العلاقات مع سوريا في بدايات الثورة من موقف متعاطف لينتهي لاحقاً إلى قطيعة تامة بين الطرفين” (ص226). أماعن الموقف القَطَري من تطورات الأزمة السورية فقد”تحوّل من إلى طرف في الصراعات عبر تمويل عناصر التنظيمات المتطرفة وتسليحها، على نحو ما حدث في سورية، وتحالفها مع تركيا لدعم “جبهة النصرة”وعدد آخر من التنظيمات المتطرفة”،( لقد كان الدور القطري سخيّاً بالدعمين المالي والسياسي واختراقه تشكيلات المعارضات السورية، ولنا أن نستذكر ما كشفه رئيس وزراء قطر حمد بن جاسم حول الخلاف على الصيدة، أي سورية). أما الدور المصري فذكر مرسي أن “القاهرة لم تضع مرحلياً ثقل اهتمامها بالمسألة السورية لانشغالها في ثورتها والتهديد الإرهابي في سيناء آنذاك، ولم تتبنّ رحيل الرئيس بشار الأسد عن السلطة بل دعت لترك الأمور إلى الشعب السوري” (ص235).
ثمة أسف شديد بين سطور قلم المؤلف في تفسيره لأسباب تراجع الموقف العربي حيال الأزمة السورية، ومنها تراجع الفكر القومي، وعدم قدرة جامعة الدول العربية على اتخاذ مواقف مساندة ومواقف فاعلة إزااء التهديدات، وانشغال معظم الدول العربية بقضاياها الداخلية، وتزايد تأثير القوى الاقليمية والدولية ضمن مسار الأزمة السورية في الموقف العربي التي لم تكن موحدة. وقد لوحظ بصفة عامة “أن المواقف العربية تجاه الأزمة السورية اتسمت بالانقسام والتباين” (ص248).
وتتجلّى في الفصل الثامن بعنوان “من المسؤول؟ محاولة لجمع أدلة الاتهام وحيثياتها” كثافة التشريح لأدوار وأسماء المتورطين بتدمير سورية، رافعاً إصبعه بالاتهام لكل من: تركيا والمتحالفون معها والولايات المتحدة وإسرائيل ثم بعد ذلك مسؤولية النظام السوري.
و”حول فرص التسوية السياسية للأزمة السورية” كخاتمة للكتاب فإنه يقدِّم عدد من الاقتراحات كتصور أولي للخطوات التمهيدية للاقتراب من مدخل التسوية السياسية والقيام بعدد من الخطوات (ص320)، مجدداً القول “أن استهداف سورية وتشتيت شعبها حصلا في إطار مؤامرة ممنهجة شاركت فيها عدة أطراف إقليمية ودولية”، وأن ما “ارتكب في حق الشعب السوري من جانب الأطراف الأجنبية التي تآمرت على سوريا وشعبها تستوجب المحاكمة أمام المحكمة الجنائية الدولية (ص321).
خلاصة
لم يترك السفير مرسي شاردة إلا وتطرق إليها في كتابه المذكور آنفاً، شارحاً بلغتين ديبلوماسية وهذه جزء من ثقافته من جهة، وككاتب يتقصى الحقائق دونما مواربة ، وأيضاً كمواطن عربي “يتحرّق” على ما آلت إليه سورية من تدمير. أما تضمينه الوقائع فبدا كمحامٍ ينافح بالحجج الموثّقة ما فعله المتآمرون لتدمير سورية. فالكتاب مُتخم بالمعلومات، والتحليل والقراءة المتأنيّة لحقبة من تاريخ سورية يختصرها مرسي بكلمتين : تدمير سورية.
ففي الكتاب، تنساب الوقائع بلغة سردية لمحطات ولتواريخ ما حصل، دون أن يكون ما ورد وكأنه أرشفة لأحداث سورية منذ 15/3/2011. مع ملاحظتنا باستباقيته في استقراء تشابك العلاقات والمصالح الدولية والإقليمية، وصعوبات الحلول ما لم تترافق مع توافقات دولية، وحلحلة دولية وعربية، مشدداً على الدور المحوري المصري- السعودي في هذا المجال، وهو ما كان عليه في حقبات مضت، وهو ما بدأنا نلحظه هذه الفترة، من عودة مصرية إلى سورية ديبلوماسياً وسياسياً، بانتظار ملامح العودة السعودية إلى العلن.
هل تعبت الأطراف جميعها فتراجعت عن “زخمها” استكمال تدمير سورية، أم أن اتساع التوتر العالمي والحروب المستجدة عملت على تجميد الأوضاع، فأعادت بعض العرب وجامعتهم إلى الرشد؟ (دون أن يعني ذلك الثقة بقدرتهم على إيجاد الحلول)،أم تبدل النظرة الدولية لمسألة إسقاط النظام (في الكتاب شرح مفصّل لنوايا الإسقاط وأسبابه)، أم أن زلزالي الحرب الروسية –الأوكرانية المرفوعة من كل الغرب على روسيا، وزلزال الطبيعة قد أنابا عن آخر المستجدات؟ ليبقى السؤال مدار القلق: إلى متى سيبقى السوريون ينزفون؟.

منى سكرية، صحافية وكاتبة عربية من لبنان
13 حزيران، 2023
(1) منشورات مركز دراسات الوحدة العربية ، بيروت، 2022، الطبعة الأولى.

COMMENTS